شربل نحاس

■ الظروف اليوم سانحة لفعل تغييري

■ الأولوية لإزاحة قيادة الاتحاد العمالي

■ المضمونون يُطردون على أبواب المستشفيات

حاجز الخوف القائم أمام التغيير في لبنان قابل للكسر. يحتاج الأمر فقط إلى الإرادة وتسجيل بعض النجاحات في معارك موضعيّة راهنة، في مقدّمها إزاحة قيادة الاتحاد العمالي العام. هكذا يتوجّه وزير العمل المستقيل شربل نحاس إلى العمال في عيدهم، ولا سيما النخب منهم التي تتحمّل المسؤولية الرئيسة في العمل من أجل كسر منطق اليأس المسيطر منذ وقت طويل

حسن شقراني, محمد وهبة

■ أوّل أيار 2012. ما هي الأولويات التي يجب أن تكون على قائمة التحركات العمالية في هذا اليوم؟

أولاً، إزاحة قيادة الاتحاد العمالي العام. فهذا العمل هو على رأس الأولويات العمالية والوطنية. وهذا أمر ممكن ومتاح، وهناك أكثر من طريق لتحقيق هذا الأمر. أوّلاً، يجب أن ينضمّ لبنان إلى الاتفاقية الدولية رقم 87 الصادرة في عام 1948 والخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي، فهذه الاتفاقية تحرر العمل النقابي من القيود الإدارية وتُسقط الرخص التي مُنحت في المراحل السابقة. كذلك تتيح الاتفاقية إنشاء نقابات في الإدارات العامة حيث يكون لديها موقع تأثيري، كنقابات القضاة التي تؤدي دوراً مؤثّراً وكبيراً في الدول المتقدّمة.

لقد أرسلت مشروع هذه المعاهدة الدولية إلى رئاسة الجمهورية وأحلتها على مجلس الوزراء، وهي تنتظر إحالتها على مجلس النواب للتصديق عليها. والجيّد أنها تجسّد نصّاً مصدره معاهدة دولية، وبالتالي لا مجال للتذاكي والتشاطر في مجلس النواب لإجراء أي تعديل عليه يفقده مضمونه الفعلي، ولا سيما لجهة إنشاء النقابات في الادارات العامّة، إذ يجب ألا ننسى هنا أنّ مرسوم تصحيح الأجور لم يطبّق على موظفي الدولة بعد، وهؤلاء عليهم المطالبة بحقوقهم، فالذاكرة لا تزال حيّة، وهم اختبروا كيف جرت المماطلة بتسديد فروقات تصحيح الأجور من عام 1998 حتى عام 2010. إذاً، واحدة من أهم الاولويات اليوم هي استعادة العمل النقابي من خلال تحرير الاتحاد العمّالي العام من محتلّيه أو من خلال إنشاء أطر نقابية جديدة تقوم بالدور المطلوب منها، وهذا يشمل أيضاً إمكان إنشاء اتحاد عمّالي آخر.

ثانياً، اعتماد أساليب التحرّك المباشر داخل بعض القطاعات التي تملك قابلية لذلك. فمثلاً يجب العمل بقوّة على استعادة العقود الجماعية التي صفيّت في لبنان، إذ إن العقد الجماعي الوحيد المتبقي هو عقد موظفي المصارف، وهؤلاء يبلغ عددهم 25 ألف موظّف (يمثّلون نحو 75 ألف شخص مع الأسر التي يتولّون إعالتها) وهم يواجهون محاولة جمعية المصارف إطاحة هذا العقد، إذ استغلت الفترة القصيرة بين لحظة إقرار مرسوم تصحيح الأجور ولحظة نشره، لتعلّق العمل بأكثرية الحقوق المنصوص عليها في هذا العقد والمربوطة بتصحيح الأجور. لا يجوز أن يخسر موظّفو المصارف عقدهم الجماعي كما حصل في شركتي «MEA» و«TMA» وقطاع تجارة المحروقات، للنظر جيّداً إلى ما حصل مع الطيارين في شركة «MEA»، لقد تعرّضوا للابتزاز، ثمّ جرت إطاحة ضماناتهم... هؤلاء يمثّلون فئات تملك نفوذاً وتأثيراً لا تملكه فئات أخرى، لذلك يمكن الرهان على تكتّلهم للدفاع عن مصالحهم والتأسيس لحالة نقابية جديدة تضم أيضاً العاملين في مؤسسات الإعلام المرئي والمسموع، فهؤلاء يواجهون أيضاً مخاطر جمّة، ظهرت من خلال صرف المئات من «إخبارية المستقبل» و«LBC»، والقصة ليست مزحة، لأن طرد 400 عامل في لبنان يماثل طرد 30 ألف عامل في الولايات المتّحدة. فلو حصل مثل هذا الأمر في الغرب، لترك تداعيات كبيرة، وربما أطاح حكومات، لذلك هناك رهان على هذه الفئات التي تضمّ عمّالاً مهرة ومتعلّمين ويتمتعون بدرجة أعلى من الوعي السياسي.

ثالثاً، هناك فرصة للضغط من أجل السير بمشروع التغطية الصحية الشاملة لجميع اللبنانيين المقيمين، والمموّلة من ضرائب على المضاربات العقارية والمالية. ويمكن استغلال ما يحصل في القطاع الصحّي، حيث تطرد المستشفيات المضمونين وتمنع عنهم حقّ الحصول على الخدمات الاستشفائية. هذا الأمر يعني كارثة، وعلى كل طرف في البلاد أن يتحمل مسؤوليته.

جميع هذه المعارك أساسية، وتُضاف إليها معارك على محاور أخرى، ولكن المدخل الجدّي للفوز بها عمالياً يقضي بالتوجّه إلى مقرّ الاتحاد العمالي العام لاحتلاله واستعادته كممثل للفئات الضعيفة، إذ لا يمكن أن تستمر قيادة الاتحاد العمالي الحالية الخائنة التي أصرّت على أن يكون الحدّ الأدنى للأجور أقلّ ممّا نص عليه قرار مجلس الوزراء! كما أصرّت على ألّا يُنفّذ مشروع التغطية الصحية الشاملة، لأن لديها انتماءً سياسياً معيّناً، وترى أنه لا يجب المس بحصص معيّنة لهذا أو ذاك. كذلك وفّرت هذه القيادة الغطاء لعملية سلب 10 ملايين ليرة وسطياً من تعويض نهاية الخدمة لكلّ أجير مصرّح عنه لدى صندوق الضمان، وتخلّت عن نصف الأجراء ممن لا يحصلون على ما سمّي «بدل النقل»، الذي يعدّ أكبر عملية نصب مستمرة منذ عام 1995 حتى اليوم، وقد «قوننها» مجلس النواب أخيراً.

■ من يؤمّن الغطاء السياسي لقيادة الاتحاد العمالي العام؟

يتضّح أن التغطية السياسية للاتحاد العمالي العام توسعت مع توسّع المصالح. فقبل 4 سنوات مثّلت غطاءً لحركة 7 أيار وأحداث بيروت الدامية، ولكن في الفترة الأخيرة صار (الرئيس السابق) فؤاد السنيورة يعشق رئيس الاتحاد العمالي العام (غسان غصن)! ولكن عموماً من يغطّي الاتحاد العمالي العام هم أصحاب الأموال الذين يحكمون البلاد فعلياً عبر بعض زعماء الطوائف.

■ على من يعتمد شربل نحاس فعلياً في دعوته هذه؟ وإلى من يتوجّه برسالته؟

أتوجّه إلى قراء «الأخبار» (يضحك). الحقيقة أنّ هناك أناساً كثيرين في حالة نضال مطلبي، وقد ذكرنا سابقاً مجموعات منهم في المصارف والاعلام والطيارين وسواهم، فضلاً عن قطاعات التعليم الذين أثبتوا قدرتهم حتى الآن على النضال من أجل تحقيق مصالحهم، وأضيف إليهم الأجراء في المؤسسات الذين لم يحصلوا على زيادة الأجور الأخيرة. فهناك بعض المتاجر الكبرى (Supermarkets) في لبنان التي ترفض إعطاء عمالها زيادة الأجور... لا أظن أن اليأس بلغ حدّاً يسمح بالصمت دائماً. أعتقد أننا نشهد اليوم بداية تحوّل في هذا المشهد، وقد لمسنا ذلك بوضوح في خضم معركة تصحيح الأجور الاخيرة، إذ ليس أمراً عابراً أن تشهد قواعد بعض الأحزاب والقوى السياسية تململاً من الطريقة التي جرى فيها التعامل مع قضايا وحاجات أساسية.

■ هل ترى أن هناك طرفاً سياسياً يمكن أن يعمل على إسقاط قيادة الاتحاد العمالي العام؟

يُمكن أن يُعمد إلى حلّ آخر مختلف، وهو تأليف اتحاد جديد ببساطة. فالانضمام إلى معاهدة عام 1948 يجعل هذا الأمر شرعياً. والمنطق يفيد بأن الاحتجاج هو سلوك شرعي. ولكن للجزم، أنا لا أرى أن إزاحة قيادة الاتحاد العمالي العام أمر صعب ومستحيل، إذ إنّ كل الأحداث الكبيرة تبدأ بتحرّكات صغيرة. وهذا التحرّك المطلوب في عيد العمّال لا تنقصه الحجة وأسبابه الموجبة واضحة تماماً. أما في ما خصّ «الفزاعات» الجاهزة التي تستعمل عادة في مواجهة هذه التحركات، فلا دور لها أبداً في هذا المجال.

■ القاعدة الاجتماعية المتضررة من السياسات المعتمدة ـــ وفي إطارها الحفاظ على الاتحاد العمالي بشكله الحالي ـــ مسحوبة على مواقع فاعلة سياسياً. فتلك القاعدة تعي المشكل، غير أنّ موقفها السياسي في مكان آخر كلياً. ما هي الضربة النوعية التي يُمكن أن تدفع تلك القاعدة صوب التغيير؟ وما الذي يمنعها من المضي صوب التغيير وضمان أمانها الاجتماعي عبر الدولة وليس عبر العشائر والطوائف كما هو الأمر حالياً؟

لا شكّ في أنّ الناس مؤطرة ولديها مرجعيات ترتبط بها وإن على نحو متفاوت، من هنا تنطلق أهمية المؤسسات النقابية. وإذا ذهبنا إلى الطرف الثاني من المعادلة، أي هؤلاء المكلّفون بإدارة اللعبة، نراهم مربوطين أيضاً، ومن هنا أهمية دور النخب. ولذا أعود إلى مثال موظّفي المصارف والإعلاميين والمعلّمين والأساتذة والعاملين في الادارات العامّة وأسلاك القضاء الذين تقع على عاتقهم مسؤوليّة كبيرة اليوم. المواجهة ليست سهلة، ولكنّها في الوقت نفسه غير ميؤوس منها. ويجب أن يتركّز العمل ويتوجّه صوب الكبسولة التي من شأنها أن تحرّك الأمور كلّها. وبرأيي، إنّ دكّ حائط الجمود والوقاحة ـــ التي تجلّت أخيراً في موضوع تصحيح الأجور ـــ يمكن أن ينطلق بكل سهولة، كلّ من موقعه.

■ هل يعني ذلك أن الإطار السياسي الذي أعلنت بداية تشكيله سيضع في أولوياته الدفع باتجاه نشوء حركة نقابية فاعلة ترتكز على نخب معينة أو فئات مهنية ذات وزن وتأثير؟ أو بمعنى آخر الابتعاد عن منطق العمل الجماهيري الواسع في هذه المرحلة؟

لا ليس الأمر على هذا النحو، فكل عمل سياسي هو عمل جماهيري، لكننا في الحديث عن «العمل النقابي» يمكن التمييز بين العمل النخبوي والتحرّك الجماهيري. فالنخبويون بحكم ظروفهم هم أشخاص لديهم القدرة على تخصيص وقت أكثر للمعاينة وربط نتائج الأحداث المختلفة بأسبابها والتوصل إلى تصورات بديلة. ولكنّ النخبويين لا يبتكرون أشياء جديدة، فهم يحاكون مشاعر الناس ومعاناتهم. ولا يخفى على أحد خصوصية الظرف الذي تمر به البلاد اليوم، وكيف أن المواطنين مضطرون إلى بيع ولائهم يومياً للحصول على أبسط حقوقهم وحاجاتهم، كالاستشفاء مثلاً. في الواقع ما نناقشه اليوم ينطلق من وجود عاملين اثنين يدفعان باتجاه تحرك عملي يمكن أن ينطلق من نخب معينة، ليشمل كلّ الفئات. أوّلاً، هناك أمور غير مسبوقة قام بها الاتحاد العمالي العام، بدءاً بالتواطؤ وصولاً إلى تحريف قواعد انتظام عمل الدولة. وهذه وقاحة ظاهرة للجميع، وبالتالي تستدعي تحرّكاً يهدف إلى تغيير هذا الواقع. وثانياً، ليس خافياً أيضاً أنّ سحب الدور السوري من ترتيب أعمال السلطة في لبنان، منذ عام 2004، أدّى إلى مرحلة لم تعد فيها الدولة قادرة على القيام بشيء. ومع هذين العاملين، يُلاحظ بوضوح تهاوي موجة النيوليبرالية التي انطلقت منذ ثمانينيات القرن الماضي. ويُستدلّ على تكسّر تلك الموجة بتقارير صندوق النقد الدولي، فضلاً عن البنك الدولي، الذي أضحى يُشير إلى ضرورة تحسين المؤشرات الاجتماعية ويتحدّث عن النمو الدامج ووضع ضرائب على المضاربات العقارية والمزيد من التقديمات الاجتماعية. فلماذا لا يمكن استخدام هذه المعطيات التي تمثّل «عدّة الشغل» صوب التغيير؟

وانطلاقاً من كل ذلك، أدعو النخب في مجالات مختلفة: صحافية، نقابية، حقوقية، فنية... إلى تنظيم مهمة كسر حاجز الخوف الذي نواجهه. فعلى سبيل المثال، كان مجلس شورى الدولة موافقاً، طيلة 16 سنة، على مراسيم بدلات النقل والمنح التعليمية وتصحيح الأجور عبر المبالغ المقطوعة، وعندما رأى أن هناك تردّداً في مجلس الوزراء في هذا الملفّ وفُتحت كوّة بدأ الناس يسمعون بأن مجلس الشورى موجود، وأبطل قضاة المجلس 32 مرسوماً صادراً عن الحكومات السابقة؛ وهذا يعني أنّ القضاء يمكن أن يؤدي دوره الأساسي عندما يُتاح له ذلك.

نحن هنا لا نتحدّث عن برنامج الإطار السياسي الذي بدأنا بالنقاش فيه، بل نتحدث عن فرص العمل وفتح مساحات متاحة للنضال من أجل التغيير، وهي مساحات تطال جوانب كثيرة، ولا تنحصر في العمل النقابي، بل تتّسع لوسائل أخرى لا تقل أهمية، ليس مجال عرضها الآن في مناسبة عيد العمّال.

■ بعد تجربتك في الحكومة وفي مرحلة استعدادك للانخراط مع آخرين في حركة سياسية تهدف إلى التغيير، ما هي رسالتك إلى العمال في عيدهم؟

يجب ألّا نحصر الرسالة في هذا اليوم بالعمال فقط؛ فهناك طبعاً العمال الذين يعملون بأجر، ولكن يوجد أيضاً الشباب العاطلون من العمل، العمال الذين لا يجدون الإطار النظامي لكي يحصّلوا حقوقهم ويعملون في سوق رمادية. هناك المتقاعدون المنسيّون، مع العلم بأنّنا لم نعد نعيش في مجتمع حيث العائلة مكوّنة من أولاد يقاربون عدد أصابع اليدين، ويُمكنهم تأمين الإعالة لأهلهم. فهناك شباب مهاجرون وهناك نسبة متزايدة من المسنّين الذين يحتاجون إلى الرعاية... إذاً يجب ألا نحصر قضية العمال في الإطار الضيّق الذي يُرسم في كثير من الأوقات.

ولنعد إلى مضمون الرسالة، أنا أقسّمها إلى ثلاثة أجزاء: أوّلاً، إزاحة المجموعة التي سيطرت على منبر مهمّ هو المنبر النقابي، إذ لم يحصل في تاريخ الشعوب أن طالب اتحاد عمالي عام بأقلّ مما توصّلت إليه المفاوضات مع الحكومة. كذلك لم تحصل مرّة في العالم حيث يرفع اتحاد عمالي عام شكوى على وزير العمل لأنه يريد استخدام أموال الضرائب لتأمين تغطية صحية للمواطنين!

ثانياً، إنّ المآسي والنضالات اليومية التي نشهدها، إن كان في الصحة أو القطاعات الأخرى، مثل الصيرفة والإعلام المرئي والمسموع والشركات الكبيرة التي تحوي عمالاً غير مصرح عنهم، يجب أن تمثّل حافزاً للتغيير. وعلى صعيد دور النخب، يجب أن يعملوا على إعادة الثقة إلى العمال، لكي يُمكنهم التأثير. الحاجز هنا هو الخوف واليأس، غير أنّ هذا الحاجز يُكسر في المعارك الموضعيّة، أي تلك التي تُخاض في مختلف القطاعات والساحات.

ثالثاً، لا يجوز التهاون أبداً مع النظام اللبناني الذي أضحى «مكربجاً». فلنأخذ أداء رئيس الجمهورية مثلاً، هو يرفض التوقيع على مرسوم الإنفاق من دون أي منطق، ليؤدّي إلى توقف عمل إنفاق الدولة. ممارسة كهذه لا تجوز أبداً، ولكنها في الوقت نفسه دليل حسيّ على أن «فيتاس» النظام «مكربج» ولا يوجد حالياً من يقدر على تزييته، فهذه فرصة للعمل على استنزاف هذا النظام.

لدى طرح أي مشروع تحديثي يعود الموّال نفسه: حذار التلاعب بالنموذج، لأنّه قد يؤدّي إلى الخراب. ولكن لنأخذ مثال الاتصالات حيث كان يُغنّى هذا الموّال بأعلى الصوت. فبعد تطبيق الإصلاحات اللازمة، نما عدد مشتركي الهاتف الخلوي حوالى مليوني مشترك، وهذه ليست زيادة بسيطة، وهي ناتجة من استثمارات غير مكلفة ظهر مردودها على نحو سريع. ويُمكن تطبيق إصلاحات مماثلة في قطاعات أخرى بكلفة بسيطة وإيرادات ضخمة، طبقاً للدراسات الموضوعة. تلك الدراسات تدحض تماماً مقولة أنّ «الخراب في انتظارنا». فلماذا نكون كسولين إلى درجة عدم تصديق أن التغيير متاح؟

مصرف لبنان يعي حقيقة الأمر

خلال تولّيه حقيبة «العمل» (2011ـــ2012)، طرح شربل نحاس مشاريع نوعية كثيرة أبرزها: تحصين الأجور، التغطية الصحية الشاملة، دعم فرصة العمل الأولى للشباب. وفي مواجهتها زعم البعض أنّ هذه المشاريع طُرحت في ظلّ ظروف «غير مؤاتية». ولذا يبدو منطقياً سؤال الوزير المستقيل «على ماذا ارتكزت في مشاريعك هذه؟»، و«هل تعتقد أن قدرات البلاد يمكن أن تتحمّل هذا النوع من الطموح؟».

اقتصادياً، يؤكّد شربل نحاس أنّ جميع المشاريع ممكن تطبيقها، «فقد تم احتساب أكلافها وانعكاساتها على مختلف الأصعدة، وباستخدام نماذج محاكاة علمية لا يُمكن التشكيك فيها». ويُشير إلى أنّ ما عرقل المشاريع ليس التخوّف من «عدم القدرة»، بل «خوف جماعات المصالح من أن تضرّ بها الإصلاحات، وهو ما أشار إليه بوضوح البنك الدولي أخيراً، وطمأن المنتفعين إلى أن الإصلاح يفيدهم أيضاً».

ويعود نحاس إلى عام 2006 ليوضح أنّ الناتج المحلي الإجمالي ارتفع منذ ذلك العام حوالى 90%. هذ الناتج مكوّن من كلّ المداخيل المحصّلة: أجور، أرباح، ضرائب وريوع. وفيما نمت الأرباح والريوع الخاصة بنسبة راوحت بين 200% و250%، وزادت إيرادات الدولة بنسبة 40%، «لم ترتفع الأجور في كل المؤسسات العامة والخاصة وأجور العمال الأجانب أكثر من 15% ــ 20% طوال تلك الفترة!». هذه الأرقام تعني أنّ هناك «إمكانية كبيرة لتحصيل المبالغ اللازمة من أصحاب الريوع والأرباح». ومن هذا المنطلق يُمكن التأكيد أن هناك مجالاً كبيراً لتحقيق التوازن الاقتصادي ولتحصيل أموال تُستخدم في الاستثمارات العامة.

«إنّ مصرف لبنان يعي تماماً حقيقة هذا الأمر» يتابع نحاس. «ولكن ما يقوم به هو دعم أرباح المصارف والإبقاء على نموذج عملها عبر امتصاص السيولة الكبيرة، وذلك بدلاً من أن تُستخدم هذه السيولة لتمويل الاستثمارات العامّة، ولا سيما في مجال النقل».

الثلاثاء ١ أيار ٢٠١٢

الأكثر قراءة