تـونـس ... الشـعــب أراد الحيــاة

محمد بلوطتونس :فر زين العابدين بن علي. أصبح رئيسا سابقا بعدما ظل لـ23 عاما دكتاتورا قاسيا. تنفس التونسيون الصعداء. وتابع الكثيرون من العرب الحدث التونسي بشغف وأمل في ان تتحول اول ثورة شعبية عربية في القرن الحادي والعشرين الى نموذج لتغيير عربي طال انتظاره.عند السادسة مساء أمس طوت تونس صفحة زين العابدين بن علي. وتولت دبابات الجيش التونسي، نقله مساءً من قصر قرطاج إلى المطار لكي يغادر منصبه الرئاسي والبلاد معا ونهائيا.وكان السيناريو قد نضج في الساعات الأخيرة، وتم الاتفاق مع الجيش ورئيس الوزراء محمد الغنوشي على إعلان حالة الطوارئ، التي نقلت السلطات الفعلية في البلاد إلى الجيش التونسي، لتدخل حيز التنفيذ عند الساعة الخامسة عصرا، وتولية الغنوشي رئاسة مؤقتة تعود بحسب خبراء الدستور، إلى شخصية اخرى من التجمع الدستوري، هو رئيس البرلمان فؤاد المبزع، فيما كان الرئيس السابق زين العابدين بن علي يحزم حقائبه، من دون المقربين منه الذين تفرقوا، وجعلتهم شائعات غير مؤكدة ضحايا لعمليات مطاردة وفرار داخل العاصمة.ومن المؤكد أن بعض منازل العائلة الحاكمة قد تعرض إلى هجوم وعمليات تدمير جزئي من قبل المتظاهرين. وقام الجيش ليلا بإقفال المجال الجوي، وسد الطرق المؤدية إلى مطار العاصمة. وتضم الصفقة حول المرحلة الانتقالية، تأليف حكومة وحدة وطنية، وإجراء اصلاحات سياسية وانتخابية، تتيح إجراء انتخابات تشريعية بعد ستة اشهر، لكنها مشروطة طبعا بموافقة المعارضة عليها وهذا ليس مؤكدا حتى اليوم.وخاض الرئيس زين العابدين بن علي معركته الأخيرة للبقاء في السلطة، في مواجهة دامية أمام مقر وزارة الداخلية في جادة الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة تونس. وكان مجرد وصول وتجمع الحشود امام مقر الوزارة حدثا تاريخيا ورمزيا قويا، نظرا لتاريخ المقر في استقبال العشرات من المعارضين السياسيين، وخسر الرئيس رهانه على القوى الأمنية والشرطة بأن تستعيد في العاصمة زمام الأمور.وتحول ما كان صباحا تظاهرة سلمية، إلى مواجهة دامية، عندما قامت الشرطة بمهاجمة جموع بالآلاف، قادها محامون ومعلمون ونقابيون من الصفوف المتواضعة، واستخدمت القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم، وجرت مطاردات في الأزقة القريبة من جادة بورقيبة، سقط فيها اربعة قتلى والعشرات من الجرحى.وتوجت المعركة أمام الوزارة، قناعة الجيش بأن العنف، واللجوء إلى القوة سيجر البلاد إلى مذبحة دامية، خصوصا بعد دخول الاتحاد التونسي للشغل، طرفا مباشرا في الاحتجاجات، وهو الطرف الذي دعا إلى التظاهرة في قلب تونس، وهي التظاهرة الاحتجاجية الأولى التي يخوضها الاتحاد العام للشغل، منذ اثنين وثلاثين عاما.ولم تتوقف بأي حال المواجهات، طيلة الليل الماضي، واعتبر اختبار العرض الذي تقدم به الرئيس بن علي خاسرا، لا سيما تفعيل التعددية وإطلاق جميع الحريات الإعلامية والسياسية، بعد أن تواصلت المواجهات في الضواحي،واتسعت حصيلة القتلى لتبلغ في يوم واحد أكثر من 15 قتيلا. ولم تتوقف القوى الأمنية عن اطلاق النار الحي على المتظاهرين برغم وعود الرئيس السابق بالكف عن ذلك.وسبقت الأحداث في العاصمة، وتداعي النظام التونسي، المعارضة التونسية التي كانت تستعد لتسوية على قاعدة حكومة ائتلاف وطني. لكن تواصل الاحتجاجات كشف عن هشاشة التمثيل السياسي للقوى السياسية المعارضة، التي سبقها المحتجون إلى اعتبار ان الفرصة، اصبحت مؤاتية للتخلص من الرئيس بن علي، شريطة البقاء في الشارع، وهذ ا ما قاله لـ«السفير»، الكثيرون من المتظاهرين في جادة بورقيبة.وليس مؤكدا أن ينجح محمد الغنوشي بقيادة المرحلة الانتقالية، ويجب انتظار الأيام المقبلة، ورد فعل الشارع، لا سيما في المدن الداخلية، التي انطلقت منها الاحتجاجات، والتي دفعت ضريبة باهظة من الشهداء والدماء، لكي تصل عملية التغيير الأولى من نوعها في التاريخ العربي المعاصر إلى نهايتها المنطقية.وسارت في الضواحي مسيرات احتجاج، ترى أن تعيين الغنوشي محاولة لسرقة الانتصار الذي حققته الحركة الشعبية التونسية، ومناورة للإبقاء على التجمع الدستوري في السلطة.ومن جهة أخرى تسود اوساط خبراء الدستور، شكوك في دستورية تعيين الغنوشي رئيسا مؤقتا، باعتبار أن المنصب، في حال شغوره، يعود دستوريا إلى رئيس مجلس النواب المنتخب ديموقراطيا، كما أن زين العابدين بن علي، لم يصدر امرا رئاسيا بتعيينه في هذا المنصب.وسيكون الحاسم، ضغط الشارع إذا ما قوي في الأيام المقبلة، لمحاولة الوصول إلى نتيجة افضل، وإقصاء الدستوري نهائيا عن الحياة السياسية. وينتظر كثيرون في تونس بأمل عودة الآلاف من المنفيين السياسيين من الخارج للمشاركة في الحياة السياسية.ولا تزال المعارضة تتردد من خارج البرلمان في الإعلان عن موقف واضح، وقد يؤدي قبول بعض اجنحتها، كالديموقراطي التقدمي، الذي يقوده نجيب الشابي، في الدخول في حكومة إنقاذ وطني، إلى فرط عقد اللقاء الذي عقدته مع احزاب اخرى، من بينها النهضة الإسلامي. ويعتبر زعيمه راشد الغنوشي المنفي إلى لندن، انه لا بد من مواصلة العملية لطرد ما تبقى من اعوان النظام السابق في السلطة، وتشاطره ذلك قطاعات يسارية واسعة.وخلال الليل كان يسمع دوي طلقات نارية متفرقة، داخل العاصمة التونسية التي لم تشهد أي تجمعات او احتفالات ابتهاج برحيل زين العابدين بن علي. فيما كانت مدن الداخل، والضواحي تفعل ما بوسعها، للتعبير عن فرحها برحيل الدكتاتور بن علي.اميركا وفرنسادوليا، اشاد الرئيس الاميركي باراك اوباما بـ«شجاعة» و«كرامة» الشعب التونسي داعيا الى اجراء انتخابات نزيهة وحرة. وقال اوباما في بيان «أدين واستنكر استخدام العنف ضد المدنيين في تونس الذين يعبرون سلميا عن رأيهم، وأشيد بشجاعة وكرامة الشعب التونسي». وأضاف ان «الولايات المتحدة تقف مع المجتمع الدولي شاهدا على هذا النضال الشجاع من اجل الحصول على الحقوق العالمية التي علينا جميعا ان نلتزم بها، وسنتذكر لفترة طويلة صور الشعب التونسي وهو يسعى الى جعل صوته مسموعا».وقال اوباما «ادعو كل الاطراف الى المحافظة على الهدوء وتجنب العنف، وأدعو الحكومة التونسية الى احترام حقوق الانسان وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في المستقبل القريب، تعكس الارادة والتطلعات الحقيقية للشعب التونسي». وأكد ان «على كل بلد ان يمنح الحياة لمبدأ الديموقراطية بطريقته، بناء على تقاليد شعبه». وأضاف ان «الدول التي تحترم الحقوق العالمية لشعوبها هي اقوى وأكثر نجاحا من الدول التي لا تفعل ذلك». وتابع «لا اشك في ان مستقبل الشعب التونسي سيكون اكثر اشراقا اذا ما قادته اصوات الشعب التونسي».وأعلنت الرئاسة الفرنسية ان «فرنسا أخذت علما بالعملية الدستورية الانتقالية التي أعلنها رئيس الوزراء الغنوشي». وأضافت ان «فرنسا تأمل بالتهدئة وإنهاء العنف. وحده الحوار يمكن ان يؤمن حلا ديموقراطيا ودائما للأزمة الراهنة». وخلص البيان الى ان «فرنسا تقف الى جانب الشعب التونسي في هذه المرحلة الحاسمة». وذكرت وسائل اعلام فرنسية نقلا عن مصادر حكومية ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي رفض منح بن علي تصريحا لدخول فرنسا لكي لا يستفز الجالية التونسية في فرنسا.أبرز محطات حكمه7 تشرين الثاني 1987: إقالة الحبيب بورقيبة بسبب «عجزه» عن الحكم من قبل رئيس الوزراء زين العابدين بن علي الذي تولى الرئاسة خلفا له.25 تموز 1988: تعديلات دستورية تلغي الرئاسة مدى الحياة وتحدد عدد الولايات الرئاسية.9 نيسان 1989: انتخاب بن علي رئيسا بالاقتراع العام.1992: منع حزب النهضة الإسلامي.20 آذار 1994: إعادة انتخاب بن علي رئيسا لتونس.17 تموز 1995: توقيع اتفاق للشراكة والتبادل الحر مع الاتحاد الاوروبي.25 أيلول 1999: إعادة انتخاب بن علي رئيسا بـ99,44 في المئة من الاصوات.11 نيسان 2002: اعــتداء على كنيس في جزيرة جربة (جنوب) تبناه تنظيم القاعدة (21 قتيلا).27 ايار 2002: إصلاح دستوري اقر باستفتاء يسمح لرئيس الدولة بالترشح لولايات جديدة.3 تموز 2005: انتخاب مجلس للمستشارين، ما يجعل البرلمان يتألف من مجلسين.16 تموز 2008: اجراءات اقتصادية ومالية لمنطقة المناجم في قفصة بعد حركة احتجاج على البطالة والفساد، قمعت بقسوة.

الأكثر قراءة