ما كتبه غسان ديبة في جريدة الأخبار
«إن كلاً من الرأسمالية والاشتراكية واضح بشأن الظروف الضرورية لخلق الثروة، أما الشعبوية فلا»
الان غرينسبان
في الآونة الأخيرة، ارتفع بشكل مفاجئ للكثيرين منسوب الخطاب الاقتصادي لدى أركان الأحزاب الحاكمة في لبنان. من وثيقة بعبدا إلى خطط الـ8 مليارات دولار لرئيس الوزراء وصولاً إلى مؤتمر منتدى المؤسسات المتوسطة والصغيرة الذي عُقد الثلاثاء الماضي.
للوهلة الأولى قد نرحّب بهذا التوجه ونقل النقاش الوطني من أفقه السياسي البحت، الذي بدأ يأخذ أكثر وأكثر أشكالاً طائفية ومذهبية، إلى فضاءات الاقتصاد الذي في السنوات الأخيرة، وبالتحديد منذ 2006 وحتى الآن، وُضع على «التسيير الذاتي» مدفوعاً بالعزم المتلاشي للنموذج الاقتصادي الريعي القديم متجهاً نحو تعمق الازمة وصولاً إلى احتمال الانهيار على جميع الصعد.
لكن هذا التحول في الخطاب يبقى أسير المفاهيم القديمة وسجين الفانتازيا التي تأخذ بعض الأشكال الجديدة وإن حاولت تضمين بعض التوجهات التي نادى البعض بها من أجل التغيير الاقتصادي في محاولة تجميلية للنموذج القديم بدلاً من خلعه وإنهائه. وهنا سأضع في هذا الإطار بعض الملاحظات على أجزاء متفرقة من هذه «الخطط» المتعاقبة، أو الأصح، المتهافتة.
أولاً، إن الأزمة الاقتصادية هي أزمة النموذج الاقتصادي القديم والخروج منها لا يكون «تجميلياً»، أي أن «نضيف» اقتصاداً «إنتاجياً وعصرياً» إلى اقتصادنا الريعي المسيطر عليه من قبل الرأسمال المالي؛ فليس صدفة أن القطاعات الصناعية والزراعية والتصديرية اضمحلت في الخمس وعشرين سنة الماضية... وليس صدفة تنامي القطاعات المتدنية الإنتاجية وهجرة الشباب المتعلم وانخفاض الأجور وعدم استعمال القدرات الهائلة الكامنة للبنانيين... وكذلك عدم خلق فرص العمل وزيادة عدم المساواة... بل إن كلّ هذه المساوئ والتشوهات هي نتاج تراكم سنوات عديدة من سياسات اقتصادية خاطئة لا يمكن عكسها بالسهولة التي تتحدث عنها هذه المشاريع الجديدة. إن الاقتصاد السياسي هنا أساسي، فالمصالح الريعية لا يمكن كسرها فقط بالإقناع ولا يمكن الانتقال إلى استعمال أساليب «الاقتصاد العلمي» ولا تحقيق «مصالح الناس» إلا باتباع سياسات راديكالية جديدة تكسر مع الماضي في السياسات الاقتصادية والمالية والضريبية والنقدية، وهي بالمناسبة لا علاقة لها بما عاد الحديث عنه من شعبويات كـ «قطع الحساب» والـ «11 مليار دولار» كبقايا - ملهاة مستوحاة من تلك الوثيقة السيئة العنوان والذكر في آن: «الإبراء المستحيل».
ثانياً، إن القطاع الخاص اللبناني لا يمكنه ضمن متغيرات حسابات الربح قصيرة الأمد التي توجّه استثماراته وعمله، ولا ضمن ضيق أفق الطبقات المتحكمة به وتركزها في الريع والعقار، أن يقود عملية التحوّل نحو اقتصاد منتج وعصري. وبالتالي فإن التعويل على القطاع الخاص لن يجدي نفعاً، وآن الأوان لطرحه جانباً اقتصادياً وحتى فلسفياً. يقول وزير الاقتصاد إن «القطاع الخاص اللبناني يمتلك كل شروط النجاح، من الموارد البشرية الخلاقة». فهذا القول يعكس سيطرة «الخاص» على العقل الاقتصادي اللبناني، فاللبنانيون كقوة عمل فكرية هم من يملكون المهارات وليس «القطاع الخاص»، كما أن «الافتتان» المستجد بالمؤسسات الصغيرة في غير محله، بل أيضاً متأخراً جداً، وهو يذكرنا بكتاب ارنست شوماخر الذي صدر في السبعينيات (Small is Beautiful) طبعاً من دون بعده الفلسفي. فأسطورة المبادر الفردي والمؤسسة الصغيرة لا مكان لها في الاقتصاد الحديث، كما أن دور الدولة أساسي في الرأسمالية ليس فقط في إنتاج المعرفة والعلوم وتطبيقاتها (كانت رداً في أميركا على إطلاق الاتحاد السوفياتي سبوتنيك) بل في كونها المحرك الأساسي للريادة، كما أن الريادة أيضاً في المجتمعات الاقتصادية الحديثة المعقدة هي ريادة جماعية (collective entrepreneurship). إن الريادي الفردي المناضل في الخواء، والذي فقط بحاجة إلى الحصول على «حقوق الملكية» ليزدهر، هو أسطورة ساعد على نشرها اليميني البيروفي هرناندو دى سوتو كحلّ لمعضلة التنمية ولم يعد يؤمن بها أحد لديه مقدار أدنى من الجدية؛ وفي لبنان إن المرادف لنظرية دى سوتو وهو حصول الريادي على «التمويل» وذلك لن يجدي نفعاً لأن الكثير من هذه الريادة كما عرفها الاقتصادي ويليام باومول هي ريادة غير منتجة وحتى تدميرية؛ وهذا ما نراه اليوم في تزاحم وتقليد الرياديين اللبنانيين بعضهم البعض في القطاعات المتدنية الإنتاجية والمنعزلة وتنتج في أكثريتها عمالة غير نظامية وبطالة مقنعة.
ثالثاً، إن الخطط الاقتصادية ليست أحلاماً صيفية أو مجموعة مشاريع نضيفها إلى بعضها البعض حسابياً، بل هي عملية معقدة لإعادة توزيع الموارد وحشدها نحو أهداف محدّدة وهي تحلّ محلّ الأسواق وميكانزماتها جزئياً أو كلياً. كما أن أهدافها لا يمكن أن تكون «ارادوية» أي أن لا تأخذ الواقع بعين الاعتبار. في هذا الإطار يقول وزير الاقتصاد إن لبنان لديه القدرات على مضاعفة الناتج من 52 مليار دولار إلى 100 مليار دولار في سبع سنوات، إضافة إلى المقدرة على الخفض الكبير في عجز الميزان التجاري.
لا أريد أن أستفيض هنا، فقط للتذكير فإن الخطط الخمسية الثلاث الأولى في الاتحاد السوفياتي، والتي نقلته من اقتصاد فلاحي متخلف إلى اقتصاد صناعي متقدم ومكّنته من كسر الآلة الرهيبة للجيش النازي، لم تحقق زيادة الناتج الحقيقي 100% بين 1928 و1939 (حققت زيادة ضخمة بلغت 75%). إذاً فهذه الخطط الجديدة لا تعكس سياسة جدية أو علمية بل إنها تدل بحديثها غير العلمي عن «الإغراق» على بوادر «مركنتيلية جديدة» في لبنان تنظر إلى التجارة الخارجية كشكل من «الاستحواذ» على الثروة عبر الحمائية وليس خلقها، أي كمراكمة الذهب في السابق. وهنا يمكن ربط هذا التفكير الجديد بسياسات المصرف المركزي الأخيرة أي الهندسات المالية، أو الأفضل تسميتها بالخيمياء المالية، وذلك لمراكمة الاحتياطات بالعملة الأجنبية، لتُضاف إلى الذهب الراكن والثروات المجمدة لا أكثر ولا أقل.
كما يمكن وضع التفكير بـ «الاستفادة» من الصراع القطري- الخليجي (ذكرها أيضاً وزير الاقتصاد في مقابلة مع OTV الأسبوع الماضي!!) في إطار هذا الفكر المركنتيلي الجديد، وأيضاً «إعطاء» أرض معرض رشيد كرامي الدولي، الذي صممه المعماري الكبير أوسكار نيماير، للمناطق الاقتصادية الحرة المزعومة في ما يمكن اعتبارها جريمة في حق الفضاء العام والتراث المعماري في لبنان.
رابعاً، يقول وزير الاقتصاد أيضاً: «بالنسبة إلى موازنة عام 2018، فلن نقبل إلّا أن تكون جزءاً من الخطة الاقتصادية الهادفة إلى تحقيق نمو اقتصادي وتحسين إيرادات الدولة دون زيادة الضرائب»! إذاً السؤال الذي يطرح نفسه: من أين ستأتي الموارد لهذا التغيير المنشود؟ وهل يمكن خلق اقتصاد جديد من دون كسر القديم الذي مدخله التغيير الجذري في النظام الضريبي اللبناني؟ وهل الاعتماد على الخارج والاستدانة (خطة الـ 8 مليارات) ستكون الطريق المأخوذ الذي تعودنا عليه منذ 1992 وحتى الآن، لأننا لا نريد أن نمسّ مصالح الثروات العالية والمصارف والريع والرأسمال المالي بإبقائهم في جنتهم الضريبية بينما اقتصاد لبنان ينهار أكثر فأكثر؟ أما التحفيزات الإقراضية من مصرف لبنان فهي لن تكون كافية وآن الأوان للتوقف عن الاعتماد عليها لأنها تغطية دعائية من المصرف على عمله الحقيقي في حماية مصالح الرأسمال المالي، وكما يتجه الكثير من هذه التحفيزات أيضاً نحو تلبية مصالح تفريعات لنفس هذه الطبقات المسيطرة من دون أن يكون لها أثر مستدام تطويري في الاقتصاد اللبناني.
إن إطلاق المنتدى حول الشركات المتوسطة والصغيرة، وإن تطرق إلى بعض الأفكار الجديدة والحاجة إلى تنسيق الأهداف الاقتصادية وتعزيز القدرات التنافسية، إلا أن مضمونه الأساسي بقي خاوياً متضمناً أفكاراً يعاد دوماً تدويرها وأفلاماً دعائية لم تعد تنطلي على أحد. كما أن رمزياته من حيث أن المتحدثين الأساسيين فيه، من حاكم مصرف لبنان إلى رئيس غرف التجارة والصناعة، الذين هم من أسس النموذج القديم الذي أساسه ليس خلق الثروة بل الاستيلاء عليها من قِبل القلة، تؤشر إلى أن المنتدى لن يؤدي إلى التغيير الذي يتطلع له اللبنانيون، ولن يؤدي فعلاً إلى حشد موارد لبنان الفكرية لبناء اقتصاد جديد. إن هذا التغيير لن يحصل قبل أن تحدث ثورة فعلية في الفكر والممارسة تطيح بالقديم بالكامل، لأن القديم قد مات «اقتصادياً»، ولكنه يستمر في السيطرة فيميت معه كل حيوية فكرية تستطيع أن تربط بين العمل والتطور وبين العمل والثروة وبين العمل والإنتاجية، وهي العلاقات التي منذ أن أطاح آدم سميث بالمركنتيلية هي أساس خلق الثروة، وقد آن الأوان في لبنان للإطاحة بمركنتيلييه الجدد وريعييه القدامى لمرة أولى وأخيرة.
http://www.al-akhbar.com/node/280089
في ذكرى استشهاد القائد الشيوعي الرفيق جورج حاوي
ولد حاوي في بتغرين في عام ۱٩٣٨
كان حاوي أحد أبرز قادة الاتّحاد الطلابي العام في أواخر الخمسينيّات وقد شارك في كلّ التحرّكات الجماهيريّة والمظاهرات والإضرابات وكان يقود معظمها، وبقي لفترة طويلة من الزمن مسؤولاً للّجنة العماليّة ـ النقابيّة.
سجن حاوي في عام ۱٩٦٤ لمدّة ۱٤ يوماً لدوره في إضراب عمّال الريجي مع رفيقه جورج بطل وبعض قادة نقابة عمّال الريجي.
اعتقل حاوي مع رفاق آخرين من قادة الأحزاب والقوى الوطنيّة إثر مظاهرة ٢٣ نيسان \ أبريل في عام ۱٩٦٩ الشهيرة نظراً لتأييدها للمقاومة الفلسطينيّة.
انتخب حاوي أواخر عام ۱٩٦٤ عضواً في اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي اللبناني، وكان أصغر أعضائها سنّاً، ولم يلبث أن أصبح عضواً في المكتب السياسي وعضواً في السكريتاريا في عام ۱٩٦٦.
انتخب حاوي أميناً عاماً مساعداً في أواسط السبعينات، ثمّ أميناً عاماً في المؤتمر الرابع للحزب في عام ۱٩٧٩ خلفاً لنقولا الشاوي، وكان ثاني أمين عام للحزب بعد انفصاله عن الحزب الشيوعي السوري ـ اللبناني، وظلّ في منصبه حتّى عام ۱٩٩٣.
انتخب حاوي رئيساً للمجلس الوطني للحزب في عام ۱٩٩٩، وظلّ في هذا الموقع حتّى أواخر عام ٢۰۰۰.
يعتبر حاوي أحد أبرز قادة الحركة الوطنيّة في لبنان، وقد انتخب نائباً لرئيس المجلس السياسي للحركة في تلك المرحلة.
برز دور حاوي الفعلي على ساحة الحياة السياسيّة اللبنانيّة والعربيّة والعالميّة إبّان احتلال جيش العدو الصهيوني للبنان في صيف عام ۱٩٨٢، حيث كان حاوي أوّل من أعلن إطلاق جبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة (جمّول) من أجل مقاومة الإحتلال.
وقد خلف إعلان حاوي هذا، انتفاضة شعبيّة مسلّحة باسلة للشيوعيين والوطنيين اللبنانيين الذين همّوا لتلبية نداء المقاومة في بيروت وكافّة المناطق اللبنانيّة، والتي كانت نتيجتها دحر وطرد العدو بعدما نال هزيمة نكراء أخرجته من بيروت العاصمة راجياً المقاومين "أن يوقفوا إطلاق النار لأنهم مغادرون".
نعا حاوي خلال فترة قيادته للمقاومة الوطنيّة (جمّول) المئات من شهداء الجبهة وكان مع كلّ خطاب يزّف فيه نبأ استشهاد أحد الرفاق يدعو في ختامه الآخرين إلى مواصلة الفعل المقاوم لصد المشاريع الإستعماريّة ونيل الحريّة.
عرف عن الشهيد حاوي امتلاكه قدرة خطابيّة عالية تسودها الرسائل المحفّزة والدافعة التي تحثّ المقاومين إلى النضال والكفاح المستمر والمثابرة في تقديم التضحيات ولعلّ هذا ما أعطاه أهميّة ودور بارزين خلال فترة قيادته للعمل المقاوم .
استشهد الرفيق حاوي بتاريخ ٢۱ حزيران في عام ٢۰۰٥، بعدما اغتالته الأيادي السوداء التي تتمثّل بالقوى الظلاميّة والرجعيّة والإستعماوريّة، بسبب انتمائه وقناعاته وحسّه الوطني من جهة وبسبب دوره التاريخي في التصدّي والمواجهة وقيادة المقاومة الوطنيّة في وجه العدو الصهيوني.
الجامعة اللبنانية: ممنوع التسجيل في اختصاصين
-المدن
لن يسمح للطالب المسجل في الجامعة اللبنانية بالتسجيل في أكثر من اختصاص واحد في العام الدراسي ذاته. هذا قرار جديد اتخذه مجلس الجامعة ورئيسها فؤاد أيوب، بحجة "الإصلاح". واللافت أن القرارات المسماة إصلاحية بدأت من مكان غير متوقع، ومن الطلاب تحديداً، من دون الإلتفات إلى الواقع الذي يدفع هؤلاء إلى تحمل ضغوط التخصص في مجالين مختلفين.
يرجع الدكتور علي رمال، الناطق الإعلامي باسم رئاسة الجامعة، سبب اتخاذ القرار إلى منع احتكار طالب واحد عدة مقاعد دراسية على حساب طلاب آخرين، خصوصاً في الكليات التي يتطلب دخولها الخضوع إلى امتحان دخول.
ورمال، الذي لا يرى القرار ظالماً بحق الطلاب، يصفه بـ"القرار غير الشعبوي"، كما كل القرارات الإصلاحية. وهو يهدف إلى تطوير الجامعة وتفرغ كل طالب للاختصاص الذي يدرسه. ما سيرفع جودة التعليم والبحث العلمي، وفق تعبيره. ويشير رمال إلى أن هذا الاجراء لن يكون الوحيد، بل ستتبعه في الأشهر المقبلة قرارات أخرى على مستويات عدة، ستشمل الأساتذة والموظفين والطلاب. ويطمئن رمال الطلاب إلى أن هذه القرارات تهدف إلى تحقيق مصلحتهم، ويبشرهم بقرارات ستفرحهم.
أما الطلاب الذين يدرسون حالياً في أكثر من اختصاص، فالبت بأمرهم لم يحسم بعد، ولم يطرح موضوعهم أمام مجلس الجامعة. ويقول رمال إن الأمر سيترك إلى النقاش، وفي ضوء ذلك سيتخذ القرار بكيفية التعامل معهم، إن لجهة السماح لهم بإكمال التخصص في أكثر من مجال كونهم بدأوا به قبل اتخاذ القرار، أو لجهة تعليق انتسابهم في إحدى الكليات بانتظار إكمال التخصص الآخر، ليعودوا ويكملوا التخصص في المجال الثاني بعد التخرج.
من الناحية القانونية، يقول الرئيس سامي منصور، القاضي السابق في محكمة التمييز وعضو الشرف فيها حالياً، إن المبدأ الأساسي في القانون هو الحرية، والطالب حر في تقسيم وقته. أما منعه من التخصص في أكثر من مجال في العام الدراسي نفسه فيتناقض مع حريته. وهذا الأمر يتطلب نصاً خاصاً أو نصاً قانونياً، وليس مجرد قرار. وبما أن الجامعة اللبنانية إدارة رسمية، يمكن الطعن بالقرار أمام مجلس شورى الدولة لإبطاله.
ليست متعة
القرار، غير المتداول بعد، صدم كل من يوسف يوسف وإليدا شنتيري، اللذين يدرسان اختصاصين في الجامعة اللبنانية في الوقت نفسه. يوسف وشنتيري، وبعد استنكارهما القرار، تحدثا عن إضطرارهما إلى التخصص في مجالين بهدف تعزيز حظوظهما في الحصول على فرص عمل، خصوصاً في ظل الوضع الاقتصادي الراهن وتضاؤل فرص العمل. فالتخصص في مجالين ليس متعة للطالب.
يتحدث يوسف عن احتمال اضطراره إلى متابعة أحد الاختصاصين في جامعة خاصة، في حال شمله القرار. وهو يتحدى هذا القرار باستعداده لإبراز علاماته أمام مجلس الجامعة للدلالة على أنه طالب مجتهد ويستحق المقعدين الدراسيين اللذين يشغلهما. وقد عبر وشنتيري عن استعدادهما لتقديم طعن في القرار والاعتراض عليه.
كتبت فاتن الحاج في جريدة الأخبار
بعد اجتماعات دامت أكثر من سنة ونصف، أبصرت مجموعة «من أجل جامعة وطنية مستقلة ومنتجة» النور. أفراد المجموعة هم أساتذة من كل الكليات والفروع، متفرغون، متعاقدون ومتقاعدون تداعوا لإيجاد صيغة جديدة للعمل سوياً على قضايا الجامعة المتعددة. لا يقدم هؤلاء الأساتذة أنفسهم إطاراً بديلاً عن رابطة الأساتذة المتفرغين، لكنهم، كما قالوا، سيسائلونها وسيضعونها أمام مسؤولياتها في فضح التدخلات والممارسات السياسية الخاطئة في الجامعة، والتصدي لها ولكل من يبدي المصالح الشخصية الخاصة على المصلحة الجامعة (تشكيل بعض اللجان البحثية والتقييمية النفعية مثالاً).
في نقاشاتهم المطولة، بحث أعضاء المجموعة دور الجامعة ووظيفتها وأنظمتها وقوانينها وعلاقتها بمؤسسات الدولة الأخرى وبتقدم المجتمع. كما تباحثوا في إيجاد الأطر التي تجعل منها الذراع اليمنى في كل المشاريع التنموية عبر الأخذ بنتائج أبحاثها، وفي رفد وزارة التخطيط بأساتذة باحثين من الجامعة اللبنانية.
«من أجل جامعة وطنية مستقلة ومنتجة»، هي، بحسب أعضائها، ملتقى لأساتذة حريصين على مصلحة الجامعة اللبنانية وتطويرها والدفاع عن كرامة أساتذتها؛ مع التأكيد على مراعاة خصوصية وفرادة كل أستاذ ضمن المجموعة، ولذلك لم تختر لها رئيساً.
وفي بيان أصدرته، أكدت المجموعة أنها اتفقت على العمل لتحقيق المبادئ والمسائل الآتية:
- استقلالية الجامعة واعادة الصلاحيات الأكاديمية والمالية والإدارية كاملة إلى مجالسها.
- تطبيق القوانين النافذة و تطويرها.
- اعتماد معيار الكفاءة العلمية الأكاديمية بعيداً من منطق المحاصصة والزبائنية والمصالح الشخصية.
- وحدة العمل النقابي واستقلاليته وتفعيل دور رابطة الأساتذة المتفرغين أكاديمياً ومطلبياً بعيداً من التدخلات السلطوية الحزبية والطائفية.
- الدفاع عن الحريات الأكاديمية.
- تشريع صيغة الاستاذ الباحث واستصدار قانون وطني للبحث العلمي.
- تفعيل مراكز الأبحاث والدراسات وتعميمها على الوحدات الجامعية كافة وتكوين فرق بحثية، ما يحول الهيئة التعليمية إلى جماعة علمية فاعلة ومنتجة
- بناء المجمعات في المناطق إضافة إلى تجهيز المباني ومكاتب الأساتذة والمختبرات والمكتبات بوسائل العمل الدراسي والبحثي الضرورية.
في قضايا التربية والسياسة التعليمية - مهدي عامل
الجامعة لا تظهر كجوهر مفارق الا اذا نظر اليها من زاوية اجتماعية معينة هي زاوية الطبقة البرجوازية الحاكمة ولا تلعب دورها في خدمة هذه الطبقة الا من خلال اظهارها كجسم حيادي فوق الطبقات. فتحديدنا لدور الجامعة اللبنانية لا من مفهوم الجامعة بشكل عام بل من الواقع الإجتماعي والتاريخي الذي ينفتح عليه الوجود الإجتماعي لها في تطوره والذي هو حقل تطورها.
إن الجامعة اللبنانية فرضت على الطبقة البرجوازية ولكنها لاحقاً طوعتها لمصلحتها، فهي حكماً تعكس في بنيتها أي بنية المجتمع التي تتطورت فيه. فالهدف من الجامعة أحقية الجماهير في التعليم المجاني وضرب للإحتكار الإستعماري للتعليم الجامعي وانشاؤها هو نصر للحركة الوطنية وهو نضال على الصعيد الثقافي ضد الإستعمار ومن أجل وضع الجامعة في خدمة مصالح الجماهير الشعبية.
إن الطبقة الحاكمة هي العدو الرئيسي لتطور الجامعة في أفقها الديمقراطي وفي مواجهتها من خلال تدمير دورها المتمثل في الدور التحرري.
هو الإنتقال من أجل تعليم وطني الى نضال من أجل ثقافة وطنية بشكل عام، فإن الطلاب في الجامعة اللبنانية هم من البرجوازية الصغيرة التي لا يمكن ان تكون طبقة ثورية انما طبقة تقدمية يمكن التحالف معها.
إن العلاقة بين الثقافة الوطنية والجامعة اللبنانية
في قوة الثقافة الوطنية هي في قوة الإستمرار في وجود الشخصية الوطنية نفسها، فكانت من الأسباب الرئيسية لفشل الإستعمار في محاولته السيطرة الدائمة على العالم ولنجاح الحركة التحررية في امكانيتها التاريخية.
فعلاقتنا بالثقافة الوطنية لا يمكن ان تنطلق اذن الا من ضرورة حاضرنا في صيرورته والتي هي الصمود في وجه الهجوم الإستعماري.
فلا بد من أن نضع الجامعة اللبنانية في افقها الوطني ليظهر دورها التحرري في تهيئة الإدوات الضرورية لتحقيق عملية انتاج الثقافة الوطنية. والأن الجامعة خاضعة لمصالح الطبقة الحاكمة الممثلة للإستمرار بالتالي الذي يريد ان يدمر ثقافتنا الوطنية (التي تنتجها جامعة بموقعها التحرري) فينتج ثقافة استعمارية مشوهة لعالمنا الوطني، بالتالي بناء ثقافة وطنية.
إن إنعدام دور الجامعة اللبنانية في انتاج ثقافة وطنية، عملياً في انها لا تنتج الثقافة بل تنقل ايديولوجية هي ايديولوجية استعمارية عملياً نراها تستورد البرامج التعليمية الفرنسية حرفياً مما يخلق ازمات تعليمية معقدة.
بالإضافة الى الصراع الطبقي في صفوف الطلاب فهم من هذا المجتمع يخرجون ولكن البرجوازية الحاكمة توهم الطلاب بأنها حريصة على تحقيق مطالبهم "المعقولة" أي التي لا تستلزم تحويلاً في البنية الإجتماعية مع أن الحل في هذا التحويل انتقال للوعي الطلابي منالوهم الطبقي هو أساس تحالف ضروري للطلاب مع باقي القوى المنتجة.
كتب عماد الدين رائف
شارك نحو عشرين ألف فتى وفتاة من دول مختلفة في "المهرجان العالمي التاسع عشر للشباب والطلاب" في مدينة سوتشي الروسية (بين 15 و21 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل). وقد يكون الوفد اللبناني إلى المهرجانكبيرًاجدًا، وفق المعايير الحالية لمفهوم "الكبير جدًا" بعد أكثر من ربع قرن على انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث تغطية المشاركة في المهرجان لا تتضمن بطاقة السفر، بل الإقامة في سوتشي. باب المشاركة المفتوح في لبنان أمام مختلف الطلاب والشباب، يمرّ عبر اللجنة الوطنية المعنيّة بالتحضير لمشاركة الوفد اللبناني، وهي تتألف بالضرورة من "اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني"، بصفته التنظيميّة فالمهرجان هو من تنظيم "اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي – الوفدي"، وكذلك بصفته يحتل اليوم منصب نائب رئيس الاتحاد العالمي، وإلى جانب الاتحاد، تنخرط في اللجنة الوطنية منظمات هي: الاتحاد العمالي العام، جمعية متخرجي جامعات ومعاهد الاتحاد السوفياتي في لبنان، اتحاد المقعدين اللبنانيين، ولجنة حقوق المرأة، إلى جانب المركز الثقافي الروسي التابع لمنظمة التعاون الروسية.
وعندما علمت بانخراطي في اللجنة الوطنية المعنيّة بالتحضير للمشاركة، ومناقشة تفاصيل عديدة تتعلق بالمهرجان مع الرفيق أندريه المقداد، المنتدب من قبل منظمته لمنصب نائب رئيس "اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي"، أخذتني الذكريات بعيدًا، ليس إلى السنوات التي قضيتها في الاتحاد السوفياتي السابق، أو روسيا الاتحادية والجمهورية الأوكرانية، بل إلى ذكريات من الطفولة حين كان والدي يعرض ويستعرض أحيانًا مشاركته في مهرجان مشابه قبل ستة عقود من الزمن. حزنت لكون أولادي، إن شاركوا في المهرجان، إلى جانب عدد مئات اللبنانيين والعرب، لن يحظوا برؤية أوديسا أو كييف، حيث تقع أوكرانيا اليوم على الضفة الأخرى من الخريطة السياسية.
"روسيا"، تلك الكلمة السحرية التي لطالما سمعتُها في طفولتي تخرج من بين شفتي والدي مصحوبة بالكثير من الشوق. "روسيا" عنت له أوديسا وكييف وموسكو، فكان، رحمه الله، ما إن يسمعها في نشرة أخبار حتى يستعيد نتف ذكرياته مع رفاقه في ربوع تلك المدن، حين استضافت موسكو "المهرجان العالمي السادس للشباب والطلاب" صيف العام 1957. ثم كان حين يسترسل في حديثه، يتحدث كيف استقبل الأمن العام اللبناني الوفد، على معبر العريضة الحدودي إثر عودته من اللاذقيّة، فكان من نصيب الشباب أن مزّق رجال أمن نظام شمعون جوازات سفرهم، ثم تعرّضوا للضرب المبرّح "أكلنا قتلة مرتّبة".. ربما كي يخرج رجال الأمن منهم شيوعيّتهم! لكن، لم تمض سنة حتى ثاروا في ما عُرف بثورة 1958، في وجه النظام والإقطاع وحلف بغداد وشمعون نفسه.
كان أكثر حنينه في ذكرياته إلى الناس. انطلق مع رفاقه من بيروت إلى مرفأ اللاذقية حيث استقبلتهم الباخرة "غروزيا"، ثم إلى الإسكندرية، فأوديسا التي فُرشت ممرات مرفأها بالزهور، وزحف أهلها جميعهم ليستقبلوا الوافدين من كل بقاع الدنيا. وبعد أوديسا، كان السفر بالطائرة إلى كييف حيث "نزلنا في مطارها الواسع الحديث. وكان في استقبالنا، على الرغم من قلة عددنا، عدد كبير من الأهالي، قدموا لنا باقات الزهور مع ابتهاجهم العميق مصحوبًا بالتصفيق والهتاف للسلام والصداقة. ورددنا التحيّات والإعجاب يملأ نفوسنا.. وكانت قاعات المطار وجدرانه مزيّنة بأجمل اللوحات الفنيّة ولكل غرفة لوحات خاصة تناسبها فنيًّا وموضوعيًّا"... ثم إلى موسكو حيث الحدث الأهم، وحيث كان في انتظار المشاركين في المهرجان نحو سبعة ملايين مواطنًا سوفياتيًا يحملون الزهور. كان لتلك الصور المتناثرة المحفورة عميقاً في الذاكرة امتنانٌ خالص لشعوب الاتحاد السوفياتي.
تركتْ تلك الذكريات صوراً ضبابية متفرقة لديّ، إلى أن توجّهت للدراسة الجامعية في روسيا، حيث التقيت بكثيرين من أفراد الشعب الذي حطّم الفاشية وفتح أبواب السلام أمام شعوب الأرض... واكتمل المشهد حين شرعتُ في إعداد برنامج "حديث روسيا" قبل سنوات، وكنت في سباق أسبوعي مع الزمن لاختيار مواضيع الحلقات. ومن محاسن ذلك، عملية البحث المستمرة عن كلّ ما كان قد كتب عن شعوب الاتحاد السوفياتي في أبواب الثقافة المتفرقة. ولعل أغلى ما وقفت عليه نسخة قديمة أوراقها مصفرّة، غير مقصوصة الملازم، من كتاب "زهرة وحمامة في موسكو"، الذي يحتوي على توثيق رحلة الوفد اللبناني إلى ذلك المهرجان الشبابي، وهو بقلم الفنان التشكيلي اللبناني ناظم إيراني، الذي سحرته موسكو، فرجع إليها طالباً، ثم كان في عداد مؤسسي "جمعية متخرجي جامعات ومعاهد الاتحاد السوفياتي في لبنان"، وعضو هيئتها التأسيسية. الكتاب الصادر في شباط 1958، جاء خالياً من الصور البلاغية والتكلّف الأدبي، مشهدياً صادقاً، وكأن كاتبه يسابق ذاكرته.. وكذلك كانت نتف ذكريات أبي حيث كان يحاول ألا ينسى شيئاً مما رآه أو سمعه خلال بضعة عشر يوماً قضاها مع رفاقه بين أناس حمل عشقهم معه إلى آخر يوم في حياته.
كتب ألكسندر عمّار في النداء
مهدي عامل؛ أو لم تعدنا بأن البحث لن ينتهي...؟
ترجّل مهدي عامل (حسن حمدان) عن صهوة الفكر، حينما مشى أعزلاً في شارع الجزائر في مدينته بيروت التي أحبَّها، غير عابئ بتهديدات القوى "الظلامية" التي أباحت سفك دمه و"حلّلته". مضى، في مثل هذه الأيام الربيعية منذ ثلاثين عاماً خلت، متابعاً أعماله ونشاطاته اليومية كالمعتاد، متأبطاً أوراقه وملفاته، مواجهاً بصدره العاري رصاصات كواتم الصوت. هكذا رحل عنا المفكر ــ المناضل في الثامن عشر من أيار سنة1987، أما حوائط بيروت وأسوار مبانيها فما زالت، حتى يومنا هذا، تذكّر كل مارٍّ بشوارعها وأزقّتها بعبارته الشهيرة التي كتبها في مواجهة الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982: "لست مهزوماً ما دمت تقاوم".
فلماذا، إذن، اغتيل مهدي عامل؟ تراه من يكون، حتى تتم تصفيته الجسدية والسياسية؟ وفيما تكمن أهميته كي يطاله هذا الغدر الحاقد؟
صحيح أن مهدي عامل، بشخصيته الفذّة وخصاله الفريدة، كان إنساناً متعدد الجوانب؛ فهو أستاذ مواد الفلسفة والسياسة والمنهجيات في الجامعة اللبنانية معهد العلوم الاجتماعية؛ وهو المناضل النقابي في رابطة الأساتذة المتفرغين والناشط في سبيل "ديمقراطية التعليم"؛ وهو الكاتب والمفكر والشاعر والمساهم في النشاطات الفكرية ضمن أهم الأطر والجمعيات الثقافية؛ وهو، قبل هذا وذاك، كان منتمياً إلى الحزب الشيوعي اللبناني وعضواً قيادياً في لجنته المركزية. لكن ما يميِّز مهدي عامل، ويُكسبه دلالة خاصة، كونه أول من تجرأ على الخوض في "مخاطرة" تطوير النظرية الماركسية بما يتناسب مع واقعنا الاجتماعي المتمايز. فأصبح، بذلك، أول منظّر ماركسي في تاريخ الحزب.
انطلق مهدي عامل في تحليل وحدة النظام الرأسمالي العالمي مستنداً إلى إعمال منطق "الاختلاف"، بدلاً من اعتماد منطق "التماثل" الهيجلي. فاعتبر أن نمط الإنتاج الرأسمالي "الكوني" يتألف من بنيتين اجتماعيتين متمايزتين نوعياً، هما: البنية الإمبريالية، من ناحية؛ وتلك الكولونيالية التي تربطها علاقة تبعية بنيوية بالأولى، من الناحية المقابلة. فوجد أن أساس وحدة هاتين البنيتين يتمثل في علاقة السيطرة التي تحدّد آليات تطورهما المتفاوت. واستنتج مهدي عامل من ذلك، بأن "الكوني لا ينوجد في التاريخ إلاّ مميزاً". وإذ هو أراد أن يرى "بعين الماركسية ومفاهيمها النظرية إلى واقع مجتمعاتنا العربية"، فقد رفض كل "تكرار فارغ للمفاهيم" وأي اسقاطات نظرية على الواقع من خلال اجترار "قوالب فكرية جاهزة متكوِّنة".
إذن، يكمن عنصر الجدّة في طرح مهدي عامل، في نقضه منهج "تطبيق" النظرية الماركسية المتكوِّنة على واقعنا الاجتماعي. إنما أكد، في المقابل، أن "عملية إنتاج المعرفة العلمية بهذا الواقع هي عملية تمييز كونية المفاهيم الماركسية". بهذا المعنى، تصبح الممارسة النظرية البروليتارية (بل وإنتاج هذه النظرية)، بالنسبة لمهدي عامل، عملية "إعادة إنتاج النظرية الماركسية اللينينية"، أي "إنتاج معرفة هذا الشكل التاريخي المحدد الذي تتميز فيه كونية النظرية الماركسية اللينينية في بنية اجتماعية محددة". بل ذهب مهدي أبعد من ذلك، حينما أوضح "أن وضع فكرنا الماركسي المتكوِّن موضع التساؤل هو الطريق الوحيد لتكوُّن فكرنا الماركسي".
لذلك، آثر مهدي عامل أن يبدأ إنتاجه المعرفي بنقد ماركس، أو بشكل أدق، عبر نقد مفهوم ماركس حول الكولونيالية. فتحوَّل المسار النظري في فكر مهدي عنه لدى ماركس عندما اختلفت منطلقات البحث لدى كل منهما، فتعاكست اتجاهاته. ويوضح مهدي ذلك بقوله: "أن ماركس يبحث في الكولونيالية من وجهة نظر الرأسمالية. أما نحن، فلا بدّ لنا أن نعالج المشكلة من وجهة نظر مختلفة تماماً، أي من وجهة نظر الكولونيالية لا الرأسمالية".
وفي هذا السياق، كان مهدي عامل قد حدّد الهدف المزدوج لأبحاثه، حيث يتمثل أولهما في صياغة "أبجدية المادية التاريخية في حركة التحرر الوطني"، بينما يكمن الثاني في مقاربة "حركة التحرر الوطني من موقع طبقي بروليتاري". وبهذا المعنى، سعى مهدي عامل إلى تطوير المنهج المادي التاريخي من خلال تجديد مفهوم حركة التحرر الوطني.
وفي المحصّلة، توصل مهدي عامل إلى الخلاصات التالية:
1- إن الصراع الوطني ضد الاستعمار، هو في ذاته، صراع طبقي، أو الشكل التاريخي المتميِّز للصراع الطبقي في المجتمعات الكولونيالية. فلا يمكن للصراع الوطني إلاّ أن يكون، في هذه البنية، صراعاً طبقياً، كما لا يمكن للصراع الطبقي إلاّ أن يكون وطنياً؛
2- إن الثورة الاشتراكية ــ في المجتمعات الكولونيالية ــ هي ثورة على البنية الاجتماعية الكولونيالية، لذلك، كان بين الثورة التحررية والثورة الاشتراكية تماثلاً بنيوياً في منطقهما الداخلي نفسه، أي أن هاتين الثورتين هما في الحقيقة ثورة واحدة.
يتبدى لنا، أن من شروط تحقق هذه الثورة (المزدوجة) لدى مهدي عامل، ذلك "التلازم في حركة التحرر الوطني بين العداء للإمبريالية والعداء للرأسمالية". فلقد انتقد مهدي بشدة ممارسة الطبقة البرجوازية الصغيرة، ومنطق فكرها "القومي" أيضاً، بسبب من فصلها التعسفي ما بين الصراع الذي خاضته ضد الإمبريالية وبين مهمة القطع البنيوي مع الرأسمالية (أو البنية الاجتماعية الكولونيالية). والواقع أن الطبقة البرجوازية الصغيرة التي قادت حركة التحرر الوطني العربية ــ في ظروف تاريخية محددة ــ نجحت في "استبدال" الطبقة البرجوازية الكولونيالية في موقع السيطرة الطبقية. وهي، بالتالي، أعادت إنتاج طبقة برجوازية كولونيالية متجددة، لعجزها عن القطع مع البنية الاجتماعية الكولونيالية. فاقتنع مهدي عامل أن "الدور التاريخي للطبقة العاملة من حيث هي الطبقة المهيمنة النقيض، يكمن في ضرورة اعطائها التناقض الوطني حلّه الوحيد بتحويلها بنية علاقات الإنتاج الكولونيالية" في مجرى صراعها ضد الإمبريالية، وكسرها لعلاقة التبعية مع هذه الأخيرة، عبر تحقيقها الثورة الاشتراكية.
هكذا، ساهم مهدي عامل في إضفاء البُعد النظري على ممارسة الحزب السياسية، كما اجتهد للارتقاء بممارسات الحزب النضالية، لأول مرة، إلى مستوى ممارسة الصراع الطبقي على المستوى النظري بالتحديد.
واللافت في الأمر، أن مساهمة مهدي عامل النظرية ــ منذ ما ينوف عن العقود الثلاثة المنصرمة ــ أعطتنا مؤشرات هامة حول مآل حركة التحرر الوطني العربية في راهنيتها. فقد حذّر مهدي من بلوغ حركة التحرر الوطني مرحلتها "الحاسمة"، لكونها تحديداً "مرحلة الأزمة في قيادة البرجوازية الكولونيالية المتجددة لهذه الحركة". وهذا ما شهدناه بالضبط منذ أواخر عام 2010. وكان قد دعا الطبقة العاملة وحزبها الثوري، منذ أمد بعيد، كي تتوثب لقيادة التحالف الطبقي النقيض.
أما وقد تفجرت الأزمة الثورية في 2010-2011، وسط ذهول أحزاب الطبقة العاملة العربية المعنية، وتردد العديد منها تجاه المشاركة في الحركة الجماهيرية العربية أو تلكؤ بعضها الآخر عن قيادتها، فقد أضاعت كل فرص نجاح تحقيق كامل أهداف المرحلة الأولى من الثورات الديمقراطية في العالم العربي. بل، على العكس من ذلك، سادت في السنوات اللاحقة، شيئاً فشيئاً، مختلف أنواع الثورات المضادة، منها ما استطاع المحافظة على مواقع السلطة وتثبيت أسس النظام الحاكم؛ ومنها ما أطلق العنان لأبشع صنوف الرجعية (ما قبل الرأسمالية)؛ ومنها الآخر ما تمكن من إعلاء شأن العلاقات ما دون الدولتية، كمثل الطائفية والمذهبية والإثنية والعشائرية وسواها، حتى باتت عدد من الدول العربية مهددة بالتقسيم والتفتيت. كما تمثلت الثورة المضادة في استشراس التدخلات الخارجية (الإقليمية والدولية) وانتشار القواعد العسكرية الأجنبية، وفي إطلاق العنان للأطماع والسياسات الصهيونية في المنطقة.
مرّت سنوات طويلة على ما يشبه الوصية التي تركها لنا مهدي عامل، عندما كتب يقول: "فلا ننسى... أن عملية إنتاج النظرية الماركسية هي عملية مستمرة باستمرار الحركة الثورية نفسها... إنها عملية إعادة إنتاجها متجددة بتجدد الشروط التاريخية الخاصة بتحقق السيرورة الثورية". ما أحوجنا اليوم، يا مهدي عامل، إلى "الورشة الفكرية" التي لطالما دعوتنا إليها في كتاباتك وحثيتنا علىالقيام بها. وها أنك رحلت قبل أن يتحقق مشروعك،الذي يحمل في طياته سرّ اغتيالك. أولم تعدنا في حياتك بأن "البحث لن ينتهي"؟.
http://www.lcparty.org/index.php?option=app_content&view=article&id=13299%3A2017-05-19-22-18-36&Itemid=1