مع بدء التنقيب عن الغاز في حقل «لفيتان»، عقد في إسرائيل، خلال اليومين الماضيين، «مؤتمر الطاقة والأعمال 2010» بمشاركة العديد من المسؤولين ورؤساء الشركات العاملة في هذا القطاع. وحذر مستشار اقتصادي لرئيس الحكومة الإسرائيلية من أن ارتفاع أسعار النفط سيجعل بقاء إسرائيل غير مجد للعالم. وكان لافتا إعلان نائب رئيس شركة «نوبل إنرجي»، التي تطور «لفيتان»، لوسون فريمان، أن منصة «Sedco Express» تستخدم تقنيات متطورة جداً للتنقيب في هذا الحقل، وأن «للجميع اليوم آمالا... ولكن إذا لم نكتشف شيئا فإن السقوط سيكون قاسيا جدا».وفي المؤتمر، الذي حضره وزراء وأعضاء كنيست ورجال أعمال وخبراء، قال المدير العام لشركة «إكو إنرجي» عميت أور «هناك انعدام يقين هائل في التكهنات بشأن أسعار النفط. والسيناريو المعقول يتحدث عن مستوى أسعار يتراوح بين 150 و200 دولار للبرميل خلال السنوات الـ20 ـ 25 المقبلة».وأعلن المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة الإسرائيلية يوجين كاندل في المؤتمر أن إسرائيل تبذل أقصى ما في وسعها لإيجاد بدائل للنفط من أجل المحافظة على نفسها. فمعظم السيارات في العالم تسير على وقود يصل إليها من دول ليست صديقة لإسرائيل. وأضاف أن «هدف جهودنا هو إبعاد أكبر قدر ممكن من السيارات عن وضع تتمكن فيه من التحرك بمواد أخرى. لدولة إسرائيل سعر، وأنه فوق سعر معين لبرميل النفط لن يكون مجديا للعالم بقاء دولة إسرائيل. لذلك فإنهمن المهم جدا تنفيذ خطة تقليص ارتباط العالم بالنفط». ويقصد كاندل بذلك مساعي إسرائيل لتطوير سيارات تسير بالطاقة الكهربية أو الوقود البيولوجي وما شابه. وتقوم خطة إسرائيل على أساس استثمار حوالي 50 مليون دولار سنويا في أعمال البحث لتشجيع مشاريع كهذه.ومع بدء عملية التنقيب الفعلي الإسرائيلية عن الغاز والنفط في موقع «لفيتان» في البحر المتوسط يستعر الجدال في الدوائر الاقتصادية والقانونية حول عائدات هذه الاكتشافات وطريقة تقاسمها. وفيما يطالب أعضاء كنيست وأكاديميون بزيادة حصة الدولة من هذه العائدات، يشدد آخرون على حجم الاستثمار في الاكتشافات، ما يجعل أي تعديل في الحصص محبطا لأصحاب الامتياز.وعلى الرغم من ذلك، فإن القرائن حول وجود الغاز والنفط في عدد من المواقع في البحر المتوسط قبالة الشاطئ الشمالي لفلسطين، أو في المنطقة الواقعة بين هذا الشاطئ وقبرص، لا تزال موضع رهان. كما أنه في حال التأكد من وجود كميات الغاز والنفط التي يجري الحديث عنها، فإنّ هناك من يشير إلى مصاعب في استخراجها بسبب التكلفة العالية للتنقيب والاستخراج، وبعد ذلك المصاعب التي تعترض التسويق.ولهذا السبب يمكن القول أن بعض الخبراء في إسرائيل يشيرون إلى اعتبارات غريبة قد تكون متصلة بمصالح في البورصة وراء الكثير مما ينشر أو يفعل على هذا الصعيد. ويمكن على وجه الخصوص التطرق إلى حقول الامتياز الأكثر شمالية وهي «تمار» و«داليت» و«لفيتان». والحفريات التي تجري منذ زمن في حقل «تمار ـ1» تتم بعمق مياه 1680 مترا لكن من أجل الوصول لطبقة الغاز هناك ضرورة للوصول إلى عمق كلي بحدود 4900 متر. أما في حقل «تمار ـ2» فالحفر يجري على عمق مياه 1700 متر، ولكن الوصول لطبقة الغاز يتطلب حفرا بعمق 5145 متراً. أما الحقل «داليت» فالحفر فيه يتم بعمق مياه 1400 متر، وقد وصلت الحفريات حتى الآن إلى عمق شامل يبلغ 3700 متر. ولكن حفر الحقل «لفيتان» يتم في مياه بعمق 1600 متر، والهدف الأساس هو طبقة الغاز على عمق 5100 متر.وهنا تدخل التكلفة كعنصر مهم في تحديد الجدوى. فتكلفة استخدام منصة حفر في مياه عميقة (من 300 إلى 1500 متر) وفي مياه أعمق كثيرا (أكثر من 1500 متر) تتراوح بين 375 ألفا إلى 450 ألف دولار يوميا. وعلى سبيل المثال فإن شركة «نوبل إنرجي» الأميركية تدفع في مقابل استخدام منصة «Sedco Express»، وهي المنصة الأولى التي وصلت الأسبوع الماضي لبدء الحفر في «لفيتان»، ما قيمته 530 ألف دولار يوميا. وقد خصصت للحفر في هذا الموقع ميزانية لخمسة أشهر تبلغ 150 مليون دولار. وفي حال كانت طبقة الغاز أو النفط أعمق فإن هناك حاجة لاستبدال المنصة واستئجار منصة «Pride North America» بتكلفة أعلى. ويؤكد باحثون أن تكلفة البحث في موقعي «تمار» و«داليت» بلغت حتى الآن 350 مليون دولار، في حين أن تكلفة تطوير حقل الغاز في «تمار» تقدر بحوالي ثلاثة مليارات دولار. ويعتبر وضع حقل «لفيتان» أكثر تعقيدا. فالغاز الذي سيكتشف هناك سيواجه مشكلة تسويق إذ أن إسرائيل لن تكون بحاجة إليه بعد تطوير الحقول المكتشفة قبله، وذلك بسبب العقود مع شركة EMG المصرية. ومعروف أن مصر تزود إسرائيل حاليا بثلث حاجتها من الغاز.وكانت منصة الحفريات «Sedco Express» وصلت يوم الاثنين من الأسبوع الماضي إلى موقع التنقيب المطلوب على مسافة 135 كيلومتراً غربي الشاطئ الفلسطيني الشمالي. ومن المقرر أن تظهر نتائج هذا التنقيب الأولية خلال شهرين إلى ثلاثة أشهر. ومعلوم أن الاكتشافات الغازية تتحدث عن 8,7 تريليونات متر مكعب في حقل «تمار»، و 14,2 تريليون متر كعب في «داليت»، وقد تصل إلى 16 تريليون متر مكعب في «لفيتان». وفي كل الأحوال لا يزال الحديث يدور عن حقل غاز «لفيتان» كحقل احتمال وليس حقل تأكيد.وإذا ثبت وجود الغاز بكميات تجارية فإن المشكلة ستتحول إلى مشكلة تسويق. وهنا تدرس إسرائيل مشاريع مختلفة من بينها تنفيذ خط غاز بحري إلى اليونان أو إنشاء محطة تسييل للغاز على الشاطئ بتكلفة تزيد عن خمسة مليارات دولار، أو التشارك مع مصر واستخدام منشآت تسييل الغاز المصرية بقصد تصديره إلى أوروبا وآسيا بالناقلات البحرية. وتصل كلفة تطوير حقل «لفيتان» في حال ثبوت احتوائه على كميات الغاز المقدرة إلى ثمانية مليارات دولار إذا تضمن مشروع تسييل الغاز. وهذا ما يجعل مشروع تطوير «لفيتان» أضخم مشروع اقتصادي في تاريخ إسرائيل.وتواجه إسرائيل مشكلة مهمة في تطوير الحقول الغازية والنفطية وتسويق الإنتاج في الخارج، وهي المقاطعة العربية. فالشركات الكبيرة تهرب من التعاون مع إسرائيل التي لا يزيد الحد الأقصى لحدودها المائية عن 320 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة لا تعتبر كبيرة بمقاييس الاستثمار البحري. وبالرغم من أن معهدا حكوميا أميركيا (USGS) هو من قدر قيمة الاحتياطيات الغازية في الحوض الشرقي للبحر المتوسط بـ450 مليار دولار، وأن لإسرائيل حصة معقولة من ذلك، فإن الشركات الأميركية الكبرى تجنبت الاقتراب من إسرائيل. فقط شركة «نوبل أنرجي» الأميركية الصغيرة هي من قام بذلك. وللعلم سبق لشركة «بريتش غاز» أن تنازلت عن 35 في المئة من امتياز «رتسيو يام» الذي يحوي 16 تريليون متر مكعب باحتمال 50 في المئة، كما كانت للشركة المعطيات ذاتها عن حقل «لفيتان».(«السفير»)