مضى 11 شهراً على تسلّم قوى 14 آذار المعارضة. طوال هذه الفترة لم يقم المعارضون بأي خطوة لإسقاط الحكومة أو لتفعيل دورها في هذا الموقع. طوال هذه المدة، حوّلوا مشروعهم المعارض شمالاً وجنوباً، صوب لاسا وترشيش وأخيراً في الزهراني، من دون أن يعني ذلك أنهم سيكسبون المعركة بفعل تفخيخ داخلي في الحكومة
نادر فوزوعدت قوى 14 آذار نفسها وجمهورها بمعارضة بنّاءة يوم سقط الرئيس سعد الحريري. قبل 11 شهراً، حمل هذا الفريق الكثير من الملفات والشعارات المرافقة لها وتوجّه إلى فندق البريستول معلناً ولادة وثيقة سياسية جديدة مناسبة لموقعه الجديد خارج الحكم. على مرّ الأشهر الماضية، توالت الأحداث والأزمات في الداخل والخارج، تبدّلت أشكال هذه الوثيقة وعناوينها من دون المساس بمضمونها وأساليب طرحها وتطبيقها. وأصرّت هذه القوى على أنّ مشروعها المعارض قائم، وأنه سيتبلور مع الوقت ليثمر. نام فريق 14 آذار طوال هذه المدة، وإذ به يعلن قبل أيام انتصاره في معركة تمويل المحكمة الدولية. كيف ذلك؟ جواب المعارضين يأتي على النحو الآتي: ليس مهماً كيف ومن وأين، المهم هو النتيجة. على الرغم من أنه لم يعد خفياً على أحد أنّ إصرار الرئيس نجيب ميقاتي على تمويل المحكمة جاء من اقتناع شخصي وبفعل ضغوط مورست عليه، وهي ضغوط لا علاقة لقوى 14 آذار فيها.وتجدر الإشارة إلى أنه حين قرّرت هذه القوى الضغط على ميقاتي وحلفائه في لبنان وسوريا، استبق رئيس الحكومة هذه الخطوة وأخذ الأمور على عاتقه، فـ«نفّسها » ونفّذ الأمر على طريقته. وبالتالي ليس لقوى 14 آذار «أي جميل» على المحكمة وتمويلها.لا يملك فريق المعارضة خطاباً وممارسة جديين يمكّنانه من ملء مكانه في المعارضة. يقتصر هذا الخطاب على سلسة من العبارات لا غير: الحكومة ماتت وتنتظر من يدفنها، الحكومة في موت سريري، الحكومة ولدت ميتة، الحكومة سقطت يوم تأليفها، الحكومة ستصطدم بالفراغ. فهل يطمح المعارضون للعودة إلى السلطة عبر الموت والدفن والفراغ والسرير؟وإذا عدنا أشهراً إلى الوراء، يقول هذا التجمّع إنه اتّخذ خيار المعارضة الديموقراطية البرلمانية. قبل ذلك، كانت هذه القوى قد لجأت إلى الشارع، يوم 25 كانون الثاني، في «يوم الغضب» احتجاجاً على تكليف الرئيس ميقاتي تأليف الحكومة. لم ينجح توجّه الشارع، فسحب من جدول أعمال المعارضين وجرى التمسّك من جديد بالمعارضة السليمة الديموقراطية البرلمانية.لمع هذا الخيار من 5 إلى 7 تموز، في جلسات منح الثقة لحكومة ميقاتي. يومها، قال المعارضون: «أصوات نوابنا ستصدح في القاعة العامة معلنة سقوط الحكومة ». صدحت بعض الأصوات الفردية، لكن صوت الجماعة كان باهتاً، ونقاشهم لم يختلف عن سائر النقاشات الأخرى، السابقة واللاحقة، التي يمكن متابعتها يومياً في حلقات الحوار المتلفزة.نال ميقاتي ثقة مجلس النواب، وتابعت قوى المعارضة خيارها الديموقراطي السلمي. تحضر كتل المعارضة إلى مجلس النواب عند أي جلسة عامة أو جلسة مساءلة، تتوقف عند كل كلمة يقولها الوزراء ويحاولون محاججتهم. وحده النائب مروان حمادة ينجح في استفزاز خصومه عند مطلع كل جلسة، يدلو بدلوه حيال سوريا والوضع اللبناني ويخرج من القاعة مسرعاً إلى مقهى «ساحة النجمة». خارج القاعة العامة، اعتمد نواب 14 آذار على سياسة التصريح لوسائل الإعلام للهجوم على الحكومة ودعم «الثورة السورية». لكن هذه الورقة سقطت أيضاً، باعتبار أنّ فريق الرئيس نبيه بري تدارك الأمر واعتمد سياسة جديدة في ضبط التصريحات في مجلس النواب، فمنعت التصريحات «الفوضوية» وخصص منبر للإدلاء بالمواقف، وهو ما خفف وتيرة التصريحات وحصرها بعدد محدود من النواب. حتى هذا التفصيل الصغير أزعج قوى 14 آذار وضيّق عليها ملعبها.ثمة ما يمكن إضافته إلى أداء المعارضين في مجلس النواب، هو انصياعهم لـ«أوامر» الرئيس بري خلال الجلسات؛ إذ تراجعوا عن القضايا التي كانوا ينوون مناقشتها في المجلس جراء تهديد بري برفع الجلسات، فلم يقدموا على أمر يدلّ على كونهم خارج السلطة ويريدون إسقاط الحكومة.آخر حركات المعارضة البرلمانية تتمثّل بانسحاب نواب 14 آذار من جلسات لجنة المال والموازنة وإعلانهم تعليق مشاركتهم فيها احتجاجاً على أداء رئيسها وسير النقاشات فيها. هذا الإجراء يمكن أن يسجّل في حدّه الأقصى ضربة معنوية لفريق السلطة، باعتبار أنّ النصاب لا يزال موجوداً لعقد جلسات اللجنة التي لن تتأثر بغياب المعارضين.طوال 11 شهراً، يمكن القول إن الفشل طاول الجميع، في السلطة والمعارضة. قبل أشهر انحرف خطاب المعارضين من إسقاط الحكومة إلى «إسقاط شبكة حزب الله في ترشيش». وقبلها قضية لاسا. واليوم قضية محطة الزهراني لتوليد الكهرباء. إخفاق تلو آخر وتراجع بعد آخر. في الوقت نفسه، لا يعني ذلك أنّ الحكومة لن تفخّخ نفسها، وأنّ قوى 14 آذار ستنسب إلى نفسها هذا الانتصار. ويقول المعارضون إنهم ينتظرون إثارة الوزراء ملف التعيينات ليتحرّكوا ويثبتوا موقعهم وشعبيّتهم.يرى عدد من قياديي المعارضة أنه لا ضير في أن تسقط الحكومة لوحدها من دون أي جهد، باعتبار أنّ هذا يريح صفوف 14 آذار التي تعدّ نفسها لمرحلة ما بعد ميقاتي. هذه التحضيرات بدأت أمس إثر بعض اللقاءات التي جمعت مستشار وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، جيفري فيلتمان، مع عدد من قياديي «ثورة الأرز».
سندويشات من جديد؟
قبيل وصول جيفري فيلتمان إلى بيروت أمس، سأل عدد من شخصيات 14 آذار عن إمكان عقد اجتماع موسّع مع الضيف في عوكر. تلقّت هذه الشخصيات آراءً مختلفة تصبّ بمعظمها في أنّ لقاءً ما سيجمع القيادات الوسطية بفيلتمان، الأمر الذي دفع عدداً من زملائه إلى التساؤل عما إذا كانت عوكر ستقدّم مرة جديدة لضيوفها «سندويشات» بدل إقامة مأدبة طعام.