للمرّة الثانية، تجد القوى المشاركة في حكومة «كلنا للوطن، كلنا للعمل» نفسها مضطرة إلى النظر في المقاربة التي يطرحها وزير العمل لتحقيق مفهوم «الأجر الاجتماعي». فقرار زيادة الأجور الأخير بات على قاب قوسين أو أدنى من السقوط مجدداً، بفعل حركة الاحتجاج الواسعة التي عبّرت عنها هيئة التنسيق النقابية، وبفعل إعادة التموضع إزاء هذا القرار التي قررها حزب الله، وكذلك بداية التراجع لدى رئيس الحكومة
أعاد حزب الله تموضعه في ملف تصحيح الأجور، وحسم موقفه الى جانب المقاربة التي يطرحها وزير العمل، شربل نحّاس، فقد صرّح وزير الزراعة حسين الحاج حسن، خلال لقاءٍ أمس مع هيئات نقابية ومع جمعية التجار في مكتب كتلة نواب بعلبك الهرمل في بعلبك، «أن الحد الأدنى للأجور الحالي غير كاف على الإطلاق، والزيادة التي أقرها مجلس الوزراء غير كافية ولا تتلاءم مع كلفة المعيشة»، معلناً «دعم مشروع الوزير شربل نحاس بالكامل»، ومؤكداً «عدم وجود أي تمايز أو تناقض مع مواقف تكتل التغيير والإصلاح، وأن تحالف حزب الله مع التيار الوطني الحر ونوابه ووزرائه ثابت وراسخ».
وقال «ما حصل في مجلس الوزراء هو أن الوزير نحاس قدم مجموعة قوانين ومراسيم تحتاج إلى وقت لدراستها، لأن فيها ما هو متعلق بوزارات متعددة أو بتبعات مالية أو بقوانين، ونحن نؤيد المشروع بالكامل، لكن مشروع الوزير نحاس لم يطرح على التصويت، وإن ما طرح على التصويت هو اقتراح من رئيس الحكومة وذكر أنه جاء بناءً على تفاهم مع النقابات العمالية وأرباب العمل. وتبيّن في ما بعد أن الاتحاد العمالي العام وهيئة التنسيق النقابية أعلنا موقفاً سلبياً تجاه ما أقره مجلس الوزراء، ونحن نتبنى مطالب العمال بالكامل، ومع القواعد العمالية ولسنا ضدها». وطالب بـ«متابعة الحوار بين العمال وأرباب العمل ورئيس الحكومة ووزير العمل الذي ينبغي أن يكون حاضراً وشريكاً أساسياً في هذا الحوار».موقف حزب الله، الذي عبّر عنه الحاج الحسن، جاء بعد مراجعة لما سمّي خطيئة التصويت في مجلس الوزراء لمصلحة قرار يتناقض كلياً مع المقاربة التي طرحها وزير العمل، والتي تتضمن تصحيحاً للأجر (بنسبة 17%) ودعماً حكومياً له (بنسبة 9%) لتتجاوز قيمة التصحيح قليلاً ما أقرّه مجلس الوزراء في قراره الأول (إذ إن الزيادة بحسب مقاربة نحّاس ستتراوح ما بين 250 ألف ليرة حداً أدنى و353 ألف ليرة حداً أقصى)، وسيتم ذلك بما يتلاءم مع القوانين ويشمل جميع الأجراء، وتنطوي هذه المقاربة أيضاً على إزالة بعض التشوّهات التي أصابت مفهوم الأجر بفعل ضروب التحايل المعتمدة منذ عام 1995 عبر إعطاء بدل النقل الصفة المؤقتة وغير الملزمة، وبالتالي ضمّ هذا البدل بعد زيادته الى الأجر وفرض تسديده الى جميع الأجراء النظاميين وغير النظاميين واحتسابه في تعويضات نهاية الخدمة ومعاشات التقاعد، والأهم أن هذه المقاربة تهدف الى شمول جميع اللبنانيين بالضمان الصحي وتمويله من الموازنة العامّة لتتحول الاشتراكات المتوجبة لفرع ضمان المرض والأمومة الى زيادة فعلية على الأجر بعد فترة وجيزة ... وهذا يعني أن جميع الأسر اللبنانية من جميع الفئات ستستفيد من تصحيح الأجور عبر زيادة الأجر النقدي أو عبر إعفائها من كلفة الصحّة الباهظة، فضلاً عن التأثيرات المباشرة على الاقتصاد من خلال تمويل هذا المشروع عبر فرض ضرائب على الربح العقاري وزيادة الضرائب على ربح الفوائد، الأمر الذي يساهم بنقل نحو 3500 مليار ليرة من الريوع الى الإنتاج والأسر.وانعكست إعادة تموضع حزب الله دفعاً قوياً للتحرّكات الاحتجاجية على قرار مجلس الوزراء الأخير الذي جاء متعارضاً مع مصالح أكثرية اللبنانيين ومتماشياً مع مصالح قلّة متحكّمة بالثروة والنفوذ، فقد أعلن الحزب التزامه بدعوة هيئة التنسيق النقابية الى الإضراب والتظاهر يوم الخميس المقبل، في حين أن نقاباته بدأت الضغط على قيادة الاتحاد العمّالي العام للانخراط في هذه التحرّكات، وهو ما سيناقشه المجلس التنفيذي للاتحاد اليوم، إلا أن نقابات حركة أمل لا تزال ترفض ذلك، فيما رئيس الاتحاد، غسان غصن، الذي أعلن الرئيس ميقاتي أنه كان مطلعاً على قرار مجلس الوزراء قبل صدوره، لا يزال يدفع باتجاه تأجيل التحرّكات الى ما بعد عيد الميلاد من أجل إجهاضها والحدّ من فعاليّتها.الى ذلك، ظهرت مؤشّرات قوية على بداية تراجع لدى الرئيس ميقاتي نفسه، اذ عقد لقاء أمس مع هيئة التنسيق النقابية وحاول ثنيها عن التحرّك في الشارع، إلا أن الهيئة أصرّت على موقفها، وقال ميقاتي لوفد الهيئة إنه يستصعب العودة عن قرار مجلس الوزراء مرّة ثانية، لكنه مستعد للبحث بأي مخارج ممكنة، مقترحاً أن توافق الهيئة على تمرير قرار زيادة الأجور، في مقابل أن يبدأ مجلس الوزراء بمناقشة بقية البنود الواردة في مقاربة نحّاس، فرفضت الهيئة هذا الاقتراح، وأصرّت على أن مقاربة نحّاس كلّها تمثل الحد الأدنى الذي يمكن أن تقبل به، بمعنى إمّا أن تقرّ بكل بنودها دفعة واحدة، وإمّا أن يسقط قرار مجلس الوزراء لمصلحة تصحيح الأجور بنسب تعوّض فعلياً عن الخسائر التي مني بها الأجراء منذ عام 1996 حتى اليوم، وأبلغت الهيئة ميقاتي أنها تقبل باعتبار الزيادة التي قررها مجلس الوزراء تراكمية، أي أن يكون حدّها الأعلى بقيمة 475 ألف ليرة وحدّها الأدنى 200 ألف ليرة مع زيادة بدل النقل وضمّه الى الأجر ... عندها قال ميقاتي إن الهيئات الاقتصادية لن تقبل بهذا الطرح، ولذلك يفضّل أن يقوم مجلس الشورى مجدداً بإسقاط القرار قانونياً لكي يُعاد طرحه على مجلس الوزراء، طالباً من وفد الهيئة عقد اجتماع اليوم مع مستشاره سمير ضاهر لمناقشة اقتراحات محددة لتصحيح القرار.وكانت الهيئة قد سلّمت ميقاتي مذكرة اعتبرت فيها قرار مجلس الوزراء مهيناً ومذلاً، مطالبةً بتعديله. ورأت أن هذا القرار، في بُعْده وخلفيته، يستهدف دور الحركة النقابية ووجودها، وكأن المطلوب معاقبتها على ما قامت به من تحرك؛ فخفض الزيادة بدلاً من رفعها، وبهذا المعنى فهو يحرض اللبنانيين ضد العمل النقابي من الأساس، إذ كيف يمكن للحركة النقابية القبول بمثل هذا القرار، فتبدو كأنها تحركت كي تأخذ من فئة من الأجراء لتعطي فئة أخرى، حيث تكون قد أنهت نفسها بنفسها، ترى هل هذا هو المطلوب؟وطالبت المذكرة بتصحيح هذا القرار بما يتناسب ونسبة التضخم منذ عام 1996 واعتماد النسب المئوية فعلاً لا شكلاً، وإقرار التغطية الصحية الشاملة لجميع اللبنانيين، وضم بدل النقل بعد زيادته الى الأجر، وتحرير التعويض العائلي، ورفع نسبة الدرجة من أساس الراتب، وشمول المتقاعدين بالزيادة، ورفع أجر ساعة التدريس للمتعاقدين، وزيادة التنزيل الضريبي في احتساب ضريبة الدخل ليصل إلى 1.5 مليون ليرة.(الأخبار)600 ألف ليرة
هو الحد الأدنى للأجور الذي قرره مجلس الوزراء، إلا أن هيئة التنسيق النقابية وجدت أن قرار مجلس الوزراء يخلق حدّين أدنيين للأجور، واحد بهذه القيمة لمن سيدخلون الى العمل بعد صدور المرسوم، وآخر بقيمة 650 ألف ليرة لمن دخلوا الى العمل قبل صدور المرسوم!
ملاحظات هيئة التنسيق النقابية
جاء في مذكرة هيئة التنسيق النقابية الى الرئيس نجيب ميقاتي أن زيادة الحد الأدنى للأجور تراجعت بنسبة ٥٠% عن القرار الأول، حيث كانت الزيادة ٢٠٠ ألف ليرة فأصبحت ١٠٠ ألف. كما جاءت نسبة الزيادة على الحد الأدنى للأجور (٢٠٪) وهي أقل من نسبة الزيادة (٣٠%) التي طاولت الراتب الأعلى منه، لتعود فتنخفض على الراتب الأعلى الذي يليه فتصبح 20% : وهكذا تأتي النسب المئوية متأرجحة نزولاً فصعوداً فنزولاً، من دون أن يحكم هذه الزيادة أي منطق، وهي سابقة في تاريخ تصحيح الأجور. فأصبحت رواتب أعداد كبيرة من الأجراء والموظفين وأجورهم بفعل هذا القرار أدنى مما كانت عليه في القرار السابق.
الاثنين ١٢ كانون الأول ٢٠١١