جورج عبد الله حراً: «المومس» الفرنسية تعــصي «القواد الاميركي»

لم ينفع فيتو الرئيس الاميركي باراك أوباما في لجم القضاء الفرنسي عن التشبث بقراره اطلاق سراح جورج عبد الله الذي يتوقع ان يصل الى لبنان في مهلة اقصاها الاثنين المقبل. اما لماذا قررت فرنسا الافراج عن قائد «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية»؟ فلأنها «توقفت عن التصرف كمومس امام القواد الاميركي» يجيب محاميه الشهير جاك فيرجيس

بسام القنطار

في قرار متوقع، قرر القضاء الفرنسي امس، الافراج عن الاسير اللبناني جورج ابراهيم عبد الله المسجون في فرنسا منذ 28 عاماً شرط ترحيله من الاراضي الفرنسية، معيدا بذلك الكرة الى السلطات الحكومية الفرنسية، إذ بات يتعين على وزارة الداخلية ان تتخذ قرار الترحيل بحلول الاثنين كما قررت غرفة تنفيذ الاحكام في باريس في 21 تشرين الثاني 2012، التي استجابت لطلب الافراج عن عبد الله وحددت 14 كانون الثاني موعدا نهائيا لترحيله.

وأمل محامي عبد الله جاك فيرجيس «ان تكون لدينا حكومة مستقلة لترحيله (...)». واضاف: «أرحب بهذا القرار لاني طلبت من القضاء الفرنسي التوقف عن التصرف كمومس امام القواد الاميركي».

وكان جورج ابراهيم عبد الله قد اوقف في 24 تشرين الاول 1984 وحكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 1987 بتهمة الضلوع في اغتيال «الدبلوماسيين» الاسرائيلي ياكوف بارسيمنتوف والاميركي تشارلز روبرت راي عام 1982 في باريس.

وندد فيرجيس على الدوام بارادة «سياسية» و«املاء اميركي» لابقاء موكله قيد الاحتجاز في حين كان يفترض الافراج عنه منذ 1999. وقد طلب اخلاء سبيله ثماني مرات.

وكان هذا السيناريو حدث في 2003 عندما قرر قضاء منطقة بو الذي كان مختصا بالقضية حينذاك اطلاقه بشروط، لكن الحكم الغي في الاستئناف في كانون الثاني 2004.

وعبّرت الولايات المتحدة عن انزعاجها من القرار الايجابي في شأن القضية الذي صدر في تشرين الثاني الماضي، وأعرب السفير الاميركي في باريس تشارلز ريفكين عن أسفه لقرار القضاء الفرنسي، وقال ان عبد الله «زعيم مجموعة ارهابية لبنانية» و«لم يبد اي ندم على اغتيال الدبلوماسي الاميركي تشارلز راي في 1982 في باريس ومحاولة اغتيال القنصل العام للولايات المتحدة في ستراسبورغ روبرت هوم في 1984».

والتحفظات نفسها صدرت عن النيابة التي عارضت الافراج عن عبد الله، واعتبرت ان «المشروع غير المؤكد الذي يمثله عبد الله لا يسمح بضمان عدم تكراره» لفعلته واستئناف معركته الثورية في لبنان، مشيرة الى انه لم يبدأ بدفع تعويضات الى المدعين بالحق المدني ويواصل تبني افعاله.

وسبق لفيرجيس ان اعلن في مرافعة عام 2007 انه اذا كانت الادارة الاميركية راغبة بالحصول على تعويضات من خلال عائلة عبد الله في لبنان فعليها ان ترفع دعوى في الموضوع امام المحاكم اللبنانية. وقد علّق فيرجيس على اعتراض النيابة بالقول إن عبد الله «يرفض دفع اي يورو لعائلة عميل اميركي وهو على حق!». وأكد ان جورج ابراهيم عبد الله «في صحة عقلية وجسدية جيدة»، ويأمل العودة الى لبنان حيث «تدير عائلته مدرسة يمكن ان يعمل فيها».

وكشف مصدر دبلوماسي لبناني واسع الاطلاع لـ«الأخبار» ان السفارة اللبنانية في باريس تنتظر ورود طلب رسمي من الخارجية الفرنسية بالموافقة على قرار ترحيل عبد الله.

وكان وزير الخارجية عدنان منصور قد تعهد امام وفد من «الحملة الدولية لاطلاق سراح جورج عبد الله» في 30 كانون الأول الماضي بأن تتخذ الوزارة كافة الاجراءات الدبلوماسية المتعلقة بعودة عبد الله الى لبنان، على ان يعطى «تصريح مرور» من قبل الأمن العام اللبناني الذي يتوقع ان يواكب عملية الافراج. وفي حين لم يُعرف بعد شكل الاستقبال للمناضل عبد الله في مطار بيروت، تنوي «الحملة الدولية» الضغط لاقامة استقبال رسمي في صالة الشرف في مطار بيروت، على أن يواكبها استقبال شعبي في رحلة العودة الى بلدة عبد الله القبيات.

وفي وقت احتفل نشطاء بقرار الافراج عن عبد الله في بيروت، قالت سوزان لو مانسو، العضو في اللجنة الفرنسية لإطلاق سراح عبد الله «لا نستطيع أن نفرح مثلكم بعد، نحاول أن نمسك دموعنا، فطالما لم يضع جورج قدمه خارج السجن، وطالما أن وزير الداخلية الفرنسي لم يوقع بعد على إطلاق السراح، لا نستطيع أن نفرح».

وكشفت لو مانسو أنها استطاعت التحدث الى جورج في زنزانته عن طريق هاتف السجن واكدت انه «كان فرحاً وفهمت أنه قد بدأ بترتيب زنزانته وجمع أغراضه».

اسباب عدة دفعت فرنسا الى اتخاذ قرار باطلاق عبد الله، ابرزها الشهادة الطوعية التي قدمها للقاضي قبل اشهر مدير الاستخبارات الداخلية الفرنسية الأسبق، إيف بونيه، الذي كان قد كشف لـ«الأخبار» أسراراً عمرها ربع قرن عن عملية تلفيق تهم ضد عبد الله، ما دفع الإدارة القضائية الفرنسية للمسارعة إلى التأكيد أن جورج عبد الله «استوفى كل الشروط اللازمة لإطلاق سراحه، بعدما قضى أكثر من 28 عاماً في السجن، وكان دوماً سجيناً حسن السلوك».

وفُهم من ذلك أن السلطات الفرنسية ترغب في التسريع في إطلاقه وإبعاده إلى لبنان، خشية أن ينفِّذ محاميه، جاك فيرجيس، تهديداته باستعمال المعطيات الأخيرة التي أدلى بها بونيه للمطالبة بإجراء محاكمة جديدة للأسير اللبناني، الامر الذي كان سيؤخر الإفراج عنه، لكنه كان سيضع القضاء الفرنسي في موقف حرج، لأن المحاكمة الجديدة ستسلط الضوء على «إرهاب الدولة» الذي مارسته الاستخبارات الفرنسية، بالتواطؤ مع نظيرتيها الأميركية والإسرائيلية، لإدانة جورج عبد الله زوراً، وإبقائه في السجن منذ 1984.

لم تتوصل السلطات الفرنسية إلى أي أدلة تدين عبد الله، باستثناء منشورات تدل على انتمائه إلى «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» وجواز سفر جزائري مزوّر. لذا، لم توجَّه له حين قُدِّم أمام المحكمة للمرة الأولى، في تموز 1986، سوى تهمة واحدة هي «استعمال وثيقة سفر مزوَّرة».

يوم 6 آذار 1985، دوَّن مستشار الرئيس فرنسوا ميتران، جاك أتالي، في يومياته، التي نُشرت عام 1988 في كتاب مذكراته عن «سنوات الإليزيه»: «لا تتوافر لدينا أي أدلة ضد جورج إبراهيم عبد الله. لذا، لا يمكن أن توجِّه إليه المحكمة أي اتهام آخر سوى امتلاك جواز مزور». تلك التهمة البسيطة التي وُجِّهت لـ«الثوري اللبناني الملتحي» كان معناها أنه سيغادر السجن بعد أقل من 18 شهراً. لكن قضيته لم تلبث أن سلكت وجهة مغايرة تماماً، أدت إلى إدانته بالمؤبد.

وتروي المحامية إيزابيل كوتان باير (زوجة كارلوس) التي كانت عضو هيئة الدفاع عن عبد الله، التي ترأّسها «سفاح المحاكم» جاك فيرجيس، تفاصيل «المؤامرة القضائية» التي لُفقت ضد الثوري اللبناني، قائلة: «استُدعي عبد الله مجدداً إلى المحكمة، على نحو مفاجئ، في 28 شباط 1987، وفوجئنا بتهم مغايرة وأدلة جديدة لم تكن مدرجة في الملف خلال المحاكمة الأولى. وزعم الادعاء بأن أسلحة قد حُجزت في مخابئ وشقق سرية تابعة لعبد الله. واعُتبر ذلك دليل إثبات على اشتراكه في العمليات الفدائية التي نفذتها الفصائل الثورية اللبنانية في فرنسا عام 1982».

وأثناء المحاكمة تجرأ محامي الحكومة الأميركية على تشبيه القضاء الفرنسي بمخابرات فيشي الخاصة، فيما لو لم يأتِ الحكم مطابقاً تماماً لإرادة الخارجية الأميركية، ما دفع النائب العام بيير باشلين إلى الرد عليه بعبارات منتقاة بدقة: «أنت تمثل هنا أميركا، وليس من حق الادعاء المدني التدخل في القضايا الفرنسية. ولست مؤهلاً لتعطي الفرنسيين دروساً في كيفية التصرف».

ومنذ بدء محاكمته كان الطرف الاميركي حاضراً من خلال طرف الادعاء على خلفية ادانة عبد الله باغتيال الملحق العسكري الاميركي تشارلز روبرت راي، في المقابل فضلت عائلة مسؤول الموساد الاسرائيلي في باريس ياكوف بارسيمنتوف والحكومة الاسرائيلية ان لا يكونا طرفاً في الادعاء العام، ربما لأن الضلوع الاميركي في القضية كان اكثر من كاف.

هل ستشهد الايام المقبلة مفاجآت؟ ام ان زمن الفيتو الاميركي قد ولى؟ هذا ما اوحى به القضاء الفرنسي امس.

الجمعة ١١ كانون الثاني ٢٠١٣

الأكثر قراءة