صوت قويّ ينتمي إلى زمن الأصالة غسان صليبا: الطائفية مشكلة لبنان والحلُّ نظامٌ علمانيّ

البناء: يوسف بلوط صوت أصيل يردّنا إلى زمن الرحابنة وفيروز وزكي ناصيف ووديع الصافي. نجم في المسرح الغنائي مجسّداً شخصيات تاريخية وأدبية بين «بترا» و«صيف 840» و«جبران» و«هنيبعل» و»المتنبي» و«ملوك الطوائف». غسان صليبا فنان مثقف، يهوى قراءة التاريخ والأدب والشعر ويحلم بوطن قرأ عنه في الكتب بكونه بلد السلام وجنة على الأرض، لكنه ما لبث أن تحول إلى مجموعة طوائف متناحرة ومتنازعة على المصالح. { لنعد غسان صليبا إلى البدايات؟ أذكر حالة لبنان في تلك الفترة، حالة الفرح والستقرار والسياحة المزدهرة، كما أذكر المهرجانات التي أصبحنا نحن هواة «استديو الفن» نجومها في كل لبنان واستقبلونا بمحبة في القرى والمدن. بعد هذه المرحلة شق كل منا طريقه فذهبت باكراً نحو المسرح، مسرح الأخوين الرحباني تحديداً، وكان أول عمل لي معهما «بترا» من بطولة السيدة فيروز. { أي عمل مسرحيّ تعتبره الأنجح والانطلاقة الحقيقية لغسان صليبا؟ - العمل الأنجح بالنسبة إليّ «صيف 840» الذي كتبه الراحل الكبير منصور الرحباني بعد غياب شقيقه عاصي. كانت هذه المسرحية مفاجأة للناس والفنانين والنقاد لناحيتي الكتابة والرسالة المراد إيصالها إلى الجمهور، ولناحيتي الأغاني والشعر. كانت بكامل تركيبتها عملاً رائعاً لامس اللبنانيين إذ تطرّق إلى حقبة مهمة في تاريخهم. لعبت فيها دور ثائر من عامة الشعب يضحي بحياته في سبيل وطنه. إضافة إلى هذه الأعمال شاركت مع الفنان روميو لحود في مسرحية «حكاية أمل «التي عرضت خلال الحوادث اللبنانية، ثم توالت الأعمال فقدمت «المتنبي»، «ملوك الطوائف»،»الوصية» ،»جبران» وغيرها. { مع من تعاملت موسيقياً في البداية؟ - لحن لي في البداية الفنان الكبير زكي ناصيف الذي آمن بصوتي وموهبتي. { لِمَ لا يسلط الإعلام الضوء على هذه الأعمال الضخمة برأيك؟ - تغيّر الزمن وتغيرت معه القيم،كما أن سوق الأغنية تغيّرت، فبدلاً من أن تبحث الإذاعات والمحطات التلفزيونية عن الأغاني الجيدة لإذاعتها تشرّع هواءها للأغاني الرخيصة المدفوعة الثمن و نادراً ما نسمع اليوم في أوقات الذروة على المحطات الإذاعية أغنية من المسرح الرحباني. مثلا منصور الرحباني، الذي أعتبره الشاعر الدرامي الأهم والأكبر في العالم العربي، كان يأبى أن يدفع مقابل أن تذاع أغانيه. { هل ثمة حاجة في رأيك إلى صحوة فنية تحمي تراثنا الفني؟ - انتقلنا بسرعة إلى زمن لا يشبهنا حل فيه الانحدار والقيم التجارية مكان الذوق والفن والمستوى. لذا تحول الوسط الفني إلى مافيا فيها الكثير من المحسوبيات والمصالح والمؤامرات. يجب أن يكون الفن نابعاً من القلب والإحساس كي يكون حقيقيا، لذا يجب أن نعود إلى الأصالة وإلى المستوى الذي كان موجوداً في السابق ونضيء على الفن اللبناني قبل الحرب وكيف كان مستوى الأغنية وكيف كان المستمع يختارها ويتذوقها وكيف كانت الخيارات في الإذاعة. كان ثمة مستوى في الكتابة والموسيقى. مع احترامي للتكنولوجيا الموجودة، إذا سمعنا أغاني وديع الصافي وفيروز وزكي ناصيف نجد فيها روعة ومستوى في الأداء وحقيقة أكثر وصورة ذلك الزمن، على عكس معظم الأغاني اليوم. { هل انعكس الواقع السياسي على الفن؟ - السياسة ميزان كل شيء، فحين يكون هناك استقرار سياسي ويشعر المواطن بأنه محمي ومرتاح من الناحية المعيشية يختلف إنتاجه ولا يتنازل بسهولة فهو محصّن وليس خائفاً من المستقبل. { قدمت أعمالاً كبيرة مع الأخوين الرحباني، كما قدمت مع غسان الرحباني مسرحية «هنيبعل» فأين الفرق بين الجيلين؟ - غسان الرحباني من العائلة الرحبانية ومتأثر بها بلا شك. مسرحية «هنيبعل» قريبة جداً من المناخ الرحباني للنواحي الكلاسيكية وكتابة الموسيقى والنص، لكن غسان ضمّنها بعض ما يشبهه. من خلال خبرتي الموسيقية وتجربتي في المسرح الرحباني أعتبر مسرحية «هنيبعل» مهمة بكل المعايير. { لِمَ أنت مقل في إطلالاتك الإعلامية؟ - المغنّي في الواجهة الإعلامية أكثر من الكاتب والملحن فهو يوصل العمل إلى الناس. إذ لم يكن لدي عمل جديد أتحدث عنه لا أجد ضرورة لإطلالتي على الناس، فأنا لا أحب تكرار نفسي ولا أحسن فبركة الأمور والقصص كي أملأ الهواء للمحطة التي تستضيفني. { قدمت في أعمالك شخصيات تاريخية مثل «المتنبي» و»جبران» و»هنيبعل» وغيرهم. إلى أيّ مدى ساهم الأمر في إغناء ثقافتك، خاصة أن دخولك المجال الفني لم يتح لك إكمال دراستك؟ - أمر أساسي في حياتي هو القراءة فأنا أهوى قراءة الشعر والتاريخ، إضافة إلى أن عملي مع الرحابنة كان بذاته مكسباً ثقافياً كبيراً. ثمة إجماع على أن هذه الشخصيات كانت شخصيات تاريخية عظيمة . { هل عرضت عليك أعمال مسرحية خارج إطار المسرح الرحباني؟ - بلى ورفضتها لأنها لم تكن في المستوى الذي أطمح إليه، فعملي مع الأخوين الرحباني وضعني في موقع ومستوى معين يجب أن أحافظ عليه. { شكّلت ثنائياً مسرحياً ناجحاً مع الفنانة كارول سماحة ما رأيك في صوتها وأعمالها بعدما استقلت عن الرحابنة؟ - أعتبر كارول سماحة من أهم الفنانات على المسرح لنواحي الحضور والغناء والتمثيل. أما بالنسبة إلى استقلالها عن الرحابنة فهذا من حقّها أن تكون لها شخصيتها الفنية المستقلة وأغانيها الخاصة لتقدم نفسها كما تحب أن تكون. { هل عرضت عليك المشاركة في مسلسل «الشحرورة» ؟ - لم يعرض علي ذلك ولا أجد دوراً معيناً أقدّمه، فالتركيز هو على الفنانة صباح وعلى النجمة التي تؤدي هذا الدور. { ما رأيك في هذا النوع من المسلسلات؟ - لا تلقى المسلسلات التي تؤرخ لحياة النجوم دائماً الإجماع حولها لجهة صحة الحوادث، لا سيما في النواحي الخاصة من حياة الفنان، لكن إذا قُدّمت بطريقة جيدة كتابةً وإخراجاً وتمثلياً فهذا مهم جداً. { ماذا أعطاك المسرح الرحباني وماذا أعطيته أنت؟ - أعطاني مسرح الرحابنة القيمة الفنية التي وظفت صوتي فيها، كذلك الشعر العظيم والنص الرائع والأعمال الخالدة وهي جزء مهم جداً من الأرشيف الفني اللبناني، أما أنا فأعطيته صوتي وإطلالتي وموهبتي وحضوري. { أصبح الغناء مهنة من يبحث عن الشهرة والمال. حققت شهرة واسعة لكن هل يمكننا أن نعتبر غسان صليبا من الفنانين الأثرياء ؟ - لا أحب الكلام عن الفن من الناحية المادية لم أجن ثروة من الفن، فالفنان، خاصة المسرحي، مهما يكن أجره عاليا لا يساوي الأجر الذي تتقاضاه مغنية من الدرجة العاشرة. أما وضعي المادي فيسمح لي أن أعيش بكرامة. { لمن تحب أن تسمع من الجيل الجديد؟ - هناك أصوات مميزة بين الفنانين الجدد. أحب الاستماع إلى وائل كفوري، ملحم زين، وائل جسار وغيرهم من الأصوات التي تختار في اعتناء كلمات الأغاني والألحان وتحترم ذوق الناس. { بمَ تحلم فنّياً؟ - أحلم بتقديم أعمال تلفزيونية وسينمائية تتناول مواضيع وقضايا من مجتمعنا، فهناك الكثير من النواحي التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها لا سيما الهم الإجتماعي والإقتصادي والبيئي. هذا ما أحلم به فأنا لا أبحث عن أعمال «جيمس بوندية». { ما رأيك في الوضع اللبناني ؟ - لبنان يعاني مشاكل كثيرة ومستعصية، أولها المشكلة الطائفية إضافة إلى الإقطاعية السياسية وغياب القانون. ويتحمّل المواطون جزءاً كبيراً من المسؤولية في هذا الموضوع لأنهم يؤلهون الزعماء، لذلك عندما يخطئ أي زعيم سياسي لا يستطيعون محاسبته والقول له: لقد أخطأت. يجب استبدال النظام الموجود بنظام يحافظ على التميّز الثقافي للبنان، نظام علماني وقانون يساوي بين الجميع . { هل أنت علمانيّ؟ - بالتأكيد وأترك لأولادي حرية الاختذيار في كل شيء. 

الأكثر قراءة