أجرى الرئيس سعد الحريري مقابلة مع الزميلة المستقبل يوم الأحد الماضي. هل انتبه أحد لذلك؟ هل من يذكر ما قاله الحريري ذاك اليوم؟ هذه زبدة المقابلة: لا نسبية بوجود السلاح. بات الحريري في حاجة إلى أسلوب غير التوترة وغير الشاشة، فتمّ اللقاء الإعلامي في توقيت سيئ، وبكلام مضرّ أكثر من الصمت
نادر فوز
الرئيس سعد الحريري حائر. لم يعد يجد سبيلاً للعودة إلى كادر المشهد السياسي. «التوترة» انحسرت. فالإطلالات عبرها باتت فقط للمناسبات مثل مباراة منتخب لبنان/ الإمارات ووفاة البابا شنودة وعيد الأم وذكرى الحرب الأهلية. التخاطب عبر شاشة مع الناس لم يفلح أيضاً. فليس من يذكر، من مستقبليّين وغير مستقبليّين، كلمة قالها في مجمّع البيال خلال 14 شباط وآذار الماضيين. التسويق لتهديد أمنه الشخصي لم يعد يجدي نفعاً، فمحاولة اغتيال رئيس القوات اللبنانية حصلت وسرقت الأضواء. حتى صور الحريري على «العكّاز الرباعي» نسيها الناس وانتهت محاولة استدرار العطف عبر خبر تحمّله «14 برغياً» بدل ثمانية.
لذلك سارع فريق مستشاريه إلى اكتشاف صيغة جديدة، فوجدوا في الزميلة «المستقبل» الحل: مقابلة للجريدة الزرقاء، يديرها المستشارون الزرق وتُدوَّن بقلم أزرق، وترسل بعدها إلكترونياً إلى بيروت عبر المتصفَّح الأزرق. لكن بيض العيد، عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتّبع التقويم الشرقي، حضر بألوانه وخرّب زرقة العملية.
فالعيد وعطلته أعدما المقابلة التي نشرت من دون أنّ يكون لها أي وقع. مرّ نهار الأحد كيوم عطلة عادية ولحقه إثنين الفصح مكرّساً موت محاولة خروج الحريري عن صمته. الأسئلة التي أعدّها المستشار هاني حمود لمحاورة الحريري في منزله في باريس، لم تأت بالكثير من المواقف المستجدة، فقط «لا نسبية بوجود السلاح».
يقول طاقم مستشاريه في بيروت انّ المطلوب من تلك الحركة الإعلامية الاستفادة من الركود السياسي في فترة الأعياد وتعزيز موقع كتل المعارضة في الجلسات النيابية لمساءلة الحكومة. لا إمكانية لإقناع أحد بهذا الجواب، وفي حال صحّ ذلك، فهو يعني أنّ تأثير إطلالات الحريري بات محصوراً بهذا الحجم لا أكثر، فتنتفي المقابلة ومفاعيلها مع انتهاء جلسات النواب.
أراد الحريري من «لا نسبية بوجود السلاح» التلميح إلى اعتباره نفسه أكبر من طائفته، وإلى كون همّه يتجاوز الحدود الطائفية. مطلبه القول: قلبي على أبناء الطائفة الشيعية والمعارضين فيها لسياسة ومشيئة ثنائي حزب الله وحركة أمل. حاول التشبّه بسمير جعجع الذي أعلن خروجه من القمقم المسيحي. هل أفلح في ذلك؟ بالطبع لا، إذ إنه بمجرد رفض النسبية فهذا يعني أنه قضى على كل محاولات الشخصيات الشيعية المعارضة إسقاط حصرية التمثيل النيابي لحزب الله وحركة أمل. هو أنهى إمكانية فوز شخصيات شيعية بشكل شرعي في الانتخابات، تكون مختلفة عن أساليب انتخاب كل من النائبين عقاب صقر وغازي يوسف.
وحول النسبية تحديداً، يشير فريق الحريري إلى أنه «اقتنع بطرح هذا الشعار بسبب آراء مستشاريه ونتائج دراسات اجراها مختصون قريبون منه». الدراسات الانتخابية تشير إلى أنّ «إمكانيات خرق قوى 14 آذار داخل الطائفة الشيعية ستقل بنحو 5 أضعاف عن عدد الفائزين من نواب 8 آذار السنّة». أما المستشارون فيقدمون هذه الدراسات على الشكل الآتي: «خسارة تيار المستقبل لنحو 30 في المئة من النواب السنة ستجعل تمثيل الحريري منتقصاً خلال مشاركته في أي طاولة حوار أو تفاوض. وفي المقابل، السيد حسن نصر الله سيكون ممثلاً شرعياً للطائفة الشيعية، إضافة إلى ما في جعبته من سلاح ». ومن هذا المنطلق، وإضافة إلى القناعة المسبقة لدى الحريري برفض النسبية بسبب ما قيل له عن النتائج العامة للانتخابات، اقتنع بطرح شعار «لا نسبية في ظل السلاح».
كان باستطاعة الحريري القول «لا شيء بوجود السلاح». لم يقل ذلك في المقابلة، ولن يقولها بعدها، رغم سهولة هذه المعادلة: بإمكان الحريري ومن حوله من مستشارين وحلفاء، القول أنهم لن يرضوا بتحرّك «حجر عن حجر» في الدولة اللبنانية بوجود سلاح حزب الله. هذا موقف، في حال اتّخذ، سيكون واضحاً ومبدئياً ويعبّر عن جدية لدى فريق المعارضة. لكن تيار المستقبل يعجز عن ذلك. هو حتى يعجز عن تحديد موقف ورأي من أهم الأمور كملف قانون الانتخابات النيابية. هذا ما قاله سعد الحريري في مقابلته: «تيار المستقبل لم يعلق يوماً على أي مشروع من المشاريع الانتخابية المطروحة»، وتابع: «نحن لن نتخذ موقفاً نهائياً إلا بالتشاور مع حلفائنا وسيكون هناك موقف موحد داخل 14 آذار». نسي الحريري إضافة أمر آخر: القانون الانتخابي لن يقرّ أيضاً إلا بموافقة الخصوم ومشاركتهم رأيهم وملاحظاتهم حوله. فهذه المسلّمة تعني الكثير من الأمور، أهمها أن التيار يتهرّب من إعلان موقف واضح من القانون كي لا يتورّط في هذا الأمر لاحقاً نتيجة المشاورات والمساومات مع الطرف الآخر.
بعد هذه المقابلة، قرّر الحريري أخذ إجازة من الإجازة التي أخذها منذ ما يقارب العام، فأعلن مكتبه الإعلامي أنه وصل ليل الإثنين الماضي إلى الرياض لـ«قضاء فترة نقاهة مع عائلته، بعدما خضع في العاصمة الفرنسية لجراحة ومعالجة كسور في ساقه اليسرى، استمرت لأكثر من شهرين». المكتب الإعلامي يذكر من جديد بأنّ الحريري يعاني من حادثة كسر رجله. فترة نقاهة خلال الإجازة، هكذا ينوي تيار المستقبل وفريق 14 آذار إسقاط الحكومة والعودة إلى السلطة.
الاربعاء ١٨ نيسان ٢٠١٢