خمسة معتقلين، ومتظاهر نُقل إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، هي حصيلة الاعتصام الذي دعت إليه حملة «طلعت ريحتكم»، أمس، في ساحة رياض الصلح، احتجاجاً على أزمة النفايات
هديل فرفور - الاخبار
عند بداية الاعتصام، لم يكن هناك ما يوحي بـ»شغب» مرتقب. لم يتجاوز عدد الملبّين 30 شاباً، إلا أنّ هؤلاء الطامحين إلى «ثورة»، وبخلاف كثيرين، استطاعوا أن يُترجموا غضبهم واقعاً، وأن يفرضوا على القوى الأمنية، والإعلام، «تأهباً» طال لساعات.
تأهب القوى الأمنية تجسّد بأشكال مختلفة. بداية كان «الحمّام الوطني» الذي اختبره المعتصمون، والذي «كشف» سبب انقطاع المياه عن غالبية بيوت العاصمة، بعدما تبين أن المياه التي يُحرَمُها أهل المدينة، «مخزّنة» لدى القوى الأمنية و»مجهّزة» لـ»رشّ» المواطنين المطالبين بحقوقهم المهدورة. «ودّي الماي عل البيوت، مش عالشعب اللي ما بيموت»، شعار «ابتكره» المتظاهرون من وحي دفق خراطيم المياه التي وّجهت إليهم من قبل حرس مجلس الوزراء، بعدما حاولوا انتزاع الأسلاك الشائكة. اللافت أن الشعارات، كما «برنامج» الاعتصام، لم تكن معدّة مسبقاً. سلوك «الشغب» الذي انتهجه هؤلاء الشبان أتى عفوياً، ينطلق من شعورهم بالغبن من قبل نظام يمعن في إهانتهم ويحرمهم أدنى مقومات العيش. وبالتالي، قناعتهم أن التحركات السلمية «لم تعد تجدي نفعاً مع هذه السلطة، إذ إنها تعطيها مزيداً من الشرعية»، وفق ما تقول إحدى المعتصمات، لافتة إلى ضرورة اتخاذ «خيار الصدام».
سلوك الشغب جوبه بأسلوب «العسكر» العنيف، الذي كان «مضبوطاً»، إلى حد ما، أمام عدسات الكاميرات، ليتجلّى بعد ذلك بشكله الهمجي بعد انقطاع البث ومغادرة معظم الصحافيين. بعد خراطيم المياه، استُدعي عناصر مكافحة الشغب فحضروا وحضرت معهم عصيهم التي انهالت على رؤوس المعتصمين. إحدى هذه العصي، طاولت رأس بلال علوه الذي نقل إلى مستشفى الجامعة الأميركية وكان في حالة حرجة، وفق ما نقلت الحملة على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. بداية «الهرج والمرج»، كانت مع الناشط أسعد ذبيان الذي اعتقله عناصر الحرس الحكومي لنحو 20 دقيقة، قبل أن يعود وآثار الضرب على وجهه. كذلك، في ما بعد، «سُحب» ثلاثة ناشطين هم: لوسيان بو رجيلي، وارف سليمان، وحسن شمص، ما أثار غضب الشبان الغاضبين أصلاً، ودفعهم إلى إعادة محاولة سحب الأسلاك، ونجحوا في تمزيق جزء منها. عندها حضر عناصر «قوة ضاربة» يتقدّمهم العميد مجد طربيه الذي حاول بداية تهدئة المعتصمين، وألقى خطاباً «منمّقاً» أمام الإعلام، واعداً بإطلاق سراح المعتقلين الثلاثة «بعد خمس دقائق». وقتها، طالبه أحد المتظاهرين، وهو شقيق لأحد المحتجزين، برؤية أخيه للاطمئنان عليه، فلبى العميد طربيه المطلب. «كلام العميد جوّا تغيّر من «انتو اخواتنا»، لسدّ بوزك، وخدي ع بهدلة»، شهادة أطلقها أخو المعتقل بعدما خرج من غرفة الاحتجاز، لافتاً إلى أن أخاه «يعاني من جروح وبحاجة إلى اهتمام». لم تتغيّر شهادة العميد في هذا الصدد فحسب، بل تغيّرت «الأوامر» أيضاً، إذ أعطى طربيه بعد مغادرة الصحافيين أمراً بضرب المعتصمين، فانهال العناصر بالضرب «دون تمييز»، وفق ما صرّحت الحملة. والخمس دقائق التي وعد بها العميد، تحوّلت إلى ساعات، وعوضاً من الإفراج عن المعتقلين الثلاثة، اعتُقل ناشطون إضافيون لم تُعلن أسماؤهم، وانضموا إلى زملائهم، ولم يُفرج عنهم إلا عند قرابة الساعة العاشرة مساءً. لم يُفهم سبب «الوحشية» التي انتهجها عناصر مكافحة الشغب بعد مغادرة الصحافيين، إلا أنه أُثير عن محاولة لـ»لجم» المعتصمين، تسييراً لموكبي وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ووزير البيئة محمد المشنوق. وكان المعتصمون قد رددوا شعارات طالبت «المشنوقين» بالاستقالة بعدما عجزا عن حماية حقوق «الشعب الذي هو مصدر السلطات». واستطاع المتظاهرون «اليتامى» إقفال طريق رياض الصلح، وانتشروا بين السيارات، طالبين من راكبيها «النزول معهم إلى الشارع، فالأزمة علينا وعليكم». مشهد تلبية بعض الناس للناشطين كان لافتاً، انضم البعض منهم إلى الساحة وكوّنوا حشداً صغيراً، فيما بقي الآخرون في سياراتهم ينتظرون فتح الطريق، تماماً كما ينتظر كثيرون حتفهم على أيدي هذه السلطة. فيما ينشغل قسم آخر بانتقاد هذه التحرّكات عوضاً من تصويبها ودعمها.