ردّدت معلومات بين شركات النفط أن مجلس الوزراء تداول أمس في اقتراح لتحرير القطاع، أي تحرير التسعيرة التي تحدّدها الدولة وترك السوق حرةً، بما في ذلك استيراد المازوت الأحمر، إلا أن وزيراً في الحكومة نفى الأمر، مؤكداً أن المجلس لم يتطرق حتى إلى إضراب الشركات اليوم وامتناعها عن تسليم المحروقات للمستهلك
محمد وهبة
يمتنع اليوم كارتيل تجارة النفط عن تسليم المحروقات للمستهلك بهدف الضغط على الحكومة لزيادة جعالة (نسبة الربح المحدّدة رسمياً) الشركات العاملة في القطاع. «الإضراب» يشمل كل شركات استيراد النفط والتوزيع والنقل ومحطّات المحروقات، وسيكون التعبير الأصدق عن قدرة هذا «الكارتيل» وجدوى ضغوطه التي يمارسها على الحكومة وعلى المستهلك، ولا سيما أنه يعدّ إحدى أكبر مجموعات الضغط ذات الطابع السياسي.
ونوع «الاختبار» لا يتصل بمستوى الالتزام بـ«الإضراب»، بل بما تردّد بين أصحاب الشركات عن بدء البحث الرسمي في شأن تحرير القطاع، أي تحرير التسعيرة، وبالتالي الخضوع للكارتيل!
وينضوي كارتيل المحروقات في لبنان ضمن إطارات مختلفة، رغم أنه لا يمكن التمييز بينها بصورة شاملة؛ يمكن وصف تجمّع مستوردي النفط الذي يضم كل شركات الاستيراد بأنه الأكبر لجهة الشكل، والأكثر قدرة، يليه أصحاب المحطات والصهاريج، ومتعهدو نقل المحروقات.
هناك نحو 14 شركة نفط تستورد كل أنواع المحروقات وتبيعها في السوق المحلية، سواء من البنزين والمازوت والغاز والكاز ووقود الطيران، باستثناء المازوت الأحمر المحتكر من الدولة. جميع هؤلاء المستوردين «يملكون شركات توزيع (وسطاء نقل أو تجار الجملة) بصورة مباشرة وغير مباشرة وبشكل كامل أو جزئي»، بحسب ما يؤكد عاملون في السوق. ففي الأوقات العادية، أي خارج عمليات دعم المحروقات التي تقوم بها الدولة، يصل عدد وسطاء النقل والتوزيع إلى نحو 40 شركة، إلا أنه في أوقات الدعم يزيد عددها على 210 شركات. ووفق الوقائع التي جُمعت من التحقيقات المختلفة بمسألة المازوت المدعوم أخيراً، ومن أكثر من جهة، فإن كل هذه الشركات أو الأفراد المتستّرين تحت غطاء شركات منفصلة لتخزين المحروقات وبيعها، أو مختبئين وراء ملكية خزانات وهمية، هم يتلقون دعماً مباشراً من السياسيين المحليين وبعضهم يعمل لمصلحتهم.
أما متعهدو نقل المحروقات، أي أصحاب الصهاريج المتعاقدون مع شركات الاستيراد ووسطاء النقل، فيصل عددها بحسب المعطيات المتوافرة في السوق المحلية إلى نحو 900 صهريج، بينها نحو 600 تعمل بصورة شرعية وبأوراق رسمية، وهناك نحو 300 تعمل بصورة غير رسمية. وبما أن عملهم مرتبط مباشرة بعمل المستوردين، ونقابتهم محسوبة على جهة سياسية أساسية في تجمّع قوى 8 آذار، فهم منضمّون إلى هذا الكارتيل بحكم المصلحة المشتركة مع المستوردين الذين يمثّلون بدورهم مجموعة أخرى ممن يوصفون بأهم زعامات لبنان الأساسية.
ثم تأتي الحلقة الأخيرة من الكارتيل النفطي والتي تتألف من محطات البنزين. ليس هناك إحصاء رسمي لمحطات البنزين في لبنان، لكن عددها التقريبي يصل إلى نحو 3000 محطّة عاملة، نصفها فقط (1560 محطّة) مرخّص لها قانوناً، والنصف الثاني يعمل من دون أي ترخيص رسمي. وغالبية المحطات مملوكة من مستوردين أساسيين، أو لديها عقود بيع محروقات على اختلاف أنواعها مع المستوردين.
وبحسب إحصاءات إحدى شركات المحروقات، تتركّز الحصص السوقية للمستوردين، بعد احتساب عدد المحطات المملوكة منها مباشرة أو متعاقدة معها، في 5 شركات بنسبة 71%، وهي على النحو الآتي:
ــ الحصّة الأكبر لشركة «توتال» بنسبة 18% من مبيعات سوق المحروقات الإجمالية.
ــ 14% لشركة «مدكو ــ كالتكس»، و14% لشركة «IPT»، و14% لشركة وردية «موبيل» أيضاً.
ــ 11% لشركة «كورال».
وتتراوح حصص الشركات الباقية بين 10% و8%، وهذه الشركات هي: «يونايتد»، «هيبكو»، «يونيترمينال»، «كوجيكو ــ ليفانت»، «ليكوي غاز»، مصفاتا «طرابلس» و«الزهراني»، «الشركة العربية (APEC)» وتبقى هناك شركة واحدة غير عاملة حالياً هي «جيبكو».
لعلّ أبرز الأسباب التي تدفع المسؤولين إلى طمس التحقيقات التي أجريت لكشف هدر المازوت المدعوم، هو أن غالبية هذه الشركات إن لم يكن كلها، متورّطٌة بطريقة ما بالحصول على مازوت مدعوم بدعم سياسي. كان الهدف التحايل على عنصر المنافسة في السلعة الوحيدة التي يمكن أن تكون فيها منافسة بين الدولة والقطاع الخاص، فالمازوت الأحمر محتكر من الدولة التي تستورده وتضخّه إلى السوق، فيما استيراد الأخضر مفتوح للقطاع الخاص. لكن رغم ذلك، دائماً تربح الشركات التي «تهتك» المبالغ التي تخصصها الحكومة من الخزينة لدعم المازوت الأحمر، فهي تتحكّم بمسار توزيع هذه المادة لتحقق أرباحاً زائدة تُضاف إلى الجعالات الرسمية التي تحصّلها.
أما تسعير المحروقات فهو غالباً ما يكون لمصلحة المستوردين وباقي الكارتيل، لأن السعر الرسمي يحدّد وفق معايير بدائية تستند إلى احتساب متوسط سعر برميل النفط في آخر أربعة أسابيع، علماً بأن «الشركات تتعاقد على استيراد الكميات مع منتجي النفط والموزّعين الإقليميين بأسعار مختلفة تحقق لها أرباحاً طائلة»، يقول أحد تجّار المحروقات. ولذلك فإن الجعالة على الاستيراد تكون منفوخة، ولا تعكس حجم الأرباح الفعلية التي تحققها الشركات من هذه التجارة، وبالتالي لا تقبل الشركات تغيير طرق التسعير، وقد عمدت إلى وضع «العصيّ في دواليب» المحاولة الأخيرة التي هدفت إلى وضع معايير جديّة وحديثة للتسعير بهدف الإبقاء على المعايير الحالية.
على أي حال، إن مطلب الكارتيل بزيادة الجعالة لكل أطرافه هو أمر مربك للحكومة التي تردد أنها ناقشت أمس فكرة التخلي عن التسعيرة الرسمية وبحثت في اقتراح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الطاقة والمياه جبران باسيل القاضي بتحرير قطاع النفط «من أجل زيادة تنافسيته»، لكنّ وزيراً في الحكومة نفى حصول النقاش من أساسه.
غير أن هذه الآلية التحريرية التي تُخرِج الدولة من كونها ضابط الإيقاع الوحيد في سوق نهمة، لها نتائج وتداعيات سلبية تنعكس على المستهلك دائماً لأن أعضاء الكارتيل، وكأي كارتيل آخر في لبنان، يتوحّدون دائماً عندما يكون الأمر متعلقاً بزيادة أرباحهم وتنظيم السوق والحصص في ما بينهم. فعلى سبيل المثال، يحصّل مستوردو البنزين على جعالة نسبتها 4.5%، ومستوردو المازوت الأخضر على 140 ليرة من ثمن كل صفيحة، ولا أحد يعلم ما هي نسبة الجعالة التي يتقاضاها مستوردو الغاز، أو حتى كيفية تسعير مادة الغاز، رغم أن مالك شركة التعبئة يحصل حالياً على جعالة بقيمة 1500 ليرة عن كل قارورة غاز.
أما وسطاء النقل فيحصلون على 280 ليرة عن كل صفيحة بنزين، وعلى 280 ليرة أخرى عن كل صفيحة مازوت، ويحصل موزّع الغاز على 1750 ليرة عن كل قارورة.
أيضاً، تحصل محطات البنزين على 1600 ليرة من مبيع كل صفيحة بنزين، و400 ليرة من مبيع كل صفيحة مازوت، أما مبيعات الغاز في المحلّي التجاري فجعالتها تبلغ 300 ليرة عن كل قارورة.
الخميس ١٥ آذار ٢٠١٢