سرقة رغيف من الفقراء

طالب أصحاب الأفران بزيادة سعر ربطة الخبز 125 ليرة، فإذا بالحكومة اللبنانية تهدي الأفران 25 ليرة إضافية وترفع سعر الربطة 150 ليرة عبر خفض 100 غرام من وزنها. واختارت الحكومة يوم 1 أيار موعداً لتطبيق قرارها خطف رغيف من ربطة الفقراء، إنجاز جديد يضاف إلى سلسلة من الإنجازات التي حققتها الحكومة على صعيد الأجور والتغطية الصحية الشاملة والبنزين والكهرباء...

رشا أبو زكي

الحكومة اللبنانية قررت المسّ مجدّداً بالأمن الغذائي للمواطنين. 150 ليرة أضافتها الحكومة على سعر ربطة الخبز. إنه الحل الذي اجترحه وزير الاقتصاد والتجارة، نقولا نحاس، بالاتفاق المسبق مع نقابة أصحاب الأفران، قضى بخفض زنة الربطة 100 غرام، أو ما يعني خطف رغيف إضافي من الربطة عبر خفض وزنها من ألف غرام إلى 900 غرام. ويأتي هذا الإجراء بعد سحب متكرر لأرغفة الخبز، لينخفض وزن الربطة 600 غرام أي من كيلوغرام ونصف في عام 2005 الى 900 غرام حالياً. كل ذلك من دون إجراء أي دراسة عن كلفة صناعة الرغيف، ولا إعلان خلفيات هذا القرار بالأرقام، وتحديد نسب أرباح أصحاب الأفران لتبيان خسائرهم التي يدّعونها، علماً بأن الدوائر الرقابية، على ضعفها، كشفت في أكثر من تقرير سابق أن معظم الأفران لا تلتزم بالوزن الرسمي المحدد لربطة الخبز...

أما الأسوأ، فهو أن الحكومة بقرارها هذا قدمت «هبة» لكارتيل الأفران بقيمة 588 مليوناً و500 ألف ليرة شهرياً، وذلك عبر منح الأفران 25 ليرة إضافية عن كل ربطة خبز فوق المبلغ الذي كان يطالب به الكارتيل، إذ كان الكارتيل يريد رفع سعر ربطة الخبز الى 2000 ليرة، في مقابل زيادة رغيفين الى الربطة ليصبح وزنها 1250 غراماً، وبذلك كان على المواطنين دفع 125 ليرة إضافية. إلا أن الحكومة قررت خفض زنة الربطة من 1000 إلى 900 غرام، والإبقاء على سعرها 1500 ليرة، بحيث أضافت 150 ليرة إضافية على المواطنين، أي بزيادة 25 ليرة عن مطلب أصحاب الأفران. وكون لبنان ينتج 23 مليوناً و540 ألف ربطة شهرياً، فإن عملية حسابية بسيطة تظهر أن الدولة وهبت من جيوب اللبنانيين آلاف ملايين الليرات لمصلحة أصحاب الأفران كأرباح تضاف الى أرباحهم الخيالية غير الخاضعة لأي نوع من أنواع التدقيق أو الرقابة.

إذاً، لم تعد مسؤولية سلب خبز الفقراء على عاتق نحاس وحده، فقد أصبحت مسؤولية كل وزير وافق على السير بهذا الإجراء، كل وزير فكّر بمصالحه الانتخابية قبل أن يفكر بآلاف اللبنانيين الذين يشحذون «اللقمة». هؤلاء المرميون تحت خط الفقر لم تكن لعيونهم أي التفاتة من النائين بأنفسهم عن كل فعل أو موقف أو سياسة اقتصادية أو اجتماعية جامعة. نسبة هؤلاء وفق الإحصاءات «البائتة» الرسمية 28 في المئة، من بينهم 8 في المئة يعيشون في الفقر المدقع. أي أن حوالى مليون و129 ألف لبناني غير قادرين على تأمين حاجاتهم الأساسية، ستزيد أزمتهم أزمة. في حين أن 341 ألف لبناني يعيشون في فقر غير محتمل تعرضت الحكومة لرغيفهم دعماً لأصحاب المليارات ومالكي النفوذ في كارتيل أصحاب الأفران.

من الناحية القانونية، يؤكد المحامي والعضو في جمعية المستهلك محمد درويش أن قرار خفض زنة ربطة الخبز هو قرار مخالف للقانون. يشرح أن قانون المستهلك الذي صدر في عام 2005، يجعل من المستهلكين شركاء في صناعة القرارات التي تعني حياتهم المعيشية. إلا أن وزير الاقتصاد اجتمع مع التجار وخلص معهم الى اتفاق يطال المجتمع بأسره، من دون الرجوع الى جمعيات المستهلك. يقول درويش إن قانون المستهلك ينص على وجوب انعقاد المجلس الوطني لحماية المستهلك برئاسة وزير الاقتصاد، وهذا المجلس له دور استشاري في الحفاظ على صحة المستهلك وسلامته وحقوقه وتأمين سلامة السلع والخدمات وتحسين جودتها. لكن وزير الاقتصاد لم يدع الى اجتماع هذا المجلس منذ توليه الوزارة، رغم المشكلات العديدة التي تعرض لها المستهلك اللبناني خلال الفترة الماضية. وبالتالي، يلفت درويش الى إمكان الطعن بالقرار الحكومي لدى مجلس شورى الدولة من قبل المتضررين من القرار، لافتاً الى أن الجمعية تدرس الآليات القانونية لتقديم الطعن، وأنه يمكن لأي لبناني تقديم طعن بالقرار أيضاً.

وإزاء كل هذا، حاول وزير الاقتصاد نقولا نحاس التخفيف من وطأة الحدث، معلناً أن عدد الأرغفة سيبقى على حاله مع خفض في وزن الربطة من 1000 غرام الى 900 غرام، وذلك على الرغم من أن رغيف الخبز وزنه 100 غرام! ويشرح رئيس اتحاد نقابات الأفران والمخابز كاظم إبراهيم أن العمل بقرار الحكومة خفض وزن ربطة الخبز يبدأ اعتباراً من الشهر المقبل لأن آلية العمل منذ أول نيسان إلى نهايته ارتكزت على دعم الطحين. وقال إنه في ظل الزيادات التي حصلت، رفضت نقابات الأفران زيادة سعر ربطة الخبز، «وكنا نريد تحديد 1200 غرام بـ 2000 ليرة. وعندما بحث وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس مع أعضاء الحكومة لم يتفقوا على الأمر، لذلك تم الاتفاق اليوم على خفض وزن الربطة بدل زيادة السعر». ولفت ابراهيم الى أن «أسعار المواد الداخلة في صناعة الرغيف ارتفعت، لكن الحكومة اتخذت قراراً بعدم رفع السعر، «لذلك بالطبع هناك ظلم، لكننا رضينا بالأمر لأن الرغيف لا يمكن اللعب به كل لحظة»!

هكذا، سيتم تطبيق القرار الحكومي في الأول من أيار، أي في عيد العمال العالمي، وسيكون للعمال اللبنانيين مناسبة احتفالية أمام رغيفهم النحيف، وأمام سلسلة من الحقوق التي هدرتها هذه الحكومة، من الزيادة الهزيلة للأجور، وعدم إدخال بدل النقل الى صلب الأجر، وعدم إقرار التغطية الصحية الشاملة، وتعطيل مجالس العمل التحكيمية بسبب الخلافات السياسية على التعيينات فيها، ما يسد أبواب الشكاوى أمام العمال المصروفين تعسفاً، مروراً بصفيحة البنزين التي يتراقص سعرها بين 39 و40 ألف ليرة، وضرائب ورسوم تدخل في كل نفقة استهلاكية، وصولاً الى اتحاد عمالي عام وحركة نقابية تهدد بالقيام بتحركات ضد قرارات حكومية إفقارية، بعد أن تقرها الحكومة لا قبل...

282 مليون دولار

ما ينفقه اللبنانيون على الخبز سنوياً، أي 23 مليوناً و540 ألف دولار شهرياً وينتج لبنان يومياً نحو 785 ألف ربطة خبز

40 في المئة

تراجع وزن ربطة الخبز منذ عام 2005 حتى اليوم نتيجة 6 قرارات اتخذتها الحكومات منذ عام 2005 حتى اليوم

45.9 في المئة

أرباح الأفران من كل ربطة خبز وفق عاملين في القطاع، ويصل معدل الربح الوسطي للفرن الواحد إلى 408 آلاف دولار

قرار 1 أيار

أصدر وزير الاقتصاد والتجارة، نقولا نحاس، قرار تطبيق خفض وزن ربطة الخبز. وهنا نص القرار: «إن وزير الاقتصاد والتجارة، يقرّر ما يأتي: المادة الأولى: خلافاً لأي نص آخر، يحدّد سعر مبيع ربطة الخبز زنة 900 غرام كحدّ أدنى بألف وخمسمئة ليرة لبنانية كحدّ أقصى. المادة الثانية: ينشر هذا القرار ويبلّغ حيث تدعو الحاجة، ويُعمل به ابتداءً من 1/05/2012 وينشر على لوحة إعلانات وزارة الاقتصاد والتجارة».

الخميس ٢٦ نيسان ٢٠١٢

الأكثر قراءة