متى الغضب ما لم يكن الآن؟

محمد زبيب

يستطيع رئيس الاتحاد العمّالي العام غسّان غصن أن يدّعي العفّة ويتنطّح على شاشات التلفزيون ليتهم مجلس الوزراء بمحاباة مصالح اصحاب العمل، إلا أن الرئيس نجيب ميقاتي كان شديد الوضوح والصراحة عندما أقرّ في مجلس الوزراء بأن بعضاً من قيادة هذا الاتحاد شارك في مفاوضات جانبية على مدى اسبوعين، خارج اطار لجنة المؤشّر، أفضت الى التوافق مع ممثلين عن هيئات اصحاب العمل على صيغة قرار زيادة الاجور كما صدرت اخيراً، اي زيادة الحد الادنى للأجور الى 600 الف ليرة بدلاً من 700 الف ليرة في القرار السابق، وزيادة شبه مقطوعة بين 150 الف ليرة و200 الف ليرة على الاجور التي تقل عن مليون ليرة، وزيادة مماثلة بين 200 الف ليرة و275 الف ليرة على الاجور التي تزيد على مليون ليرة... بل قيل أيضاً ان غصن ومن معه وافقوا على عدم زيادة بدل النقل، لكنهم طالبوا بتعويض، فوافق الآخرون على ابقاء الزيادة المقررة سابقاً على منحة التعليم الى 1.5 مليون ليرة!

قد لا يكون غصن ومن معه أيّدوا كلياً ما صدر عن مجلس الوزراء، وقد تكون لديهم ملاحظات معيّنة ابلغوها الى الرئيس ميقاتي او الى المفاوضين الآخرين من هيئات اصحاب العمل، لكنهم في كل الاحوال ارتكبوا فعل التواطؤ على مصالح من يدّعون تمثيلهم، ولم يقوموا بأي جهد لمنع صدور القرار بالصيغة المهينة والمذلّة التي صدر فيها. وبالتالي لن يغيّر الموقف الانشائي ضد القرار الذي صدر امس عن هيئة مكتب المجلس التنفيذي في الاتحاد العمالي العام من هذه الحقيقة شيئاً، ما لم يتطور هذا الموقف «سريعاً» الى حركة فعلية في الميدان تساهم بإسقاط قرار مجلس الوزراء مجدداً، جنباً الى جنب مع هيئة التنسيق النقابية والمجموعات الشبابية التي اعلنت عن سلسلة من التحرّكات لمناسبات وأهداف مختلفة، تبدأ اليوم باعتصام عند الثانية عشرة والنصف من بعد الظهر امام مصرف لبنان بدعوة من مجموعات شبابية وعمالية ونقابية متنوعة بالتزامن مع التحركات العالمية المناهضة للرأسمالية. وتنتقل يوم الاثنين عند الثانية عشرة والنصف من بعد الظهر ايضا لتنفيذ اعتصام امام وزارة الصحّة بدعوة من مجموعة شبابية تطلق على نفسها اسم «حقّي عليي» للمطالبة بحق جميع اللبنانيين بالضمان الصحّي، ثم تنتقل الخميس الى الاضراب والتظاهر عند الحادية عشرة من قبل الظهر من تقاطع بشارة الخوري – السوديكو وصولاً إلى السرايا الحكومية، وذلك من أجل التمسك بمطلب تصحيح الرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص فعلياً لا عبر «المكرمات» وللمطالبة بحق الجميع بالأجر الاجتماعي الذي تنكّر له مجلس الوزراء.

هذه الدعوة الى «صحوة نقابية» ليست موجّهة اطلاقاً الى غسان غصن ومن معه، فهؤلاء لا يمثّلون الا الجهات السياسية التي تشغّلهم لحسابها لا لحساب العمّال والفقراء، وهناك ما يفيض من امثلة «التواطؤ» و«التبعية» و«الخضوع» و«قتل العمل النقابي» في تجارب كثيرة وفظيعة يعرفها الكثير من اللبنانيين... انها دعوة الى نقابيين فعليين غرقوا في احباطاتهم بعدما كانت لهم بصمات بارزة في محطات نضالية حقيقية. انها دعوة الى تلك النقابات العمّالية الفعلية التي لا تزال تمتلك اوزاناً تمثيلية جدّية تفتقدها النقابات «الوهمية» التي زرعها الحلف الجهنمي المسيطر على السلطة لتحتل الاتحاد العمّالي العام وتقضي على اي دور مفترض له كأداة ضغط... انها دعوة الى نقابات المصارف ومصرف لبنان ومؤسسات الكهرباء ومؤسسات المياه ومصلحة الليطاني و«الريجي» وصندوق الضمان و«اوجيرو» ونقابات المطار والمرفأ والنقل وغيرها كثير ممن لا تزال تحفظ ماء الوجه. هل نسيت هذه النقابات انها كانت ولا تزال تجسّد عصب الحركة النقابية العمّالية في لبنان؟ اليست هي ابرز ضحايا «التدجين»؟ الا تنظر هذه النقابات الى ما اصاب قطاعاتها بسبب النهج الحكومي المتبع منذ عقدين؟ اليس ابلغ تعبير عن «الكارثة» هذا الجيش من المياومين والمتعاقدين والاكراء وعمّال الساعة وعمّال المتعهّد الذين يعانون من «الرق» والعمل بالسخرة وغياب الحماية الاجتماعية بهدف الضغط على الاجور في الملاكات والانقضاض على المكتسبات؟ انها دعوة الى نقابات المهن الحرّة التي تضمّ نخباً اساسية لا يمكن ان تواصل تفرّجها على ما يصيب هذا المجتمع بسبب النمط الاقتصادي المدمّر الذي اوجد من جملة ما اوجده فئات فقيرة من الاطباء والمحامين والمهندسين والصيادلة والصحافيين.

البعض يريد أن يقنع نفسه دائماً بأن الوقت الآن ليس وقت التغيير. فمتى يكون اذا اذا لم يكن الآن... الآن تحديداً، حبذا لو يقرأ الجميع المعطيات بدقّة حتى ينفجروا غضباً، اليس هكذا يُفرض التغيير؟

آخر تعديل على Thursday, 15 December 2011 07:30

الأكثر قراءة