مناقشة أفكار الساعين لإلغاء النظام الطائفي وآليّات عملهم

ابراهيم الأمين

تحرّكت مجموعات لبنانية يغلب عليها العنصر الشبابي في مواجهة النظام الطائفي في لبنان. برزت ردود فعل مختلفة، بين مراقب وداعم ورافض ومشكك. لكنّ واقع الأمر أن الجولة الأولى من التحرّك أثبتت حضور هذه المجموعات على مستويات عدّة، من بينها القوى السياسية النافذة في البلاد، فيما واصل الشباب المشاركون عقد اجتماعات عامّة أو من خلال لجان، لتنظيم التحرك في اتجاهات شعبية ومناطقية عدّة، وهو ما يعطي التحرك طابعاً وطنياً عاماً، في سبيل تطوير حجم المشاركة فيه وصولاً إلى نقطة تحوّل غير معروفة التاريخ والنتائج. بالطبع، ثمّة أثر كبير لما يحصل في المنطقة العربية على سلوك المجموعات المشاركة. وثمّة تقدير بأن ما فعله الشباب في تونس ومصر وما يحصل في ليبيا واليمن والبحرين، سوف يكون له أثره الإضافي حتى إن تفاوتت الشعارات المرفوعة في كل بلد. وما دامت الدعوة مفتوحة من دون شروط (هذا هو المعلن حتى إشعار آخر) من المفترض أن يكون لدى كثيرين الحق في مناقشة هادئة مع هذه المجموعات، من دون تصنيف مسبق لمن يدلي برأي مخالف أو داعم من دون نقاش. أعرف أنه ليس الآن وقت العودة إلى تشخيص المشكلة في لبنان، وأن الدعوة إلى ذلك هي دعوة إلى الاختلاف وعدم الوصول الى قواسم كافية لتفعيل التحرك، كما أعرف أن من غير المجدي النظر الى الخلفية الفكرية أو السياسية للمشاركين في هذا التحرك، لأن في ذلك ما يعيد هؤلاء الى الانقسام الحاد الموجود في البلاد، سياسياً كان أو طائفياً أو مذهبياً. وأعرف أكثر أنه يصعب بقوة فتح نقاش حول واقع الأطر السياسية أو الحزبية أو المدنية التي جاء منها المشاركون في هذا التحرك، لأن في ذلك ما يدفع الى خلافات ذات بعد إنساني وحتى أخلاقي، ما يعني أن المدخل الأفضل للنقاش مع هذه المجموعات يكون محصوراً في ما قاموا به من لحظة نزولهم الى الشارع الى الآن، لا قبل هذا التاريخ أو قبل هذا الحدث. وبناءً على ذلك، يمكن الإشارة الى أن التحرك يستهدف عملياً تحصيل الحقوق المدنية للمواطنين، بمعزل عن التأثير الهائل للقيادات والمؤسسات الطائفية التي تتحكم بكل شيء في البلاد نتيجة شكل النظام السياسي القائم. وهذا بحد ذاته يمثّل أداة تبسيط للوصول إلى نتائج للAffinityCMSت المقبلة من هذا التحرك. لكن، هل بمقدور القائمين عليه الإمساك بأعصابهم، وعدم التصرّف مع بقية المواطنين انطلاقاً من حسابات مسبقة، وللتوضيح يمكن الإشارة الى الآتي: أولاً: إن مطلب الحقوق المدنية التي تنتهي الى المواطنة هو حق لكل مواطن، بمعزل عن كل اعتقاداته الدينية أو المذهبية أو العقائدية أو السياسية. وبالتالي، يحق لأي مواطن، ما عدا المنخرطين في إدارة السلطة الطائفية، المشاركة في هذا التحرك. وليس لأحد حق وضع فيتو على أحد، ما دام هذا المواطن قابلاً بإطار التحرك المحصور في تحصيل هذه الحقوق. ثانياً: علمياً، يجب الاقتناع بأنه لا وجود لأي تعارض بين الاقتناعات الفردية أو الجماعية فكرياً أو سياسياً ودينياً، وبين سعي هؤلاء الى تحصيل حقوقهم المدنية، وهو الأمر المعمول به في معظم الدول المتقدمة في العالم، التي لا يمكن التمييز عنصرياً أو إنسانياً بين مواطنيها بسبب معتقداتهم العقائدية أو السياسية. وهذا يعني أنه يمكن أن يكون شعار المواطنة شعاراً جاذباً لمنتمين في قوى سياسية تتألّف بأغلبيتها من قواعد صافية سياسياً أو طائفياً أو طبقياً. ثالثاً: إن اللبنانيين متفاهمون ضمناً على أنه لا وجود لإطار واضح للدولة. وبالتالي، فإن تحقيق شعار المواطنة يتطلب حكماً المرور بإطار مقبول ولو متواضعاً لدولة ومؤسسات. ولذلك، فإن هذه الأهداف لا تستلزم حكماً رفع شعار الدولة العلمانية أو الدولة الدينية أو خلاف ذلك من العناوين، بل إن المطلوب الذهاب نحو إطار تشريعي وقانوني يفرض آليات العمل والعبور نحو تحقيق هذه الأهداف. وربما هذا ما يوجب على هذه المجموعات الانتقال من مرحلة استنفار المجموعات الأكثر حماسة واستعداداً للتحرك، الى مرحلة مخاطبة القواعد والفئات المفترض أنها صاحبة مصلحة في تحقيق دولة المواطنة. وهذا يحتاج الى تقليص في شبكة الأهداف وإلى توسيع في شبكة التواصل والتفاعل. وبالتالي، فقد يكون من المفيد الآن، ربطاً بواقع البلاد والمنطقة، وواقع الناس والاصطفاف الذي هم عالقون فيه، أن يتجه هذا التحرك نحو «تسوية» تفرض اعتماد الشعار القابل للتحقق الآن لا بعد عمر طويل، واعتماد الشعار الذي لا يلزم أحداً بالتخلي عن حساسياته الفردية أو الجمعية. وهذا أمر ممكن. ولذلك يمكن المساهمة في المناقشات الجارية من خلال اقتراح بأن يكون هدف التحرك العاجل والضاغط هو إقرار المجلس النيابي الحالي، في أسرع وقت ممكن، قانوناً جديداً للانتخابات النيابية قائماً على أساس النسبية، ويسمح لمن هم في سن الثامنة عشرة بالاقتراع، وأن تشرف لجنة قضائية مستقلة على العملية الانتخابية من لحظة دعوة الهيئات الناخبة الى لحظة إعلان النتائج. أما آليات الوصول الى هذه النتيجة، فهي المهمة التي تحتاج لأن يصرف المشاركون الجهد على النقاش حولها، وكيفية تحويل التحرك من تظاهرة عابرة للساحات والمناطق والطوائف، الى قوة مركّزة الجهد شكلاً ومضموناً حيث يجب أن يكون الضغط.

العدد ١٣٦٦ الجمعة ١٨ آذار ٢٠١١

الأكثر قراءة