أصحاب العمل يحفرون حفرة بدل النقل ويقعون فيها
يُمكن القول إنّ لمعركة تصحيح الأجور وتحصيل حقوق العمال وجهين الآن: الأوّل هو تحصين الأجور عبر دمج بدل النقل والمنح التعليمية فيها، ويُبدي فيه أصحاب العمل رفضاً شرساً للتصحيح. والوجه الثاني هو نزع صفة التمثيل عن قيادة الاتحاد العمالي العام، وفي إطاره نُظّم تحرك رمزي ضدّ هذه القيادة أمس، هو باكورة التحرّكات بحسب ما توعّد المنظمون
استهجن رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة، محمد شقير، في بيان أمس عدم توقيع وزير العمل شربل نحاس مرسوم تحديد بدل النقل (لأنه يخالف القانون)، مشيراً إلى أنّ «ذلك يخالف الإجماع الوطني على ملف تصحيح الأجور، ويضع عقبات جديدة أمام إنهاء هذا الملف المفتوح منذ نحو أربعة أشهر».وسأل شقير: «لمصلحة من يحرم الوزير نحاس عمال لبنان بدل النقل ومنحة التعليم؟ وهل يرضيه أن يخسر العامل 325 ألف ليرة شهرياً: 200 ألف ليرة بدل نقل و125 ألف ليرة منحة تعليم؟».
وقال: «إنها سابقة غير معهودة أن يقف وزير ضد مصلحة شعبه وعمّاله، ضارباً عرض الحائط بقرار مجلس الوزراء وكل الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وأهمها مصلحة العمال ولقمة عيشهم». وأعلن «التزام الهيئات الاقتصادية تنفيذ كل بنود اتفاق بعبدا، ولا سيما دفع بدل النقل ومنحة التعليم، سواء وقّع وزير العمل المرسوم أو لم يوقّعه»، وأشار إلى أن قرار مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة بشأن تصحيح الأجور جاء ليؤكد أن «إرادة المجتمع المدني التي تمثلت بوحدة موقف أصحاب العمل والعمال هي التي انتصرت في النهاية»، آملاً أن «تشكل هذه التجربة المضيئة في تاريخ لبنان مثالاً يحتذى في المستقبل للدفاع عن لبنان ومستقبله على المستويات كافة، وخصوصاً الاقتصادية والاجتماعية».ينطوي هذا البيان على ملاحظات عديدة، وفقاً لمستشاري وزير العمل: الأولى، القول بأن العامل يتقاضى شهرياً مبلغ 325 ألف ليرة يعدّ اعترافاً بأنّه أجر لا يجوز خفضه، وبالتالي يساند شقير بذلك موقف وزير العمل المصرّ على إدخال هذا المبلغ في الأجر فوراً، لكي لا يُستفرد بأي عامل أو موظّف من قبل صاحب العمل، ويخسر بالتالي جزءاً حيوياً من أجره. إلّا أنّ شقير لا يعني ذلك حتماً، بل هو يمهّد لتغطية أصحاب العمل الذين بدأوا استطلاع الفرصة لإلغاء ما يسمّى «بدل النقل» و«المنحة التعليميّة»، وهذا ما يمكن أن يُثير غضباً واسعاً كان وزير العمل يستجديه من العمّال والموظفين في خضم معركته المفتوحة لصون حقوقهم وتحصين أجورهم. ولن يأبه وزير العمل إذا طاولته اتهامات «مفبركة» بأنّه السبب وراء هذا «الإلغاء» إذا كان العمّال والموظفون سيدركون أنّ الأوان قد آن للدفاع عن مصالحهم، فالمراسيم غير القانونية الصادرة منذ عام 1995 لتحديد بدل النقل والمنحة التعليمية لم تحم حقوق نصف الأجراء الذين لا يتقاضون هذا البدل وتلك المنحة، بحسب دراسة البنك الدولي لعام 2010. أمّا الملاحظة الثانية، فعلى شقير أن يقرّر إمّا أنّه مع الذين وقّعوا «الاتفاق الرضائي» يمثّلون من وقّعوا باسمهم، أي أصحاب العمل والعمّال، وبالتالي فإن من يتقاضى بدل النقل والمنحة التعليمية سيستمر بتقاضي ما التزمه هؤلاء، وإمّا أنّهم لا يمثّلون سوى أشخاصهم وبالتالي عليهم أن ينزعوا صفة «الرضائي» عن اتفاقهم، وبالتالي يصبح مرسوم تصحيح الأجور الصادر عن مجلس الوزراء بلا أي غطاء من هذا النوع، باعتبار أن من وقّعوه لا يمثلون أحداً! في الجانب الآخر من هذا الاتفاق، أي في صفوف العمال، بدأت التحرّكات على الأرض لنزع صفة التمثيل عن قيادة الاتحاد العمالي العام شعبياً؛ إذ نظّم «اتحاد الشباب الديموقراطي» بمشاركة «قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي» وعدد من «الجمعيات الأهلية» تحرّكاً رمزياً أمام مقرّ الاتحاد بعد ظهر أمس.«فتحوا ملفّ الأجور... قلنا الحالة صارت أحسن... تاري غسان غصن مأجور». بهذه العبارة عكس المعتصمون سخطهم على كيفية إدارة قيادة الاتحاد ـــــ وعلى رأسها بطبيعة الحال غسان غصن ـــــ «معركة الأجور» ومساومتها على حقوق العمال. شعارات كثيرة رُفعت، هتف الناشطون بها وبالمطالب. الأبرز من الأولى كان: «بئس قيادة عماليّة رخيصة تساوم على حقوقنا مقابل حفنة من الدولارات تحت الطاولة. بئس هذه القيادة التي تتهكم على المناضلين بوقاحة».أمّا أبرز المطالب، فراوحت بين سلم متحرك للأجور يتناسب مع نسب غلاء المعيشة وضم بدل النقل إلى أساس الراتب إلى «ضرائب تصاعدية تطاول الفوائد المصرفية والودائع والأرباح والدخل المرتفع مقابل إلغاء الضرائب على المحروقات وإلغاء ضريبة القيمة المضافة».واللافت في هذا التحرّك هو أنّ أياً من القيادات النقابيّة التي يُفترض أنّها شكّلت إطاراً نقابياً موازياً لقيادة «العمالي» انطلاقاً من معركة الأجور لم تكن موجودة. بل أكثر من ذلك، إنّ الجهة «السياسيّة» التي يُفترض أن توفّر الثقل في هذا التحرّك غابت قيادتها وحشودها ـــــ الحزب الشيوعي.رغم ذلك، يبقى الشباب الداعون إلى الاعتصام، أي «اتحاد الشباب الديموقراطي»، مؤمنين بالقضية التي يُفترض أن يكون الاعتصام جزءاً من التحرّكات لمناصرتها. فيوم أمس كان العنوان «رفض نهج قيادة الاتحاد العمالي العام ورفض ادعائها التكلم باسمنا. نحن عمال ومستخدمون وموظفون شباب نحن طلاب ومعطّلون عن العمل».«نحن أتينا اليوم لنقول إن هذه القيادة لا تمثّلنا»، يقول الأمين العام لـ«اتحاد الشباب الديموقراطي»، عمر ديب. «وقّعت تلك القيادة اتفاقاً مع أرباب العمل باسم العمال والموظفين، لكن تلك القيادة ركبت في انتخابات وهمية في التسعينيات، وليس صحيحاً أنّها تمثّل العمال والموظفين في هذا البلد، هي تمثّل نقابات وهميّة والزعماء الفاسدين».وعن مشاركة الحركة النقابية الرافضة لتوجّهات قيادة «العمالي العام» ـــــ في ملفّ الأجور بالحدّ الأدنى ـــــ أوضح عمر ديب أن «هؤلاء ليسوا مشاركين في التحرّك، لكن نحن ننسّق معهم في التحرّكات، وتحديداً هيئة التنسيق النقابية. كذلك إنّ مطالبنا تتواءم مع مطالب النقابات الرافضة للاتحاد العمالي العام.ويُمكن القول إنّ هيئة التنسيق النقابية، بما تطرحه وتدافع عنه، تُشكّل مثالاً قائماً لما يُمكن أن يكون بديلاً للقيادة القابعة هنا»، أي في المبنى الواقع في منطقة كورنيش النهر، الذي خلا من الحركة الداخلية باستثناء عجقة الأمن، الذي بدا عديده ضعف عدد الناشطين، عند تخوم حرمه.(الأخبار)
14
عدد الاتحادات والنقابات التي أصدرت بياناً الأسبوع الماضي رفضاً للاتفاق الرضائي ولقيادة الاتحاد العمالي العام وإدارتها معركة الأجور
60 %
نسبة الزيادة على الشطر الأوّل التي تطالب بها هيئة التنسيق النقابية، مع زيادة بنسبة 40% و20% على الشطرين اللاحقين من الأجر
الحكومة مسخت الزيادة
أعربت «الهيئة الإدارية لرابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي» عن رفضها الزيادة الهزيلة التي أقرّت للقطاع الخاص وما يُمكن أن يُصاغ على أساسها للقطاع العام. وقالت في بيان إنّه «بدلاً من اعتماد مبدأ الشطور، وبدلاً من ضم بدل النقل إلى صلب الراتب والحفاظ عليه، تمكنت الحكومة من مسخ الزيادة تحت مظلة ما سميّ الاتفاق الرضائي».
العدد ١٦١٧ الثلاثاء ٢٤ كانون الثاني ٢٠١٢