مرّ قطوع جلسة مجلس الوزراء أمس، بمشاركة وزراء تكتل التغيير والإصلاح تحت عنوان «مشروع زيادة الأجور الذي قدمه وزير العمل»، ولكي «يستطيع الجميع أن يعيّدوا بسلام». إلا أن مشروعهم سقط بأصوات حلفاء، وحتى من أهل بيت التكتلنجت الحكومة من مطبّ المقاطعة، بعد غداء أقطاب تكتل التغيير والإصلاح الذي قرر المشاركة في جلسة بعبدا أمس لتقديم زيادة الأجور «عيدية» للبنانيين. وهي جلسة بدأت بمناكفة غير رسمية، حين توجه رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى وزراء التكتل قائلاً: «الحمد لله على السلامة»، قبل أن يردف بما يشبه الرسالة: «على كل حال الحكومة هي اللي بتشوف أولوياتها»، فردّ وزير الطاقة جبران باسيل رداً غير مباشر، بفتح ملف تمويل المحكمة قائلاً: «o.k مولتوا، لكن هناك طلبات ترد من المحكمة إلى الوزراء، فقولوا لنا ماذا نفعل؟». لكن عندما بدأت الجلسة رسمياً، شدد سليمان ورئيس الحكومة على ضرورة طيّ صفحة الماضي ومناقشة كل المواضيع داخل مجلس الوزراء.لكن ما حضر وزراء التكتل لأجله، وهو مناقشة مشروع وزير العمل شربل نحاس لزيادة الأجور، لم تكن نتيجته كما يتمنون؛ إذ أُقرّ ما سمّاه عدد من الوزراء «مشروع ميقاتي». ورأت مصادر قريبة من الرابية أن كل شيء كان معدّاً سلفاً لإسقاط مشروع نحاس في جلسة أمس؛ «فما كاد وزير العمل ينهي شرح مشروعه، حتى ظهر مشروع آخر جاهز، مطبوع ولا يحتاج إلا للتوقيع، وعرض «powerpoint» على الشاشة الكبيرة لتبريره»، وقيل في الجلسة إنه جاء نتيجة مباحثات جانبية جرت على مدى الأسبوعين الماضيين بين فريق رئيس الحكومة وممثلين عن الهيئات الاقتصادية وقيادة الاتحاد العمالي العام. ووصفت هذه المصادر المشروع البديل بأنه يتضمن زيادة على الأجور «أسوأ من السابقة التي رفضها مجلس شورى الدولة لتعارضها مع الدستور والقوانين والاتفاقيات المبرمة».وقد جرى التصويت على المشروعين، ففاز مشروع ميقاتي بأكثرية أصوات الحاضرين، ولم يعارضه سوى 7 وزراء من تكتل التغيير والإصلاح، هم إلى جانب نحاس وباسيل: نقولا صحناوي، فادي عبود، غابي ليون، فايز غصن وبانوس مانجيان. في حين أن وزيري حزب الله أبديا دعمها لمشروع نحاس، لكنهما صوتا للمشروع الآخر مع وزراء حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسي الجمهورية والحكومة والوزير فيصل كرامي، إضافة إلى وزير حزب الطاشناق فريج صابونجيان، فيما غادر الجلسة قبل التصويت الوزيران شكيب قرطباوي ووائل أبو فاعور.وبعد التصويت، طالب الوزير محمد فنيش بإقرار بنود أخرى من مشروع نحاس، كبند تشجيع توظيف الشباب الباحثين عن أول عمل، وشدد على ذلك الوزير علي حسن خليل «وخاصة في ظل ما حكي في بداية الجلسة عن فتح صفحة جديدة وضرورة تفعيل العمل الحكومي وعن الإيجابية في بحث مختلف الملفات»، وطلب خليل من ميقاتي طرح هذا البند على المجلس، فوافق ميقاتي وجرى تبني الاقتراح.وعن موقف وزيري حزب الله، قال فنيش إن تصويته والوزير حسين الحاج حسن لمصلحة اقتراح ميقاتي لتصحيح الأجور، ليس مرتبطاً بالسياسة أبداً، لكنه يهدف حصراً إلى القول إن الحزب لا يعارض تحسين الأجور. وأعلن أنه يؤيد منهجية مقاربة نحاس لقضية الأجور، وخاصة أنها توقف «الاحتيال على الرواتب»، لكن ما طرحه نحاس بحاجة إلى بحث، ولا سيما أنه يحمّل الخزينة مسؤولية تسديد الاشتراكات للضمان الاجتماعي، ومجمل مقاربته بحاجة إلى إصدار قوانين. لهذا السبب، جرى الفصل بين تصحيح الأجور وفق المقاربة القديمة وباقي بنود مشروع نحاس التي تحتاج إلى درس إضافي.ووصفت مصادر وزارية من قوى 8 آذار لـ«الأخبار» أجواء الجلسة بأنها كانت هادئة، متوقفة عند مغادرة قرطباوي للجلسة قبل التصويت، «ما يدل على أن لا أحد كان يريد احتساب الأصوات». ورأت أن تصويت أحد وزيري الطاشناق إلى جانب اقتراح ميقاتي يدل على أن التصويت لم يكن سياسياً، مضيفة أن وزير المردة فايز غصن كان حائراً، ولما تيقن أن صوته لن يقلب دفة التصويت، قرر تسجيل موقف إلى جانب وزراء التيار الوطني الحر. وخلصت إلى أن أجواء الجلسة لا تشير إلى تبعات سياسية لما جرى داخل مجلس الوزراء لناحية موقف التيار الوطني الحر من المشاركة الحكومية.
قرار زيادة للأجور
ينص القرار الفائز على زيادة الحد الأدنى للأجور من 500 ألف ليرة إلى 600 ألف، وزيادة الأجور التي تراوح ما بين 500 ألف ليرة ومليون ليرة بنسبة 30%، على ألا تتعدى قيمة الزيادة 200 ألف ليرة، ما يعني أن الزيادة ستكون مقطوعة، باعتبار أن كل أجر يتجاوز 500 ألف ليرة ستصيبه نسبة زيادة تقل عن 30%. كذلك ينص على زيادة الأجور التي تزيد على مليون ليرة بنسبة 20%، على ألا تتعدى قيمة الزيادة 275 ألف ليرة، وهذه النسبة ستتحول أيضاً إلى زيادة مقطوعة لكل أجر تتجاوز قيمته مليوناً و375 ألف ليرة، إضافة إلى زيادة المنحة التعليمية من مليون إلى مليون و500 ألف ليرة، مع إبقاء بدل النقل على حاله من دون زيادة، أي 8000 ليرة عن كل يوم عمل فعلي، وكذلك إبقاؤه خارج الأجر، بحيث يمكن أصحاب العمل التهرب من دفعه للأجراء، أو دفعه من دون التصريح عنه لدى صندوق الضمان، وبالتالي عدم احتسابه في تعويضات نهاية الخدمة أو معاشات التقاعد.ولفتت مصادر معنية إلى أن القرار الجديد يعطي الأجراء مكاسب أقل من قرار جلسة 12 تشرين الأول الماضي، الذي نص على زيادة الحد الأدنى إلى 700 ألف ليرة، وإعطاء الأجور دون المليون ليرة زيادة مقطوعة بقيمة 200 ألف ليرة، والأجور بين مليون ومليون و800 ألف ليرة زيادة مقطوعة بقيمة 300 ألف ليرة، فضلاً عن زيادة بدل النقل إلى 10 آلاف ليرة والمنحة التعليمية إلى مليون و500 ألف ليرة.أما المشروع الذي عرضه نحاس، فيرمي إلى ضم بدل النقل بعد زيادته إلى الأجر، ليصبح الحد الأدنى للأجور الحالي قبل تصحيحه بقيمة 736 ألف ليرة، ثم تصحيح الجزء الأول من الأجر حتى مليون ليرة من الأجر الفعلي بنسبة مؤشر ارتفاع الأسعار منذ عام 2008 البالغة 17%، ليرتفع الحد الأدنى إلى 861 ألف ليرة، ثم إضافة دعم مباشر من الدولة يوازي قيمة الاشتراكات التي يسددها الأجراء وأصحاب العمل لصندوق المرض والأمومة، أي بنسبة 9% حتى جزء من الأجر الفعلي يبلغ مليوناً و500 ألف ليرة، أي أن الحد الأدنى للأجور سيرتفع إلى 938 ألفاً و500 ليرة، وسيتحول هذا الدعم إلى زيادة فعلية على الأجر فور إقرار وتطبيق تعديلات قانون الضمان الاجتماعي باتجاه شمول جميع اللبنانيين المقيمين بتقديمات صندوق المرض والأمومة وإلغاء الاشتراكات. وهذا الاقتراح ينطوي على زيادة الحد الأدنى للأجور بقيمة 250 ألفاً و500 ليرة، وسترتفع قيمة هذه الزيادة تدريجاً لتبلغ 353 ألف ليرة للأجور فوق مليون و500 ألف ليرة.كذلك يطرح وزير العمل في مشروعه تطبيق قانون الضمان الذي ينص على إنشاء صندوق التعويضات العائلية والتعليمية، وبالتالي رفع الاشتراكات في هذا الصندوق إلى 9%، في مقابل أن يستفيد الأجير المضمون من مبلغ 40 ألف ليرة شهرياً عن كل ولد في المدرسة أو الجامعة بحد أقصى يبلغ 160 ألف ليرة، أي إن منحة التعليم كانت سترتفع من مليون ليرة حالياً عن ولدين، إلى مليون و920 ألف ليرة عن 4 أولاد، أي بمعدل 480 ألف ليرة عن كل ولد مهما كان نوع المدرسة أو الجامعة. وقال نحاس خلال عرضه إنه لا يجوز أن يستمر النظام المؤقت بدعم التعليم الخاص على حساب التعليم العام من خلال التمييز في قيمة المنحة لمصلحة المدرسة الخاصة أو الجامعة الخاصة.وبعد صدور القرار الجديد، تباينت المواقف منه بين ممثلي الهيئات الاقتصادية وممثلي العمال، فوصفه رئيس غرفة التجارة والزراعة والصناعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير بأنه «جيد ويرضي العمال وأصحاب العمل»، وقال إنه اتخذ بعد دراسة، مؤكداً أن الهيئات الاقتصادية موافقة على القرار بكامله من دون أي تعديل.إلا أن هيئة التنسيق النقابية أبلغت «الأخبار» أنها بصدد الاستعداد لتنفيذ الإضرابات والتظاهرات والاعتصامات لإسقاط هذا القرار مجدداً، وقال رئيس رابطة الأساتذة الثانويين حنا غريب إن الهيئة ترفض رفضاً مطلقاً ما أقرته الحكومة، «لقد رفضنا القرار السابق، فمن الطبيعي أن لا نقبل بالطرح الحالي». وستعقد الهيئة اجتماعاً غداً لتحديد موعد الإضراب والتظاهر رفضاً لما وصفه بالقرار المذل. كذلك سينعقد المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي لاتخاذ موقف مماثل، وأعلن رئيس الاتحاد غسان غصن رفضه للصيغة التي أقرها مجلس الوزراء، نائياً بنفسه عما قيل عن موافقته على هذه الصيغة، وقال إن الاتحاد يطالب بزيادة 60% على الرواتب ما دون مليون ليرة، و40% على الرواتب بين مليون ومليوني ليرة، و20% على الرواتب التي تزيد على مليوني ليرة، إضافة إلى زيادة المنح المدرسية وبدلات النقل. ولفت إلى أن قرار الحكومة لم يلتزم مطالب الاتحاد «لا بل أقر صيغة لم تُطرَح مسبقاً ولم يجرِ التشاور معنا قبل إقرارها.
فيلتمان في بيروت
الحدث الثاني البارز لبنانياً، أمس، كان وصول مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان، إلى بيروت، في زيارة بدأها بلقاءين مع كل من ميقاتي ورئيس حركة التجدد الديموقراطي نسيب لحود، ويستكملها اليوم مع كل من: رئيس الجمهورية قبل مغادرته إلى أرمينيا، رئيس مجلس النواب نبيه بري، الرئيس فؤاد السنيورة، رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وشخصيات أخرى من 14 آذار.هدف الزيارة المعلن، بحسب ما ذكر الزائر وسفارة بلاده في بيروت، هو «مناقشة الوضع السياسي والأمني في لبنان، والتطورات في سوريا، وقضايا إقليمية أخرى». لكن في تفاصيل حديث فيلتمان، حضر كالعادة القرار 1559 ضمن كلامه على التزام لبنان القرارات الدولية، كما حضر ما يريده من لبنان في ما خص الموضوع السوري، عبر قوله إنه يعرف «أن في لبنان تقليداً بالعمل بالإجماع العربي والدولي، وأنا متأكد أن لا أحد في لبنان يريد أن يعطي انطباعاً بأنه يؤيد العنف في سوريا. لا أعرف ما هي المحادثات التي تجري بين لبنان وجامعة الدول العربية؛ فهذا ليس من شأن الولايات المتحدة، فهذه المحادثات تجري بين لبنان وشركائه في جامعة الدول العربية، إلا أنني أعتقد أن تمتين الإجماع واستمراريته لبعث هذه الرسالة إلى سوريا أمر مهم جداً». وفيما استفاض في الرد على أسئلة الصحافيين في شأن سوريا، رفض التعليق على موضوع شبكة التجسس الأميركية في لبنان، متذرعاً بأنه ليس لديه ما يقوله «بشأن تقارير تتعلق بالاستخبارات، ولا أستطيع التعليق عليها».مصادر في قوى 14 آذار رأت في ذكر فيلتمان للقرار 1559 «خطوة جدية في اتجاه تعزيز الدور الدولي والمطالبة الدولية بنزع السلاح غير الشرعي»، علماً بأن النائب أنطوان زهرا قال في حديث إذاعي أمس: «لا شيء سيبحث في الحوار إلا موضوع السلاح، ولننتظر الأيام المقبلة، وسنرى منطق من هو الأقوى».
الخطوة النهائية لاحقاً
جمع غداء الرابية أمس، أقطاب تكتل التغيير والإصلاح: رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون، رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، الأمين العام لحزب الطاشناق هوفيك مخيتاريان، ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان، إضافة إلى وزير الطاقة جبران باسيل. وأعلن بنتيجته عون قرار المشاركة في جلسة الحكومة، لكنه أبقى قرار الخطوة النهائية بانتظار «أن نتشاور مع الكتلة الأوسع التي تمثل حلفاءنا».