التفكير سمة خاصة بالإنسان بين المخلوقات الظاهرة على وجه البسيطة، وكما اكتشف (آرخميدس) قانون الطفو و(نيوتن) قانون الجاذبية،
اكتشف الفيلسوف (كانت) قانون الوجود بقوله: أنا أفكر إذاً أنا موجود.
لكن المشكلة أن أغلب بني البشر يشكون من كثرة التفكير، سواء خلال العمل أم التوجه إليه والعودة إلى المنزل، وحتى عندما يضع أحدهم رأسه محاولاً الاستسلام للنوم، ويحاول كثيرون التخلص من سلطة التفكير بتناول أدوية مهدئة أو الامتناع عن المنبهات حسب ما يصف لهم الأطباء، ولكن دون جدوى.
بعضهم يرى أن إراحة الدماغ يمكن أن تتم من خلال ممارسة (اليوغا) ويقول أصحاب هذه الطريقة: أرح دماغك أو أفرغ رأسك أو لا تفكر بأي شيء، وهي وصفات هدفها أن تريح دماغك، وأن توقف دوامة التفكير، ولكن كل محاولات وقف التفكير تذهب هباء عند كثيرين.
مجموعة من الأذكياء من علماء الرياضيات وهم كايس ويسترن ودانيـلا كالفيتي يؤكدون ان إفراغ الرأس من الأفكار هو عمل متعب و يوجع الرأس، ويرون أن من يدعي صعوبة وقف التفكير هو على صواب تماماً.
ولكن الباحثين المذكورين لا يريدون لهذا الإنسان أن يستسلم لطوفان التفكير، وبعد بحوث مضنية، توصلوا الى أن محاولة إجبار الدماغ على وقف التفكير تتعب الدماغ وتستهلك طاقته، ويشبهون العملية بمحاولة فرملة شاحنة ضخمة في منحدر حاد.
وقد نشروا بحثهم في مجلة «الدماغ وتغذيته وسريان الدم فيه»، وأوضحت البروفيسـورة دانيـلا كالفيتي المتخصصة في الرياضيات والتي قادت فريق البحث أن استهلاك كميات كبيرة من الطاقة أثناء محاولة الدماغ إيقاف تـدفـق الأفـكـار، ربـما يـشـرح الصعوبة التي يجدها الناس في إراحة دماغهم وإزاحة الأفكار منه.
وبدهي إن هؤلاء البحّاثة لم يفتحوا الدماغ كي يراقبوا تصرفه أثناء محاولة إراحته، بل عمدوا إلى صنع نماذج كمبيوتر متطورة عن عمل أعصاب الدماغ ومراكزه المختلفة والعلاقات بينها، وصاغوا ذلك في معادلات رياضية معقدة، تحتسب كمية استهلاك الطاقة في الدماغ، وتبيّن لهم أن الدماغ لا يعمل على توليد الأفكار والإشراف على تحركها بين مراكزه المختلفة، بل يشتغل أيضاً على السيطرة عليها، ويستهلك الدماغ كثيراً من الطاقة كي يحرّك الأعصاب المتخصصة بإيقاف تدفق الأفكار بين مناطق الدماغ المختلفة.
وبحسب هذه الدراسة لا يبدو عصياً على الفهم، لماذا يستمر المرء في التفكير في العمل أثناء الإجازة أو لماذا تحوم أغنية في دماغه، فلا يستطيع إفراغها من رأسه.