وجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر الإعلام بنصيحة إلى الوزير جبران باسيل: «صارِح اللبنانيين حول ما يحدث في ملف الكهرباء». جاء رد باسيل مكرراً: «إنهم يعرقلون مشاريعي». من هؤلاء الـ«هُم»؟ لم يُجب. اكتفى بإعلانه أنه مستعد للاستقالة، وأنه سيحرك الشارع في اتجاه منازل النواب والوزراء الذين يعرقلون «إصلاحاته»، طالباً من اللبنانيين التوقف عن إحراق الدواليب في الشوارع لكونه يضرّ المارة، لا «المعرقلين»
رشا أبو زكيحلقة التواصل الإعلامي تألّفت. حوالى 30 صحافياً من مختلف الوسائل الاعلامية يحتشدون في غرفة واحدة. الكل يبتسم. صحافيتان تتحدثان عن موعد زواجهما. صحافية جديدة تنظر إلى الحشد بابتهال، توزع ابتساماتها يمنة ويسرى. أخرى ترسم على ورقة أمامها... والوقت يمر. صحافي «ملتزم» يتحاشى قبلة متطايرة من زميلة له، ينجح ويعبّر عن انتصاره بضحكة ممازحة. طال الانتظار في قاعة المؤتمرات في وزارة الطاقة والمياه. أحد الصحافيين يسأل: «شو قولكن رح يقطعوا الكهربا بس يبلش الوزير بالحكي، متل العادي؟». الرد يأتي مع ابتسامة صفراء: «صارت بايخة، شو كل مرّة؟». انتهت الأحاديث. نظرات متبادلة. ولادة صداقات جديدة. حب جديد... الوقت يمر. أحد المصورين لا يستمتع بالمراقبة، اتخذ زاوية في القاعة، واستسلم لغفوة بعد الظهر. الـ«أو تي في» تنتظر النقل المباشر، المنار تريد أن تستبق نشرتها بنقل مباشر مأخوذ عن الـ«أو تي في»... والوقت يمر.اعتاد الصحافيون جلسات التسامر هذه. في كل مرة يُدعون إلى حضور مؤتمر صحافي لوزير الطاقة والمياه جبران باسيل يأتون باستعداد مسبق لحالة الانتظار الطويلة. يسأل الصحافيون أنفسهم عن السبب الذي يضطرهم إلى الحضور والتحمّل، وخصوصاً أن البعض يكون مرتبطاً بموعد آخر. لكن المكتب الإعلامي لباسيل الذي يعرف حالات التململ هذه، يضرب على «الوتر الحساس»، إذ عادة، تكون الدعوة ملغومة بعبارات تحفيزية مثل «هام جداً جداً» أو «طارئ»، أو يكتفي المكتب بتذييل الدعوة بـ«هام»، فتظن الوسيلة الإعلامية أن سبقاً ينتظرها في وزارة الكهرباء.بعد الملل، يصل الوزير. القلوب تدق بسرعة. العيون تراقب تفاصيل باسيل. كلا، هذا ما يظنه الوزير، إلا أن الملل في صفوف الإعلاميين قد فعل فعله. يبتسم للجميع، يخصّ البعض بكلمة «بونجور». تدبّ الغيرة: «بعد هذا الانتظار، لماذا لا تكون الـ«بونجور» لي؟». عادة يبدأ باسيل مؤتمره بزفرة من قلبه، لتظن أن القيامة ستقوم. «لدي خمس دقائق فقط سأقول ما لدي وانطلق إلى مجلس الوزراء، أنا وزير واحترم موعد بداية الجلسات». «ماذا عن النصف الساعة الذي انتظرناه فيه نحن أولاد الـ...؟»، يهمس أحد الحاضرين في أذن آخر.ينطق باسيل: «إنهم يعرقلون مشاريعنا». ينظر إلى عدسات الكاميرات باستياء مصطنع. «سأقول خمس نقاط باختصار. أولاً، في مشروع استئجار بواخر الكهرباء، كررنا استدراج العروض 3 مرات، والمرة الرابعة كانت بمشاركة استشاري دولي وفق مطلب مجلس الوزراء. القضية انتهت، ننتظر موافقة الحكومة، ونتمنى عدم المماطلة في الموافقة على المشروع. ثانياً، أقرّ مجلس النواب مشروع توليد الـ700 ميغاوات، وأعدنا صياغة دفاتر الشروط واضعين حداً لجميع التساؤلات، ونحن حاضرون للانطلاق في التلزيم، نتمنى عدم العرقلة. ثالثاً، هناك إصرار لوقف مشروع مقدمي الخدمات في الكهرباء، لقد وقّعنا العقود، ولكن ما نسمعه في وسائل الإعلام من اعتراضات يؤخّر التنفيذ. رابعاً، في ما يتعلق بوصلة المنصورية، ندرس اقتراحاً لشراء الشقق الموجودة في حرم خط التوتر العالي، وننتظر من مجلس الوزراء الموافقة على المشروع، والمفترض أن يُعرض في جلسة الحكومة المقبلة. خامساً، ننتظر مجلس الوزراء ومجلس النواب لبتّ موضوع خط الغاز الذي لن ينعكس مباشرة على الناس، بل على كلفة تأمين الكهرباء».يستفيض باسيل في حديثه عن التقارير التي رفعها، وسيرفعها إلى مجلس الوزراء. عن عدم المساواة في التقنين بين بيروت والمناطق. عن استفحال سرقة الكهرباء وتأثيرها على التغذية. عن وضع المعامل المهترئة. عن التماسك الاجتماعي. عن التحذيرات والتنبيهات التي يطلقها مراراً في ما يتعلق بضرورة الإسراع في تنفيذ مشاريع الكهرباء. عن مشروع ينوي طرحه يقوم على توزيع التغذية على المناطق بحسب معدلات الجباية. يؤكد أن أعمال الصيانة على المجموعة الغازية الأولى قد انتهت فجر أمس، ما سمح بوضع 210 ميغاوات إضافية على الشبكة ورفع القدرة الإنتاجية إلى حدود الـ1500 ميغاوات، الأمر الذي سينعكس تحسناً ملحوظا في التغذية بالتيار الكهربائي، إلا أن هذا التحسن ظرفي، فالحل لم يتوافر حتى الآن في أزمة التقنين المستمرة.يصمت قليلاً. يستدير لمراقبة ردّ الفعل الذي سيرسمه على وجوه الصحافيين. «المرحلة التي سننطلق إليها في عملية الضغط هي مرحلة جديدة. هذه المرة سنلجأ إلى الشارع». لا علامات استهجان على ملامح الحاضرين. يرفع السقف «لا، لا يجب على المواطنين قطع الطرقات، عليهم أن ينزلوا إلى منازل الوزراء والنواب الذين يعرقلون مشاريع الكهرباء، يجب أن يلحقوا الضرر بهم لا بالمارة على الطرقات». سؤال تطرحه «الأخبار»: «إن كنتم كوزراء في تكتل التغيير والإصلاح مستاؤون إلى هذه الدرجة من الأداء الحكومي، فلماذا لا تستقيلون احتجاجاً؟ أو لماذا لا تحركون قاعدتكم الشعبية التي تقولون إنها كبيرة؟ ومن هم هؤلاء الوزراء والنواب الذين تدعو المواطنين إلى التحرك أمام منازلهم؟». يبتسم باسيل، لن يسمّي أحداً، هذا واضح من ابتسامته، «يلف ويدور»، ويجيب عن سؤال واحد قائلاً: «استقالتنا واردة دائماً، من قال إن هذا الأمر موضوع على الرف؟». تتكرر الأسئلة لتسمية «المعرقلين». لا تجاوب. ينتهي المؤتمر الصحافي.سؤال أخير يلاحقه خلال توجّهه إلى مكتبه: «تقول إن هناك عرقلة في موضوع الـ700 ميغاوات، وتقول إن الوزارة مستعدة للتلزيم. هل أنجزت المناقصة لتوزيع التلزيمات هذه؟». يسير باسيل بسرعة، لا ينظر خلفه، قبل أن يغلق باب مكتبه، يردّ بكلمة واحدة: «كلا».تخرج من المركز الرئيسي للوزارة. من الجنوب رائحة تزعج الوزارة وزوارها، بعضها قريب من طرقات الضاحية الجنوبية. من الشمال أيضاً، تنساب الرائحة من باب المنطقة الشرقية لبيروت. خلف الوزارة. أمام الوزارة. رائحة «الكاوتشوك» ستصل إلى داخل «أسانسور» الوزارة، سترتفع مع الصاعد، وتنزل مع النازل. ولكنها ستبقى هناك. رائحة الكاوتشوك ستلازم هذا «الأسانسور» الذي لم تُقطع عنه الكهرباء... حتى الآن.
الاعتراضات مستمرة
تتكرر منذ أيام حركة حرق الإطارات وقطع الطرقات احتجاجاً على قطع التيار الكهربائي. واللافت في هذه الخطوات المستمرة أنّها تشمل كل المناطق على مختلف انتماءاتها السياسية، بما فيها المحسوبة على فريق السلطة. منذ أسبوع يعمد سكان محيط طريق المطار القديمة إلى قطعها، يحرقون الإطارات فيها ويعوقون حركة السير. ونزل أمس «شباب المطار» للقيام بواجبهم، وسجّلت حالة مماثلة في العباسية (صور)، حيث قطع أهالي المنطقة الطريق العام بين المدينة والعباسية، وكذلك فعل أهالي الدوير والنبطية يوم الأحد. ونظّم أهالي إقليم الخروب والشوف اعتصاماً أمام معمل الجية احتجاجاً على «التقنين القاسي». ويوم السبت وصلت الاحتجاجات إلى صيدا حيث قطع أهالي حيي الصباغ والبعاصيري طريق الجنوب الرئيسية عند تقاطع «سبينيس».
العدد ١٦١٧ الثلاثاء ٢٤ كانون الثاني ٢٠١٢