الانقلاب على حقوق الموظّفين: تفريغ إدارات الدولة

تناقش الحكومة مجموعة واسعة من الإجراءات كشروط مسبقة لإقرار مشروع قانون سلسلة الرواتب الجديدة... لا يقتصر الأمر على محاولة قنص قطاعات الاتصالات والكهرباء والبنى التحتية المختلفة عبر اشتراط «الخصخصة والشراكة مع القطاع الخاص»، بل باستكمال العملية الممنهجة لتفريغ إدارات الدولة من ملاكاتها!

محمد زبيب

لم تكتف الدراسة التي أعدّها الفريق الاقتصادي لدى رئاسة مجلس الوزراء بحصر النقاش في تمويل التعديلات على سلسلة الرواتب بمصدرين «خطيرين»: الأول، رفع عامل الاستثمار العقاري (طابق ميقاتي). والثاني، زيادة أسعار الكهرباء (المقطوعة أصلاً)... كذلك لم تكتف بالتراجع عن كل الوعود التي أُعطيت للموظّفين والموظفات بزيادة رواتبهم وفقاً لمشروع القانون المقرّ في الحكومة منذ مدّة (قرار رقم 1 تاريخ 6/9/2012)، ولم يُحَل على مجلس النواب حتى الآن...

كذلك لم تكتف هذه الدراسة بتحميل المتقاعدين وأراملهم وأسرهم جزءاً مهماً من كلفة زيادة الرواتب لموظفي الإدارة والقطاعات التعليمية حتى بعد خفضها (وفقاً للاقتراحات الجديدة يمكن أن تخفض الزيادات حتى نسبة 30%!) وذلك بالسعي إلى خفض قيمة المعاش التقاعدي أكثر من النصف وتكليفه ضريبة الدخل مع تعويض نهاية الخدمة (راجعوا تقارير سابقة منشورة في «الأخبار» منها: عبقرية تمويل السلسلة http://www.al-akhbar.com/node/171395 ، ومكافأة المضاربين بدل تغريمهم http://www.al-akhbar.com/node/173555)... لم تكتف الدراسة المذكورة بكل ذلك (رغم إقرارها بأن رواتب موظفي الدولة لم تخضع لإعادة نظر منذ 14 عاماً)، بل عمدت إلى وضع شروط ستدفع إدارات الدولة وملاكاتها الشاغرة وغير المنتجة نحو المزيد من الانهيار والتفريغ الممنهج، فضلاً عن أنها شروط مخالفة لأحكام الدستور ومبادئ المساواة بين المواطنين وقوانين أساسية كثيرة، في مقدّمها قانون المحاسبة العمومية (إذ لا يجوز فصل السلسلة وتمويلها عن موازنة الدولة الشاملة والموحّدة، ولا يجوز الاستمرار بالتمييز بين الدائنين عبر إعطاء الأفضلية للمصارف والمستفيدين من خدمة الدين العام البالغة نحو 6 آلاف مليار ليرة سنوياً، فيما يجري السعي إلى تقسيط رواتب الموظفين والموظفات التي تعدّ من الديون الممتازة على الدولة).

ما هي هذه الشروط التي تناقشها الحكومة؟ بحسب نص الدراسة الموزّعة على الوزراء بتاريخ 10/12/2012، ورد حرفياً:

«إن إقرار مشروع قانون السلسلة يجب أن يقترن بالشروط الآتية مجتمعة:

أ. وجوب تقسيط المبالغ الإضافية المستحقة على مدى خمس سنوات. ويكون من شأن هذا الإجراء عدم زيادة نسب العجز المالي بمبالغ كبيرة إلى جانب تمكين الإدارة من جباية الأموال اللازمة لتسديد الأكلاف المتوقعة، وتجنّب خلق تضخم في الأسواق من جراء ضخ مبالغ ضخمة بوقت قصير في الاقتصاد.

ب. الفصل بين زيادات القطاع العام وزيادة القطاع الخاص، ولا سيما في قطاع التعليم في المدارس الخاصة.

ج. تضمين مشروع القانون اقتراحات إصلاح في الإدارة العامة تسهم بطريقة غير مباشرة، بل فعالة، في التخفيف من العبء المالي الواقع على الخزينة العامة من جراء تطبيق السلسلة (الملحق رقم 1: لائحة بالاصلاحات المقترحة)».

وورد أيضاً في الدراسة نفسها: «بالإضافة إلى الشروط المذكورة أعلاه، وبالتزامن مع إرسال مشروع قانون السلسلة، نرى أيضاً ضرورة ملحّة في الإسراع في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الضرورية في الاقتصاد، وخصوصاً في مجال تطبيق مندرجات قوانين الخصخصة كافة، ولا سيما قوانين الهيئات الناظمة، مع إقرار مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وذلك لإشراك القطاع الخاص في تمويل البنى التحتية وتطويرها لخفض أكلافها على الاقتصاد وتحسين نوعيتها».

وجاء في الملحق رقم 1 في الدراسة، وتحت عنوان «الإصلاحات» ما يأتي:

أولاً: المباشرة في ضبط وتفعيل تطبيق بعض القوانين والأنظمة في القطاع العام:

1 ـ وقف الاستخدام في القطاع العام.

2 ـ عدم اللجوء إلى طرق التوظيف الدائم المقنّع (تعاقد دائم، استخدام بالفاتورة، الخبراء، المستشارون، المدربون والحرس في الجامعة...).

3 ـ الحد من اللجوء إلى التعاقد في القطاع العام والتقيّد بمفهومه من حيث هو عمل مؤقت.

4 ـ تنفيذ خطة جدية في التعاقد مع المدارس الرسمية بما يتوافق مع حاجاتها الفعلية.

5 ـ المباشرة بتقليص حجم الفائض في المدارس الرسمية وإعادة العمل بسياسة تجميع المدارس.

6 ـ ضبط عملية التفرغ والتعاقد بالساعة في الجامعة اللبنانية وتطبيق قرارات مجلس الوزراء المتعلقة بها.

7 ـ تفعيل دور المعهد الوطني للإدارة في سبيل إعداد كادرات مؤهلة وقادرة.

8 ـ الحد من اللجوء إلى الإدارة الموازية في الوزارات، ولا سيما من خلال برامج التعاون مع الهيئات والمنظمات الدولية التي تغذي الخزينة العامة موازناتها.

9 ـ ضبط عملية التكليف بالساعات الإضافية ومنح المكافآت والتعويضات المختلفة بحجة تشكيل لجان وخلافه، تمهيداً لإعادة النظر بالأنظمة التي ترعاها.

10 ـ إلغاء التعويضات عن المشاركة في اللجان الفاحصة أو الإشراف على الأبحاث، وكذلك عن المشاركة في تصحيح المسابقات وفي مراقبة الامتحانات، في وزارة التربية والتعليم العالي، وفي الجامعة اللبنانية.

11 ـ ضبط عملية إعطاء المساهمات المالية لمختلف الهيئات الأهلية والاجتماعية الشبابية والرياضية وسواها وفق الأنظمة التي تعترض التأكد من قيامها فعلياً بما يحقق النفع العام، بالقدر الذي تحقق منه.

ثانياً: إطلاق ورشة تشريعية وإدارية لتحديث الإدارة العامة والمؤسسات العامة وزيادة إنتاجيتها بما ينسجم ويتوازى مع الرواتب والتقديمات والعطاءات.

ثالثاً: نظام دوام العمل

أ ـ اعتماد دوام عمل كامل (من الساعة الثامنة وحتى السابعة عشرة).

ب ـ التعطيل يومي السبت والأحد من كل أسبوع.

ت ـ الإبقاء على دوام العمل المعتمد يوم الجمعة.

ث ـ اختصار العطلة الصيفية في المدارس الرسمية إلى شهرين وتخصيص الشهر الثالث لإعادة تأهيل المعلمين والأساتذة وتدريبهم.

ج ـ اختصار العطلة القضائية إلى شهر واحد.

رابعاً: إعادة النظر بهيكلية الإدارة العامة والرواتب ومعاشات التقاعد:

1 ـ اعتماد الحكومة الإلكترونية وتحديث وسائل عمل الإدارات التقنية والفنية.

2 ـ إلغاء بعض الإدارات العامة أو المؤسسات العامة (المديرية العامة للبريد، مصافي النفط، المؤسسة العامة للأسواق الاستهلاكية، اليسار، إلخ...).

3 ـ إعادة النظر في الملاكات الإدارية وتقليص أحجامها.

4 ـ إعادة النظر بشروط التوظيف وربط الراتب بالتوصيف الوظيفي.

5 ـ ربط التدرّج الوظيفي والانتقال من فئة إلى أخرى بالإنتاجية، واعتماد نظام تقويم جدي وموضوعي للموظفين.

6 ـ الحد من إمكانية الانتقال في ما بين الملاكات الإدارية والمؤسسات العامة، إعادة النظر بالمؤسسات العامة القائمة وبالنظام الذي يرعاها من حيث هي مرافق عامة متخصصة.

7 ـ إلغاء نظام تناقص ساعات التدريس.

8 ـ رفع قيمة المحسومات التقاعدية من 6% إلى 8%.

9 ـ فرض ضريبة الدخل على المعاشات التقاعدية.

10 ـ إعادة النظر بالتعويضات على أنواعها.

11 ـ إعادة النظر بالأحكام القانونية التي تحدّ من الفساد والإثراء غير المشروع، بحيث تكون قابلة للتطبيق بصورة حقيقية وفاعلة.

الاثنين ١٧ كانون الأول ٢٠١٢

الأكثر قراءة