هل تعود روسيا قوة عظمى؟

2006-11-22 | إبراهيم غرايبة

كان مجيء بوتين إلى السلطة بعد يلتسين تحولا كبيرا في السياسة والاستراتيجية الروسية لتنهي مرحلة التبعية للولايات المتحدة والغرب، ومحاولة استعادة الزمن "الجميل" السابق لانهيار الاتحاد السوفيتي، ولكن بوتين جاء إلى السلطة في وقت كانت روسيا دولة محطمة وجريحة وفقيرة تحتاج إلى موارد مضاعفة وسياسات جديدة.

إن المشهد السياسي اليوم في روسيا، كما تصفه ليليا شيفتسوفا في كتابها الذي صدر أخيرا بعنوان "روسيا بوتين"، يبدو ملفتا للاهتمام. الشيوعيون الذين يناضلون من أجل الديمقراطية البرلمانية، والليبراليون الذين يدافعون عن الدكتاتورية، وضابط الاستخبارات السوفياتية الكي جي بي يقود التحول الاقتصادي المنسجم مع الغرب والتحول السياسي المختلف معه، والشعب الروسي العادي أكثر قابلية للتحديث من النخبة الروسية، التي تفضل بقاء الوضع على حاله، كونها غير قادرة على الحكم بالوسائل الديمقراطية.

كان بوتين يحظى شعبيا بدعم الشباب وذوي التعليم المتوسط، ولكن الدعم الحقيقي الذي أوصله إلى السلطة جاء من الجيش ووزارة الداخلية ووكالة الاستخبارات والكنيسة الأرثوذكسية، وهي المؤسسات الروسية التي تتمتع باحترام الناس في روسيا، وتعتبر في نظرهم خالية تقريبا من الفساد. وقد حظي بأصوات نسبة كبيرة من الشيوعيين والقوميين والليبراليين اعتقادا منهم أنهم بذلك يراهنون على الحصان الرابح، وقد عكس فريقه في الحكم والإدارة هذا التشابك بين الأحزاب والأفكار والعهود أيضا، القيصرية والشيوعية وما بعد الشيوعية.

ودخل بوتين في مخططات جديدة للحكم والإدارة لم تواجه مقاومة تذكر، ربما لأن الروس يعلقون آمالا كبيرة عليه، فقد كان أقرب إلى أن يكون زعيما شيوعيا من أن يكون زعيما لفترة ما بعد الشيوعية، وبدأ يستعيد الرموز السوفيتية السابقة، ويؤكد على أن روسيا قوة عظمى، وهو في ذلك كان يستقطب تأييد قطاع واسع من الناس وإن ساهم في انقسام المجتمع والنخب في روسيا، ولكن لغة القوة العظمى كانت عاملا موحدا للروس وسببا في عدم استقرار العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية.

واتخذ الفريق الحاكم سلسلة من الخطوات لإبداء برودة مشاعره تجاه واشنطن، فقدa أشار بوتين إلى عدم اهتمامه بتطوير العلاقة مع الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، أي كلينتون، ووضع كما قال معلق صحافي بطريقته الملتوية المدروسة العلاقات الأميركية الروسية في وضعية الانتظار.

وأبلغ وزير الخارجية الروسي إيفانوف المسؤولين الأميركان أن روسيا غير ملتزمة باتفاق سابق يقضي بالحد من تزويد إيران بالأسلحة، وحلقت مجموعة من الطائرات الروسية في تشرين الثاني/ نوفمبر عام فوق حاملة الطائرات الأميركية "كيتي هوك" وهي عملية لم تحدث منذ انتهاء الحرب الباردة، وكأن الجيش الروسي يبعث رسالة إلى الولايات المتحدة الأميركية بأننا ما نزال أقوياء، ويمكننا أن نسبب لكم المشاكل.

واقتنع الروس بعد التجربة "الإصلاحية" التي أعقبت انهيار الشيوعية والاتحاد السوفيتي، أن النموذج الغربي في التمدن لم يكن مناسبا للنظام الروسي في التطور. وعبرت الأغلبية الروسية عن قناعتها بأن الثقافة الروسية والغربية متعارضتان، ولم يكن هذا الموقف يعكس عداء للغرب، وفي الوقت نفسه استمرت روسيا باستعارة نمط الحياة الغربي، وكانت طبقة النخبة أكثر الفئات الاجتماعية إتباعا لذلك النمط.

وفجأة بدأت الرغبة لدى الطبقة الحاكمة وبقية المجتمع بالعودة إلى القيم الروسية التقليدية، وتزايد عدد الروس الذين يعتقدون أن تطور روسيا يقوم على حكومة قوية مركزية، وسلطة مركزة في يد الزعيم، وأيديولوجيا القوة العظمى.

مازالت روسيا برأي شيفتسوفا عصية على الإجابات الواضحة والحاسمة، وستبقى دولة هجينة لفترة طويلة من الزمن، وسيجد المتفائلون والمتشائمون حججا صحيحة لدعم وجهات نظرهم، وسيكونون على صواب وفي الوقت نفسه على خطأ.

الأكثر قراءة