يقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس اليوم، أمام قادة دول العالم ليطلب الاعتراف بدولة للفلسطينيين على بعض الأرض التي حقّ انتماؤها لهم، ولينعى بذلك «عملية السلام» برعايتها من قبل إدارة أميركية أثبتت أنها بتبدّل أسماء رؤسائها، تبقى الراعي للمصالح الاسرائيلية لا لعدالة التفاوض. «سفير اسرائيل» باراك اوباما، كما أسمته الصحافة العبرية، أنهى برفضه الاعتراف بـ«دويلة» فلسطين المنشودة، أي شرعية تبقّت لواشنطن في «وساطتها»، مثلما فشل في معالجة الشرخ التركي - الاسرائيلي الذي كرّسه أمس رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان مجدداً مطالبته اسرائيل بالاعتذار عن مجزرة مرمرة، وداعيا الامم المتحدة إلى الاعتراف بدولة فلسطين وممارسة الضغوط على الدولة العبرية المنشغلة اليوم بـ«استعدادات أمنية» تقتل فيها أصوات الداخل الفلسطيني التي سترتفع صدىً للمعركة الفلسطينية الجديدة في نيويورك. وقال البيت الابيض ان اوباما أبلغ عباس في اجتماع في وقت متأخر من مساء أمس الأول، إن التحرك في الامم المتحدة لن يؤدي الى دولة فلسطينية وان الولايات المتحدة ستعترض بحق النقض على مثل هذا التحرك في مجلس الامن. وسئل نائب مستشار اوباما لشؤون الامن القومي بن رودس عما إذا كانت قد بدرت عن عباس علامة على انه قد يغير خطته فرد بقوله «إنه كان واضحاً جداً فيما يعتزمه .... وهو الذهاب الى المجلس وبدء عملية طلب العضوية هناك». وأضاف رودس للصحافيين بعد اجتماع اوباما وعباس في نيويورك «سنضطر إلى رفض اي تحرك في مجلس الأمن التابع للامم المتحدة بما في ذلك، اذا اقتضت الضرورة، استخدام حق النقض (الفيتو)». من جهته، قال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل ابو ردينة إن «اوباما اكد لعباس التزامه بحل الدولتين وضرورة اقامة دولة فلسطينية، لكنه شدد على معارضته للذهاب الفلسطيني الى مجلس الامن وطالبه بالعودة الى المفاوضات المباشرة مع اسرائيل». واضاف ان «الرئيس عباس استعرض خلال لقائه مع الرئيس اوباما موقفه من الذهاب الى مجلس الامن لطلب عضوية كاملة لدولة فلسطين». واوضح ان عباس «ناقش مع الرئيس اوباما مشروع بيان اللجنة الرباعية والموقف الفلسطيني منه»، مشدداً على ان مشروع البيان «لم يلبِّ الشروط الفلسطينية المطلوبة». وقال ايضاً ان الرئيسين «ناقشا الجهود المبذولة من المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية». واعرب مسؤولون فلسطينيون في نيويورك عن استيائهم اثر خطاب الرئيس الاميركي، معتبرين انه وقع «في خطأ تاريخي» وعبر عن «انحياز اميركي لاسرائيل اصبح لا يُطاق». وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ان «الانحياز الاميركي لاسرائيل غير محتمل واصبح لا يُطاق». وتعقيباً على المسيرات التي جرت في الاراضي الفلسطينية احتجاجاً على خطاب اوباما، قال عريقات «شعبنا اليوم وامس عبر عن رأيه، ان هذا الخطاب لم يلب مطالب الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال الذي تنادي به الادارة الاميركية لكل الشعوب الا انها تأخذ موقفاً مغايراً تجاه حرية شعبنا الفلسطيني». واضاف «لذلك يرى شعبنا ان الانحياز الاميركي غير محتمل واصبح لا يُطاق». ورأى مسؤول فلسطيني آخر ان خطاب اوباما «استفز الشعوب العربية والمناصرين للشعب الفلسطيني في كل مكان وحتى في اميركا ولذلك نتوقع ان تشهد عواصم عربية ودولية ايضاً مسيرات ضد هذا الخطاب خصوصاً غداً الجمعة»، وهو اليوم الذي سيتقدم فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس رسمياً بطلب العضوية. واوضح عريقات «رغم هذا الموقف المنحاز ورغم كل الضغوط الا ان الرئيس عباس سيقدم غداً الجمعة طلب انضمام دولة فلسطين لعضوية الامم المتحدة من خلال مجلس الامن الدولي». واضاف «بعدها سيعود الرئيس عباس لدراسة الخيارات الفلسطينية في اجتماع للقيادة الفلسطينية ومن ضمن ما ستتم دراسته المبادرة الفرنسية التي عرضها الرئيس نيكولا ساركوزي». وشدد عريقات على «اننا نحترم الاجراءات القانونية في مجلس الامن والجمعية العامة، لكننا لن نسمح بالتلاعب السياسي وبمناورات سياسية لتأجيل البت في طلبنا». وقال إن عباس اتفق مع الرئيس اللبناني ميشال سليمان باعتبار لبنان رئيساً لمجلس الامن للشهر الحالي، على ان «يتم تسريع الإجراءات في مجلس الامن». وأشار كبير معلقي صحيفة «يديعوت احرونوت» الاسرائيلية ناحوم برنياع ومعه شمعون شيفر في مقالة بعنوان «سفيرنا في الأمم المتحدة» إلى أنه «لم يسبق أبداً أن القي خطاب مؤيد لإسرائيل بهذا القدر من على منبر الأمم المتحدة. فاوباما ليس فقط تبنى كل الحجج الإسرائيلية ضد الاعتراف بدولة فلسطينية من خلال الأمم المتحدة، بل وتبنى الرواية الإسرائيلية الأساس: إسرائيل هي دولة صغيرة، محوطة بالأعداء الذين يسعون إلى إبادتها، أبناؤها يعيشون خطراً على الحياة كل يوم، جيرانها يربون أطفالهم على الكراهية». (تفاصيل ص١٥. ) ورحب وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان بكلمة الرئيس الاميركي باراك اوباما امام الامم المتحدة واعرب عن امله في أن تؤدي الى «اقناع» الفلسطينيين بالعودة الى مفاوضات السلام مع اسرائيل. وصرح ليبرمان للاذاعة الاسرائيلية العامة من نيويورك ان «الخطاب اظهر للفلسطينيين انه لا توجد طريق مختصرة... آمل ان يقنعهم بالعودة الى الواقع وباستئناف مفاوضات السلام» مع اسرائيل. واضاف «آمل ايضا ان تعلن اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة وروسيا والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي) عن موقف بهذا الاتجاه». ولدى سؤاله حول مضمون الكلمة التي من المقرر ان يلقيها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم امام الامم المتحدة، قال ليبرمان ان هذا الأخير «سيدعو ايضاً الفلسطينيين للعودة الى مفاوضات السلام». واكدت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون عشية تقديم الطلب المنتظر لقبول عضوية دولة فلسطينية في الامم المتحدة، ان الولايات المتحدة «ستركز على المستقبل» في جهودها من اجل السلام في الشرق الاوسط، اياً يكن ما يقوم به الفلسطينيون في الامم المتحدة. وقالت للصحافيين «مهما يحصل غداً (الجمعة) في الامم المتحدة، سيبقى تركيزنا على اليوم التالي». واضافت كلينتون «ابقى مصممة على العمل مع الطرفين لبلوغ الهدف المتمثل بحل من دولتين تدعمه الولايات المتحدة». وتابعت قائلاً «لن نتجاهل اي جهد، اي مسار في محاولتنا لبلوغ ذلك». وأحد «المسارات» التي تتبعها الولايات المتحدة والاوروبيون بهدف تجنب مواجهة سيكون إعلاناً جديداً من اللجنة الرباعية الدولية للشرق الاوسط (الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة) يمكن بحسب الغرب ان يعيد الطرفين الى طاولة المفاوضات. ورداً على سؤال حول هذا الاحتمال، اجابت كلينتون ان ادارة اوباما «تواصل العمل بأقصى قدر ممكن». ولم يتوقف الاصطفاف الكامل للسياسة الأميركية مع اسرائيل عند هذا الحد، بل ذهب بمشرعين أميركيين إلى اقتراح مشاريع للحد من التمويل الأميركي للأمم المتحدة في حال قبول مجلس الامن أو الجمعية العامة بطلب عضوية دولة فلسطين. وصرح السيناتور الأميركي اورين هاتش في بيان «ليعلم الجميع ان محاولات زعزعة امن اصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة ستنطوي على عواقب». قال هاتش إن «التصويت يهدد امن اسرائيل وهذا التشريع (الذي اقترحه هاتش) سيحول اذا غيرت الأمم المتحدة الوضع الحالي لدولة فلسطين، دون تحويل اموال اميركية المنظمة الدولية بحاجة ماسة اليها». واضاف إن «أي تحسين لوضع فلسطين» في الامم المتحدة يمكن أن يعزز قدرة الفلسطينيين على «التأثير على منظمات مرتبطة بالامم المتحدة مثل المحكمة الجنائية الدولية». ودعا مشرعون أميركيون آخرون الى إعادة النظر في المساعدة الاميركية الى الفلسطينيين في حال أصروا على مسعاهم بعيداً عن مفاوضات السلام مع اسرائيل. من جهته، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان امام الجمعية العامة للامم المتحدة إن من «الضروري ممارسة ضغط على اسرائيل لتحقق السلام» مع الفلسطينيين. واضاف اردوغان ان المجتمع الدولي «سيظهر (بذلك) انهم (الاسرائيليون) ليسوا فوق القوانين»، معتبراً انه «يتعين على الامم المتحدة الاعتراف» بدولة فلسطين. وقال ايضاً ان «دعم تركيا للاعتراف بدولة فلسطينية (في الامم المتحدة) غير مشروط»، ورأى ان «أمناً حقيقياً غير ممكن (بين اسرائيل والفلسطينيين) الا عبر صنع سلام حقيقي». واكد رئيس الوزراء التركي ايضا ان «الامم المتحدة لم تقدم اي مساعدة لأنها لم تتخذ اي اجراء يضع حداً للمأساة الانسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني». وقال «هذه المسألة لا يمكن ان تبقى من دون حل. على المجتمع الدولي ان يتحرك بصورة عاجلة ويشفي هذا الجرح». وقال اردوغان «اسرائيل لم تحترم...89 قراراً لمجلس الامن وهي ملزمة. تبنت الجمعية العامة مئات القرارات التي تجاهلتها اسرائيل». واكد رئيس الوزراء التركي «المشكلة في هذا الاطار، وسأكون صريحاً جداً، تنجم عن الحكومة الاسرائيلية. ان الذين يحكمون هذا البلد يتخذون كل يوم إجراءات تؤدي الى اقامة حواجز جديدة تعوق السلام بدلاً من ان تؤدي الى السلام». من جهة اخرى، كرر اردوغان ان على اسرائيل ان تقدم اعتذارها عن مجزرة مرمرة وترفع الحصار المفروض على غزة، واضاف اردوغان الذي كان يتحدث في وقت ساءت فيه العلاقات بين تركيا واسرائيل «قبل ذلك لن يتغير موقفنا». إلى ذلك، قال المتحدث باسم الشرطة الاسرائيلية ميكي روزنفلد «سنعزز الامن برفع درجة التأهب درجة واحدة عموماً، وهو ما يجري بالتنسيق بين الجيش وشرطة الحدود والشرطة الاسرائيلية». وقال روزنفلد ان الشرطة تنشر ايضاً قوات اضافية في المناطق الحساسة، مثل المدن التي يعيش فيها المستوطنون والفلسطينيون، واوضح أن الشرطة «ستنشر 22 الف رجل في كل انحاء البلاد، اي ما يعادل اكثر من ثلثي قواتها مجتمعة». ومن جانبه قال المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي ارييه شاليكر ان الجيش سيظهر «ضبطا للنفس» في التعامل مع اي عنف محتمل، «حيث سيوفر الحد الادنى من الرد الفعال، مستعينا بوسائل تفريق مثيري الشغب حسب شدة الاضطرابات». («السفير»، أ ف ب، رويترز، أ ب، د ب أ، أ ش ا)