في فندق «وولدرف أستوريا» الفاخر، وسط حي مانهاتن، كان رئيس الأركان الإسرائيلي غابي أشكينازي يخاطب أثرياء نيويورك ووجهاءها مساء أول من أمس، طالباً تبرعات سخية لجيشه الذي يواجه تحديات لم يعهدها من قبل. لم يعر أشكينازي اهتماماً لتنديد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بخطة بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية، ولا بتنديد البيت الأبيض. إنه يشعر بأنه في بيته وبين أهله مهما تعالت أصوات التنديد. لكن اللافت هذه المرة أن الفندق الفاخر، الذي كان يولَم فيه لأشكينازي، حاصره 500 متظاهر أو أكثر، جلّهم من اليهود والأميركيين، منهم من تجاوز السبعين من العمر. كثيرون جاؤوا على عكّازات وعلى كراسٍ متحركة للمقعدين. رفعوا لافتات تطالب بحجب التمويل عن إسرائيل ورفع الحصار عن غزة فوراً، وبمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بين أمور كثيرة أخرى. ووصفوا أشكينازي بأنه قاتل ومجرم حرب، مكانه في قفص الاتهام لا في صالات السفراء. في المقابل، كانت هناك مجموعة صغيرة من الأفراد اليهود (يقلون عن 20) ترفع أعلاماً إسرائيلية وتشوّش بطريقة هزيلة على التظاهرة الهادئة الكبيرة، التي كانت تُدق خلالها أجراس وتقرع طبول صغيرة. لم يكن هناك أي لبس في مواقف المتظاهرين الذين أجمعوا على خطر الصهيونية على العالم، لا على الشرق الأوسط وحده. آلان دوغلاس، الذي شارك قبل أشهر في مسيرة الحرية لغزة وشاهد بأمّ العين أسلوب التعاطي مع الشعب المحاصر، كان في طليعة المتظاهرين الذين لم يتوقفوا عن الطواف حول الفندق. قال لـ«الأخبار» «بعد فرض إسرائيل، بدعم مؤسف من حكومتنا الأميركية، وبدعم الحكومة المصرية، حصاراً بشعاً على غزة، وهو جريمة بحق الإنسانية، تحوّل الوضع هناك إلى حالة طارئة. إننا نحتج على دعم حكومتنا، متضامنين مع شعب غزة». أما مارشال دوغلاس، فكان غير مسيّس. قال إنه يشعر «بالحنق على استقبال قاتل بهذه الطريقة»، مشدّداً على أن «الرجل الذي يلقي كلمة في الداخل هنا هو نفسه قائد القوات التي هاجمت غزة. هذا أمر أشعر بأنه فظيع بالنسبة إلي». الفئات الأكثر تسييساً والمدركة للعلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل تشعر بأن واشنطن في خطر لكونها لا تملك حركة كبيرة مناوئة للحرب على غرار ما هو حاصل في بريطانيا مثلاً. هؤلاء يخشون من تأثير اللوبي الإسرائيلي على إدارة أوباما، التي فقدت كل ما بقي من الآمال التي علقت عليها. ويخشون من أن يحدث تنافس بين الوحشية الإسرائيلية والوحشية الأميركية. دبرا سويت، مديرة منظمة «العالم لا يستطيع الانتظار»، قالت «إنني أكثر قلقاً من الحرب على إيران في عهد أوباما مما كنت عليه في عهد جورج بوش، رغم استهتار وعدوانية نظام الأخير بإطلاقه الحرب على الإرهاب. إن سياسة أوباما التي يطلق عليها «عملية الطوارئ الخارجية» تمثل خطراً على شعوب العالم». ورأت أن أوباما لن ينسحب من العراق، وسيواصل الفتك بأفغانستان، ويدعم الظلم الذي يمارَس بحق الفلسطينيين وغيرهم من شعوب الشرق الأوسط لأنه «لم يتخلّ عن حلم السيطرة على الشرق الأوسط الكبير الذي بدأه جورج بوش». أما رهام برغوثي، من منظمة «عدالة نيويورك» التي تدافع عن الحقوق الفلسطينية، وتضم تحالفاً من اليهود والعرب، فرأت أن الفضل في هذا التضامن الأميركي «يرجع في الأساس إلى معاناة شعب غزة المحاصر، الذي تعرض لبطش غير مألوف». قالت إن «هناك مجموعة واسعة تشارك في هذه التظاهرة من ضمنها المجموعة اليهودية المضادة للاحتلال والصهيونية، وفي الوقت نفسه هناك مجموعات أميركية لم يكن التضامن مع الشعب الفلسطيني شغلها الأول، لكنها وجدت نفسها بعد الجرائم الفظيعة التي ارتُكبت في غزة معنية بمعارضة نشاط الجماعات المناصرة للجيش الإسرائيلي في نيويورك». التظاهرة الليلية دامت نحو 3 ساعات. ومثّلت ظاهرة جديدة من التظاهرات التي كثرت في نيويورك ونواحيها خلال عام. ظاهرة يخرج فيها اليهود ضد إسرائيل علناً غير آبهين بالترهيب الإسرائيلي الشديد في هذه المدينة. هناك جماعات بينها تحمل صور التعذيب الذي يمارَس في القدس. هؤلاء يرددون عندما يعلمون أنك صحافي عربي «يجب أن يعلم العرب أنْ ليس كل اليهود والأميركيين مع إسرائيل. وليسوا جميعاً راضين عن الممارسات العنصرية في القدس وغزة». يستغرب المرء كيف تتولّد هذه المواقف وهو يتابع الإعلام الأميركي. ربما تبدلت الصورة مع انفلات الباحث الأميركي عن الحقيقة في الإنترنت، أو مع روايات الجندي العائد من العراق وأفغانستان. أو ربما يعود الفضل في توعية الأميركيين إلى تلك المغامرات التي ركبتها الولايات المتحدة، ودفع الأميركي ثمناً باهظاً لها
نيويورك ــ نزار عبود.
بول أشقر - قال شقيق رئيس الجمهورية التشيلي، سيباستيان بينييرا، خوسيه، رداً على سؤال لمجلة «بيرفيل»، عن شرعية انقلاب الجنرال أوغستو خوسيه رامون بينوشيه أوغارتا، عام 1973، إنّ «من يخرق دستور دولة خلال وجوده في السلطة، هو من ينقلب على النظام الديموقراطي، وهو من يتحوّل إلى طاغية. والمثل الأشهر في التاريخ هو أدولف هتلر، الذي انتُخب ديموقراطياً عام 1933 وتحوّل إلى طاغية». وأضاف «للأسف لم تكن متوافرة في دستور عام 1973 أداة لإقصاء من يخرق الدستور والقانون»، قبل أن يذكر أنّ سالفادور أليندي، زعيم الوحدة الشعبية، «كان قد وقّع عام 1967 مع الحزب الاشتراكي إعلان حرب على الديموقراطية، كتب فيه أن العنف الثوري شرعي، وهو الوسيلة الوحيدة لتسلّم السلطة».
وخوسيه اقتصادي مرموق شغل منصب وزير العمل في حكومات الجنرال بينوشيه، وهو من فكّك باكراً نظام التقاعد في التشيلي، ويعدّ من المنظّرين السبّاقين في اعتماد الخصخصة، التي ستُعتمد نموذجاً في أكثرية اقتصادات أميركا اللاتينية في العقود المقبلة. وهو حتى اليوم أحد نجوم «تويتر» في تشيلي.
وأثارت تصريحات شقيق الرئيس موجة من الاعتراضات، وخصوصاً أنها جاءت بعد أسبوع واحد من تصريحات ميغيل أوتيرو، الذي عيّن لتسلّم سفارة تشيلي في الأرجنتين، الذي أُجبر على التخلي عن منصبه بعدما صرّح لجريدة كلارين «أن أكثرية الشعب التشيلي لم يتضايق من الديكتاتورية، بل بالعكس، شعرت بانفراج نتيجة حصولها».
وإذا كانت تصريحات أوتيرو قد جعلته غير مرغوب فيه في بلد مثل الأرجنتين يتميّز بحساسيته القصوى تجاه أفعال الديكتاتورية العسكرية، فقد أتت تصريحات خوسيه بينييرا لتدلّ على أنّ داخل الائتلاف الحاكم تياراً تمتدّ جذوره حتى فترة البينوشيتية، ويريد استغلال رئاسة بينييرا للعودة إلى التعبير بصوت عال عن معتقداته.
وإذ أتت ردود فعل اليسار مندّدة بديهياً، وقالت الشيخة إيزابيل، ابنة الرئيس سلفادور أليندي، إنّ «تصريحات خوسيه تهريجية ولا تستحق الرد عليها». فإنّه محبط أن يبقى أناس يفكرون بهذا الشكل».
من جهته، قال وزير الداخلية رودريغو هينزبيتير، وهو يميني عقائدي، وأحد أقرب مستشاري الرئيس بينييرا، «يبدو لي مستحيلاً أن أتصوّر أن يقارن أحدهم الرئيس سالفادور أليندي بمجرم نازي مثل أدولف هتلر. من الصعب تصوّر، ومن المستحيل قبول، ومن الضروري التنديد بمن يقارن حكومة أليندي بنظام أدولف هتلر المجرم».
لم يرضخ خوسيه لتصريح أقرب مقرّبي شقيقه وردّ عليه بعنف على تويتر قائلاً إنّ «تصريح وزير الداخلية في غاية الخطورة. هينزبينتر، وهو سياسي محوري إلى جانب الرئيس، يكذب بطريقة مفضوحة وغير مسؤولة. يهدّد الإيمان بالجمهورية، ويورّط الرئيس. عليه أن يعتذر عن تصريحاته أو يستقيل».
وصف الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز اسرائيل بأنها "دولة ابادة جماعية تتصرف كقاتل لحساب الولايات المتحدة". وتوقع ان يتم وضع اسرائيل يوما ما "في مكانها الصحيح". وأوضح تشافيز خلال زيارة للرئيس السوري بشار الاسد "لقد اصبحت ذراع القتل للولايات المتحدة لا يمكن لاحد ان يشك في هذا.انها تهديد لنا جميعا"، مشيرا الى أنه "يؤيد النضال السلمي من اجل استرداد مرتفعات الAffinityCMSن السورية المحتلة". ورأى تشافيز أن "هذه الارض ستعود يوما ما الى يد سوريا. بالطبع نريد ان يكون ذلك سلميا لاننا لا نريد مزيدا من الحروب. ولكن يوما ما سيتم وضع دولة الابادة الجماعية اسرائيل في مكانها ودعونا نأمل ان تظهر دولة ديمقراطية بشكل حقيقي هناك يمكن ان نتقاسم معها نهجا وافكارا". ولم يقدم تشافيز تفصيلات اكثر بشأن ما يستتبعه وضع اسرائيل "في مكانها الصحيح". ولحظ بأن "المحاولات الاميركية لعزل سوريا واعادة رسم الشرق الاوسط فشلت وان اسرائيل تخسر حلفاءها بسرعة".
كذلك أشاد الرئيس السوري بشار الاسد بانتقاد الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز "القوي" للولايات المتحدة واسرائيل. وصرّح لدى وصوله الى قصر ميرافلوريس الرئاسي في فنزويلا بأن "عددا قليلا من الساسة الذين لديهم الجرأة الكافية كي يقولوا لا عندما يكون من الضروري ان تقول لا".
في مقابلة مع شبكة «بي بي سي» البريطانية، ضمن برنامج «هارد تولك» (حوار قاس)، دافع الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز عن نظامه قائلاً: «ليس هناك دولة أكثر ديموقراطية من فنزويلا». وعندما سئل عمّا إذا كانت ديموقراطية حقيقية، أجاب «هنا لا توجد دكتاتورية... لقد انتخبت ثلاث مرات، وعندما سحبني الأغنياء من القصر بواسطة انقلاب، تكفّل الشعب بإعادتي. أنا رجل ديموقراطي ولديّ الشرعية التي أعطتني إياها أكثرية الشعب... نبني الاشتراكية الديموقراطية، ونبنيها في إطار الديموقراطية». وعندما علّق الصحافي أنّ الديموقراطية لا تقتصر على إجراء انتخابات، ومن شروطها أيضاً حقوق المعارضة واستقلالية القضاء، وهي مفقودة في فنزويلا، مستشهداً بمثل قاضية أفرجت عن رجل كان يعدّه فاسداً وصارت الآن بدورها في السجن، وأيضاً بمثل وزير الدفاع السابق الجنرال بادويل الذي ساعد تشافيز على العودة بعد الانقلاب واليوم صار في السجن بسبب خلاف سياسي، أجاب تشافيز: «هنا وزراء سابقون في السجن بسبب الفساد، وموظفون سابقون في السجن ورجال أعمال في السجن بسبب الفساد... هنا نخوض معركة حياة وموت ضد الفساد، وهنا سلطات تعمل ولم تعمل من قبل كما تعمل اليوم». وعن أمثلة الصحافي، قال تشافيز «إنّ القاضية السابقة حوكمت بقرار مستقل من السلطة القضائية... أما بادويل فقد صار معارضاً بعد أن تورّط في الفساد، ولم يتهم بالفساد بعد أن صار معارضاً كما توحي». وتهكّم سائلاً: «هل صارت البي بي سي تدافع عن الفساد؟ هل تدافعون عن الفساد في إنكلترا، فلماذا تدافعون عنه في فنزويلا؟». ورفض تقرير «اللجنة الاميركية لحقوق الإنسان» قائلاً «إنّها لجنة مشبوهة، وقد أيّدت الانقلاب عليّ». وسئل عن واقع حقوق الإنسان وكيف يمكن أن تكون دولة حقوق إنسان والمعارضون يقبعون في السجون، فأجاب تشافيز: «يبدو أنّك لم تشاهد التلفزيون في فنزويلا... هنا ينتقدونني طيلة النهار... ويشتمونني طيلة النهار... ويصوّرونني بأبشع صور الكاريكاتور وأنا أضحك... لهم حرية شتم الرئيس هنا. لا أعرف إذا كان هذا الحق متوافراً في دول أخرى». وأضاف: «تقول إنّ فنزويلا تخرق حقوق الإنسان؟ في العالم أجمع تخرق حقوق الإنسان.. الآن أنا الأول في هذا البلد الذي يناضل من ضمن ما تجيز لي صلاحياتي لإعادة حقوق الإنسان الأساسية إلى جميع الفنزويليين». واستطرد قائلاً: «كنت أتمنى أن أرى صحافيي حقوق الإنسان يتحدثون عن الولايات المتحدة التي تقصف مدناً وتقتل الأطفال، أو أن أقرأ تقارير حقوق الإنسان عن حكومة إسرائيل التي قضت على قطاع غزة وأبادت أمام أنظار العالم آلافاً من الأطفال والنساء». وانتقل الحديث إلى الوضع الدولي، حيث سئل إن كان قد رأى تغييرات إيجابية آتية من البيت الأبيض منذ أن تسلّم أوباما الحكم، فأجاب تشافيز: «يا ليت، جورج بوش أعاد تفعيل الأسطول الرابع... وأوباما أقرّ 7 قواعد عسكرية في كولومبيا... ويتابع حرب العراق وحرب أفغانستان... يا ليت أوباما يكرّس وقته ليحكم الولايات المتحدة ويفي بوعوده لناخبيه، وينسى الإمبريالية وهذا الادّعاء بحكم العالم بأجمعه... ما زلت أنتظر أن تأتي تلك الإشارات من هناك، لأنّي أريد أحسن العلاقات مع الولايات المتحدة». وسئل عن علاقاته بإيران فقال «إنّ فنزويلا دولة ذات سيادة، وقد استردّت حريتها، وتعقد علاقات سياسية واقتصادية وتجارية مع أية دولة تشاء... مع إيران ومع غير إيران، ولدينا علاقات جيدة مع عشرات الدول». ووصف إيران بأنّها «دولة حليفة وصديقة»، ونفى أن تكون هناك أي تجارة باليورانيوم معها، لأنّنا «أمّمنا كلّ الموارد المعدنية... وحالياً لا ننتج اليورانيوم المتوافر عندنا». واقترح على بريطانيا «تعطيل قنابلها النووية... وقد اقترحت ذلك على بوتين». وأكد أنّ فنزويلا «لا تنوي إنتاج قنبلة ذرية، بل تريد تعطيل كل القنابل النووية ... وفي الوقت ذاته، قررنا الاعتماد أيضاً على الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء التي نحتاج إليها». وسئل عن تعثّر الوحدة الأميركية الجنوبية واللاتينية، مستشهداً بالتوتر على الحدود مع كولومبيا، فأجابه تشافيز «إذا كان قد نسي» الحروب التي كلّفت أوروبا الملايين من القتلى، ووصف الوضع مع كولومبيا بأنّه «ظرفي»، مذكّراً «نحن ما زلنا عالماً مستعمَراً... وقد عاد واستفاق مئتي عام بعد أن حصل على استقلاله». وسئل أخيراً عمّا إذا كان ينوي إعادة الترشح في انتخابات 2012 الرئاسية، فأجاب الزعيم الفنزويلي: «لا أدري، لست متأكداً... ما زلنا في أواسط عام 2010، وتبقى سنتان ونصف سنة، وقد تحدث أشياء كثيرة خلال هذه الفترة... اليوم، هي إمكان لا غير بعد أن حصلت على حق إعادة الترشح... وإذا حصل أن ترشّحت، كلمة الفصل هي في كل الأحوال في أيدي الشعب... وإن لم أكن رئيساً، وإن بقيت على قيد الحياة، فسأستمر في خدمة هذه الثورة من أي موقع تحتاج إليه، من موقع الرئاسة إلى موقع أستاذ ابتدائي لأنّي مولع بتعليم الأطفال». (الأخبار)
يستحق الأمر بضع دقائق للتفكير مليا بما يعنيه هذا الرجل ، ليس بالنسبة لأفريقيا فحسب ، بل بالنسبة للعالم بأسره.
لقد عانى مانديلا بشكل فظيع على يد سجانيه المنحدرين من أصل هولندي ، ممن استعمروا جنوب أفريقيا واستوطنوا فيها. لقد سُلب منه كل ما كان يقدره ويعتز به. عومل شعبه بكل وحشية ، وسلبت حريته. وكان قد اعتقل أكثر من مرة منذ كان مراهقا.
تخيل الغضب الشديد وحالة العجز التي لا بد وأنه شعر بها ، عندما اعتقل وكل جريمته هي محاولة تحقيق العدالة لبلاده. تخيل المرارة التي يمكن أن يكون قد غذاها خلال 27 سنة طوال ، هي السنوات التي أمضاها في الأسر. إن هذا يمكن أن يدمر العديد من الناس.
لكن عندما ظهر وهو يفتح عينيه بصعوبة أمام ضوء الشمس بعد كل تلك السنوات الطويلة والصعبة ، كان العالم يشهد نوعا من الأعجوبة. ذلك أن مانديلا لم يكن غاضبا ، كما لم يكن مصمما على الانتقام.
لكنه دون شك ، كان مصمماد على تحقيق العدالة - بضمان الديمقراطية وحكم الأغلبية لشعب أفريقيا الجنوبية. لكنه كان مصمما على تحقيق ذلك دون عنف ، أو كره ، أو حقد.
تحدث باستمرار عن المصالحة والمسامحة - ووضع سياسات تحافظ على تلك المشاعر ، بعد أن أصبح رئيسا في عام ,1994
من السهل الآن ، إذا ما نظرنا إلى الوراء ، الحديث عن الإخفاقات والعراقيل والعقبات التي واجهته. يمكن لأي شخص أن يرى أن حلم مانديلا بجنوب أفريقيا عادلة ، وعالم ليس فيه أحد محروم بسبب لون بشرته ، قد تحقق الآن. لكن تخيل الرعب الذي كان يمكن أن يحدث في أفريقيا في التسعينيات لو أن مانديلا سعى للانتقام.
لنأخذ العبرة منه إلى دولتنا في الزمن الحاضر. نحن نعيش في واحدة من أكثر المجتمعات أمنا وثراء على هذا الكوكب الآن ، وفي أي وقت مضى من تاريخ البشرية.
كم مرة سمعنا زعماء سياسيين وجماعات تحاول التأثير في القرار السياسي ، والناس الذين يشعرون بأنهم ضحية لسبب أو لآخر ، يتحدثون عن المساواة ، أكثر من حديثهم عن الأوضاع الخاصة؟
وفي ما يخص انتخابات المحافظات التسع، سيطرت «الحركة باتجاه الاشتراكية ـــــ ماس»، الموالية للرئيس إيفو موراليس على ست حاكميات، ومنها على الأرجح محافظة باندو، ما يُعَدّ خرقاً في المناطق الشرقية. أما المعارضة فاحتفظت بثلاث حاكميات، أبرزها محافظة سانتا كروز، وجميعها في المناطق الشرقية. وتدل هذه النتائج على أن حزب «ماس»، الذي ضاعف عدد حاكمياته مقارنة بنتائج الانتخابات لعام 2005، تحول إلى أكبر حزب سياسي في تاريخ بوليفيا، وهو الوحيد الذي ترشح على جميع المقاعد في كل أنحاء البلد، فيما بدت المعارضة مفتتة بين عدة أطياف سياسية ومناطقية في كل واحدة من المحافظات التي نجحت في الحفاظ عليها. أما الانتخابات البلدية، فأوضحت أن حزب «ماس» الذي حصد عدداً كبيراً جداً من البلديات الصغيرة ما زالت قاعدته الأساسية ريفية، إذ لم ينجح إلا في بلديتين في عواصم تلك المحافظات التسع، إضافة إلى مدينة ألتو في محافظة لاباز. أما مدينة لاباز، فكانت من نصيب حليف يساري سابق لـ«ماس» (الحركة ضد الخوف)، وقد انهار تحالفهما قبل أشهر لأسباب لا تزال مبهمة حتى اللحظة. وهذا الحزب الشعبي، وخصوصاً في المدن المصنفة يسارية، نجح في حرمان «ماس» انتصاراً كانت تدل استطلاعات الرأي على أنه سيكون كاسحاً. بعد إقرار الدستور الجديد، وبعد إعادة انتخاب إيفو موراليس بـ64 في المئة من الأصوات، وحصوله على ثلثي مقاعد الكونغرس، وبعد تفتت المعارضة بين زعماء تركوا البلد وزعماء معتقلين لتورطهم في نشاطات إرهابية وآخرين التحقوا بإيفو موراليس، كانت التوقعات بتحقيق نتائج أفضل في المناطق الشرقية وفي المدن أكبر. ويدل ما حصل على أن شعبية إيفو موراليس، الذي تورط دون ملل في أدق تفاصيل مرشحي حزبه، لا تنافس وطنياً، غير أنها غير قابلة لأن تنتقل آلياً خارج المناطق الريفية في بلد مسيّس مثل بوليفيا
بول الأشقر
.
بول الأشقر دخل غاري برادو سالمون التاريخ عام 1967 لأنّه كان يقود القوى النظامية البوليفية التي اصطدمت مع مجموعة حرب العصابات التي كان يتقدمها إرنستو تشي غيفارا في منطقة نيانكاوازو. وقد اعتُقل الزعيم الثوري بعدما أصيب بقدمه، فيما تعطلت بندقيته. في اليوم التالي، بعد وصول الأوامر من وكالة الاستخبارات المركزية، جرت تصفية تشي غيفارا في بلدة لاهيغيرا في الثامن من تشرين الأول. برادو اليوم جنرال متقاعد من الجيش البوليفي، وهو مشلول منذ أن أصيب برصاصة في عموده الفقري خلال محاولة انقلابية قام بها في أواسط الثمانينيات. قبل ثلاثة أيام، استجوبته القاضية بيتي يانيكز هو واثنين من زملائه، وهما رجل أعمال ومسؤول سياسي محلي. بعد استجوابهم، أمرت باعتقالهم في منازلهم. أما التهمة، فلا تمت بصلة إلى تشي غيفارا، بل بتورطهم مع مجموعة متهمة بارتكاب أعمال عنف في بوليفيا وبالتخطيط لاغتيال عدد من الشخصيات السياسية، من بينها الرئيس إيفو موراليس، وأيضاً عدد من شخصيات المعارضة. تأسست المجموعة خلال عام 2008 في أوج الاضطرابات التي واكبت الحركة الناشطة آنذاك في الولايات الشرقية لتنظيم استفتاءات على الحكم الذاتي. واستغلت ذلك بعض الجماعات المتطرفة للترويج لأفكار انفصالية مفادها حالة تقسيمية مركزها سانتا كروز، أكبر وأغنى مدينة بوليفية، تحركها فكرة أنّ الأكثرية الهندية قد تسلمت السلطة مع وصول إيفو موراليس إلى الرئاسة وأنّ التعايش مع الحكام الجدد مستحيل برأيهم. ووجدت هذه الدعوة آذاناً مصغية لدى مجموعات عديدة من اليمين المتطرف، ولا سيما الأرجنتينية، التي رأت في الوضع البوليفي فرصة لوقف نمو اليسار في أميركا الجنوبية ووصوله إلى السلطة في عدد متزايد من الدول. كذلك رأى أتباعها وممولوها من بعض نخب سانتا كروز في انقسامات المجتمع الإثنية والمناطقية والاجتماعية، الساحة المثلى لتطوير استراتيجية توتر، محورها تفجيرات وعمليات اغتيال. ومعروف أنّ ثلثي البوليفيين يعيشون تحت خط الفقر وثلثاهم من الهنود، وبوليفيا هي البلد الوحيد في أميركا الجنوبية الذي لا تزال الشعوب الهندية تمثّل الأكثرية المطلقة من سكانه. في نيسان 2009، وقع تفجيران في بوليفيا في اليوم نفسه، واحد في منزل وزير في لاباز، وآخر في مقر مطرانية مدينة سانتا كروز. يومان بعد التفجير الثاني، وفي إطار التحقيقات حوله الذي كان الرأي العام ينسبه إلى الموالاة، اقتحمت مجموعة من الجنود فندقاً في سانتا كروز، وقضت على ثلاثة من نزلائه، على الأرجح وهم نائمون. وحصلت على وثائق محيّرة بإيديولوجيتها إضافة إلى خرائط لعدد كبير من الأهداف. وتبيّن أنّ القتلى الذين كانوا مسلحين هم بوليفي ـــــ كرواتي اسمه روزا فاوريس وشريكاه، أحدهما مجري ـــــ كرواتي والآخر إيرلندي. روزا فلوريس، قائد المجموعة، صحافي وشاعر وسينمائي بدأ عمله المهني صحافياً شيوعياً في موسكو قبل أن يشارك في حرب البلقان مع كرواتيا ويعتنق إيديولوجيا قومية يمينية متطرفة. وبعد يومين من مقتل زعيم المجموعة، اعتُقل رجلان، أحدهما بوليفي يحمل جواز سفر كرواتياً، والآخر مجري كانا يحاولان مغادرة البلد، وهما اللذان أعطيا التفاصيل الأساسية عن المجموعة وخططها. ما علاقة غاري برادو بالموضوع؟ تبيّن أنّه عمل مستشاراً لهذه المجموعة، ويدلّ التحقيق كذلك على أنّ نجله كان على علاقة وثيقة بفلوريس زعيم المتطرفين.