جعفر العطارعند تقاطع وزارة الداخلية في الصنائع، والذي يبعد أمتارا قليلة عن مدخل الوزارة، سارت ثلاث دراجات نارية بعكس اتجاه السير، بمحاذاة المكان المخصص لوقوف شرطي السير، والذي بدا شاغراً، وكادت الدراجات أن تتسبب، باقتحامها المفاجئ، بوقوع حادث سير، أو أكثر. لكنها لم تتسبب بأي حادث، كما أنها لم تُحاسب على مخالفتها، لردعها عن أن تعيد الكرّة، ربما، عند تقاطع آخر، أو طريق أخرى..خلف تلك الأمتار القليلة، كان وزير الداخلية زياد بارود يتناول أزمة حوادث السير في البلاد، في مؤتمر صحافي، سلّط خلاله الضوء على أسباب وقوع الحوادث، والتي باتت معروفة لدى الرأي العام، ثم فنّد الحلول التي يراها مناسبة، وأبرزها ثلاث خطوات ستساهم، برأيه، في الحدّ من الأزمة، وهي: تثبيت رادارات متحركة، وتشكيل قوة ضاربة مؤلفة من أربعمئة ضابط وعنصر لقمع المخالفات المرورية في كل لبنان، وتحديد موعد نهائي لإنهاء التشكيلات في قوى الأمن الداخلي.ولأن الحلول التي قدّمها بارود بدت غامضة، حاولت «السفير» الاستفسار من وزير الداخلية الذي أفاد، في ما يتعلّق بالرادارات المتحركة، أنه لا يستطيع أن يكشف عن عددها أو أماكن توزعها، موضحا أنها غير تلك التي أقرّ مجلس الوزراء مؤخرا شراءها، مشيرا إلى أنه لا يريد للمواطنين أن يعرفوا أماكن انتشار الرادارات كي لا يعمدوا إلى تجنبها.أما تشكيل قوة ضاربة عديدها أربعمئة عنصر، وهي خطوة مرهونة أصلا بموافقة مجلس الوزراء، فتعتبر خطوة غير كافية لتغطية ومواكبة مخالفات السير في بلد مساحته 10452 كيلومترا. ويوضح بارود أن «عديد عناصر وضباط مفارز السير في لبنان حاليا هو ستمئة عنصر، ثلاثمئة منهم إداريون، أي أن مجمل عديد عناصر السير في لبنان، عملياً، هو ثلاثمئة عنصر فقط، لكل لبنان»، معتبراً أن «القوة الضاربة لن تحلّ أزمة السير، بل مهمتها ضبط المخالفات المرورية، وينبغي ألا تكون لطيفة مع المخالفين».ويقول بارود إنه أمهل المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي حتى يوم الجمعة المقبل لإنجاز تشكيلات ضباط مفارز السير «وإلا فإنني سأتخذ التدابير اللازمة».ولكن كيف يمكن تشكيلات تطال ستة ضباط أو أكثر بقليل، هم المسؤولون عن مفارز السير، بأن تحدّ من كارثة حوادث السير؟يقول بارود إن التشكيلات وحدها لن تكون كافية، بيد أنها، كسائر الخطوات، ستساهم في الحلّ، على اعتبار أن «الضباط الجدد سيضخون دماءً جديدة في مفارز السير. ولأن القانون 17/ 90 لا يسمح لوزير الداخلية بإجراء التشكيلات، طلبت من ريفي ذلك».لكن الحلول الثلاثة لا تعتبر حلولاً جذرية للأزمة، التي تحصد يوماً بعد يوم أرقام لقتلى قد يُصنفون في خانة المجزرة لو قتلوا في يوم واحد، إلا أن بارود اعتبرها خطوات مساهمة في سياق الحدّ من أزمة حوادث السير، تزامناً مع مشكلته مع «عدة الشغل» التي لم تتوفر له كاملةً، والتي حتمت على بارود التلويح بتدابير كبرى قد يتخذها في حال تجاهل المعنيين في الدولة لمطالبه. ومن الحلول التي اعتبرها بارود «علاجية»، انتقل إلى الحديث عن قانون السير الجديد، والذي استقرّ في أدراج الدولة مدة خمس سنوات، ليقول إن الشعب اللبناني ينتظر «القانون الثورة»، مبدياً تفاؤله من اللجان المشتركة التي تعمل على إنجازه.وأعلن وزير الداخلية أنه تم إبرام اتفاق مع وزير الصحة محمد جواد خليفة، يقضي بإسناد مهمة رصد أرقام ضحايا حوادث السير إلى وزارة الصحة. واعتبر بارود أن «أولوية معالجة حوادث السير لم تكن قائمة لدى الحكومات السابقة، أما اليوم فقد باتت أولوية لأن عدد القتلى تجاوز السبعمئة».وقال بارود إن «التوتر السياسي لا يعفي أحداً من المسؤولية، والوضع السياسي المأزوم لم يؤد إلى سقوط أي قتيل، ولكنه أدى إلى وقوع قتلى على الطرق. والمسؤولية تبدأ في مجلس النواب، ومن الضروري إقرار قانون تنظيم السير ومعالجة النقاط السوداء التي تتكرر عليها الحوادث ولا نجد لها علاجاً».وكشف بارود عن «وجود ثلاثمئة ألف سيارة غير قانونية في لبنان، وفي الأسبوعين الأخيرين أوقِف أشخاص في محيط مركز المعاينة الميكانيكية يعملون على تأجير إطارات سيارات للذين يخضعون سياراتهم للمعاينة»، لافتاً إلى أن «نسبة أربعين في المئة من ضحايا السير هم من المشاة، بسبب غياب الجسور والممرات». وسأل بارود: «هل تعرفون شركة من دون مجلس إدارة؟»، مشيراً إلى أن «قوى الأمن هي من دون مجلس قيادة، والمجلس تعطل كليا في أوائل تشرين الأول 2010، علماً أنه يجب أن يكون منظما وفاعلا وقادرا على مواجهة التحديات». وقال رداً على سؤال لـ«السفير» إنه «استبق الشغور الأخير في مجلس القيادة، وأرسل مرسوما يقضي بملء الشواغر، لكنه ينتظر توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة». وشدد بارود على ضرورة «تنظيم قيادة الدراجات، كي لا نصل إلى منعها»، محذراً من «تدخل السياسيين لحماية أي ضابط مقصّر، ومن يتدخل فسيكون مشاركاً في الجريمة».