خالد صاغيةتشرّفنا. التقصير منّي وليس من الجيش المصري. فلم أكن أعرف الكثير عن هذا الجيش الذي لم يحارب منذ زمن، والذي وفّر عليه جهاز أمنيّ هائل مهمّة قمع المواطنين. لكنّ انتصار الثورة المصريّة أتاح لنا التعرّف عن كثب إلى ضبّاط وجدوا أنفسهم فجأة في موقع السلطة السياسيّة، فتراهم يتلعثمون بالبيانات والتصريحات، يغازلون شباب الثورة حيناً، ويأخذون النصح من أركان النظام السابق حيناً آخر. وفي الحالتين، يبدون كأنّهم ينتظرون شيئاً لن يأتي، أو لا يكترثون بأيّ شيء سوى الحفاظ على الامتيازات التي وفّرها لهم النظام السابق.شباب الثورة أنفسهم كانوا، ولا يزالون، منقسمين حيال الجيش. منهم من يراهن عليه، ومنهم من يرى ضرورة مهادنته، ومنهم من يعتبر بقاءه على رأس السلطة السياسيّة خطراً على مستقبل الثورة.كلّ ذلك يبقى في الحدود الطبيعيّة إلى أن ظهر علينا تقرير لمنظّمة العفو الدوليّة، ثمّ تحقيق لشبكة «سي. أن. أن»، أكّدا تعرّض مجموعة من النساء المتظاهرات بعد الثورة لضرب وتعذيب... وفحوص عذريّة! فهل أنهى الجيش المصريّ ترتيب أوضاع البلاد، وترتيب وضع مصر في المنطقة، وبات متفرّغاً لأداء دور شرطيّ الآداب؟ وهل ينفع نفي الجيش، أمس، لهذا الأمر، بعدما ظهرت إحدى المعتقلات بالصوت والصورة لتروي قصّتها؟في الواقع، لا توازي الأفعال المشينة التي ارتكبها الجيش المصري إلا التبريرات التي جاءت على لسان أحد جنرالاته. «الفتيات اللواتي اعتُقلن لسنَ كابنتك أو ابنتي»، قال الجنرال المصريّ. «هنّ فتيات خيّمن في ميدان التحرير مع المتظاهرين الذكور، ووجدنا في تلك الخيم كوكتيل مولوتوف ومخدّرات». الفارق إذاً هو أنّ ابنة الجنرال محترمة، أمّا المناضلات في ميدان التحرير فمشكوك في أمرهنّ. لكنّ كشف العذريّة لم يُجرَ للتأكّد من «أخلاق» نساء مصر، بل، قال الجنرال: «قمنا بكشف العذريّة حتّى لا تتمكّن الفتيات لاحقاً من الادّعاء أنّهنّ اغتُصبن من قبل السلطات المصريّة... لم نكن نريدهنّ أن يقلن إننا اعتدينا عليهنّ جنسياً أو اغتصبناهنّ، لذلك أردنا أن نبرهن أنّهنّ لم يكنّ عذراوات أصلاً».وفي الختام، وكمن يبلغ نشوته انتصاراً وزهواً، يصرّح الجنرال: «إنّ أيّاً منهنّ لم تكن عذراء».لقد حدّد الجيش إذاً دوره السياسي في المرحلة المقبلة: مطاوع أخلاقيّ لثورة قامت بها مجموعة من المنحلّين أخلاقياً!الآن فقط، يمكن القول: تشرّفنا.