البلد: ريمون ميشال هنود
سواءً وجدت قضية المياومين الابطال في شركة كهرباء لبنان في بيروت نفسها في حياض التسوية النهائيّة أو الجزئيّة، أو لا قدّر الله عادت إلى نقطة الصفر في ما بعد، شيءٌ واحد يمكن قوله، وهو أن الهيستيريا الطائفيّة بلغت أقصى درجات جنونها، عندما شنّت هجوماً عنيفاً عليهم في الشركة، والحق جورها وضيمها أفدح الخسائر بهم، تحت عذرٍ أقبح من ذنب مفاده أنّ النسبة الأكبر منهم من طائفة معيّنة! يا زمان الطائفيّة ! وكأننّا لم نتعظ من التجارب المريرة الأليمة المضنيّة إبّان ذلك الزمان الدموي الذي صبّ جام ويلاته على الوطن.
لا غبار على أن كل مياوم في كل قطاع عام من حقه الفوز بكامل حقوقه، لكي ينام مرتاح البال، ولكن ان شاءت الصدف أن يصرُخ مياومو شركة كهرباء لبنان في بيروت قبل سواهم، "وما من امرئٍ يقول آخ الاّ اذا اعتراه ألمٌ مبرح، وما من امرئٍ يضرب عن الطعام الاّ اذا قضّ الحزنُ والقهرُ والهمّ مضاجعه"، هل كان يجب على دعاة الاصلاح التنكّر لقضيةٍ محض انسانية، يمسي ازاءها كلّ اختلالٍ في التوازن الطائفي والمذهبي قضيةً سخيفة تلعنها مبادئ وقيّم الانسانيّة والعدالة الاجتماعيّة، مع العلم أنّ حصول كل مياومٍ في كل قطاعٍ على كامل حقوقه والى أيّة طائفة ٍ انتمى أمرٌ ليس بالمستحيل أو حتى الصعب أن في المستقبل القريب جداً أو حتى غير البعيد؟ يا حسرتي على مياوم يكدح تحت أشعة الشمس اللاهبة صيفاً وتحت زخات المطر الغزير حيث القّر الحادّ شتاءً، ليس الاّ لأنه متيّمٌ ولهان باعادة كامل الصحة والعافية الى أعمدة النور، عندما تصاب بالأسقام أو الاعتلال، وفي المقابل يكافأ بهجومٍ ضارٍ عليه لذنبٍ وحيد يتمثلُ بمطالبته بنيل أبسط حقوق شعوره بالأمان والاطمئنان والثقة بالنفس والحياة الرغيدة.
وهذه الحرب التي شُنت على المياومين تذكرني بالحرب التي شُنت منذ سنتين على قانون خفض سن الاقتراع الى الثامنة َ عشرةَ حارمةً الشباب اللبناني من المشاركةِ في الحياة السياسيّة اللبنانيّة وفي صنع القرارات الوطنيّة، تحت ستار الحجة السخيفة عينها المذكورة أعلاه. لقد بلغت الهيستيريا الطائفية أقصى درجات جنونها وأعنف هيجاناتها العصبيّة عندما بلغتْ وقاحتها حدّ استغباء المتنورين من أبناء الوطن بوضعها قانوناً انتخابياً برلمانياً متخلفاً نهار السابع من آب العام 2012 يقضي بتقسيم كل محافظة لبنانية على ثلاث دوائر انتخابية وعلى أساس النسبية! ويا له من احترامٍ للنسبية عندما تكون راتعةً بين قانونٍ تحترمُ فيه كلّ أشكال الفرز الطائفي من خلال تقسيم المحافظات الى جزرٍ طائفيّة.
ومن الواجب الاعتراف بأنّه حتى المحافظة الواحدة ككل بمساحتها الجغرافية المحتضنة لعدّة أقضيةٍ خسرت هيبتها، عندما رُفضت ازاءها شتى الحلول الوسطى لتعتمدها على الأقل دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبيّة خارج القيد الطائفي العام 2013 كخطوة أولى تشكّل بادرة حسن نيّة تعبّد بدورها الطريق أمام التغيير الشامل التام العام 2017 عبر اعتماد لبنان دائرة واحدة على أساس النسبيّة خارج القيد الطائفي واقرار الكوتا النسائية بنسبة 30% وانشاء مجلس للشيوخ. ألم يكن الأجدى بواضعي هذا القانون أن يتجرؤوا ويقولوا عنه بأنّه الأخ التوأم لقانون الستين، وقد عمدوا الى رميّ كل قيم الانصهار والتلاقي والتعاضد في مزابل النظام السياسي اللبناني الطائفي؟ لقد بلغت هيستيريا نظام الديمقراطية التوافقية المتحكمة به قاعدة جبران الخواطر الوصولية أقصى درجات جنونها وأعنف تمادياتها الخبيثة عندما رأينا كيف أن ذلك النظام المتربّص بالوطن والملتصق به أخطبوطيا قد أوقع ضباطاً وجنوداً من الجيش الوطني اللبناني الذي وحده فخامة المقاوم الأول العماد اميل لحود العام 1991 على قاعدة العداء للكيان الصهيوني فقط، في شركِ تقلبات مزاجه ، وكلّ ذنبهم أنهم كانوا يقومون بواجباتهم الكاملة الموكلة اليهم لناحية ضبط الممنوعات ومنع الفتنة من الاستيقاظ وممارسة عهرها الطائفي. من هنا أقول يا حسرتي على وطنٍ باتت فيه أفضل وسيلة لمكافحة الفقر قتل الفقراء والتعصّب الديني والطائفي والمذهبي بات أفيون شعبه الى أجلٍ غير مسمى.