كشفت وثائق «ويكيليكس» المسربة أمس، عن عملية أميركية لها شق تجسسي أو «استطلاعي» وآخر «عملاني»، على الأراضي اللبنانية، تحمل اسم «مسح الأرز»، كانت وزارة الدفاع اللبنانية قد طلبت من واشنطن إجراءها انطلاقا من قاعدة بريطانية في قبرص، في فترة تمتد من نيسان إلى آب 2008، على أقل تقدير، وهي الفترة التي شهدت تصاعد الصراع السياسي الداخلي في لبنان في ظل حكومة فؤاد السنيورة، وانفجاره أمنيا في أحداث أيار الشهيرة.وقد أظهرت الوثائق أن مهمات «التجسس» الاميركية، على خطورتها، وانتهاكها الصريح للسيادة اللبنانية وتماثلها بذلك مع مهمات التجسس والاستطلاع الاسرائيلية اليومية، أثارت قلقا بريطانيا بأن تكون قد جاءت استجابة لطلب من وزارة الدفاع اللبنانية وحدها، لا مجمل الحكومة.وفيما تكتفي الوثائق المسربة، بتوصيف الهدف الأساسي لمهمات «مسح الأرز» على أنه «مكافحة الإرهاب»، فإنها لا تحدد المناطق اللبنانية التي خصتها الطلعات الأميركية بالعمل، ولا الجهات «الارهابية» التي تستهدفها، ما قد يعني أنها شملت اي منطقة لبنانية ربما تعتبر واشنطن ان من مصلحتها رصدها عن كثب.وإذا كانت الوثائق لا تشير إلى «حزب الله» والمقاومة بالاسم، الا ان الفترة الزمنية التي تتحدث عنها بالاضافة الى العلاقات الوطيـدة بين الإدارتـين الأميركيـة والبريطانيـة من جهة، والاسرائيلية من جهة، إضافة إلى كون وزير الدولة البريـطاني، كيم هـاولز، الرئيس السابق لمنظـمة «أصـدقاء اسرائيـل العماليين» قـد وافــق شخصيا على العملية، تعـزز وصــف صحيفة «الغارديان» البريطانية التي تمتلك مجمل الوثائق التي سربها «ويكيليكس»، لعملية «مسـح الأرز» على أن الطائـرات الاميركــية جمعت معلومات اسـتخباراتية، من اجل استهداف «حزب الله».«مسح الأرز»وأفاد المسؤول في «مكتب الخارجية والكومنويلث» البريطاني، جون هيلمان، في 14 أيار 2008، بمصادر قلق أو شروط لدى الحكومة البريطانية، حول عملية «مسح الارز». وقال هيلمان اولا إن مكتب الخارجية البريطانية الإقليمي، المسؤول عن لبنان، شكك في ضمانات الحكومة الأميركية بأن المهمات الاستطلاعية كانت طُلبت من قبل الحكومة اللبنانية. «وكان المكتب الإقليمي قلقا من أن طلب الاستطلاع قد يكون أتى من وزارة الدفاع اللبنانية فحسب، عوضا عن مجمل الحكومة اللبنانية، التي تتطلب على ما يبدو توافقا حول القضايا المثيرة للجدل».واعتقدت الحكومة البريطانية أن الحكومة اللبنانية قد تنكر تصريحات بأنها طلبت مساعدة استطلاعية إذا تم الإعلان عن الطلعات الجوية. وقال هيلمان إنه إذا أنكرت الحكومة اللبنانية طلبها، واتضح أنها لا تدعم هذه الطلعات الجوية، ستواجه الحكومة البريطانية صعوبة في الموافقة على استخدام أراض بريطانية في عملية «مسح الأرز».وقال هيلمان إن قسم حقوق الإنسان في مكتب الخارجية البريطاني، قد أشار، وعلى رغم ضمانات وزارة الدفاع اللبنانية بأنها «لن تستخدم المعلومات الاستخباراتية المتبادلة بشكل غير قانوني»، إلى أن منظمة «هيومن رايتس ووتش» وحتى وزارة الخارجية الأميركية قد وثقت حالات تعذيب وتوقيف اعتباطي من قبل القوات المسلحة اللبنانية.وأكد هيلمان أن اعتبارات حقوق الإنسان هذه ستتم مراجعتها في «دورة الموافقة المقبلة» على عملية «مسح الأرز»، في أول أيار 2008. وأكدت الوثائق وجود جدول بطلعات «مسح الأرز» التي تقوم بها طائرات من طراز «يو 2»، من اول أيار 2008 إلى آب 2008، على أقل تقدير، كما اكدت ان طلعات تجسسية تغطي أيضا شمال العراق وتركيا.وشدد هيلمان على ان قرار الموافقة على عملية «مسح الأرز» قد نوقش بشكل واسع في وزارتي الدفاع والخارجية، وقد اتخذ نهائيا من قبل وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط حينها، كيم هاولز، الذي ترأس لجنة «أصدقاء اسرائيل العماليين» في بريطانيا.من جهتها، اعتبرت السفارة الأميركية في بريطانيا، أن «هذه الشروط الإضافية لموافقة الحكومة البريطانية، والافتراضات حول قدرتنا على مراقبة كل اعتقال مرتبط بعملية مسح الأرز، ليست ثقيلة فحسب بل غير واقعية أيضا». وأوصت السفارة مسؤولي وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين بإقناع نظرائهم البريطانيين بأن «شروطا مفرطة كتلك المذكورة، سوف تهدد، إن لم تعرقل، جهودنا المشتركة في مكافحة الإرهاب».وشددت السفارة على «اننا لا نستطيع اتباع مقاربة لمكافحة الإرهاب بشكل يسمح الخوف من خرق حقوق الإنسان، للارهاب بالانتشار في لبنان. ونوصي بأن تنظر سفارتنا في بيروت في ما إذا كانت قادرة على المساعدة عبر حث الحكومة اللبنانية على التعامل مباشرة مع البريطانيين. الحكومة البريطانية تدعم حكومة السنيورة، وقد تكون أقل صلابة إذا طلبت منها المساعدة من قبل حكومة السنيورة نفسها».وأكدت الوثائق المسربة من السفارة الأميركية في لندن ان الطائرات التي تستخدم في عملية «مسح الأرز» تنطلق من قاعدة «أكروتيري» في قبرص، التابعة للقوات الجوية الملكية البريطانية. وتفيد الوثائق بأن مديرة الدفاع والاستخبارات في مكتب الخارجية البريطانية ماريوت ليسلي طالبت بضرورة فرض شروط على التفويض بالإقلاع للطائرات التجسسية، و«ميزت بين الطلعات الاستخباراتية العادية، والأخرى العملانية كعملية مسح الأرز».وأشارت ليسلي إلى انه ولمرات عديدة لم يتم اتباع المسار المتفق عليه للسماح بانطلاق الطيارات، من قبل الأميركيين، مؤكدة أنه «لأن طلعات مسح الأرز، هي عملانية كما هي مرتبطة بجمع المعلومات، تدخل انواع عديدة من الضرورات القانونية في المعادلة».وقالت ليسلي بحسب برقية بتاريخ 20 أيار 2008، إن الحكومة البريطانية «بحاجة ماسة» إلى قاعدة «أكروتيري» في قبرص، «وتبقى ملتزمة بجعلها متاحة لأميركا وفرنسا». لكنها أكدت أن القبارصة «بالغو الحساسية» تجاه الوجود البريطاني هناك، وقد «يوقفون الخدمات في أي وقت». وأعربت ليسلي عن امتعاضها لموقف هيلمان خلال اللقاء الموصوف في برقية 14 أيار، وأكدت أن الموقف البريطاني كان «يهدف فقط إلى إظهار ان موافقة الحكومة البريطانية على عملية مسح الارز، كانت على أساس ضمانة أميركية بأن الحكومة اللبنانية طلبت هذه العملية، ولم تكن الرسالة (البريطانية) هادفة إلى التشكيك في ما إذا كانت الحكومة الأميركية قد حصلت على الموافقة الكاملة من الحكومة اللبنانية».وثائق لبنانية أخرىإلى ذلك، أفادت برقية أرسلتها السفارة الأميركية في دبلن في 5 أيلول 2006، بأن وزارة الشؤون الخارجية الايرلندية أصدرت «قراراً شفهيا ولكنه محدد أثناء الصراع مع لبنان يمنع مرور معدات عسكرية أميركية إلى إسرائيل» خلال عدوان تموز 2006، وجاء بيان وزارة الشؤون الخارجية الأيرلندية بعدما بدأت الحكومة الأيرلندية «وضع قيود» على أشكال معينة لمرور المعدات العسكرية في مطار شانون وإبلاغ وزارة النقل الأيرلندية بصورة غير رسمية السفارة بأن كل المعدات العسكرية تعتبر «ذخائر حربية» ما يتطلب إخطارا مسبقا لوزارة النقل ووثيقة إعفاء لنقل البضائع.وتوضح البرقية أن خطوة الحكومة الأيرلندية «جاءت أساسا ردا على حساسيات الرأي العام إزاء التصرفات الأميركية في الشرق الأوسط». وأشارت البرقية إلى أن «بعض شرائح الجمهور الأيرلندي تعتبر مطار (شانون) رمزا لتواطؤ أيرلندي متصور تجاه الأخطاء الأميركية في الخليج والشرق الأوسط».من جانب آخر، ذكرت وثيقة من السفارة الأميركية في باريس، تعود إلى العام 2007، أن «ساركوزي الذي لم يكن منبهرا بقادة غالبية 14 آذار الذين التقاهم، تحسنت نظرته إلى سعد الحريري بعد لقاءات متتالية. وبعد اللقاء الأخير، وافق ساركوزي على إعلان مشاركة فرنسا بـ6 ملايين دولار من أجل المحكمة الدولية.وقال المدير السياسي لوزارة الخارجية الفرنسية حينها جيرار ارو، خلال لقاء مع مساعد وزيرة الخارجية الاميركية ويليام بيرنز في حزيران 2007، إن «الدلائل ليست قوية بما يكفي (عن تهريب أسلحة ايرانية) إلى لبنان، لتبرير الضغط على ايران»، وإن فرنسا لا تريد المخاطرة في خسارة حوارها مع ايران، كونها «تحاول الابقاء على حوارها مع (رئيس البرلمان الايراني علي) لاريجاني. كما «أقر» ارو بأنه كان على فرنسا أن تستشير أميركا قبل الدعوة إلى مؤتمر «حوار وطني» لبناني.وأكد أرو أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قال لنظيره الأميركي حينها جورج بوش إن فرنسا ستواصل سياستها في لبنان، «ما عدا تركيزها الحصري على الحريري». أما في لقاء بين مسؤولين أميركيين ووزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، فقال الاخير إن الأسلحة الروسية التي استخدمها «حزب الله» في العام 2006، لم تكن نقلت من قبل الحكومة السورية، بل شملت أسلحة تركتها القوات السورية وراءها عندما غادرت لبنان، وذلك بحسب وثيقة تعود إلى تشرين الأول 2007.مواقف لبنانيةوأكدت أوساط وزير الدفاع الياس المر لـ«السفير» أن كل ما ينشره موقع «ويكليكيس» غير صحيح، كما نفى المكتب الإعلامي للوزير المر ما أورده موقع «ويكيليكس»، عن تقرير منسوب الى السفيرة الأميركية السابقة في لبنان ميشيل سيسون تتحدث فيه عن أجواء وتحليلات نقلا عن وزير الدفاع. واعتبر أن «ما نشر يأتي في سياق اثارة الشكوك من رغبة لم تعد خافية لإثارة الفتن ليس في لبنان فقط بل في العديد من دول المنطقة كذلك». وتساءل المر «عن هوية من يختبئ وراء هذا الموقع المشبوه ولا بد ان تكشف الايام المقبلة الاهداف الحقيقية لهذه الحملة المفبركة».وأكد أن ما ورد في تقرير «ويكيليكس» مجتزأ وغير دقيق، والسؤال: «هل السبب هو حرج سيسون في الموقف الحازم لوزير الدفاع من إسرائيل او قصورها في التفسير؟».كما قالت مصادر عسكرية لبنانية لـ«السفير» ان العماد جان قهوجي عيّن قائدا للجيش اللبناني في التاسع والعشرين من آب 2008 وهو استلم مهامه رسميا في الأول من ايلول 2008 ولا علاقة له بكل ما نقله عنه الموقع، كونه لم يكن في سدة المسؤولية واتخاذ القرار. وأضافت المصادر «عندما يريد الاسرائيليون أو غيرهم استباحة الأجواء اللبنانية فهم لا يحتاجون الى إذن من أي طرف لبناني».بدوره، علق النائب مروان حماده على المواقف المنسوبة إليه في الموقع، وقال: «بين مخيلة السفيرة الأميركية وفبركة الموقع المشبوه، قرأت رواية كاملة مليئة بالافتراءات والتلفيقات عن بعض ما أحاط أزمة شبكة الاتصالات في العام 2008»، وأكد أن «الحكومة اللبنانية لم تطلب آنذاك حماية أحد للقرار الذي اتخذته اقتناعا منها بأن وحدة مؤسسات الدولة ومنشآتها واحترام القوانين تبقى الضمانة الأولى والأخيرة لحماية لبنان من الأطماع الاسرائيلية او من التفكك الداخلي