Ihsan Masri

Ihsan Masri

هديل فرفور - الاخبار

 

«دمّك يا محمد قصير، شعلة ثورة رح بيصير»، لم ينفك المتظاهرون الذين تجمّعوا، أمس، أمام قصر العدل في تحرّك «بدنا نحاسب» الذي دعا اليه «اتحاد الشباب الديموقراطي» و»حركة الشعب» وقطاع الطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني، ترداد هذا الشعار «نصرةً» للمتظاهر محمد قصير (21 عاماً) الذي أصيب خلال تظاهرة الاحد الماضي في رأسه، وهو في حالة حرجة.

هدف التحرّك، وفق منظّميه، هو «محاسبة من تعرّض للمتظاهرين يوم الاحد وشرّع قتلهم» فضلاً عن «إطلاق سراح الموقوفين والتعهد بعدم ملاحقتهم في ما بعد» و«التأكيد على استمرار التحرّكات». إلّا أن حشد المتظاهرين أمام قصر العدل والسير نحو ساحة رياض الصلح، استكمالاً لمسار «إسقاط النظام»، يهدف أيضاً الى التصدّي لـ»خطر» خمود التحركات الاحتجاجية التي يشهدها البلد نتيجة التخوف من «استثمار» السلطة الخلاف الحاصل بين هذه المجموعات اليسارية وحملة «طلعت ريحتكم».

يتجلّى هدف «التصدي» هذا في الشعارات التي رُفعت خلال الاعتصام، والتي تعمّد معدّوها التركيز على ضرورة «توحيد الجهود» خدمةً لـ»الثورة» المرجوة. فكان الشعار «يا منوحّد جهودنا، يا بتضيع حقوقنا»، الذي وافق عليه غالبية المشاركين. المشاركون كانوا بالمئات. اللافت في هذا التحرّك أنه نجح، في ظل التخوّف من أجواء التظاهرات، في استقطاب فئات غير محزّبة «يسارياً»، ومن مختلف الفئات العمرية، هتفوا لخوض «المعركة الطبقية، لا الطائفية». يُستدل على المشاركين غير «اليساريين» عند «استحقاق» الأغاني الثورية. يكتفي البعض بالتصفيق فيما يجهد البعض الآخر في «التقاط» وقع بعض الكلمات. من بين المشاركين أيضاً، من خَبِر الاعتصام لأول مرة، وهؤلاء يُستدل عليهم بسهولة أيضاً، إذ يبدون «مترقبين» و»مقيّدين» بعض الشيء. ليست المرة الأولى التي تختلف فيها المجموعات اليسارية وحملة «طلعت ريحتكم» حول كيفية ترجمة المطالب الموحدة. وجرت العادة على أن تتجاوز هذه «الأطراف» خلافاتها سعياً الى بلورة الهدف المشترك، وهو ما يفرضه واقع محاربة «حكم الأزعر». وفيما رُفع شعار «لا باطون ولا حديد، بتحمي دولة التمديد»، أمام قصر العدل، استنكاراً لجدار الباطون الذي رُفِع بين ساحة رياض الصلح والسراي الحكومي، كانت هناك مجموعات شبابية فردية تتجمّع في الساحة و»تتسلق» الجدران فتحوّلها الى لوحات من «الغرافيتي»، فضلاً عن «استخدامها» كـ»يافطات» كتب المشاركون شعاراتهم عليها. قرابة الساعة الثامنة من مساء أمس، وصل المشاركون في التظاهرة الى ساحة رياض الصلح وانضموا الى المجموعات الفردية، فأعادوا ترداد الشعارات الموحدة المنددة بأسلوب السلطة التي «تحتمي بجدران اسمنتية».

إيفا الشوفي - الاخبار

 

تداركت أمس حملة «طلعت ريحتكم» بعضاً من الأخطاء التي وقعت فيها خلال الأيام الماضية، بعدما انهالت الانتقادات عليها من قبل الناس الذين آمنوا بالشعارات التي رفعتها. كثيرون اتهموا الحملة بأنها تخلّت عن أناسها الفقراء، خصوصاً بعدما دعا منظموها القوى الأمنية إلى اعتقال جميع من بقي في ساحة رياض الصلح بعد إعلان الحملة انسحابها.

 

خسرت الحملة الكثير في «سقطتها» هذه، والأخطر أنها خسرت ثقة الكثيرين من الذين ضُربوا وجُرحوا بسبب قمع قوى السلطة لهم، لذلك كان لا بد من إعادة تنظيم الحراك الذي لم يعد ملكاً لـ»طلعت ريحتكم». منذ أول من أمس، بدأ التنسيق بين الحملة والوزير السابق شربل نحاس، المحامي نزار صاغية والخبير البيئي بول أبي راشد الذين شاركوا في الاجتماع الذي عقدته الحملة أمس بهدف وضع إطار تنظيمي مختلف لإنجاح الحراك واستمراريته، إضافة إلى البحث في الأخطاء التي حصلت سابقاً ووضع استراتيجية واضحة للتحركات المقبلة. كذلك إن التيار النقابي المستقل في صدد التنسيق مع الحملة من أجل الحشد للتحرك المقبل.

إذاً، تتجه الحملة إلى تنظيم صفوفها وتوسيع إطارها ليشمل المجموعات والأشخاص الذين نزلوا إلى الشارع في الأيام الأخيرة والاتفاق على خطاب التحرك. وهي أعلنت في بيانها تأجيل تحركها إلى السبت المقبل في مكان يُعلن لاحقاً. يقول صاغية إنّ سبب التأجيل هو «فسح مجال أكبر للتنسيق والتنظيم، إذ إن الأمر المقلق هو غياب الخبرة في تنظيم تظاهرات حاشدة من قبل القيّمين على الحملة، وهو ما يمكن أن يؤدي الى إفشال التحرّك». ويشير الصحافي حسان الزين إلى أننا «بدأنا نعقد اجتماعات لتقويم ما حصل في التظاهرات الأخيرة وتقويم وضعنا التنظيمي. وهناك توجه لتأليف لجان تنسيقية ستهتم بتحديد المطلب وخطاب التحرك وتوثيق الوقائع والتواصل مع الإعلام». حددت الحملة مطالبها في المرحلة الراهنة بـ»إطلاق جميع المعتقلين من المتظاهرين فوراً، والإسراع بإجراء تحقيقات جدية وشفافة بهدف محاسبة كل من تورط بالعنف في التظاهرات الأخيرة من مسؤولين سياسيين وأمنيين، وعلى رأسهم وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق». كذلك دعت إلى «إعلان بطلان جميع مناقصات فض عروض النفايات لمخالفتها الصريحة لقانون البلديات وإعادة موضوع معالجة النفايات للبلديات مع إنشاء الصندوق البلدي المستقل ضماناً لحقوقها العائدة لها فيه، ورفع يد مجلس الإنماء والإعمار عن هذا الملف بشكل كامل، وتأكيد الإغلاق النهائي لمطمر الناعمة»، لتحدد أخيراً سقفها السياسي وفق الناشط مروان معلوف بـ»تأكيد عدم شرعية المجلس النيابي وإجراء انتخابات مبكرة». لم يأتِ البيان على ذكر «المندسين» الذين حذّرت منهم الحملة أول من أمس واتهمتهم بافتعال أعمال الشغب، بل على العكس، أعلنت الحملة «اعتزازها بالجرأة والتضحيات التي عبّر عنها اللبنانيون في الأيام الأخيرة، وهي واثقة بأن اللحظة التي شهدناها لم تكن سوى تراكم لطبقات عديدة من القهر السابق والنضالات السابقة. وهي تفخر بأنها وفرت المساحة والفرصة لانضمام كل الأطراف (الأشخاص والمنظمات) إلى معركتنا في مواجهة السلطة الفاشلة والفاسدة». يرى صاغية أنّ «أي مواطن لديه الحق في التظاهر مثله مثل الآخرين حتى نثبت باليقين العكس. حُكي مطوّلاً عن عدم وجوب تحويل «الاندساس» إلى هاجس لدى الحملة يؤدي إلى إلغاء فئات معينة، إذ إنّ الدعوة موجهة إلى الجميع، وتحديداً الناس المغبونة»، لافتاً إلى أنّ «هذا لا يلغي إمكانية أن يدخل الحراك بعض الأشخاص بهدف تعطيله». تشعر الحملة اليوم بمسؤولية كبيرة نتيجة توسّع الحراك سريعاً، لذلك أعلنت أنها ستقوم «بتعزيز قدراتها التنظيمية بالتنسيق مع جميع القوى الناشطة في المجتمع ضماناً لاستمرار زخم الحراك وتصاعده». يوضح معلوف أننا «لا نتحدث عن توحيد للمجموعات والقوى، بل التنسيق مع الجميع من أجل الحفاظ على استمرارية الحراك».

أكثر من خمس ساعات أمضاها الوزير السابق شربل نحاس أمس مع منظّمي الحملات الناشطة في ساحتي رياض الصلح والشهداء، دارت خلالها نقاشات طويلة قبل صياغة نصّ نوقشت فيه كلّ كلمة تقريباً خوفاً من تأويلاتها السياسية. بعدها خرجت حملة «طلعت ريحتكم» بمؤتمرها الصحافي بعد ظهر أمس، معلنة فيه موقفها من التطوّرات الحاصلة، وداعية إلى التظاهر يوم السبت المقبل

 

مهى زراقط - الاخبار

 

شكّلت مساهمة الوزير السابق شربل نحاس في خلفية الحراك الشبابي ــ من خلال الاجتماع الذي سبق المؤتمر الصحافي لحملة «طلعت ريحتكم» ــ عامل اطمئنان لكثيرين، أخافهم، في اليومين الفائتين، سلوك عدد من المنظّمين من جهة، والاتهامات المتبادلة بـ«التشبيح» و«الاندساس» و«العمالة» التي وجّهت من قبل أكثر من طرف إلى بعض المشاركين في التظاهرة الأخيرة من جهة ثانية. وقد بقي نحاس، حتى بعد انتهاء المؤتمر الصحافي، يتلقى اتصالات من إعلاميين وناشطين يستفسرون منه عن التطوّرات، أو يطلبون منه تسلم القيادة، لأن «ما عنا حدا يقودنا، لكي نكمل صحّ يجب أن تكون معنا، نحن نثق بك». يشكر نحاس محدّثه على هذه الثقة، مصرّاً على حصر مشاركته بـ«تقديم أي مساعدة تحتاجون إليها بعيداً عن أي دور».

بحرص شديد يختار نحاس مفرداته وهو يحكي عن تظاهرات الشباب الأخيرة. يصفها بالضوء الصغير الذي خرج من قداحة كاد غازها أن يفرغ، لذا يجب إحاطته بعناية. وبالتالي هو يرفض الدخول في الانقسامات الحاصلة والاتهامات المتبادلة «من المفيد توسيع الحلقة، وليس إجراء عملية إقصاء لأي طرف». كعادته، يجد نحاس في كلّ تحدّ فرصة لتحقيق اختراق ما، لكن هذه المرة «يجب التعامل برويّة مع هذه الفرصة، خصوصاً أن القصة كبرت أكثر مما كان الشباب يتوقعون، وأكثر مما كانت السلطة تقدّر». فكيف يقرأ اليوم ما حصل؟ بالنسبة إلى نحاس، الموضوع تراكمي. يعدّد بسرعة محطات القهر التي عاشها اللبنانيون منذ انتهاء الحرب وتوقيع اتفاق الطائف مطلع التسعينيات. يومها، تسلّم أمراء الحرب وأصحاب رؤوس الأموال البلد. حصلت ممانعة لهذا التسليم للسلطة، لكنها لم تنجح. بعدها ولدت شركات المحاصصة وصناديقها (شركة سوليدير، صندوق المهجرين، مجلس الجنوب، إلخ...)، حصلت ممانعة لها لكنها لم تنجح أيضاً في وقفها. وفي عام 1996 أوقفت الاستثمارات وجمّدت الاجور، أيضاً من دون وجود قوة اعتراض قادرة على إحداث تغيير، واستمرّ الأمر على هذه الحال. يكبر الفساد وتتدنى الممانعة حتى وصلنا إلى عام 2005. يومها، اختلف السياسيون، ودخل لاعبون جدد إلى الساحة، فجرت محاولات للاختراق. يذكر منها نحاس مواضيع: التغطية الصحية، تصحيح الأجور، استعادة أموال البلديات، الحسابات العامة والموازنة... كذلك انطلق حراك «إسقاط النظام الطائفي» وتلاه تحرّكات «هيئة التنسيق النقابية». هذه محطات، وغيرها، كانت تثير الحماسة لدى البعض قبل أن تمنى بالفشل بسبب عمليات التطويق والابتزاز التي كانت تتعرّض لها بشكل ممنهج ومدروس. لكنها محطات «كانت تراكم قهراً أيضاً» برأي نحاس، معتبراً أن سبب التحرّك الأخير هو وصول السلطة «إلى أعلى درجات الوقاحة في ممارساتها. عندما اختلف السياسيون على حصصهم في سرقة المال العام، وصل بهم الأمر إلى رمي الزبالة على العالم». عندها «تحرّكت العالم، قدحت القداحة الفاضية وعملت ضو صغير». وبما أن قراءة نحاس لما حصل تراكمية «يجب أن نتعلّم من الأخطاء التي حصلت سابقاً كي لا نخسر هذه الفرصة». هي فرصة، لأن «تضعضعاً» حصل فعلاً في صفوف الطبقة السياسية الحاكمة، وظهر في التصريحات السياسة العلنية لعدد من المسؤولين، «قبل أن يعودوا إلى التآلف ويشكلوا جبهة مضادة حاولت الهجوم على التظاهرات من خلال خطة مدروسة، ما يعني أن اللعبة انفتحت ويمكن الردّ على كلّ خطوة من قبل الحكومة بخطوة مضادة من قبل المواطنين».

 

يرى نحاس أن الحكومة «عمدت أولاً إلى قمع المتظاهرين، وتشويه تحركهم. وهذا قد يؤدي إلى امتناع البعض عن المشاركة في التظاهرات اللاحقة خوفاً من التعرّض للأذى، في حين يؤدي تشويه صورة المتظاهرين إلى توليد احتكاكات طائفية وربما أكثر». الردّ على هذا القمع والتشويه يكون من خلال ثلاث خطوات: «أولاً، توقيف فوري لكلّ عسكري أطلق النار ولمن أعطى الأمر بإطلاق النار؛ ثانياً، إجراء تحقيق فوري يطال كلّ من أطلق النار ومن أعطى الأمر بذلك ومن امتنع عن ردع مطلق النار في حال كان قادراً على ذلك؛ وثالثاً محاسبة وزير الداخلية، وهو مطلب أكثر تقدّماً من مطالبته بالاستقالة، لأنه قد لا يستقيل».. الهجوم الثاني للسلطة على التحرّك كان من خلال «التطويق والتهويل، إذ خرج رئيس الحكومة ليقول إنه قد لا يستطيع دفع رواتب الموظفين، وهو خطاب يشبه تماماً الخطاب الذي ووجه به حراك هيئة التنسيق النقابية، عندما قيل إن التلاميذ لن يتخرّجوا وسيبقون بلا شهادات وأن مستقبلهم مهدّد». الردّ على هذا الأمر يكون من خلال «تغيير الهيكل التنظيمي للتحرّك ودعوة الموظفين والنقابيين إليه، خصوصاً أن التهديد طالهم من قبل رئيس الحكومة». في خطوة ثالثة، حاولت الحكومة إجراء «عملية استيعاب مستعجلة، من خلال المسارعة إلى فض العروض المالية للمناقصات والقول: انحلّت يا شباب. الردّ على هذا الأمر يكون من خلال ربط النزاع بالأساس، والتأكيد على أن هذه العملية غير مشروعة وباطلة». أما الخطوة الرابعة، فكانت تحوير جبهة النار من خلال حديث سلام عن اعتداء على صلاحيته، ما يعني تحويل الموضوع إلى مشكلة طائفية. والردّ المباشر هو تحديد الخصم... أو الحكم في هذه القضية وهو: البلديات. إذ يرى نحاس أن ما يجري منذ سنوات هو استيلاء على أموال البلديات ومسؤولياتها، ونحن أمام موقفين «إما أن هذه البلديات موافقة على هذا الاستيلاء، وبالتالي هي خصم يجب ملاحقته لمساهمته في سرقة المال العام، وإما أنها ضحية فنقول لها: أهلا وسهلاً بها في التحرّك، خصوصاً أن هذه البلديات هي الهيئات المنتخبة الشرعية الوحيدة في لبنان اليوم والتي يمكن الركون إليها».

انخرط التيار النقابي المستقل، كما قال رئيسه حنا غريب، في الحراك الشعبي منذ بدايته، في وقت تعزف فيه هيئة التنسيق النقابية عن المشاركة قبل معرفة من يقود من وما هي أهداف الحراك وبرنامجه، نافية أن يكون عنوانا استقالة الحكومة وإسقاط النظام واقعيين

 

فاتن الحاج - الاخبار

 

نزل رئيس التيار النقابي المستقل حنا غريب إلى الشارع. رأى أنّ المشاركة ليست التحاقاً كما سمّاه البعض، بل واجب نقابي واجتماعي ووطني، و«الفصل بين حقوقنا الشخصية وموقعنا الوظيفي من جهة وحقوقنا المشتركة مع باقي اللبنانيين من جهة ثانية هو فصل تعسفي، والمقايضة بين الاثنين مرفوضة، فيما لم تحل المواجهة بالمفرق أزمة الدولة الفاشلة».

 

غريب أوضح أنّ «التيار موجود في قلب الحدث منذ بداية الحراك الشعبي ومنخرط في كل مفاصله»، داعياً هيئة التنسيق النقابية إلى إعادة النظر في موقفها وأن تكون في مقدمة هذه التظاهرة استناداً إلى العناوين التي طرحتها في مؤتمرها الأخير، وانطلاقاً من موقعها النقابي وحفاظاً على تراثها الذي أرسته والشعارات التي رفعتها في حراكها، لا سيما سلسلة الرتب والرواتب والفساد والضرائب. وقال: «كنا نتمنى أن يأخذ مؤتمر الهيئة بتوصية التيار لجهة وضع خطة تحرك مع روزنامة زمنية محددة على خلفية أن الوضع لا يحتمل التأجيل، إلاّ أنّ «هيئة التنسيق فضلت أن تكون في الصفوف الخلفية وأن تترك الشعب يسبقها إلى الشارع للمطالبة باستقالة حكومة تكرّس الشلل ولا تعالج شيئاً من المسائل العالقة، وإذا اجتمع أعضاؤها واتفقوا فإنهم سيتفقون علينا». وفيما أعلن أن التيار يوافق على استقالة الحكومة، تطلع إلى بناء قيادات جديدة من الحراكات الميدانية من أجل دولة مدنية ديموقراطية ودولة للرعاية الاجتماعية. هل اجتمع التيار بالمجموعات الأخرى المنظمة للحراك؟ أجاب بأننا «منفتحون على كل أنواع الحوار والتنسيق وفتح الجسور والخطوط مع هيئات المجتمع المدني، وسنعقد عند الحادية عشرة من قبل ظهر غد الاثنين (اليوم) اجتماعاً موسعاً بهذا الخصوص». غريب كان قد استنكر ما تعرض له المتظاهرون من ضرب وغازات مسيلة للدموع ورشق بالمياه، مطالباً كل قوى ومكونات المجتمع والنقابات بالنزول إلى الشارع لإسماع صوت الشعب عالياً ضد الطغمة الحاكمة الفاسدة. في المقابل، لم تقرر هيئة التنسيق النقابية أن تكون جزءاً من الاعتصام الشعبي. يقول قادتها إنّهم يتريثون في الانخراط في حراك كهذا لا يعرفون من هي قيادته وما هي أهدافه ومن هو معه ومن هو ضده. تتوقف الهيئة عند ما تسميه الاستغلال السياسي للحدث، داعية، في بيان لها، القائمين عليه إلى «أن لا يغفلوا محاولة بعض الطبقة الحاكمة لتوظيف هذا الحراك الشعبي الحضاري لأخذ براءة ذمة شعبية أو محاولة البعض تكبير وتضخيم الأهداف غير القابلة للتحقيق بما يؤدي إلى الإحباط».

قادة الهيئة لا يوافقون على شعار إسقاط الحكومة مثلاً باعتبار أن هذا الطلب لن يكون، برأيهم، حلاً للأزمات بل سيكون تعقيداً لها. يطرحون الذهاب مباشرة إلى انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية تنتج سلطات دستورية، شرعية و قانونية وقادرة على معالجة مشاكل اللبنانيين. في كل الأحوال، يُنتظر أن تأخذ الهيئة في اجتماعها الذي يعقد عند الثانية والنصف من بعد ظهر اليوم، في مقر رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، موقفاً مما يحصل، وخصوصاً أن بيانها، أمس، لم يذكر شيئاً بشأن النية في دخول قلب الحدث أو التفرج عليه. فالبيان اكتفى بإدانة إطلاق النار على المتظاهرين والتحذير من الصدام مع القوى الأمنية، مطالباً بالأخذ بتجربة الهيئة «إذ نزل مئات آلاف المواطنين إلى الشارع على مدار ثلاث سنوات من دون أن تمس كرامة المتظاهرين أو القوى الأمنية». «لو بقي التحرك سلمياً لكنا اليوم أول المشاركين فيه»، هذا ما قاله رئيس نقابة المعلمين نعمة محفوض لـ«الأخبار»، مشيراً إلى أنّ هيئة التنسيق لم تسمح لأي طرف سياسي بأن يخرّب تحركها ولن تشارك في أي حراك مسيّس، وإن كان ذلك لا يبرر التعرض للمتظاهرين بالقمع. ولفت إلى أنّ تغيير النظام في هذه اللحظة التاريخية طرح غير قابل للتحقيق. المبادرة إلى دخول الحراك ليس قراراً اعتباطياً، بحسب مسؤول الدراسات في رابطة التعليم الاساسي عدنان برجي، فـ«هيئة التنسيق تمثل ثلث الشعب اللبناني ولا تستطيع أن تورطه في تحرك يفتقد القيادة والأهداف، فيما لهيئة التنسيق قيادتها وبرنامجها الذي أعلنته في المؤتمر الوطني النقابي، ونحن لا ننضم بل الآخرون ينضمون إلينا». وقال إنّ الصراع الحقيقي هو مع السلطة السياسية وليس مع العسكر، سائلاً عما إذا كانت إقالة الحكومة تخدم القضية، فهي اليوم مشلولة وبحكم تصريف الأعمال، والمطلوب رسم حل للناس عبر الدعوة إلى انتخابات نيابية مباشرة. بالنسبة إلى رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي عبدو خاطر، لا يمكن التفرج على ما يحصل، «بالتأكيد سيكون لنا موقف في اجتماع الغد (اليوم)». أما عضو رابطة موظفي الإدارة العامة نضال العاكوم فرفض الإدلاء بأي رأي قبل الاجتماع، وكذلك فعل رئيس رابطة أساتذة التعليم المهني والتقني عبد برجاوي «منشوف بكرا شو بدن يقرروا الشباب!».

النظام العفن ينطق بلغته كالعادة، تعبيرا عن عدم قابليته لتحمل المطالب الشعبية وهذا يدل على مسؤولية النظام وحكومته السياسية عن كل العجز الحاصل وليس في ملف النفايات وحده الذي تفوح منه رائحة النظام.

 

 

 

وها هو نظامنا يملأ الشوارع بدماء المتظاهرين، في وحشية لم يقدر أن يظهرها امام المحتل وأمام الإرهابيين الذين يذبحون ويحتجزون جنود الدولة.

 

 

 

إن النظام السياسي والحكومة يتحملان مسؤولية الأحداث الإجرامية من خلال استخدام السلاح الحي والقنابل المسيلة للدموع، االيوم في ساحة رياض الصلح والتي أسفرت عن عشرات الاصابات بين الشرفاء المطالبين بالنقاء السياسي والبيئي والاجتماعي.

 

 

 

المطلوب ترجمة السقوط الحاصل بسقوط سياسي للنظام وللحكومة المعبرة عن عقلية دولة الارهاب الخائفة من المتظاهرين العزل، إلا من الكرامة.

 

 

 

لذلك ندعو كل القوی والمنظمات والهيئات الحريصة إلی أوسع تعاون وتنسيق من أجل تصعيد التحركات من اليوم وحتی تحقيق الأهداف ورفع مطالب واضحة هي:

 

1. استقالة الحكومة فوراً واعتبار كل السلطة ساقطة وبحكم تصريف الأعمال

 

2. الدعوة إلی انتخابات لتشكيل مجلس نيابي تأسيسي علی قاعدة النسبية خارج القيد الطائفي.

 

3. مبادرة القضاء إلی تحديد المسؤوليات ومعاقبة المسؤول الاول عن قرار إطلاق النار وزجه في السجن، ومعاقبة كل مطلقي النار من القوی الأمنية.

 

 

 

 

 

كما ندعو كل الرفاق والأصدقاء للمشاركة الفاعلة في كل التحركات القائمة والتي سندعو إليها في الأيام القادمة.

 

 

 

اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني

 

المكتب التنفيذي

 

 

تستمر السلطة في لبنان بانتهاج سياسات فاشلة أوصلت البلاد إلی الحضيض بعد عشرات السنوات من الفساد والسرقة والبلطجة علی المواطنين.وكانت آخر مآثر السلطة ملاحقة الناشطين والمناضلين الذين تحركوا ضد أزمة النفايات المفتعلة وكان منهم الرفيق عفيف يونس عضو قيادة اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني، إذ تم استدعاءه من قبل القوی الأمنية بحجة بحث موضوع دراجة نارية، وعند حضوره تبين أن الهدف هو توقيفه واستجوابه علی خلفية مشاركته في التحرك الذي تخلله اعتداء القوی الأمنية علی المتظاهرين قبل يومين.إن هذه التصرفات من قبل الأجهزة المعنية وخلفها السلطة السياسية تمثل حقيقة الأزمة التي وصل إليها النظام وحجم الإرباك الذي تتخبط فيه سلطة النفايات.يدين الاتحاد هذه الإجراءات التي اعتمدت ضد كل الناشطين ويتضامن معهم ويؤكد أن الرد عليها يكون عبر المشاركة في كل التحركات الهادفة إلی الدفاع عن حقوق الناس في النظافة والصحة والكهرباء والأجور وكافة المطالب المحقة.

 

اتحاد الشباب الديمقراطي اللبنانيالمكتب التنفيذي

خمسة معتقلين، ومتظاهر نُقل إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، هي حصيلة الاعتصام الذي دعت إليه حملة «طلعت ريحتكم»، أمس، في ساحة رياض الصلح، احتجاجاً على أزمة النفايات

 

هديل فرفور - الاخبار

 

عند بداية الاعتصام، لم يكن هناك ما يوحي بـ»شغب» مرتقب. لم يتجاوز عدد الملبّين 30 شاباً، إلا أنّ هؤلاء الطامحين إلى «ثورة»، وبخلاف كثيرين، استطاعوا أن يُترجموا غضبهم واقعاً، وأن يفرضوا على القوى الأمنية، والإعلام، «تأهباً» طال لساعات.

تأهب القوى الأمنية تجسّد بأشكال مختلفة. بداية كان «الحمّام الوطني» الذي اختبره المعتصمون، والذي «كشف» سبب انقطاع المياه عن غالبية بيوت العاصمة، بعدما تبين أن المياه التي يُحرَمُها أهل المدينة، «مخزّنة» لدى القوى الأمنية و»مجهّزة» لـ»رشّ» المواطنين المطالبين بحقوقهم المهدورة. «ودّي الماي عل البيوت، مش عالشعب اللي ما بيموت»، شعار «ابتكره» المتظاهرون من وحي دفق خراطيم المياه التي وّجهت إليهم من قبل حرس مجلس الوزراء، بعدما حاولوا انتزاع الأسلاك الشائكة. اللافت أن الشعارات، كما «برنامج» الاعتصام، لم تكن معدّة مسبقاً. سلوك «الشغب» الذي انتهجه هؤلاء الشبان أتى عفوياً، ينطلق من شعورهم بالغبن من قبل نظام يمعن في إهانتهم ويحرمهم أدنى مقومات العيش. وبالتالي، قناعتهم أن التحركات السلمية «لم تعد تجدي نفعاً مع هذه السلطة، إذ إنها تعطيها مزيداً من الشرعية»، وفق ما تقول إحدى المعتصمات، لافتة إلى ضرورة اتخاذ «خيار الصدام».

 

سلوك الشغب جوبه بأسلوب «العسكر» العنيف، الذي كان «مضبوطاً»، إلى حد ما، أمام عدسات الكاميرات، ليتجلّى بعد ذلك بشكله الهمجي بعد انقطاع البث ومغادرة معظم الصحافيين. بعد خراطيم المياه، استُدعي عناصر مكافحة الشغب فحضروا وحضرت معهم عصيهم التي انهالت على رؤوس المعتصمين. إحدى هذه العصي، طاولت رأس بلال علوه الذي نقل إلى مستشفى الجامعة الأميركية وكان في حالة حرجة، وفق ما نقلت الحملة على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. بداية «الهرج والمرج»، كانت مع الناشط أسعد ذبيان الذي اعتقله عناصر الحرس الحكومي لنحو 20 دقيقة، قبل أن يعود وآثار الضرب على وجهه. كذلك، في ما بعد، «سُحب» ثلاثة ناشطين هم: لوسيان بو رجيلي، وارف سليمان، وحسن شمص، ما أثار غضب الشبان الغاضبين أصلاً، ودفعهم إلى إعادة محاولة سحب الأسلاك، ونجحوا في تمزيق جزء منها. عندها حضر عناصر «قوة ضاربة» يتقدّمهم العميد مجد طربيه الذي حاول بداية تهدئة المعتصمين، وألقى خطاباً «منمّقاً» أمام الإعلام، واعداً بإطلاق سراح المعتقلين الثلاثة «بعد خمس دقائق». وقتها، طالبه أحد المتظاهرين، وهو شقيق لأحد المحتجزين، برؤية أخيه للاطمئنان عليه، فلبى العميد طربيه المطلب. «كلام العميد جوّا تغيّر من «انتو اخواتنا»، لسدّ بوزك، وخدي ع بهدلة»، شهادة أطلقها أخو المعتقل بعدما خرج من غرفة الاحتجاز، لافتاً إلى أن أخاه «يعاني من جروح وبحاجة إلى اهتمام». لم تتغيّر شهادة العميد في هذا الصدد فحسب، بل تغيّرت «الأوامر» أيضاً، إذ أعطى طربيه بعد مغادرة الصحافيين أمراً بضرب المعتصمين، فانهال العناصر بالضرب «دون تمييز»، وفق ما صرّحت الحملة. والخمس دقائق التي وعد بها العميد، تحوّلت إلى ساعات، وعوضاً من الإفراج عن المعتقلين الثلاثة، اعتُقل ناشطون إضافيون لم تُعلن أسماؤهم، وانضموا إلى زملائهم، ولم يُفرج عنهم إلا عند قرابة الساعة العاشرة مساءً. لم يُفهم سبب «الوحشية» التي انتهجها عناصر مكافحة الشغب بعد مغادرة الصحافيين، إلا أنه أُثير عن محاولة لـ»لجم» المعتصمين، تسييراً لموكبي وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ووزير البيئة محمد المشنوق. وكان المعتصمون قد رددوا شعارات طالبت «المشنوقين» بالاستقالة بعدما عجزا عن حماية حقوق «الشعب الذي هو مصدر السلطات». واستطاع المتظاهرون «اليتامى» إقفال طريق رياض الصلح، وانتشروا بين السيارات، طالبين من راكبيها «النزول معهم إلى الشارع، فالأزمة علينا وعليكم». مشهد تلبية بعض الناس للناشطين كان لافتاً، انضم البعض منهم إلى الساحة وكوّنوا حشداً صغيراً، فيما بقي الآخرون في سياراتهم ينتظرون فتح الطريق، تماماً كما ينتظر كثيرون حتفهم على أيدي هذه السلطة. فيما ينشغل قسم آخر بانتقاد هذه التحرّكات عوضاً من تصويبها ودعمها.

 

غسان ديبة - الاخبار

 

«ليس المهم ان تكون القطة ييضاء او سوداء، ما دامت تصطاد الفئران» دينغ هسياو بنغ

 

هز قرار المصرف المركزي الصيني بخفض سعر صرف اليوان تجاه الدولار الاميركي، الاسبوع الماضي، الاسواق المالية العالمية، وبث الخوف في اوساط البلدان الراسمالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية، من اندلاع حرب عملات عالمية، وهي الاقرب من الناحية الاقتصادية لحرب عالمية حقيقية.

 

لهذه الحادثة دلالات عدة، أولاها المسافة التي قطعتها الصين منذ بدء الاصلاحات الاقتصادية التي اطلقها دينغ هسياو بينغ تحت عنوان «ان اي شيء يدعم الاشتراكية لهو اشتراكي»، اذ انتقلت الصين منذ ذلك الوقت من بلد كبير ذي ايديولوجيا جذابة، لكن فقير اقتصاديا، الى اقوى قوة اقتصادية في العالم، تجاوز اقتصادها اقتصاد الولايات المتحدة بحسابات القدرة الشرائية، ومن المتوقع تجاوزه بحسابات الدولار الاميركي في 2026. هذا الانجاز التاريخي قل مثيله في التاريخ الاقتصادي، وهو يشبه في مضامينه وعلاماته التاريخية قفزة بريطانيا اثر الثورة الصناعية والثورة الفكرية، لادام سميث، لتصبح البلد الراسمالي الاول بامتياز، ولتتصدر الولايات المتحدة البلاد الراسمالية بعد الحرب العالمية الثانية، والانطلاقة الكبيرة للاقتصاد السوفياتي منذ الثلاثينيات حتى الستينييات من القرن العشرين.

الصين اليوم اصبحت المحرك الاساسي والثقل المركزي الصناعي في العالم، واصبحت حصصها من التجارة العالمية والتصنيع على المستوى العالمي، كبيرة. وللتصنيع أهمية كبرى، اذ إنه على الرغم من ان البعض يعتقد ان اليوم هو عصر الاقتصاد الرقمي او المعرفي او الاخضر الخ، وان الخدمات هي الاساس في الاقتصاد، يبقى التصنيع أساس خلق الثروة من اجل تطوير او الحفاظ على مستوى المعيشة، ومن اجل خلق التكنولوجيا التي هي اساس النمو الرأسمالي، الذي بدونه ينهار النظام برمته. الدلالة الثانية أن الاقتصاد الصيني بدأ يواجه افقا من الحدود لنموه العالي، الذي تراجع هذه السنة الى 7%، وهو على الرغم من كونه خياليا اذا قارناه بمعدلات النمو حول العالم (الاقتصاد في منطقة اليورو نموه 0.3%!) الا انه اقل من معدله التاريخي الذي بلغ الـ 9%. وكانت القيادة الصينية قد حددت ما سمته سمة الاقتصاد في المرحلة المقبلة على انه «الطبيعي الجديد» (new normal) إعداداً لقبول الشعب الصيني هذا الانخفاض في النمو، وعملية البدء باعادة التوازن الى الاقتصاد لناحية زيادة الاستهلاك الداخلي، وذلك عبر رفع الاجور وخفض الادخار العالي، الا ان الازمة الاخيرة في الاسواق المالية، وخسارة الكثيرين لمدخراتهم، كما التباطؤ في الانتاج الصناعي والتصدير، الذي سجل أخيرا، جعلت الصين تذهب الى الخيار التقليدي، وهو خفض سعر صرف العملة، ما يعكس ضعفا داخليا، الا انه عكس قوة خارجية للاقتصاد الصيني. الدلالة الثالثة هي ان العالم الرأسمالي لا يزال عرضة لحرب عملات، على الرغم من تجاوزه لهذه الامكانية بُعيد الازمة العالمية في 2008، على عكس ما حصل في الثلاثينيات بعد الكساد العظيم، حيث اتبعت البلدان الرأسمالية «سياسة افقار الجيران»، بحيث تحاول الدول عبر خفض قيمة عملتها حل مشكلة الطلب الناقص داخليا عبر التصدير الى الخارج، ومن المفارقة ان دولة او دولتين تستطيع فعل ذلك، الا انه عندما تحاول جميع الدول ذلك، فان النظام يتوقف عن العمل، وبهذا السباق تشتعل الحرب الاقتصادية. في الثلاثينيات زادت هذه الحرب التوتر القائم اصلا في العلاقات بين الدول، الذي اوصل الى الحرب العالمية الثانية. اما الان، فالصراع العالمي بشأن التجارة والاسواق بدأ بالفعل على الرغم من تطمينات بن برنانكى، حاكم الاحتياطي الفدرالي الاسبق، في 2013 من ان السياسات النقدية في الدول الرأسمالية بعيد الازمة الاخيرة «ليست «افقار الجيران»، بل هي ذات منفعة للجميع، او سياسات «اغناء للجيران»». طبعا نسي برنانكى ان من بين «الجيران» دولا مثل الصين ودول البريكس، وهي من الخاسرين، وبالتالي عندما يتطلب وضعها الداخلي ذلك، فإنهم ستلجأ الى الرد بالمثل، اذ يتوقع البعض ان يخفض اليوان بحوالي 10% خدمة للاهداف الصينية المستجدة. في كتابه «حروب العملات» يصف جايمس ريكاردز كيف ان الولايات المتحدة تستعد لمخاطر عالم جديد عبر محاكاة حول حرب عالمية جرت في احد المختبرات الاميركية، التي تجري فيها محاكاة الحروب لمصلحة الجيش الاميركي، ولكن هذه المرة هي حرب عملات ومال، تجري فيها محاولة صد هجمات تتحرك في اسواق العملات والذهب والاسواق المالية، بهدف زعزعة استقرار الاسواق المالية للدول الراسمالية والولايات المتحدة، واصل هذه الهجمات هو روسيا. في الواقع اليوم يتململ المارد الصيني قليلا فيهتز العالم وترتعد فرائص الولايات المتحدة واوروبا، ليس لانها ترتعب بسهولة، بل لانها تعلم ان قيادتها للعالم على المحك، وان المارد الشيوعي الذي وإن سلمنا جدلا [ان اقتصاده رأسماليّ، الا ان السيطرة السياسية والاقتصادية للحزب الشيوعي، التي من الناحية التاريخية تهيّئ القاعدة المادية للاشتراكية، قد تحسم الصراع التاريخي بين منظومة تندثر ومنظومة جديدة تخلق، وتحقق بمفارقة ما قصده خروتشوف عن تفوق الاشتراكية على الرأسمالية في ذلك اليوم التشريني في موسكو، عندما قال للديبلوماسيين الغربيين «اننا سنقبركم».

فاتن الحاج - الاخبار

لن يكون المؤتمر الوطني النقابي الذي تنظمه هيئة التنسيق النقابية لمقاربة المعضلات الاجتماعية والحياتية، غداً الأربعاء، محطة مفصلية، إذا انتهى مجرد مهرجان خطابي لرفع العتب ولم تتحول الكلمات فيه إلى اقتراحات لخطة تحرك ميدانية مرتبطة بروزنامة زمنية محددة. هذا على الأقل ما يترقبه التيار النقابي المستقل برئاسة النقابي حنا غريب. سيشارك التيار، كما قال ناشطوه، في أعمال المؤتمر الذي ينتظر أن يستقطب ممثلين عن نقابات المهن الحرة واتحادات البلديات والجمعيات الأهلية والأندية وخبراء البيئة والاقتصاد. التيار يبدو مقتنعاً بإمكانية إنتاج قيادة موحدة نابعة من قلب التحركات الشعبية التي نزلت إلى الشارع «بالمفرق» وتحت عناوين مختلفة: إسقاط النظام الطائفي، سلسلة الرتب والرواتب، الكهرباء، المياه، النفايات، الإيجارات وغيرها.

 

ويتطلع أن تكون هذه القيادة مستقلة ذات صدقية وغير مرتبطة بالسلطة السياسية. لا يستطيع التيار أن يقرأ الملفات المتفجرة وشلل المؤسسات الدستورية خارج هذه السياسات المؤتمرة بالمؤسسات الدولية، لا سيما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. برأيه، كل ما يحصل في كل هذه الملفات هو نتائج مؤتمر باريس ــ 3، لا سيما لجهة بناء دولة المحاصصة الطائفية والمذهبية كبديل لدولة الرعاية الاجتماعية والتمسك بالتعاقد الوظيفي وضرب القطاع العام وتصفيته. فرض تغيير السياسات لا يكون، كما يقول، إلاّ ببناء الدولة المدنية الديموقراطية التي تواجه الفساد. لكن كيف السبيل إلى ذلك ما دامت القوى النقابية وقوى المجتمع المدني نفسها التي يدعوها التيار إلى التحالف في ما بينها مرتبطة بشكل أو بآخر إما بأحزاب السلطة أو بالمؤسسات الخارجية وتفترق عند أول محك، كأن تختلف مثلاً حول من يكون القائد؟ هل سيكون موقف التيار في هذه الحالة سوريالياً؟ البعض، حتى من بين مناصري التيار النقابي المستقل، ليس لديهم أمل بالتغيير، بل هم غير مقتنعين أصلاً بمشاركة التيار في مؤتمر هيئة التنسيق، باعتبار أنّ التيار يجب أن يضع خطته الخاصة للمرحلة المقبلة بمعزل عن الهيئة. وسأل هؤلاء: «لماذا لا يكتفي التيار بإصدار بيان يعلن فيه ملاحظاته على كل الملفات؟ ماذا لو شارك في المؤتمر ممثلون عن الاتحاد العمالي العام وتجمع أصحاب الرساميل كما كان بعض المنظمين يخطط؟». مؤيدو المشاركة في المؤتمر يؤكدون أنهم لن يقفوا شهود زور على ما حدث سابقاً وسيعلنون قريباً خطتهم للمرحلة المقبلة، لكنهم سيكونون في الوقت نفسه في مقدمة المنخرطين في التحركات الميدانية لهيئة التنسيق في ما لو أعلنت الهيئة خطة تصعيدية واضحة. يقول الناشطون: «صحيح أن التحركات الشعبية المختلفة لم تؤدّ إلى تغيير السياسات، إلاّ أنّها حققت خطوات نوعية، إذ رفعت مستوى الوعي لدى الناس الذين انخرطوا أكثر في الدفاع عن قضاياهم الحياتية والمعيشية، وساهمت في أن تقفز الملفات الخدماتية المهمشة إلى صلب الحياة السياسية». برأيهم، المواجهة المفتوحة المتكاملة للسياسات الاجتماعية والاقتصادية لا يمكن أن تحصل من دون ولادة حركة شعبية منظمة بقيادة واعية تطرح مشروعاً بديلاً للنظام الحالي.

غسان ديبة - الاخبار

 

«ألا تتساءل لماذا عليهم أن يعلنوا موتي مراراً وتكراراً؟» ماركس في سوهو

ليس هناك من رمز لبدء حقبة جديدة في العالم أكثر من وصول مارغريت ثاتشر الى الحكم في بريطانيا، وكانت نذير الشؤم للاشتراكية في بريطانيا وخارجها، إذ بدأت بتحطيم النقابات، بدءاً من نقابة عمال المناجم التي كسرت شوكتهم بعد الاضراب الذي استمر لمدة عام كامل في 1984. هذا الانكسار العمالي أشّر لمرحلة جديدة لصعود النيوليبرالية كما كانت هزيمة المراقبين الجويين في الولايات المتحدة في 1981 على يد رونالد ريغان النسخة الاميركية لهذا التحول.

بالنسبة إلى السياسة البريطانية الداخلية، كسر حزب العمال بعد ذلك مع قاعدته العمالية، وهذا الكسر أوصله الى السلطة عام 1997، سنوات بعد الهزيمة القاسية على يد ثاتشر، إلا أنه جعل الحزب يتخلى عن أصوله الاشتراكية التقليدية ويصبح حزب العمال الجديد (New labour). أصبح هدف حزب العمال، كغيره من الاحزاب الديمقراطية الاجتماعية في أوروبا، الوصول الى السلطة، أما ماذا يفعل بالسلطة؟ فلا يهم في الغالب؛ فبدلاً من أن يمثل العمال ويكون أميناً حتى لمبادئ الطريق الثالث الذي نظّر له أنطوني جيدينز حول طريق مغاير بين الاشتراكية والنيوليبرالية، فقد أصبح الحكم مع توني بلير في خدمة الرأسمال، وفي خدمة أجندة الولايات المتحدة الخارجية. في مؤتمر الاشتراكية الدولية في 1989 قال أحد المندوبين من كولومبيا «إن اسم حزبي الحزب الليبرالي ولكنه في الغالب اشتراكي، أما في أوروبا فيبدو أن العكس صحيح». في أيام ثاتشر زادت اللامساواة، ولكن وتيرتها تزايدت أكثر بعد ثاتشر، حتى في فترة حكم حزب العمال، ولم يعد الحزب حتى يذكر عدم المساواة كمشكلة يجب حلها في أدبياته وبرامجه. أما اليوم فإن جيريمي كوربين الماركسي يتقدم المرشحين لمنصب رئيس حزب العمال، وهو يريد أن ينقذ الحزب من هذا الارث اليميني. فوجئ اليمين والوسط في الحزب بعد أن ظنوا أن اد ماليباند، ابن المفكر الماركسي رالف ماليباند، الذي خسر انتخابات 2015 العامة أمام دافيد كاميرون، سيكون آخر رؤساء الحزب الذين يميلون الى اليسار، فجاءهم كوربين وهو من أكثر العماليين تشدداً ويسارية، وهو من الذين كانوا يتناقشون دورياً مع رالف ميليباند وصديق العمالي الراديكالي الراحل توني بن، ومن الذين وقفوا الى جانب عمال المناجم في إضرابهم آنذاك. بعد أن سخر الكثيرون من ترشحه، لم يعد يضحك أحد الآن، كما قالت جريدة الدايلي ميل، ولذلك هبّت القوى البليرية داخل الحزب لمنع هذا الانتصار عبر طرح الحاجة الى إنهاء «الجنون الكوربيني»، لأن انتخابه سيؤدي الى عصر طويل من حكم المحافظين. إن هذا الموقف لا يعكس فقط الخلافات داخل حزب العمال حول القيادة والتوجه، بل الخوف من عودة اليسار الى قيادة الحزب، بعد أن أمعن نيل كينوك في الثمانينيات في تهشيمه، ما استدعاه إلى أن يتدخل الآن ويتّهم التروتسكيين والمتشددين بمحاولة الانقلاب. ولكن الاهم، فإن هذه الحملة المعادية لكوربين تعكس مصلحة الرأسمال البريطاني والاوروبي في عدم امتداد موجة اليسار الى بريطانيا، كما يعكس مصالح تحالف التقشف الاوروبي الذي يفرض السياسات القاسية على شعوبه، وذلك حماية للرأسمال المالي والمصرفي الكبير. إن برنامج كوربين تحت عنوان الاقتصاد فى 2020 طرح عدة مفاصل لسياسة اقتصادية جديدة، منها التأميم وزيادة الضرائب على المداخيل العالية والثروة، واستحداث مصرف للاستثمار العام، وغيرها من السياسات التي تطيح ما اتفق عليه العمال الجدد والمحافظين في الثلاثين سنة الماضية. بعد أكثر من عقدين على انتهاء التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية، شيء ما يتغيّر. فبعد عقود من التهميش والوعود الكاذبة والرأسمالية البراقة وزيادة عدم المساواة والبطالة وغلاء السكن والتعليم وركود الأجور وزيادة الدين الخاص وتسلط وول ستريت وإضفاء طابع البطولة على رجال الاعمال الذين حاول الديمقراطيون الاجتماعيون تقليدهم، بدأت الشعوب في الدول الرأسمالية المتقدمة بالنظر الى الاشتراكية على أنها الحل وتؤيد القادة اليساريين مثل تسيبراس وكوربين وساندرز وايجليسياس، وتؤمن فعلاً بقول كوربين «إن هدفنا ليس إصلاح الرأسمالية بل إنهاء الرأسمالية». اليوم من لندن، حيث عاش أكثر سنيّ حياته وكتب «رأس المال» في المكتبة البريطانية، يطل طيف ماركس مرة أخرى ليؤكد أن الشائعات حول مماته كانت مبكرة، بل مبكرة جداً.

الأكثر قراءة