خالد صاغيةثمّة من يريد استغلال حقّ العودة من أجل أهداف سياسيّة أخرى. هذا صحيح. لكنّ الصحيح أيضاً أنّ ثمّة من يريد التضحية بحق العودة من أجل أهداف سياسيّة أخرى. لذلك، من المفيد التمييز بين الأصوات التي ارتفعت اعتراضاً على فتح الحدود أمام التائقين إلى رؤية فلسطين في ذكرى النكبة. فبعض هذه الأصوات صادق في دعوته إلى تنزيه فلسطين عن الصراع بين الأنظمة وشعوبها حرصاً على القضيّة الفلسطينيّة، وبعضها الآخر مستعدّ في الواقع لدعم أنظمة مستبدّة، حين تستبدّ من أجل التضحية بفلسطين، وربّما بالفلسطينيّين أيضاً.أنصار التضحية متنوّعون: منهم الصادقون في حبّهم للفلسطينيّين والعرب. لكنّهم، بعد كلّ المآسي التي مرّت بها المنطقة، يدعون إلى السلام بأيّ ثمن حتّى لو كان استسلاماً، وذلك لإنقاذ ما بقي. ويزيد من إصرار هؤلاء اختلافهم الجذري مع أيديولوجيّات الحركات المقاومة لإسرائيل في الوقت الراهن. ومن هؤلاء المضحّين أيضاً، كارهو الفلسطينيّين ومتبنّو شتّى النظريّات العنصريّة ضدّهم. ومنهم أيضاً، من قاده هذا الكره إلى العمالة لإسرائيل.أنصار الاستغلال متنوّعون، هم أيضاً: منهم من لا يهمّه من القضيّة الفلسطينيّة إلا نصرتها لفظيّاً أو من دون أكلاف، إن كانت هذه النصرة تخدم مصالحه. ومنهم أيضاً الصادقون في عملهم من أجل حق العودة، لكنّهم أصحاب رؤية في ضمان هذا الحق، ومستعدّون في سبيل انتصار هذه الرؤية لاستغلال أشياء كثيرة.لا يمكن الحريص على القضيّة الفلسطينيّة أن يساوي بين أبناء هاتين المروحتين الواسعتين. وإذا كانت هذه اللحظة السياسيّة تقتضي التشديد على أنّه ليس لدى أنصار قضية فلسطين وتحرير الأراضي العربيّة ما يخسرونه من الثورات العربيّة، وأنّ مزيداً من الديموقراطيّة في العالم العربي لا يعني إلا مزيداً من العداء لإسرائيل، فإنّ اللحظة نفسها تتطلّب الحذر ممّن يريدون تقديم فلسطين قرباناً على مذبح رياح التغيير في المنطقة.ردود الفعل على الدم الفلسطيني الذي سال في مارون الراس مثيرة للقلق حقاً. فتجاهل إدانة إسرائيل، أو إدانتها ببرودة شديدة، أو تصوير من قضوا بالرصاص الإسرائيلي ومن كانوا مستعدّين لتقطيع الأسلاك الشائكة بأسنانهم على أنّهم صبية مغفّلون أو أدوات لمشاريع مشبوهة، هي كلّها إشارات إلى أنّ إسرائيل ليست وحدها من يريد التخلّص من حقّ العودة.رغم كلّ ذلك، رغم الاستغلال والتضحية، سنرجع يوماً. خبّرني العندليب غداة التقينا.