لم يكن أمس الأحد «يوم وجع كبير» في صيدا، كما أنذر الشيخ أحمد الأسير. كان يوم «زهق» لآلاف السيارات التي اضطرت إلى حصر طريقها بالجانب البحري، وللتجار الذين تراجعت مبيعاتهم، والذين خرج منهم أمس من يبايع الأسير
آمال خليل
عريضة بـ 450 توقيعاً أعطت إمام مسجد بلال بن رباح في عبرا «مجد صيدا» وسلّمته مفتاح المدينة وأهلها «ليفصّل لباسها ومواقفها وتوجهاتها وهي تلبس». 35 من أصحاب المحال والمؤسسات التجارية في أسواق المدينة شكلوا وفداً، تقدمته اللافتات وباقة الورود، توجهوا مساء إلى خيمة الاعتصام ليبلغوا الأسير تأييدهم لتحركه ويعبروا عن تضامنه معهم بوجه «الحملة المسعورة» التي تشن ضده. هؤلاء، «تداعوا من تلقاء أنفسهم ومبادئهم وكرامتهم المهانة» وساندوا الأسير الذي فوضوه أمرهم، وسلموه العريضة، بعدما «رفع رأسهم ونزع الخوف من صدورهم». خطوتهم تأتي بعد ساعات من زيارة ذات مضمون مختلف قام بها وفد آخر من التجار، أعرب أيضاً عن تأييده لتحركه، لكنه شكا الضرر الاقتصادي الذي يحل بهم من جرائه. فطالبوه بنقل الاعتصام إلى مكان آخر «أكثر قرباً من المنطقة التي يقيم فيها أهل السلاح»، مقترحين عليه المدخل الجنوبي للمدينة عند جسر سينيق.
تزاحمت الأفكار في رأس الشيخ أمس، بين من يحثه على الاستمرار، ومنهم مشايخ من بلدة الناعمة، ومن يطالبه بتغيير مكانه كوزير الداخلية مروان شربل الذي اتصل به، والشيخ عمر بكري الذي زاره في الخيمة، مقترحاً عليه نقله إلى بيروت. موقف الجماعة الإسلامية اندرج في الإطار ذاته. مسؤولها السياسي في الجنوب بسام حمود أكد لـ«الأخبار» أن المشكلة «ليست مع شعارات الأسير التي أنتجتها أخطاء ارتكبت في السابق، وخصوصاً أنه حريص على علاقة جيدة مع كل الطوائف. لكن المشكلة في قطع الطريق الذي نستكمل لأجل فتحه الاتصالات اللازمة». وإلى أسماع الأسير، وصلت المواقف المعارضة له. رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين رأى أن موقف فاعليات صيدا وعلمائها إيجابي لأنه يحمي المدينة. أما رئيس حزب التيار العربي، شاكر البرجاوي، فقال إنه عدل عن التوجه إلى صيدا لفتح الطريق، بعد نداء مفتي الجمهورية، الشيخ محمد رشيد قباني. أما إمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود فوجد أن تحرك الأسير لا يحظى برضى شعبي.
لكن مهاجمة الأسير لم تفلح في التأثير سلباً على الشيخ الذي لا تفارق الابتسامة وجهه. كل ما فعله أنه فصل بين المعتصمين والمعتصمات، مخصصاً شارعاً لكل منهم. النساء والأطفال الذين اتهمه حمود باستخدامهم كدروع بشرية، باتوا في خلفية الاعتصام. واستحدث صندوق تبرعات شفافاً خصص لـ«دعم المتضررين من الاعتصام السلمي». أما بالنسبة إلى رفع الاعتصام أو نقله، فالأرجح أن الشيخ لا ينتظر موقفاً أو فعلاً من أي جهة لأخذ قرار بهذا الشأن. في حديث مع «الأخبار»، أشار إلى أنه بعد وفد التجار الشاكي والاتصالات المتمنية من فاعليات رسمية وصيداوية، استجمع أفكاره ووضع نفسه أمام خيارين: إما البقاء وإما الانتقال. وإذ أكد أنه اتخذ القرار ضمنياً بنسبة 99 في المئة، فإنه ترك النسبة الأخيرة برسم موقف وفد التجار الثاني. وفيما بدا سيناريو معدّاً سلفاً، تبددت حال الترقب لمعرفة مصير الاعتصام في غضون ثوان قليلة، مذ بانت طلائع الوفد الثاني تتقدم نحو الخيمة. من شعارات أربعة لافتات مؤيدة، استمد الاعتصام عمره المديد. وبالنسبة إلى قطع أرزاق الصيداويين بسبب التوتر الذي تعيشه، وعزوف سكان المناطق المحيطة عن المرور داخل المدينة، قال التجار المؤيدون للأسير إن «الرزق من الله، والمهم كرامتنا». وفي السياق ذاته، أكد الأسير أن صيدا «تقعد بلا أكل وبتاكل حبة زيتون، لكنها لا تقعد على عدم وجود كرامة».
أهازيج «الدلعونا» التي صدحت من خيمة الأسير، قابلتها «شدوا الهمة» من مواكب وحواجز المحبة التي نفذها التنظيم الشعبي الناصري حول مكان الاعتصام وعلى مدخلي المدينة الشمالي والجنوبي، كتحرك آخر «يجب أن يبدر من صيدا». شعار التحرك الأحمر والأخضر كان «تحية وفاء ومقاومة من صيدا معروف سعد عاصمة المقاومة الوطنية والإسلامية». وقد شهدت الطريق البحرية أمس زحمة سير خانقة، بسبب حصر مرور العابرين إلى الجنوب ومنه، بهذه الطريق. عند أحد الحواجز، وقف رئيس التنظيم أسامة سعد، مستوعباً ما يسمعه من بعض أبناء مدينته من هجوم على المقاومة، لكنه أصر على أن الاختلاف الطبيعي في المدينة لن يفلح في جعلها مدخلاً لحصار المقاومة أو للقطيعة مع محيطها.
وإذ طمأن كل من سعد وبسام حمود إلى أن اعتصام الأسير لن يؤدي إلى صراع داخل المدينة، بدت الدولة منقسمة بين متفرج ومفاوض ومن يبرر للأسير ما يقوم به. مصدر رفيع في قوى الأمن الداخلي أكد لـ«الأخبار» مدى «تجاوب الأسير مع ما يخدم الصالح العام»، مبرراً له إصراره على عدم رفع الاعتصام بـ«المصطلحات اللاذعة التي تطاوله».
أما الجيش، فقد حافظ على قراره الأولي بعدم المواجهة مع اعتصام الأسير. دورياته المؤللة جابت الشوارع، وركز نقاطاً ثابتة عند بعض مداخل المدينة، لمنع محاولات قطع طرق أخرى. ولكن ماذا بعد؟ اختصر مصدر عسكري الأمر: «فليجد السياسيون للأسير حلاً كما أوجدوه»
الاثنين ٢ تموز ٢٠١٢