رضوان مرتضى
فجأة، تقطعت أوصال العاصمة، والدولة وقفت كعادتها، في موقف المتفرج. بدأت القصة في هجوم على مبنى قناة «الجديد» ليل أمس، وتوقيف أحد المشتبه فيهم بالاعتداء، لتنتقل إلى قطع طرقات في مناطق بشارة الخوري وفردان والبسطة وسبيرس وجسر فؤاد شهاب. مجموعات من المحتجين على توقيف المشتبه فيه (الذي أوقف أمام قناة الجديد بالجرم المشهود) أحرقت إطارات سيارات ومستوعبات للنفايات، لكن من دون التعبير عن أي مطلب واضح. بعضهم قال إن قطع الطرقات يتم احتجاجاً على ما قاله إمام مسجد بلال بن رباح، الشيخ أحمد الأسير، عبر قناة الجديد، فيما لاذ معظمهم بالصمت.
بعضهم تخطى قطع الطرق، ليهاجم مواطنين ظلماً وعدواناً.
في منطقة بشارة الخوري مثلاً، حاول عدد من الشبان اقتحام منزل مخصص لسكن الطالبات، لكنهم منِعوا من ذلك. في لحظة واحدة، بدت البلاد مجنونة. القوى الأمنية وقفت تتفرج. على بعد عشرات الأمتار من وزارة الداخلية، أقفلت الطريق، وأطلق الرصاص في الهواء، فيما لم يكن قد مضى على إعلان الوزير مروان شربل بدء إجراءات أمنية مشددة على كامل الأراضي اللبنانية سوى عشرات الدقائق.
بدأت حفلة الجنون من وطى المصيطبة. بإطارات مطاطية ومسدسات حربية، تسلّح المعتدون على مبنى قناة الجديد. نفّذوا هجومهم تحت جنح الظلام محاولين اقتحام المبنى. كانوا خمسة أشخاص أخفوا وجوههم خلف أقنعة، لكنّ حراس المبنى وقفوا في وجههم. لم يتمكنوا من صدّهم بالكامل، فالهجوم كان مباغتاً. في هذه اللحظات، ألقى الملثّمون ما في أيديهم من إطارات، ثم أضرموا النيران فيها. ترافق ذلك مع إطلاقهم رشقات نارية في الهواء من مسدسات حربية كانت في حوزتهم. لم يستغرق الأمر سوى دقائق قليلة، لكنها كانت كافية لتأتي على الواجهة الرئيسية لمبنى القناة. كما أسهمت المصادفة في توقيف أحدهم. إذ اشتعلت النيران في أجزاء من ملابسه أثناء إشعاله أحد الإطارات. أفقده ذلك صوابه لوهلة، فأضاع طريق العودة. وفيما انسحب المهاجمون إلى سيارتهم، ركض هو بالاتجاه المعاكس لذلك الذي أتى منه. اعترضه عدد من شبان المنطقة. أشبعوه ضرباً، محاولين استنطاقه لمعرفة هوية مرسله، لكنه لم يتلفّظ بكلمة. يخبر أحد الشبّان الذي شارك في توقيفه أنهم استجلوا هويته قبل أن يُسلّموه إلى عناصر من مفرزة استقصاء بيروت. وقد تبين خلال التحقيقات الأولية أن الموقوف يُدعى وسام ع.
عند هذه النقطة تضاربت المعلومات، فتارة تذهب مصادر أمنية إلى القول بأنه ينتمي إلى حركة أمل، وتارة أخرى تؤكّد مصادر أمنية معنية بالتحقيق أنه غير منظّم حزبياً، وأنه على خلاف مع حركة أمل، وسبق له أن حاول اقتحام أحد مراكزها في منطقة زقاق البلاط.
وأكدت مصادر أمنية أن المهاجمين الملثمين أتوا من منطقتي البسطة وزقاق البلاط.
حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، كانت الصورة لا تزال غير واضحة في الأروقة الأمنية. كانت الترجيحات سيدة الموقف. ورجحت مصادر أمنية احتمال أن يكون الاعتداء ردّ فعل على استضافة قناة الجديد إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير، إلا أن مصادر أخرى فضّلت انتظار انتهاء التحقيق من دون أن تستبعد وجود فرضية ثالثة.
وعقب الحادثة، توافدت شخصيات سياسية معربة عن تضامنها مع القناة المعتدى عليها. وكان وزير الداخلية والبلديات، مروان شربل، أول الواصلين لتفقّد المكان. ترافق ذلك مع انتشار تعزيزات أمنية كثيفة لكل من قوى الأمن والجيش. وقد نفّذ الجيش عدداً من عمليات الدهم في منطقتي زقاق البلاط وبشارة الخوري. كما صدر عدد من المواقف المستنكرة للاعتداء والمتضامنة مع القناة، أبرزها موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أكّد أن الموقوف لا ينتمي إلى حركة أمل.
وبعيد الواحدة من فجر اليوم، أعيد فتح معظم الطرقات.
العدد ١٧٤١ الثلاثاء ٢٦ حزيران ٢٠١٢