بوتين وأردوغان: من أقنع من؟

حسني محلي

إسطنبول | كالعادة حاولت وسائل الاعلام الموالية للحكومة التركيّة إظهار رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان كأنّه قد نجح في إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موضوع سوريا، على الرغم من أن الأخير عرف كيف يختار الكلمات في مؤتمره الصحافي، وخلافاً لموقفه الحازم والحاسم في الجلسات السرّية للمباحثات، حسب قول الإعلاميين الروس المرافقين له، وذلك عندما استشهد بجملة للكاتب الروسي الشهير شيخوف، بقوله «اذا كان السلاح معلقاً على الحائط في أي مسرحية، فهذا السلاح سوف يستخدم».

كانت هذه الجملة كافية لمن يريد أن يفهم في الداخل والخارج الموقف الروسي الرافض لسياسات أنقرة في موضوع سوريا، ولا سيما دعمها ما يسمى الجيش السوري الحر والمجموعات الجهادية، التي دخلت وتدخل سوريا عبر الحدود مع تركيا. كما رفضت موسكو اقتراحات أنقرة في ما يتعلق الاتفاق على مرحلة انتقالية بدون الرئيس بشار الأسد.

وفي الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن حسابات موسكو لا ولن تلتقي بأي شكل كان مع الحسابات التركية المدعومة أميركياً وأطلسياً، ما دامت سوريا هي مفتاح المعادلات الإقليمية والدولية الجديدة، ولما لها من وضع سياسي وجغرافي مميز.

على سبيل المثال، تعرف موسكو جيداً أنها بخسارتها لسوريا، كما حصل في ليبيا، فإن السفن الروسية الحربية لن تجد أي ميناء في الأبيض المتوسط كي تمر وتشتري ما تحتاج إليه من المواد الغذائية في رحلاتها الطويلة. كما أن خسارتها لسوريا، ستعني حل مشكلة الغاز الطبيعي بين دول شرق الأبيض المتوسط، حيث ستسيطر الشركات الأميركية والأوروبية على غاز ليبيا ومصر وغزّة واسرائيل وسوريا ولبنان وقبرص، ويتم شحن هذا الغاز الى دول الاتحاد الأوروبي، التي ستتخلص بذلك من تحكم روسيا بمصائرها الغازية، بما أنّ هذه الدول تغطي 70 في المئة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا.

إضافة الى أن سقوط سوريا بيد الإخوان المسلمين، سينعكس على الوضع الإقليمي، وخصوصاً في لبنان والعراق. وبالنسبة لإيران، فهي الحلقة الأهم في حسابات موسكو، حيث إن هذه الدولة مجاورة لبحر قزوين وأفغانستان، إضافة إلى دول القوقاز وآسيا الوسطى، حيث الجمهوريات الإسلامية ذات الأصل التركي، وأرمينيا، التي ترى فيها روسيا جميعاً حديقتها الخلفية، منذ ايام الاتحاد السوفياتي، الذي أسقطه بريجينسكي بنظرية الحزام الأخضر. وقد تفكر واشنطن بالعودة الى هذه النظرية من جديد عبر أردوغان ــ أوباما، كما سعى لذلك تورغوت أوزال، مع الأب جورج بوش.

باختصار، فان بوتين يعرف جيداً كل خفايا السياسة التركية في ظل حكومة أردوغان الاسلامية، وخصوصاً في هذه المرحلة التي تشهد فيها علاقات أنقرة تحالفاً استراتيجياً الزامياً مع الرياض والدوحة، بناء على تعليمات واشنطن التي تسعى للاستفادة من نتاج «الربيع العربي»، في إيصال الإسلاميين الجدد الى السلطة في مصر وليبيا، ونسبياً في تونس. وهو ما كان كافياً أيضاً لجر حركة «حماس» لهذا التحالف الجديد الذي لن تتجاهله موسكو.

ويعرف الجميع أنّ روسيا هي المستفيد الأكبر من هذه العلاقة، التي لم تبدأ في عهد أردوغان، ولن تنتهي بالخلاف معه، ما أن هذا الخلاف لن يتحول الى مواجهة ساخنة بين الطرفين، لأن بوتين يدرك أنّ تركيا لن تشكل خطراً مباشراً على بلاده، بل هي تسعى لخلق هذه المشاكل لها بشكل غير مباشر عبر حلفائها في المنطقة. ويدرك بوتين جيداً ما قاله الزعيم السوفياتي بريجينيف ذات مرة لرئيس الوزراء التركي سليمان دميرال، «اذا كنتم تعتقدون أن القواعد الأميركية في تركيا تشكل خطراً علينا، فهي أقل من ذلك بكثير، ولكن اذا كانت هذه القواعد ضدّ سوريا والشرق الأوسط فهي أكثر من ذلك بكثير».

ويبدو أن التاريخ يكرر نفسه بعد 60 عاماً من سياسات رئيس الوزراء الأسبق عدنان مندرس، الحليف الأول لأميركا في تركيا، وهو الأب الروحي سياسياً لجميع الحكام اليمينيين في تركيا من الإسلاميين والليبراليين، الحلفاء الدائمين للولايات المتحدة.

الاربعاء ٥ كانون الثاني ٢٠١٢

الأكثر قراءة