جوزف عبد الله
كارلوس، الثائر الشيوعي الأممي، مواطن فنزويلي. فنزويلا جمهورية تقع في أميركا اللاتينية. لم تلحق بها اعتداءات الكيان الصهيوني منذ تأسيسه حتى اليوم. ولكن كارلوس بمشاعره الإنسانية الحرة والكريمة، وبحسه السليم اندفع مناضلاً في مواجهة الصهيونية وتبنى قضية العرب الأولى التي تبنته من خلال «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».
كارلوس الذي كانت تحتفي به المقرات القيادية في «النظام العربي الممانع» تعرض للحصار بعدما أنزل هذا النظام ضعفاً قاتلاً بمنظمات المقاومة الفلسطينية اليسارية والقومية، وبعدما باعه هذا النظام في خضم تنازلاته المذلة للرأسمالية العالمية، وانتهى به الأمر أسيراً لدى نظام العدوانية الفرنسية على يد قيادات الخيانة في السودان.
كارلوس هذا تعرض لسلسلة محاكمات ظالمة بالطبع. وتهمته الإرهاب. تخلى عرب الأنظمة الممانعة والعميلة عنه. كما تخلت عنه المقاومات الإسلامية في فلسطين وخارجها. إنها مقاومات لا تستسيغ معنى التضامن الأممي، ولا منطق الجبهات الوطنية!
ولكن بقي لكارلوس الكثير في دنيا العالم! بقي له الأمر الأساسي! بقيت له هويته: مناضل فنزويلي ثائر تفخر به دولته على لسان رئيسها.
تلقى كارلوس في الشهر الماضي رسالة دعم من الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز. ففي 7-11-2011، وبمناسبة إعادة محاكمة كارلوس، قال الرئيس الفنزويلي «بغض النظر عن الاتهامات التي يوجهونها اليه» فإن كارلوس «الوريث الموثوق للثورات الكبرى التي وقعت في حينه من أجل قضية الشعوب ومن أجل عدالة الشعوب». وطلب تشافيز أيضا من وزير خارجيته الاستعلام عن الوضع الموجود فيه كارلوس حالياً كي تتحمل الحكومة مسؤولياتها وتسهر على احترام جميع حقوقه. وأضاف في مكان آخر: «لا يمكن ان نسمح بأن تساء معاملة أي فنزويلي في وقت انه متهم في الخارج».
جورج عبدالله ثائر شيوعي عربي، مواطن لبناني، عاش قضية فلسطين، وخبر العدوانية الصهيونية والغربية على فلسطين ولبنان معاً. فكان من واجبه مواجهة الصهيونية وحلفائها (يوم تخلى معظم المسؤولين اللبنانيين والعرب عن واجباتهم)، لا من موقع التضامن الأممي، بل من موقع الانتماء الوطني للبنان، والقومي لفلسطين. وسقط في أسر السلطات الفرنسية منذ العام 1984 بينما كان يناضل بهوية عربية (جزائرية) رسمية. تخلى عنه الجميع كما تم التخلي عن كارلوس.
ولكن بقي لكارلوس دولة تحترم نفسها، فنزويلا. ورئيس جمهورية، هوغو تشافيز، وحكومة تتابع وضعه عن كثب وبجدية، وتعتز به وبثوريته. بينما كان جورج عبدالله وذووه موضع ملاحقة حثيثة من أجهزة دولته الأمنية نزولاً عند مطالب السلطات الفرنسية، وتنفيذاً لرغباتها.
أنكره رأس كنيسته السابق، أنكر عليه مارونيته ولبنانيته، بما يخالف وصايا الله وهو المؤتمن عليها. وهاجمه رئيس جمهوريته الأسبق أمين الجميل. وباعه للفرنسيين البعض من قيادات «الممانعة اللبنانية» النيوليبرالية في جمهورية «اتفاق الطائف»، وهي التي لطالما نادت بملاحقة الاستكبار العالمي. وتخلت عنه قيادة أحزاب كانت له تجربة في صفوفها.
ولكن بقي لجورج عبدالله الكثير من المناصرين؟ «لجنة أهل وأصدقاء جورج عبدالله»، و«اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني»، والعديد من القيادات الإسلامية والمقاوِمة والشخصيات المناضلة المعروفة من لبنانيين وفرنسيين والتي شكلت بمجموعها «الحملة الدولية لإطلاق سراح جورج عبدالله».
ولقد حاول هؤلاء جميعاً، مجتمعين تارة ومتفرقين طوراً، دفع الدولة اللبنانية إلى لعب دورها والقيام بواجبها تجاه مواطنها جورج عبدالله. ولكن جميع المحاولات ذهبت عبثاً. فلا صوت لمن ينادي! وزير الخارجية الفرنسية الأسبق رولان دوما ومحامي جورج عبدالله يتساءلان: «هل تظن الحكومة اللبنانية أنها ما زالت تحت حكم الانتداب الفرنسي؟».
نستأذن الرئيس الفنزويلي تشافيز السماح لنا بتحويل موقفه من المناضل كارلوس إلى رسالة نوجهها للرئيس ميشال سليمان. فهل يستقبلها الرئيس سليمان؟ وهل يحولها للرئيس نجيب ميقاتي ليحملها معه في زيارته المرتقبة إلى فرنسا؟
جاء كارلوس من فنزويلا ليناضل من أجل فلسطين. احتضنته دولته، وعبرت عن افتخارها به. بينما قام جورج عبدالله بواجبه الوطني دفاعاً عن وطنه وعن قضية العرب الأولى. فما سيكون عليه مبدئياً موقف دولته؟!
إن من حق جورج عبدالله أن يحظى باحترام وطنيته وثوريته من قبل دولته. ومن واجب دولته تجاه مواطنها مساءلة السلطات الفرنسية على الظلم اللاحق بهذا المناضل، ومحاسبتها على تجاوزها للقوانين الفرنسية واستمرارها باعتقال جورج عبدالله تعسفياً.
هل ستصل الرسالة الفنزويلية إلى الحكم في لبنان؟ هل من أذن تسمع؟ وهل من مسؤول يقوم بمسؤوليته؟