.... وأخيراً تحرك الملف، بفعل تدخل رسمي لبناني لدى السلطات الفرنسية التي قررت استجواب مدير استخبارات سابق كان قد اعترف علناً بـ«مؤامرة»اعتقال جورج إبراهيم عبد الله. هي نسمة حرية يتنشقها الأسير اللبناني علها تكون فاتحة انتهاء مأساته المستمرة منذ 28 عاماً
عثمان تزغارتباريس | خمسة أيام فقط كانت كافية لتحريك ملف عميد سجناء الرأي العرب في فرنسا، جورج إبراهيم عبد الله، بعد إثارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قضيته رسمياً خلال التقائه نظيره الفرنسي فرانسوا فيون، الجمعة الماضية. وكانت مصادر رئاسة الحكومة قد صرحت بعد اللقاء بأن فيون «تعهد أن ينقل الطلب اللبناني بالإفراج عن عبد الله إلى الجهاز القضائي الذي تعود له صلاحية بتّ الأمر، بحكم الفصل بين السلطات في فرنسا». ورأى بعض خبراء القانون هذا القول بمثابة «ضوء أخضر سياسي» من الحكومة للإفراج عن المناضل اللبناني المحتجز منذ ٢٨ سنة في السجون الفرنسية.
فرغم حديث فيون عن استقلالية القضاء، إلا أن النيابة العامة التابعة مباشرة لوزارة العدل هي التي تعرقل دورياً الإفراج عن جورج عبد الله، بعدما وافقت الإدارة القضائية المكلفة إجراءات العفو وتنفيذ الأحكام على إطلاق سراحه منذ تشرين الثاني ٢٠٠٣. ورجّح الخبراء أن تجد قضية عبد الله طريقها للانفراج، وفق إجراء روتيني، من خلال تقديم هيئة الدفاع طلباً جديداً لإطلاق سراحه، بحكم انتهاء فترة سجنه، لتوافق الإدارة القضائية على ذلك، كما تفعل كل ستة أشهر، منذ قرابة ١٠ سنوات. ويكفي أن تعطي وزارة العدل تعليمات للنيابة العامة بعدم الطعن في القرار، ليستعيد السجين اللبناني حريته على الفور. لكن «سفاح المرافعات»، المحامي جاك فيرجيس، اختار ـــــ كعادته ـــــ استراتيجية مغايرة لن تكتفي بالإفراج عن جورج عبد الله بحكم انقضاء مأمورية سجنه، بل ستفضي ـــــ في حال المضي بها إلى الآخر ـــــ إلى إلغاء الحكم الصادر عليه وإعادة محاكمته ليخرج بريئاً من المحكمة. وكشف فيرجيس في اتصال هاتفي مع «الأخبار» أن قاضي التحقيق في باريس استدعى ظهر أمس مدير الاستخبارات الفرنسية الأسبق، إيف بونيه، لاستجوابه بخصوص تصريحاته الأخيرة التي اعترف فيها بأن جورج عبد الله كان ضحية «مؤامرة» دبّرها جهاز «دي أس تي» الذي كان يديره. وكان بونيه قد اعترف الشهر الماضي في حديث لـ«الأخبار» بأن جورج عبد الله كان ضحية «مؤامرة أمنية مخالفة للقانون». وأضاف عند سؤاله عن تورط الاستخبارات الفرنسية في استعمال أحد محامي جورج عبد الله للتجسس عليه وتلفيق الأدلة ضده: «لقد تصرفنا في هذه القضية بالفعل مثل الزعران»! وطالب بونيه بالإفراج عن عبد الله، قائلاً: «يجب عليَّ اليوم أن أضم صوتي إلى المنادين بالإفراج عنه. فقد آن الأوان لوضع حد للظلم الكبير الذي ألحقناه به». وبالرغم من أن هذه التصريحات جاءت متأخرة ٢٨ سنة، إلا أنها أثارت جدلاً كبيراً في فرنسا، وخاصة أن بونيه جدد اعترافاته في حوار مع تلفزيون «فرانس ٢٤». واستعمل فيرجيس تصريحات بونيه لمطالبة القضاء بإعادة فتح ملف القضية. ويرتقب، بعد استجواب بونيه وإثبات المعطيات الجديدة التي جاءت بها اعترافاته، أن يرفع قاضي التحقيق تقريراً قضائياً إلى لجنة مراجعة الأحكام، التي تعود لها صلاحية بتّ مدى طعن هذه المعطيات الجديدة في نزاهة المحاكمة التي أدين فيها جورج عبد الله بالمؤبد سنة ١٩٨٧. وإذا أقرت اللجنة بأن تلك المحاكمة لم تكن منصفة، يُلغى الحكم تمهيداً لإقامة محاكمة جديدة. ومن المستبعد أن توافق السلطات الفرنسية على إقامة محاكمة جديدة، لأن فيرجيس سيستغلها ـــــ كعادته ـــــ لنشر الغسيل الوسخ للاستخبارات الفرنسية. والأرجح أن المحامي الشهير يريد بهذا المسعى استدراج السلطات الفرنسية إلى التعجيل بإجراءات الإفراج الإداري عن جورج عبد الله، لاستباق محاكمة جديدة ستسفر عن فضيحة قضائية مدوية. بذلك يريد فيرجيس قطع الطريق أمام أي ضغوط أميركية أو إسرائيلية جديدة لعرقلة الإفراج عن السجين اللبناني، وهو ما حذّر منه «سفاح المرافعات» في مؤتمر صحافي عقده بالاشتراك مع الإعلامي ألان غريش، إثر التظاهرة التي نظمتها اللجنة الدولية لمساندة جورج عبد الله في باريس، بالتزامن مع زيارة الرئيس ميقاتي. وقال فيرجيس: «عندما وافقت الإدارة القضائية (الفرنسية) على إطلاق سراح جورج عبد الله، سنة ٢٠٠٣، تدخل جورج بوش وكوندوليزا رايس رسمياً للقول إن أميركا لن تسمح بذلك. وقد انبطحت الحكومة الفرنسية أمام تلك الضغوط مثل العاهرة!».
www.youtube.com/embed/SaJjoNhmWAw