صدمة سلبية في «التيار».. وسؤال الإدارة السياسية بلا أجوبة
كلير شكر
لن يكون دخول شربل نحاس إلى «الجنة الحكومية» كما خروجه منها. بدا هذا اليساري لحظة نيله لقب «المعالي» غريباً في «البيئة البرتقالية». أفكاره الاجتماعية لا تجد حتماً من يهلل لها في بيئة ليبرالية تشبه معظم بيئات «السوق السياسي اللبناني». سمعته النظيفة، هدّأت من منسوب «النقزة» التي أثارتها «سيرته التاريخية»، ولكن.
كان يكفي شربل نحاس اختباراً واحداً على طاولة مجلس الوزراء، كي يتأكد للجميع، من الخـصوم والرفاق، أن عناد هذا الرجل غير قابل للعلاج أو للتســويات. قــناعاته ومبادئه فوق كل اعتبار و«معاركه» لا تخضع للعرض والطلب في بازار المساومــات والدعوات إلى التواضع والواقعية، ولكن.
تلك المبدئية جعلت منه «قيمة مضافة» في «البيت البرتقالي». كانوا يأخذون على «التيار» أنه مبدئي أكثر من اللزوم وعليه أن يتصالح مع الواقع السياسي اللبناني. المفارقة أنه بعد استقالة شربل نحاس، ينبري من يردد في «التيار» أنه كان من الخطأ أن يسير نحاس عكس التيار. «فقد كان مطلوباً من شربل أن يكون أكثر واقعية وأقل مبدئية»!
لم يحسب شربل نحاس، أن أعظم «إنجازاته» سيكون بانضمامه إلى نادي الوزراء السابقين، بعدما تمكّن من جمع «الخطوط المتوازية» كلها ضده. وأن بعض الجالسين بقربه على طاولة مجلس الورزاء، لن يكونوا أكثر رحمة، من هؤلاء الذين يكنون لهم الخصومة بالعلن. وأن بعض «بيئته الحاضنة»، بمستوياتها الفوقية، لم يبلع «تطرّفه الإصلاحي».
لم يعد خافياً على أحد أن دفاع وزير العمل عن حقوق «البروليتاريا»، لدرجة وصفه «عمّالياً أكثر من العمال»، لم يكن مقبولاً من بعض رفاقه العونيين من الوزراء والنواب والكوادر. بعض هؤلاء بدوا، بعد الاستقالة، وكأن حملاً ثقيلاً أزيح عن أكتافهم، ولكن.
شربل نحاس، ومن حيث يدري أو لا يدري، نجح في كشف مستور «التيار الوطني الحر». الحالة الشبابية العابرة للمناطق والطوائف. تلك التي كان «مناضلوها» يبيعون «الليمون» على الطرقات تشجــيعاً لليد العــاملة اللبنانية. تلك التي تمتهن التظاهرات والنوم في العراء تعبيراً عن حرية الرأي. تلك التي تتخذ من زوايا منازل «العونيين» مقرات للاجتماعات السرية... باختصار، تلك التي خاضت حروباً من أجل «الإصلاح والتغيير»، باللحم الحي، بدت في اليومين الماضيين، متعاطفة مع الوزير المشاكس، بدليل ما تشهده مواقع التواصل الاجتماعي. من اتصلوا بنحاس، من تضامنوا معه من بيوتهم بصمت، وهم الأغلبية.
في المرحلة الأخيرة، بدت بعض «القيادات البرتقالية» جزءاً لا يتجزأ من النادي السياسي التقليدي اللبناني، بمنظومة مصالحه الاقتصادية المتطابقة. شبهها البعض بأداء بعض مكونات «الحزب الجمهوري» في الولايات المتحدة الأميركية الذي يدافع عن مصالح الأغنياء وعن الضرائب المفروضة عليهم، ويتغنّى بمظاهر «البهرجة».
ولكن شربل نحاس لم يُقطع من شجرة. بكل بساطة، يمكن القول إنه صار الأول بين «نظرائه». في أوساط الشباب «العونيين». مثلهم الأعلى. لم يعد ذلك «البعبع اليساري» الذي يأكل «الليبراليين»، وإنما صار مناضلاً يشبههم، يعيدهم إلى جذورهم، إلى عنادهم في الدفاع عن معتقداتهم، «إلى زمن الأبيض والأسود، حيث لا مكان للرمادي وتسوياته»، كما يقول أحد الناشطين «البرتقاليين».
بدت القاعدة «العونية» بالأمس منسجمة مع ذاتها، أكثر من قيادتها. صادقة مع مبادئها ومعتقداتها. لم تتنّكر لـ«ألف باء» دخولها الحياة السياسية. قبل أن تصبح معجونة بخميرة التسويات التي تُفسد.
لم يهضم ناشطون عونيون كثر السيناريو الغامض الذي دفع وزير العمل إلى تقديم استقالته. بدوا مصدومين. بنظرهم ثمة حلقة مفقودة ينتظرون من يفُك شيفرتها، ليبنى على الشيء مقتضاه. إذاً «ليس مقبولاً أن تعترف الدولة اللبنانية بأمها وأبيها لنحاس بصوابية موقفه، ثم يتخلى عنه أهل بيته».
تحويل «أزمة نحاس» إلى أزمة داخل «البيت البرتقالي»، زاد من غموض «السر الكبير» الذي أدى الى تطيير وزير العمل. نواب عونيون جاهروا بموقفهم في التكتل وخارجه الى جانب نحاس. في المقابل، ثمة طبقة «برتقالية» تعتبر نفسها أكثر انغماساً في مطبخ قيادتها، وضعت أمام سائليها سلّة متكاملة من المقومات التي تعتبر أن استقالة نحاس «ليست آخر الدنيا». هؤلاء صاروا يجيدون لغة التسويات، ولذلك بدوا متفهمين أكثر من اللزوم لتلك النهاية التراجيدية للمغامر شربل نحاس.
في جعبة هؤلاء، الكثير من الأسباب التي دفعت بـ«وزير العمال» إلى تقديم نفسه ضحية على مذبح التفاهمات الكبرى، والتي تلقي المســؤولية بالتساوي، على نحاس، وعلى قيادته. تراكمات كثــيرة تعود لأشــهر خلت، معظمها يتصل بسوء الإدارة الســياسية هي التي أوصلت إلى الحائط المسدود، «واذا استمرت الإدارة نفسها، سنتعثر بمطبات كثيرة من الآن وحتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة».
إنها الإدارة السياسية، وهنا يكون الكلام في معرض تحميل المسؤولية لـ«الجنرال» من دون تسميته وللوزير جبران باسيل «على الطاير». يتقاسم المسؤولية معهما «عداً ونقداً» الحلفاء وخاصة «حزب الله»، الذي كان مطلوباً أكثر من مرة أن يضرب يده على الطاولة لمنع الانزلاق الى مطارح يصعب فيها إيجاد خطوط للرجعة الى الوراء.
حسب هؤلاء أيضا، دعوة الى نزع صفة «البطولة»: «لطالما طلبنا منه خدمات في زمن وزارة الاتصالات ثم وزارة العمل ولم يتجاوب معنا. كان يتصرف معنا على اساس أنه وحده (نحاس) على حق وغيره مخطئ دوماً، يرفض التنسيق مع شركائه وحتى مع وزراء في «التكتل». يختبئ وراء «البيروقراطية» لتكديس الملفات على طاولته»... وبالنتيجة «كان لا بدّ من قرار حاسم، بعدما أعطي هذا الرجل ما لم يعط لغيره».
بالمحصلة، تلقى «التيار الوطني الحر» صدمة سلبية، باعتراف أهله. ولكنه هل سينجح في استثمارها والتعلم من درسها لمراجعة أدائه، مع مكوناته أولاً، مع حلفائه ثانياً، سواء على طاولة مجلس الوزراء، أو تحت قبة البرلمان، أو في بيته الداخلي؟