جان عزيز
خطير جداً كلام وزير السياحة فادي عبود، ولو في معرض التساؤل الاستنكاري، عما إذا كانت «الامور قد أصبحت وكأن باب الجنة والصلاة والصوم لدى البعض هو بتعذيبنا». خطورة الكلام أنه يستند أولاً الى وقائع وحيثيات يومية. وخطورته ثانياً أنه يشير الى أزمة ثقة على صعيد العلاقات بين أطراف ائتلاف حكومي واحد. لكن خطورته الأهم أن هذا الكلام لا يشي بحسابات مرتبطة بتصرفات أشخاص في الحكم وحسب، بل أيضاً وقبلاً وأصلاً، بتصورات متناقضة لجماعات حيال النظام، تكاد تكون غير قابلة للتعايش معاً ومعه.في الوقائع، أولاً باتت معروفة سلسلة شكاوى وزراء «التغيير والإصلاح»، على مستوى نهج العمل. بعض الأمثلة معبِّر: اعترض شربل نحاس على الصرف خلافاً للقانون على طريقة الحكومات السنيورية، فوضع مشروع قانون الـ8900 مليار. فجأة رفع السنيورة نفسه صوته في البرلمان، فتراجع ميقاتي وفرط أكثرية الحكومة حيال مشروعها وسحبه. في الكهرباء، خاض جبران باسيل معركة شرسة للحصول على بداية مشروعه، فانتهت المسألة الى «مقبرة» مديرية المناقصات، حيث بضعة موظفين من عصور سحيقة، لمتابعة آلاف الملفات، مما يكفي لدفن أي مشروع جدي. في السياحة، بات على الوزير الاستجداء والاستعطاء والشحادة الفعلية، ليقبل السلطان سهيل بوجي باشا الأعظم، بمبدأ البحث في المنَّة الشاهانية، من دون مواعيد ولا آجال. التعيينات يواجهها أهل السرايا بالقول: لم يرفعوا إلينا ثلاثة أسماء بحسب الآلية. ما يجعل الرابية تنتفض ثائرة سائلة: ما هذه المزحة السمجة؟ من من الصحف لم يعلن أسماء كل التعيينات التي أقرتها حكومة ميقاتي، قبل إصدارها حتى؟ ولا نسمي أو نعطي أمثلة، لكن هل ثمة من فوجئ أو بوغت باسم اختير داخل الجلسة من بين ثلاثة مرشحين؟؟الوقائع نفسها تقود الى ما خلفها، وتحديداً الى مستوى العلاقة بين الأشخاص، أو الاتهامات المتبادلة بين «الحليفين الخصمين»:ففي أوساط الرابية ثمة انطباع عمره من عمر تكليف ميقاتي تشكيل الحكومة قبل نحو 11 شهراً. يقال: منذ اللحظة الأولى لتكليفه، اتخذ ميقاتي قراراً بضرورة خلق خصم له داخل الائتلاف الحكومي، ليرسمل على خصومته في الوسط السني، حيث يعاني من العقدة الحريرية النازعة لشرعيته. ومنذ اللحظة الأولى أجرى عرضاً للاحتمالات المتاحة أمامه: هل أخاصم سوريا لأكسب السنة؟ علواه!!! لكن مستحيل، أقصى الممكن في هذا المجال هو القول أنني لم أتصل بالرئيس الأسد منذ أشهر طويلة. هل أخاصم حزب الله؟ ليت الأمر ممكن. لكن أهل الضاحية لا يطيقون المزاح في القضايا الجدية... هكذا يعتقد أهل الرابية أنه منذ أيام تكليفه الأولى، اختار ميقاتي أن يخاصم ميشال عون ليربح سنياً. جسمه لبيس، وخصومته سهلة ومربحة ومستدامة، تكفيها أيام الثلاثاء لتتجدد من دون عناء أو جهد...الاتهام نفسه يبدو مقلوباً من الطرف الآخر: المشكلة أن عون قرر مخاصمتنا. هو في حال ضيق وتبرم شعبياً وتحالفاً داخلياً، ورهاناً خارجياً. ووسط هذه الحال لا مشجب لديه ليعلق عليه مشاكله إلا رئاسة الحكومة: فرنجية حليفه يصوت ضده في موضوع سوكلين، فيسكت. وزير الطاشناق يصوت ضده في التعيينات القضائية، ويعطي تراخيص لشخص شتمه على الشاشات... ويسكت. نبيه بري يفعل به يومياً ما لا يفعله الأعداء، فلا يذكر اسمه. حزب الله يحرجه عبر ممارساته وبيئته وناسه، فيزايد عليه في معركة المحكمة... هكذا لا يبقى له إلا السرايا للمخاصمة... فأمرنا لله.لكن ماذا لو كان خلف المسألة إشكالية أعمق، تلك المرتبطة بحسابات الجماعات حيال النظام؟ في أوساط الرابية لا يخفون البوح عن «كَسرة» عمرها 20 عاماً، اسمها الانقلاب على جوهر الطائف. ثمة من كرس أن رئيس الحكومة هو رأس السلطة الإجرائية، وأنه نظير رئيس الجمهورية في الدستور الأول، وأن الوزراء لا شركاء بل شبه أجراء... إنه انقلاب الترويكا السورية - الشهابي خدام كنعان - لصالح الحريري على جوهر الطائف، لا يزال سارياً ونافذاً وصار «خصلة»، ونحن نعاني لأننا نرفضه ونحاول إعادة الأمور الى الطائف الأصيل...ولا يتأخر الاتهام المقابل: ميشال عون يمثل جوهر الجمهورية الأولى، جمهورية الحاكم الماروني غير المسؤول، وحلم النظام الرئاسي غير المعلن، ووهم العودة إليه بالممارسة، وبالانقلاب على «مكتسبات» الطائف...من يقدر على التوفيق بين كل تلك لتقطيع المرحلة؟ سنة 2000، عندما عاد رفيق الحريري الى الحكومة، قيل إن غازي كنعان تولى صياغة معادلة العودة: أقنع كنعان الحريري بأن إميل لحود ليس الياس الهراوي، ليتعامل معه على طريقة أبو جورج. ثم أقنع لحود بأن الحريري ليس سليم الحص، ليحكم من خلفه بواسطة ضباط الوزارات... مطلوب معادلة مماثلة اليوم، لكن بلا غازي ولا غزاة ولا أحلام غزوات.