Ihsan Masri

Ihsan Masri

عمر ديب - الاخبار

 

حملت الانتخابات النيابية الأخيرة هزيمة قاسية للحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد وحلفائه، بعد أن نال تحالف قوى اليمين المعارض ما يقارب ثلثي مقاعد البرلمان. وأتت هذه الهزيمة الانتخابية الأولى للتيار «البوليفاري» الذي أسسه وقاده الرئيس الراحل هوغو تشافيز منذ 17 عاماً حاملاً شعارات التحرر السياسي والاقتصادي لدول أميركا اللاتينية، وهو الحلم الذي عم معظم دول القارة الجنوبية فتحولت معظمها إلى حكم اليسار بمختلف أطيافه باستثناء كولومبيا التي ظلت القاعدة الخلفية للولايات المتحدة الأميركية جنوباً طوال تلك المدة.

كثيرة هي الإنجازات التي حققتها الثورة البوليفارية في السنوات الماضية، وتحديداً خلال عهد تشافيز، والتي تمثلت بالاستقلال السياسي الحقيقي لتلك الدولة عن إملاءات المشروع الأميركي، سواء على المستوى الداخلي أو الدولي الذي كانت أوضح تجلياته في انحياز فنزويلا ومعها معظم القارة لصالح قضايا التحرر والمقاومة وتحديداً في فلسطين. ومن أبرز الخطوات التي اتخذتها فنزويلا كانت سحب سفيرها وطرد سفير العدو الاسرائيلي خلال العدوان على غزة وكذلك خلال العدوان الصهيوني على لبنان، ووقوفها إلى جانب فلسطين في كل الاستحقاقات الدولية وتحديداً في الأمم المتحدة ناهيك عن المنح الدراسية للطلاب الفلسطينيين. وعلى الصعيد الفنزويلي الداخلي، كانت الانجازات كثيرة أيضاً، وأبرزها انحياز الدولة بسياساتها وخططها التنموية لصالح الفئات الأكثر فقراً، فحولت عائدات النفط لمصلحة فقراء البلاد، حيث تركزت الخطط التنموية على بناء المساكن الشعبية وتقديمها مجاناً أو رمزياً لمن ليس لديهم مأوى. كذلك تمكن اليسار في الحكم من تعميم التعليم على الفئات الاجتماعية كافة ووصلت نسبة الأمية إلى الصفر بشهادة منظمات الأمم المتحدة ومنها الأونيسكو بعد أن كان مئات الآلاف من الفنزويليين أميين. وعلى صعيد الصحة، استعانت الدولة بالأطباء الكوبيين إلى جانب الفنزويليين ونشرتهم في عيادات طبية مجانية في كل القرى وأحياء المدن. كذلك كرس تشافيز الثورة الديمقراطية في البلاد، حيث الانتخابات والاستفتاءات أصبحت محطة دائمة تعكس آراء المواطنين في قارة حكمتها دكتاتوريات عسكرية رجعية على مدى عقود. هذه السياسات شكلت حاضنة شعبية واسعة للمشروع البوليفاري بين الفقراء، فحملوا مشروع الرئيس تشافيز ودافعوا عنه بعد أن دافع عنهم، وحموا ثورته بوجه كل المؤامرات. نزلوا ضد العسكر عندما انقلب الجيش على السلطة وأعادوا الرئيس المعزول رئيساً معززاً قوياً. أعطوه ثقتهم في صناديق الاقتراع النيابية والرئاسية وفي الاستفتاءات العديدة التي نظمتها الدولة حول تعديلات دستورية متنوعة، كما أعطوا الرئيس مادورو أصواتهم، وإن بنسب أقل في الانتخابات الرئاسية بعد رحيل تشافيز. صار للثورة جمهورها وأهلها وحماتها بعد أن صارت لهم حقوق إنسانية سياسية واقتصادية حرموا منها قبل ذلك. صار عندهم حافز الاقتراع ورفاهية الاختيار السياسي لأن الدولة مكنتهم سياسياً إلى جانب تمكينهم اقتصادياً، بعد أن كانوا خارج الصراع السياسي كفئات اجتماعية مهمشة.

 

لكن الثورة البوليفارية، وفيما كانت تصنع جمهورها، خلقت أيضاً أعداءها. الانحياز لمصلحة الفئات المهمشة كان على حساب الطبقات المهيمنة اقتصادياً والقائمة على البورجوازية النفطية والتجارية، وعلى الاقتصاد الريعي المرتبط بالشركات العابرة للحدود، والمرتبطة سياسياً واقتصادياً بالرأسمال الإقليمي والأميركي. أممت الدولة النفط ومنعت تهريب الأموال إلى الخارج، وحددت أسعار السلع الأساسية ورفعت الأجور. هذه السياسات حدت من هامش الربح والاستغلال عند الفئة المهيمنة، ومنعت الأجانب (ومنهم اللبنانيون) من نقل أموال البلاد إلى الخارج. تكونت من كل هؤلاء فئة متضررة سرعان ما وثقت تحالفها مع الولايات المتحدة الأميركية لتخوض حرباً سياسية واقتصادية شعواء على الدولة الفنزويلية. امتلاك وسائل الإعلام واستغلال هامش الحريات الواسع، والدعم الخارجي المادي أعطى المعارضة منبراً أساسياً لتقويض صورة الحكم. وكان الخصم الأقوى للمشروع البوليفاري، كما هو لكل مشروع اشتراكي، الفساد المستشري في إدارات الدولة فكان الفاسدون من فريق الرئيس أو من خصومه يسخرون كل نفوذهم للاستفادة من مقدرات الدولة وتحقيق الثروات. هذه الفئة الطفيلية كانت تحتكر السلع المدعومة وتخفيها من السوق لتعيد بيعها في الدول المجاورة بأسعار مضاعفة فتحقق ثروات ضخمة فيما تختفي هذه السلع من الأسواق وينتظر المواطنون أياماً أو أسابيع للحصول على السكر أو الخبز المدعوم حكومياً. استغل المضاربون تثبيت سعر الصرف الرسمي على مستويات مقبولة للمواطنين العاديين فقاموا، وبالتعاون مع شبكات خارجية، بعمليات تلاعب بسعر الصرف لجمع الدولارات من المصارف الرسمية على أساس السعر المحدد والتحكم بالتداولات في السوق السوداء حيث وصل السعر عشرات أضعاف السعر الرسمي. فقد المواطنون القدرة الشرائية فصار سعر السلع المستوردة وغير المدعومة من الدولة خيالياً بالنسبة للمواطن العادي. تركيبة رهيبة من فاسدين داخل النظام، ومن معارضة مدعومة سياسياً وإعلامياً ومادياً من الخارج، وانهيار في القيمة الشرائية للأجور وارتفاع أسعار السلع إن وجدت، أدت إلى تردي أوضاع الناس بشكل كبير وانتشار الفقر من جديد وتنامي الجريمة. كلها سويةً رسمت قدراً محتوماً للثورة البوليفارية: استياء الناس وغضبهم وبدء ابتعادهم عنها. هم نفس الناس الذين أيدوها حينما كانت وسيلتهم للترقي الاقتصادي والاجتماعي، فحموها بأجسادهم كما بأوراق اقتراعهم، وهم الذين ضاقوا ذرعاً بالفساد والفقر والجريمة فانقلب جزء منهم ضدها من دون الاكتراث للخلفيات الحقيقية التي أوصلت الأمور لما وصلت إليه. حاول الرئيس مادورو اجتراح المعالجات لهذا المأزق المحكم من كل الاتجاهات كما حاول الرئيس تشافيز في آخر أيام حكمه، لكن بأس الفاسدين والطفيليين والرأسمال المحلي وداعميه الخارجيين كان أقوى من كل الدولة وسياساتها وأجهزتها ففشلوا في حل الأزمة. نتيجة الانتخابات النيابية كانت ترجمةً لهذه الهزيمة في صندوق الاقتراع بعد أن كانت قد تحققت قبل ذلك في الواقع المادي. هزيمة لا تعني نهاية الطريق فالرئيس لا زال في الحكم والمعركة مفتوحة على كل الاحتمالات، ولعل خسارة المعركة تدق أجراس الاستنفار الرسمي والشعبي من أجل إعادة تصويب الأمور مستقبلاً. نجحت الثورة البوليفارية حيث فشل الآخرون. قدمت الكثير من المنجزات الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين الأكثر فقراً، لكن الأهم أنها كرست المواطنين شريكاً أساسياً في منظومة الحكم. يتوجهون إلى الصناديق ليرفعوا سلطة أو ينزلوها، وكي يحموا نظاماً أو يعاقبوه. قوة الثورة البوليفارية أنها أنتجت، ضمن ما أنتجته، إمكانية معاقبتها، ولعل ذلك أعمق انتصاراتها في قارة اعتادت حكم الدكتاتوريات. نجح البوليفاريون ولو هزموا. * ناشط يساري ــــ لبنان

غسان ديبة - الاخبار

 

 

«سيبقى الناس ضحايا بلهاء للخداع ولخداع الذات، إلى أن يتعلموا البحث عن مصلحة طبقة معينة خلف كل المواقف والوعود الأخلاقية والدينية والسياسية والاجتماعية» فلاديمير لينين ■ ■ ■ في مثل هذه الأيام من عام 2011، كانت معركة الأجور، التي خيضت في اجتماعات لجنة المؤشر في وزارة العمل آنذاك، على أشدها.

 

كان من الواضح من سياق وسير الاجتماعات أنه على الرغم من كل الأدلة التي سيقت حول معدلات التضخم منذ 1996، سنة آخر تصحيح فعلي للأجور، وغيرها من المعطيات حول أزمة النمط الاقتصادي اللبناني، إلا أن ممثلي أصحاب العمل ومن وراءهم في ما يسمى الهيئات الاقتصادية لم يكونوا في وارد الاستماع الى هذا الكم الهائل من المعلومات والتحاليل الاقتصادية ذات التوجه اليساري، التي لم تهدف فقط الى زيادة الأجور، بل إلى جعل هذا الزيادة تتماهى مع عملية إطلاق العنان للاقتصاد اللبناني، بالإضافة الى تأمين أجر اجتماعي للبنانيين أساسه التغطية الصحية الشاملة. لم ترد هذه الطبقة الاستماع الى هذه الاقتراحات الإصلاحية المتقدمة لأنها وضعت نصب أعينها منذ البداية الخروج بأقل «الخسائر»، أي بزيادة ضئيلة على الأجور من دون إحداث أي تغيير قد يطال مصالحها المتجذرة في اقتصاد ريعي واحتكاري نسج منذ عام 1992. في النهاية عندما لم تستطع أن تفرض رأيها في لجنة المؤشر (وهذا اعتبرته من النوادر الذي لم تتوقعه في علاقتها مع الدولة)، ذهبت الى الاتفاق مع الاتحاد العمالي العام من خارج الأطر القانونية وحصل ما يعلمه الجميع من زيادة هزيلة على الأجور. بات هذا كله من التاريخ. اليوم، هناك حديث حول نية وزير العمل الحالي أن يدعو لجنة المؤشر الى الاجتماع. إن الأمر تأخر أكثر من ثلاث سنوات، إذ آن الأوان لأن تعود وزارة العمل الى أخذ الموقع الريادي في قضية تصحيح الأجور كما حصل في عام 2011. في هذا الإطار، يجب البدء بوضع أسس لجعل التصحيح دورياً ويطال جميع شرائح الأجر لا كما جرت العادة بتقسيم الأجر الى شطور، بدءاً من الحد الأدنى وتطبيق الزيادة تراجعياً حسب الشطور من الأدنى الى الأعلى، إذ إن هذه السياسة المتبعة دوماً منذ البدء بتصحيح الأجور تؤدي الى عدم حصول ذوي الأجر المتوسط والعالي على تصحيح يتناسب مع معدلات التضخم المتراكمة، ما يزيد من الإفقار النسبي للطبقة المتوسطة في لبنان التي تتحمل أيضاً بشكل غير متساو، نسبة الى الطبقات الغنية والفقيرة على السواء، الأعباء الضريبية ومصاريف السكن والصحة والتعليم وتدني إنتاجية الاقتصاد اللبناني وعدم إنتاجه للوظائف بشكل كاف.

بالإضافة الى ذلك، على الدولة أن تعيد النظر بآليات عمل اللجنة وتعديل قانون لجنة المؤشر على النسق الآتي: أولاً، الإضافة الى مهماتها مواضيع دراسة سياسة الأجور طبقاً لمعايير العدالة الاجتماعية والفعالية الاقتصادية وتقديم المقترحات بتعيين الحد الأدنى للأجور والتصحيح الدوري للأجور. ثانياً، جعل اللجنة الجهة الرسمية والقانونية الوحيدة المخولة تقديم المقترحات لتعيين الحد الأدنى والتصحيح على المستوى الوطني (حتى لا تتكرر مهزلة اتفاق الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام الأخيرة). ثالثاً، تعقد اللجنة اجتماعاتها حكماً في آخر أسبوع من أيلول من كل عام وتبقي اجتماعاتها مفتوحة حتى تقدم اقتراحاتها قبل الموعد القانوني لتقديم الموازنة العامة. رابعاً، تأخذ اللجنة قراراتها على أساس التوافق أو بأكثرية الثلثين وإذا تعذر ذلك يرفع وزير العمل توصياته وتعتبر نهائية. خامساً، يتبع في احتساب الحد الأدنى للأجر تطور مؤشر الأسعار، بالإضافة الى دراسات الفقر وكلفة السلة الاستهلاكية الأساسية. خامساً، يتبع في احتساب تصحيح الأجور تطور مؤشر الأسعار، بالإضافة الى الزيادة في الإنتاجية في الاقتصاد بشكل عام حسب معادلة يتفق عليها في اللجنة. سادساً، يمكن للجنة أن تقرر في توصيتها بنداً إعفائياً مؤقتاً (derogation) بحيث يتيح للمؤسسات، التي بسبب أوضاعها الاقتصادية أو المالية تعتبر غير قادرة على تطبيق الزيادة، فترة سماح لا تتجاوز السنتين، على أن تقوم لجنة تقنية في وزارة العمل ببتّ هذه الطلبات والقيام بمراجعة فصلية لأوضاع هذه المؤسسات خلال فترة السماح هذه. على الصعيد العام، آن الأوان لأن تؤخذ قضية الأجور بجدية في لبنان، فالمسألة ليست فقط تقنية على أهمية الأمور التقنية أعلاه. لقد كان تجميد الأجور جزءاً من الاقتصاد السياسي في ما بعد الحرب، كما الكثير من المتغيرات الاقتصادية التي جعلت اقتصاده يخدم الأقلية ويهمش الطبقات العاملة والمتوسطة ويهجر الشباب اللبناني. القصة بأكملها أصبحت قديمة ومعروفة الآن، على الرغم من محاولات البعض اليائسة أن يجعل «إرث رفيق الحريري» من المقدسات التي لا يمكن المساس بها تحت طائلة كسر الأيادي، أو الأخطر من ذلك، محاولات البعض أن يجعله جزءاً من التجييش الطائفي الذي يسخر «إعادة الإعمار» وحتى نقده لمصالح الطوائف المختلفة. إن الزمن سيجعل الأمور تتوضح أكثر على مستوى الفهم النظري والسياسي لها وإن كانت بالطبع الآن جلية على المستوى المعيش، إذ إن اللبنانيين بأكثريتهم يعلمون كم ابتعد لبنان في عام 2015 عما وعدوا به في ذلك الوقت، الذي كان فيه اللبنانيون على درجة عالية من اليأس والإحباط، فاستسلموا لنظام ضريبي أثقل كاهل الطبقة المتوسطة، ولأجور مجمدة لمدة طويلة، ولتثبيت نقد قضى على صناعتهم، ولنمو دين عام ساهم في إثراء من هم أثرياء أصلاً، ولثقل الدين الخاص من أجل أن يستمروا في استهلاكهم وإنفاقهم على صحتهم وتعليم أولادهم، واستسلموا أخيراً لهجرة شبابهم ولعدم أمان في سكنهم ولمركز لمدينتهم مقفل كان من المفترض أن يكون هو الآخر «جنة مكانية». وهم قد يستسلمون الآن لأوليغارشية محتملة قد تأتي باسم الإنقاذ والتوافق لدفعهم إلى الاستمرار في حالة من الحياة المعلقة الى أجل غير مسمى. لربما تغيير في مكان ما يعطيهم الأمل بأن لبنان يمكن أن يبدأ خطوة نحو التغيير للأفضل، وإلا فإن اليوم الذي ينهار فيه هذا النظام الرأسمالي ــ الطائفي البائد آت لا محالة.

في كل مرة ينتهي عقد «شركة خرافي ـ ناشيونال» الكويتية، الملتزمة عقد التشغيل والصيانة في مجمع الجامعة اللبنانية في الحدث، يتعرض موظفو الشركة وأهل الجامعة للابتزاز ويجرى استخدامهم كوسيلة للضغط على الدولة اللبنانية. هذه المرة، هددت الشركة بعدم الاستمرار في تسيير المرفق العام ما لم تحصل على وثيقة رسمية تطلب منها ذلك، ثم اكتفت في ما بعد بشرط الحصول على جزء من مستحقاتها المتأخرة 8 أشهر... وفي هذا الوقت، تمتنع الشركة عن تسديد أجور مستخدميها، مخالفة بذلك القوانين والأنظمة المرعية الإجراء

 

فاتن الحاج - الاخبار

 

 

للمرة الثانية يتكرر السيناريو نفسه، إذ تبلغ شركة «خرافي ناشيونال»، المتعهدة تشغيل وصيانة مجمع الجامعة اللبنانية في الحدث، على مدى السنوات العشر الماضية، عمالها وموظفيها، بتوقفها عن سداد الرواتب؛ لأن مجلس الإنماء والإعمار تأخر في دفع مستحقاتها المالية لدى الدولة اللبنانية. للمرة الثانية، تسلك الشركة الطريق نفسه، فترسل للموظفين إنذاراً بالصرف بحجّة أنها ستتوقف عن العمل بعد انتهاء عقدها في 30/9/2015.

 

قبل ثلاثة أشهر وتحديداً في 1/7/2015، تسلم الموظفون بواسطة «ليبان بوست»، كتاباً يبلغهم بأن العقد الموقع بينهم وبين شركة الخرافي ينتهي بانتهاء العقد مع الحكومة اللبنانية ممثلة بمجلس الإنماء والاعمار، على أن تعد الفترة الممتدة بين تاريخ تبلغهم أو رفضهم تبلغ كتاب الإنذار وبين تاريخ انتهاء العقد هي فترة الإنذار القانونية. الشركة أعلنت، في كتاب الإنذار، أنها تخوض المناقصة العمومية الجديدة للفترة الممتدة بين 1/10/2015 و30/9/2018، فيما علمت «الأخبار» أن هناك شركتين أخريين تشاركان فيها، إلّا أن مجلس الإنماء والإعمار لم يعلن حتى الآن موعد فض العروض، مع العلم أن نتائج المناقصة تحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء عليها، وهو معطّل لا يجتمع. الجديد هذه المرة، كان الإنذار الذي أرسلته الشركة إلى مجلس الإنماء والإعمار، والذي هددت فيه بترك الجامعة اللبنانية في 16 تشرين الثاني الجاري، إذ لم تتسلم كتاباً رسمياً يطلب منها الاستمرار، فأجابها المجلس شفهياً بأن الشركة لا تستطيع أن تتخلى عن تسيير المرفق العام. إلاّ أن مصادر الشركة تلفت إلى أنه ليست هناك فقرات واضحة في دفتر الشروط تلحظ هذا الأمر. في هذا الوقت، أبلغت إدارة الجامعة اللبنانية إدارة الشركة أنّ أي عطل أو ضرر ينشأ عن التخلي عن تشغيل وصيانة التجهيزات والمعدات تتحمّل مسؤوليته الشركة المشغّلة. رد فعل الموظفين المعترضين على عدم دفع رواتبهم وضمان استمرارية عقودهم كان أقسى هذه المرة، إذ جرى تعطيل كامل للمرافق الجامعية، بقطع الكهرباء والإنترنت عن القاعات الدراسية والمدرّجات والمختبرات

فيما اقتصر الأمر في المرّة السابقة في عام 2012، أي عند انتهاء العقد السابق مع الشركة، على بعض الاعتصامات والتحركات الاحتجاجية التي تزامنت مع مسار المناقصة السابقة، لا سيما أن شركة الخرافي كانت قد استبعدت من المناقصة لكونها شركة غير محلية قبل أن يتيح لها الدعم السياسي من الرئيس نبيه بري المشاركة مجدداً والفوز، ولكن بعدما خفضت قيمة عقدها من 33 مليون دولار إلى 31 مليون دولار لالتزام التشغيل والصيانة خلال 3 سنوات. بالنسبة إلى الموظفين، حصلت، بحسب المهندس بديع علي، مناظرة مع شركة الخرافي في وزارة العمل وتم التوقيع على اتفاق ينسف برأيه الانذار، إذ يرعى ديمومة عمل 286 موظفاً في التشغيل والصيانة بالرواتب نفسها المصرح عنها في الضمان الاجتماعي، ودفع رواتب كل الموظفين في مواعيدها أي في التاسع والعشرين من كل شهر، كما جرت العادة. يتحدث علي عن حجم العمل الذي تقوم به الشركة لجهة صيانة أجهزة فنية متطورة، لافتاً إلى ما يسميه إنجازاً تحقق على خلفية الطوفان الذي حدث في عام 2013، إذ تم تشييد بنية تحتية لتصريف مياه الحدث. يقول: «ألم يسأل المسؤولون أنفسهم لِمَ لَمْ تطف الجامعة منذ ذلك الحين؟ هل عقاب الشركة يكون بحرمان الموظف فيها رغيف الخبز؟». يذكر أن عدد الموظفين في التشغيل والصيانة والنظافة والحراسة والزراعة يصل الى 600 موظف. لكن هذا الاتفاق الذي يشير اليه علي، لم يعنِ الكثير لمجموعة من التقنيين، الذين قالوا إنهم لم يروا شيئاً. يشرحون أنهم اليوم بلا عقود وليس في حوزتهم أي مستند رسمي يثبت أنهم لا يزالون يعملون في هذه الشركة، إذ ليس مذكوراً في عقد العمل أننا «يمكن أن نستمر بالرواتب نفسها ولا نعرف شيئاً عن مصيرنا». لا يتردد هؤلاء في الحديث عن غياب الاستقرار الوظيفي، فيما متوسط رواتبهم لا يتجاوز 600 دولار أميركي، كما لم يطرأ أي زيادة على هذه الرواتب منذ 6 سنوات، «ففي 2012 حسموا الزودة التي أخذناها في 2008. في هذه الفترة يقول الموظفون إننا «لسنا موظفي خرافي ولسنا موظفي شي». يوضحون: «أننا اضطررنا للاعتصام ضد شركة الخرافي فهي المسؤولة المباشرة عن دفع مستحقاتنا وليس ضد الجامعة اللبنانية، ثم علقنا التحرك بعدما تلقينا تعهداً بدفع رواتبنا هذا الأسبوع». هكذا، وفي كل مرة ينتهي فيها عقد الشركة، تقع المدينة الجامعية وموظفو الشركة على السواء تحت رحمة المتعهد. في كل مرة، يجد الموظفون أنفسهم مهدّدين بقطع رواتبهم أو بالصرف التعسفي الشامل، فيما اصحاب القرار في الدولة يصرون مجدداً على تلزيم هذه الاعمال الحيوية الى شركة خاصة والارتهان كلياً لمصالحها. يطرح المعنيون بأحوال الجامعة السؤال نفسه: ألم يحن الوقت، لأن تضع الجامعة هيكلية تحدد فيها حاجاتها من العمال والموظفين للقيام بمهمات التشغيل والصيانة فتطلب توظيفهم بمواصفات وشروط عبر مجلس الخدمة المدنية؟ في اعتقاد عمداء ومديرين في الجامعة، أن كلفة التشغيل والصيانة عالية جداً، وبمقدور الجامعة الاستغناء عن نصف كلفة العقد مع شركة الخرافي. إلاّ أنّ هذا ليس رأي عادل مرتضى، رئيس اللجنة الفنية المكلفة من الجامعة بالإشراف على أعمال التشغيل والصيانة، إذ إنّ مجمع جامعي بهذه الضخامة (تبلغ مساحته 800 ألف متر مربع منها 376 ألف متر مربع مساحة مبنية و30 ألف طالب) لا يمكن إلّا أن يدار مركزياً بالمستوى الفني المطلوب وبواسطة شركة تتولى إبرام عقود مع الشركات المصنعة للتجهيرات والمعدات الضخمة للتدفئة والتبريد والكهرباء والمياه التي تقوم هي عملياً بصيانتها. وسأل مرتضى ما إذا كانت الجامعة قادرة على توظيف 32 مهندساً خبيراً لا يقل راتب الواحد منهم عن 5 آلاف دولار وعمال وموظفين بخبرات معينة، مشيراً إلى أنّ التركيبة المالية للجامعة لا تسمح بإدارة عقود من دون موازنة مقدمة منذ بداية العام الجامعي». ورأى أن المبنى القديم لكلية العلوم نموذج سيئ لإدارة الجامعة لهذا المرفق الحيوي بصورة لا مركزية، نافياً أن تكون اللجنة الفنية نفسها التي عينتها الجامعة قادرة على تغطية المهمات المطلوبة. لا ينفي مرتضى أن يكون حصل في السنة الأخيرة للعقد تراجع نسبي في تقديم الخدمات وبعض التأخير في تنفيذ المطلوب، بسبب تأخير المستحقات المالية. لكن أليست كلفة التشغيل والصيانة عالية؟ يجيب: «لا أعتقد ذلك، فمن المعروف أن قيمة هاتين المهمتين تساوي 2.5% من قيمة المباني والتجهيزات التي تساوي اليوم مليار دولار». هذا الرأي، بحسب العديد من اهل الجامعة، ينتمي الى الثقافة السائدة التي تكفر بالدولة وتعتبرها فاشلة وعاجزة ولا امل منها.

ذكرى الرفيق حسن اسماعيل

غسان ديبة - الاخبار

 

«المواطنون العاديون ليس لديهم أي تأثير يذكر على ما تقوم به الحكومة في الولايات المتحدة»

مارتين جيلينز

■ ■ ■

في ندوة عُقدت أخيراً حول كتاب كمال هاني «الحزب الشيوعي: تفاقم للأزمة أم انفتاح على التغيير؟»، قدّمت مداخلة في سياق النقاش حول مفهوم المركزية الديموقراطية للتنظيم الشيوعي، اعتبرت أن أسهل الانتقادات التي تساق في هذا المجال هو أن نعتبر أن المركزية تتغلب دائماً على الديموقراطية، أو أن المفهوم كله خاطئ بالمطلق. وبالتالي، حسب هذا النوع من النقد فإنه إما أن يرتفع منسوب الديموقراطية، أو أن يتخلى الحزب الشيوعي كلياً عن هذا الشكل التنظيمي.

المسألة بالطبع ليست بسيطة أو مطلقة بهذا الشكل. فالتنظيم الحزبي مهما كان شكله هو محدد في السياق السياسي، فكما قال لينين «إن المسائل السياسية لا يمكن فصلها بشكل ميكانيكي عن المسائل التنظيمية، وإن أي شخص يقبل أو يرفض التنظيم الحزبي البلشفي، بمعزل عما إذا كنا نعيش في زمن الثورة البروليتارية، يكون فهمه خاطئاً تماماً». وكما قال جورج لوكاش في كتابه «لينين: دراسة في وحدة فكره» إن لينين كان يمقت بالقوة نفسها الذين استسلموا للبرلمانية، كما الذين هم ضد البرلمانية بالمبدأ. وبالتالي، إذا أردنا أن نرجح كفة الديموقراطية، على هذا الجنوح أن يكون معللاً بحاجة الحزب لمماهاة شكله التنظيمي الأكثر ديموقراطية مثلاً مع برنامجه للوصول الى السلطة عبر الوسائل البرلمانية أو مع عدم راهنية الثورة، لا أن يكون ذلك الجنوح ناجماً عن الإيمان المطلق بالديموقراطية. فالإيمان المطلق السطحي بالديموقراطية، وخصوصاً بشكلها الانتخابي المحض، أدى الى انحرافات سياسية عديدة.

لالديموقراطية لا تسمح لقلّة بأن تتحكم بالثروة والسلطة في هذا الإطار، وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي، اكتشف بعض الشيوعيين اللبنانيين وبعضهم من القيادة الحزبية مفهومَي الديموقراطية وبناء الدولة، والبعض من هؤلاء، في معرض نقدهم لتجربة الحزب، اتهموه بأنه كان ضد الاثنين، وأنه في الحرب الأهلية أراد تدمير الدولة عبر استعمال العنف وإلى ما هنالك من اتهامات لم تأخذ بالاعتبار حينها لا سياق الأحداث في الحرب، ولا أن في تاريخ الحركة الشيوعية العالمية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وحتى ذلك الوقت، هنالك نقاشات حول الديموقراطية ما يملأ مئات المجلدات. نقطة اعتراضية حول مسألة العنف. ولو على سبيل التبسيط التاريخي، يمكننا اجتراح تجربة ذهنية، مستوحاة من نظرية الفيلسوف الشهير جون رولز حول العدالة، كالتالي: لنفترض أنه كان هناك استطلاع رأي في الحرب وطرح السؤال الآتي: إذا كنت مضطراً للمرور على حاجز مسلح، ولكن لديك الخيار أن تختار من خلف «حجاب الجهل»، أي قبل دخولك في العقد الاجتماعي (في حالة لبنان، قبل أن تعرف هويتك الطائفية وليس موقعك في تراتبية الدخل كما في نظرية رولز)، أي حاجز تمر عليه؟ بالتأكيد، لكان اختار الجميع الحاجز المسلح للحزب الشيوعي اللبناني. بالعودة الى الديموقراطية، على الرغم من أن الحزب طور نظرية سطحية عن الديموقراطية والاشتراكية اللبنانية في السابق، والتي استعملت لاحقاً للقول بأن الحزب كان متميزاً عن الاتحاد السوفياتي، بينما الحقيقة تقول عكس ذلك (تأييد الحزب لقمع ربيع براغ في 1968)، إلا أن هذه «النظرية» كانت مبنية على أساس أننا في لبنان ولدينا تقاليد ديموقراطية، فإن الحزب يتبناها حفاظاً على هذه التقاليد من دون الربط بين الديموقراطية والوصول الى الاشتراكية. كل هذه المحاولات كانت من دون بعد نظري وحلت المعضلة بقاعدة حسابية بسيطة يفهمها أي تلميذ في المرحلة الابتدائية: اشتراكية + ديموقراطية. والبرهان على ضحالتها أتى سريعاً، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي نسي الكثيرون الاشتراكية في المعادلة وتبنوا الزائد، بل أسوأ، فبعضهم تبنى منطق ومصالح الرأسمال والطوائف.

تاريخياً، لم يكن الماركسيون ضد الديموقراطية، ولكن مجيء الشيوعيين الى السلطة في أوروبا أتى في ظروف تاريخية محددة، وهذا ما يتناساه البعض. فأوروبا الشرقية لم تكن واحة الديموقراطية قبل الشيوعية، في ما عدا تشيكوسلوفاكيا. فالأنظمة هناك كانت تتراوح بين الديكتاتورية والفاشية وبقايا الإقطاع، في ظل اقتصادات متخلفة وزراعية الى حد كبير. في تلك البلدان، مهدت الشيوعية الطريق الى التنمية الحقيقية وإطلاق الحرية الكامنة للشعوب عبر إزالة الفوارق الطبقية والقضاء على الأوليغارشيات ونشر التعليم والصحة والثقافة وإشاعة فكرة المساواة والإنسان الجديد. وعلى الرغم من الطابع الطبقي الأولي للأنظمة الشيوعية، إلا أن هذا الطابع تغير مع مرور الزمن. في الاتحاد السوفياتي مثلاً، تم الانتقال في الستينيات من مركزية حكم الطبقة العاملة الى فكرة المواطن السوفياتي، أي أن الدولة لم تعد أداة لحكم طبقة البروليتاريا، بل هي لجميع المواطنين السوفيات. كل هذه الأفكار والقيم والتحولات الاقتصادية والاجتماعية مهدت الطريق للثورات المخملية ضد النظام نفسه، وهي الآن تلعب الدور الأساسي في خلق النوستالجيا للحكم الشيوعي. مما لا شك فيه أن الديموقراطية الحقيقية هي أفضل النظم السياسية. لكن أن يخلط الكثيرون بين حرية التعبير والحق الانتخابي وبين الديموقراطية هو الخطأ المميت. الديموقراطية تعني أن يمتلك الشعب القرار السياسي في جميع نواحي الحياة، وبالأخص في عملية توزيع المداخيل والثروة، فهذه العملية هي الأساس في العملية السياسية وليست الأمور الأخرى. في ظل الرأسمالية المعولمة والمالية، أصبحت العملية الديموقراطية مسيطراً عليها من القلة خدمة لمصالح هذه القلة. على سبيل المثال، بينت أخيراً دراسة تجريبية، لمارتين جيلينز وبنجامين بايج من جامعتي برنستون ونورثوسترن، لحوالى 1800 اجراء وسياسة حكومية في أميركا أن القلة تتحكم بمساراتها منتجة «سيطرة النخبة الاقتصادية» على الديموقراطية الأميركية. إن هذه الطبقة تعلم أن الديموقراطية إذا ما أخذت الى مداها المنطقي، أي حكم الشعب، فإنها ستعني نهايتها ونهاية الرأسمالية وبدء ديموقراطية حقيقية، لأن الأسس الديموقراطية في ظل الاشتراكية مبنية على عدم السماح لقلة بأن تتحكم بالثروة، وبالتالي بالسلطة، مثل ما يحدث في الرأسمالية اليوم.

زينب حاوي - الاخبار

 

ضجة كبيرة أثارها التقرير الذي عرضته mtv مساء السبت الماضي تحت عنوان «ظاهرة قديمة - جديدة: الإرهاب يستدرج الانتحاريّات». التقرير تحدث عن ظاهرة النساء اللواتي ينفذن عمليات «انتحارية»، سارداً تاريخ تطوّر هذه الظاهرة لتستهدف اليوم أبرياء ومدنيين عزّلاً. وبرغم إيراده أن المناضلة سناء محيدلي «فجّرت نفسها لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي عام 1985» من «أجل قضية وطنية»، الا أن سياقه ودمجه مع باقي الظواهر الإرهابية التي نشهدها اليوم، لا يمكن أن يشفعا لقناة «المرّ». لا شك في أن التقرير الإخباري (2:15) استوحي واجتُزئ مضمونه من تقرير لمراسل وكالة «أسوشييتد برس» باسم مرّوة في بيروت نشر يوم الخميس الماضي. انطلق التقرير من حديث الساعة في العالم اليوم، أي عن حسناء بولحسن المغربية الأصل التي أثير الجدل حولها على خلفية اعتداءات باريس الأخيرة في فرنسا، ومداهمة شقة الارهابيين في مدينة «سان دوني»، فيما ظلت علامات الاستفهام قائمة حول تفجير نفسها بحزام ناسف أم لا خلال المداهمة.

تقرير الوكالة الأميركية انطلق من هذه الحادثة ليخلط الحابل بالنابل ويعود إلى نماذج كثيرة لنساء وصفهن بـ «الانتحاريات» من لبنان وفلسطين وتركيا وروسيا ونيجيريا والهند وباكستان. كذلك، فعلت mtv في استنساخ واضح للسياق وللأسماء وللتراتبية التاريخية لكن على نحو سريع ومختصر، مع التوقف عند التنظيم الإرهابي «داعش» الذي يجنّد الإنتحاريات ويحاول منافسة منظمة «بوكو حرام» في نيجيريا في عدد استخدام النساء لتنفيذ عمليات انتحارية. وإذا سلّمنا جدلاً بأنّ الوكالات الأجنبية وقنواتها لا تقيم هذا التمييز بين العمل المقاوم المكفول في الشرائع والمواثيق الدولية، والعمل الإرهابي الانتحاري لأن سياساتها التحريرية والسياسية تفرض عليها ذلك، فما حال قناة المرّ التي أصرّت على أن تتصدر تقريرها المذكور صورة المناضلة سناء محيدلي مذيّلاً بعنوان «الإرهاب يستدرج الانتحاريات»؟ طبعاً، يقول بعضهم إنّ تاريخ mtv بات معروفاً في هذا التعاطي الإعلامي مع هذه القضايا، وحوادث كثيرة تذكر في هذا السياق بدءاً من وضع اسم «إسرائيل» على الخارطة الجغرافية والسياسية، وممارسة تهويل وتخويف للبنانيين بالاستناد الى «مصادر إسرائيلية أوردت للقناة»، وصولاً إلى تعويم وتمييع المفاهيم بين استشهادي وانتحاري كما حصل في تقرير بث في 13/2/2014 عن الإرهابي معين أبو ضاهر الذي فجّر نفسه بتفجير مزدوج في السفارة الإيرانية في بيروت، وأصرّت القناة وقتها على تسميته «الإستشهادي». وعللت الأمر بعد ذلك بأنه يندرج ضمن «الخطأ المطبعي». ولا شك أن تقريراً آخر ما زال يمثل في الأذهان عن خلطها بين «القاعدة» والعمليات البطولية للمناضلة سناء محيدلي والاستشهادي صلاح غندور. ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي استهجنوا هذه الحرب الناعمة التي تشنها mtv اليوم عبر هذا التقرير المشبوه وغير البريء الذي يموّه الحدود بين المقاومة المشروعة والإرهاب. دعا هؤلاء إلى مقاطعة الشركات المعلنة التي تتعامل مع القناة على غرار ما حدث مع الإعلامية المصرية ريهام سعيد التي أوقف برنامجها على قناة «النهار» على خلفية أزمة «فتاة المول» بسبب الضغط الذي مارسه إعلاميون مصريون على الشركات المعلنة.

أخيراً، سيتمكّن اللبنانيون، وخصوصاً الشباب، من مشاهدة العمل الذي يعدّ من أهم ما أنتجه المسرح اللبناني. «بالنسبة لبكرا شو؟» (1978) ستُعرض في الصالات السينمائية ابتداءً من كانون الثاني (يناير) بمبادرة من شركة M media، في خطوة تشكّل ربما فاتحة لعرض أعمال زياد كلها على الشاشة الكبيرة

 

زينة حداد - الاخبار

 

 

منذ 35 عاماً، بقي السؤال من دون إجابة: هل صوّر زياد الرحباني مسرحياته؟ حفظ جمهور الفنان اللبناني أعماله عن ظهر قلب، بعدما سمعها كتسجيل صوتي من دون أن يتمكّن من رؤيتها، حتى أجمع كثيرون على أنّ زياد ارتكب خطأً كبيراً بعدم تصوير تلك الأعمال.

 

لكن المفاجأة أن شركة M media نشرت أخيراً خبراً على موقعها الإلكتروني تؤكّد فيه أنّ مسرحية «بالنسبة لبكرا شو؟» (1978) ستُعرض قريباً في صالات السينما. وأكّدت أن المسرحية أصلية، وستُعرض كاملة بنسختها الأولى التي عرضت في منتصف السبعينيات. لا تزال المعلومات المسرّبة عن هذا العرض شحيحة، غير أن «الأخبار» تأكّدت من أن المسرحية وصلت فعلاً إلىM media بعد مفاوضات استمرت سنوات، لكنها تطلّبت الكثير من العمل في لبنان وخارجه، لترميم الأشرطة وتحسينها، ولا سيما أن المسرحية لم تصوّر للعرض بل للاستخدام الداخلي فقط، ما تطلّب جهداً تقنياً لتُصبح صالحة للعرض. ورفض المصدر تأكيد أو نفي ما إذا كانت الشركة قد حصلت على تسجيلات بقية المسرحيات، وعلى رأسها «فيلم أميركي طويل» و«نزل السرور».

 

 

 

وأوضح المصدر أن M media شركة تتضمّن موقعاً إلكترونياً يهدف إلى «إعادة تجميع الأعمال الثقافية اللبنانية أو المتعلّقة بلبنان، بما فيها المسرحيات والكتب والموسيقى وبعض الأعمال الخاصة التي تتولى «ام» إنتاجها بنفسها، ما سيشكّل البوابة الرئيسية للثقافة اللبنانية أونلاين»، علماً بأن الموقع صار متوافراً أونلاين ويعتمد على تفاعل المشاهدين وطلباتهم لاختيار مواده وتحديثها. وسيتمكّن المشاهدون من الاطلاع على المواد عبر موقع M media من خلال التسجيل أو الاشتراك مع مجموعة من الحزمات المجانية والمدفوعة. وتنتمي M media إلى مجموعة «كوانتوم» التي يرأسها إيلي خوري، وتضمّ كذلك شركة «أم أند سي ساتشي» وموقع «ناو» وغيرهما من الشركات المتعلّقة بالإعلام والتواصل.

 

 

وأكّد المصدر أن المسرحية ستُعرض في شهر كانون الثاني المقبل (يناير)، وأن الشركة ستعلن تفاصيل العروض قريباً، متوقعاً أن تشكّل حدثاً ثقافياً ضخماً، وخصوصاً أنّ المسرحية التي تقارب موضوعاً اجتماعياً/ اقتصادياً من خلال زوجين يعملان في أحد المقاهي في بيروت، تعدّ من أهم ما أنتجه المسرح اللبناني. فهي تنتمي إلى المسرح الواقعي الذي أسسه زياد واتسم بعفوية وصراحة بالغتين، فضلاً عن كونها جسّدت هواجس اللبنانيين بعيداً عن الكليشيهات والتصنّع، وهو ما كان طاغياً على المسرح آنذاك. وتقدّم المسرحية رؤية موضوعية عن الصراع الطبقي في لبنان، ووقوع المواطن اللبناني ضحية المجتمع الاستهلاكي وضرب مبدأ التوازن الإنمائي واتكال الاقتصاد على قطاع الخدمات حصراً، وتأثير ذلك في الناس الذين يبدأون بخوض معركة البقاء ولو على حساب مبادئهم وكراماتهم. المسرحية التي تبقى راهنةً أكثر من أي وقت مضى، تتحدث عن الثنائي زكريا (زياد الرحباني) وثريا (نبيلة زيتونة) اللذين يتركان الريف للعمل في حانة في الحمرا لتحسين أوضاعهم المعيشية. لكن الثنائي يصطدمان بالغلاء المعيشي الفاحش وصعوبة البقاء، فتضطر نبيلة للخروج مع الزبائن بعلم زوجها، لتتمكّن من تلبية حاجات عائلتها، فيبدأ الصراع الكبير مع الذات، ما يؤدي إلى نتائج كارثية. «بالنسبة لبكرا شو؟» قريباً في السينما وفق M media، لكن ماذا عن بقية المسرحيات، فهل سنراها أيضاً في الصالات قريباً؟ وحدها الأيام كفيلة بإثبات ذلك في ظلّ أخبار ترجّح ذلك.

محمد المعوش - قاسيون

هنالك الكثير من الأسئلة التي لم تتبلور بعد عملياً أمام حركة التغيير في سياق التحول الذي يعيشه النظام الرأسمالي العالمي، نتيجة اشتداد وانفجار تناقضات الإمبريالية.

 

ليست هذه الأسئلة بالجديدة تاريخياً، ولكنّها تطرح الآن بشكل ملموسٍ أكثر من أي مرحلة تاريخية سابقة، فتطور البنية الرأسمالية أنتج العديد من التناقضات الاجتماعية التي لم تكن بهذا النضج خلال القرن الماضي، أي في مرحلة تشكّل التجارب الثورية وصعودها في النصف الأول من القرن العشرين، قبل أن تشهد تراجعها التاريخي منذ منتصف القرن نفسه. تشوه الحاجات في ظل الاغترابومن هذه الأسئلة، تلك المتعلقة بالسياسة الثقافية والاجتماعية التي على قوى التغيير أن تطرحها بما يتلاءم مع الحاجات التي ظهرت في سياق المجتمع الرأسمالي نفسه، حاجات غير مرتبطة بالضرورة بالرأسمالية نفسها، والتي لم تقدر هذه الأخيرة - بحكم بنيتها المتعارضة مع الحاجات الانسانية- أن تلبيها، بل عملت على قولبتها وكبحها وتشويهها في سياق نمط الاستهلاك والاغتراب الذي عزز من انفصام التركيبة الشخصية للأفراد، وأنتج معاناة فردية واجتماعية تعبر عنها المسافة ما بين المضمون الذاتي للحاجات وبين أشكال التعبير عنها من خلال الأوهام الذهنية واضطرابات الممارسة والتفكير، والابتعاد عن الواقع، وتفكك العلاقات الاجتماعية بشكل عام، إضافة إلى النمط الاجتماعي المعاش وعلاقاته.أسئلة ثقافية على جدول عمل السياسيينالمهمة الموضوعة على عاتق قوى التغيير، ثقافياً واجتماعياً، يمكن تلخيصها بصياغة النظرة الجديدة إلى العالم، وإلى الذات، وما يعنيه ذلك من إنتاج، واستكمال الإنتاج الثقافي والفني والفكري وتنظيم للبنية الاجتماعية لناحية الأطر وأشكالها، والشكل الحقوقي المتلائم معها، لتكون قادرة على استيعاب الحاجات القائمة، وتلك التي ستظهر أيضا خلال مراحل تجاوز النظام الرأسمالي.هذه الأسئلة طرحتها العديد من التجارب الثورية في التاريخ، وكانت تُطرح بشكل بارز لدى التجارب الثورية المتقدمة في السلطة وإدارة المجتمع، وأوضحها الأحزاب الشيوعية في الاتحاد السوفياتي؛ والتي لم تنتقل بشكل شامل إلى مرحلة السياسات الواضحة والمطبقة بسبب التراجع الذي أصاب التجربة بشكل عام، وبسبب التملس الأولي لهذه الظواهر من قبلها. وهي اليوم، كأسئلة، مطروحة مسبقاً على الحركة الثورية، في حين كانت في السباق في مرحلة نضوج في إطار المجتمع الذي يتكون حديثاً وقتها، وبالتالي هي الآن مطروحة منذ انطلاقنا للتفكير بعملية التغيير، وبالتالي هي على جدول أعمال البرنامج السياسي المطلوب تطويره. فتعبئة فراغ العلاقات القائمة، والثقافة السائدة، في ظل الرأسمالية، يتطلب الطروحات الجديدة البديلة عنها، كنظرة جديدة إلى العالم، لكي تكون حلاً للتناقضات التي تعيشها البشرية يومياً في محاولتها عاجزة الإجابة عن أسئلتها الوجودية والإنسانية، بالتوازي مع معاناتها المادية، والتي تجنح اليوم إلى أنماط الثقافة العدمية والعبثية والرومنسية.بعيداً عن انخفاض الجاذبيةهذه الرؤية الجديدة للعالم، وإن كانت بالمنظور العام تتلخص بالاشتراكية، وبالنمو الحر لقوى الإنتاج حين تتحرر من علاقات إنتاج النظام الرسمالي، ولكنها تحتاج إلى ترجمة ملموسة في التعليم والثقافة وتنظيم علاقات العمل والحياة الاجتماعية.. إلخ، بما يسمح بتوظيف الطاقات الفردية الحالية، وتطويرها، وبما يقدم صورة علمية عن العالم، بما فيه صورة الفرد عن نفسه، في محاولة لعقلنة حياته الداخلية وعلاقته بنفسه وبالعالم، فهذا الوعي الجديد يسمح بترسيخ علاقة الأفراد بدورهم الاجتماعي الجديد، وبما يتلاءم مع حاجاتهم، عكس التعارض القائم حالياً. وهو ما يشد من تماسك المجتمع المطلوب بناؤه، وإلا ستكون التجارب التي تطرح نفسها كمعبرة عن التغيير في حالة انخفاض جاذبية، وتخبط في علاقتها مع القوى الشعبية التي ستكون في حالة انتظار، والتي هي منذ الآن في هذه الحالة من الإنتظار الذي لا يقبل التأجيل كونه عانى طويلاً من انغلاق الواقع أمامه، وخصوصاً عندما يفقد أوهامه التي اعتاش عليها خلال سيادة الثقافة الرأسمالية بأشكالها المختلفة.الإرث الثوري مدخل النشاط القادموقد يسأل السائل محقاً: وكيف تبنى النظرة الجديدة للعالم وتجد تعبيراتها في البنية الفوقية من أخلاق وتعليم وثقافة وفن وإلخ... ولا تزال البنية التحتية رأسمالية حتى الصميم؟ نقول إنّ ما نرمي إليه لا يتعارض مع طبيعة العلاقة الموضوعية بين البنيتين التحتية والفوقية، فلما كانت البنية الفوقية نتاجاً وانعكاساً للتحتية، فإنّها انعكاس «في نهاية المطاف»، كما أكّد إنجلز في رسائله الأخيرة في المادية التاريخية، أي أنّ البنية الفوقية نشطة ومتحركة وليست نسخة كربونية عن البنية التحتية، وانطلاقاً من ذلك فإنّ ما نركز عليه هو وجوب تأسيس مداخل الرؤية الجديدة إلى العالم، ليس استناداً إلى تعفن الرأسمالية وتفسخها فحسب، بل واستناداً إلى تجربة ضخمة هي تجربة الاتحاد السوفييتي، تجربة قطعت شوطاً، نختلف أو نتفق على مداه، في بناء الاشتراكية، ولكنّه شوط مهم في إطار إبراز جديد إلى الوجود في إطار البنية التحتية، ما يسمح بالتالي برفع ذلك الجديد وترجمته ضمن البنية الفوقية.من ثقافة الاستهلاك إلى الهوية الوطنية هذه المهام لا تواجه قوى التغيير الثوري من أحزاب ثورية فحسب، بل هي أيضاً مطروحة على المجتمعات التي تشهد مرحلة مواجهة الامبريالية، والتي لا يمكن لها أن تعيش ثقافياً في ظل ثقافة الاستهلاك بينما هي وظيفياً تواجه (وستواجه بوضوح أكبر قريباً) أدوات الرأسمالية وانعكاساتها، كونها في حالة من تعزيز الصمود والهوية الوطنية (التي هي بالضرورة مراحل انتقال نحو نماذج اقتصادية اشتراكية) من أجل مشروع النهوض بالمجتمع والدولة في مرحلة تراجع الامبريالية، وبالتالي هي بحاجة إلى نماذج ثقافية واجتماعية متناقضة مع تلك التي شهدتها هذه المجتمعات التي نحت في جانبها الاجتماعي عامة نحو الليبرالية، وستعاني حالة من انعدام التوازن ما بين علاقة الفردي بالاجتماعي، حيث لن يكفي شعار نهوض المجتمع دون تلمس القوى الاجتماعية المعنى المباشر لذلك على مستوى حياتها ومبادرتها وموقفها من ذاتها ومن العالم، حيث ستكون إما الثقافة الرأسمالية هي التي تحرك الأفراد في علاقتهم بالدولة والمجتمع، وإما ثقافة الإنتاج والتطور الواعي للقوى الاجتماعية مرتبطاً بها مختلف أشكال الحياة التي يجب أن تقاتل من أجلها في مرحلة تراجع نمو وأشكال الاستهلاك القائمة في تلك الدول.  وإن كانت هذه المهام غير مطروحة بالشكل السياسي المباشر الآن، ولكن كون المجتمع في حالة الحشد لتوحيد الجهود بمواجهة قوى الاستغلال والفساد والرجعية والإرهاب يجب أن يكون بكامل طاقته في هذا الجانب، وأن ينتمي بكل تناقضاته إلى الوعي الذي يلامس واقعه وحاجاته ومشروع التغيير الشامل، وهذا ليس بجديد، بل من وحي تراث اللينينية نفسه حول العلاقة بالقوى المتضررة، هذه القوى التي تعيش حالة شديدة التعقيد في نمط حياتها، لا تتبسط في حلول عامة وموروثة من التجارب السابقة.

غسان ديبة - الاخبار

 

 

«إن هدف الاشتراكية الحقيقي هو تخطّي مرحلة التوحّش في مسيرة التطور الإنساني» ألبرت آينشتاين

 

ما هو البرنامج الاقتصادي الذي يشد أنظار العالم إليه؟ هو ليس برنامج أي من المرشحين الأميركيين للرئاسة، ولا إحدى وصفات صندوق النقد الدولي، التي كانت في يوم غير بعيد تهز العالم لا احتراماً وإعجاباً، وإنما خوفاً ورعباً، ولا هي أي من الخطط الأوروبية وغيرها، بل إنها الخطة الخمسية الثالثة عشرة للحزب الشيوعي الصيني، التي ستعلن بشكلها النهائي في آذار 2016. هذا كله يحصل بعد سنوات عديدة على اعتبار الخطط الخمسية من «أنتيكات» التاريخ.

 

في موازاة ذلك، ما هي الكلمة من الأكثر بحثاً حالياً على الشبكة العنكبوتية في معجم وبستر؟ هي ليست الديموقراطية ولا الرأسمالية، بل هي الاشتراكية. اليوم بعد حوالى 25 عاماً على إعلان انتصار الرأسمالية بعد سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي، عادت الاشتراكية، على الأقل في عقول الناس وقلوبهم، لتنتصر على الرأسمالية وتبدو أكثر توافقاً مع الديموقراطية من الرأسمالية نفسها. الرأسمالية نفسها الآن في مأزق، بل هي في مأزق على المستوى المادي، إذ إنها لم تعد قادرة على إنتاج الرفاه الاقتصادي للجميع.

تاريخياً، في الفكر الاقتصادي، لم يكن ماركس الوحيد المتشائم حول مصير الرأسمالية، بل شاركه في هذا التشخيص كل من جون ماينارد كينز (الذي أفكاره أنقذت ولا تزال تنقذ الرأسمالية) وجوزيف شومبيتر صاحب فكرة التدمير الخلاق الشهيرة. أما اليوم، فيبدو أن الجمود الطويل الأمد (secular stagnation) يتحكم بالاقتصادات الرأسمالية المتقدمة، وحتى بالاقتصاد العالمي ككل، إذ يؤكد الاقتصاديان البارزان لورانس سامرز وبول كروغمان على أنها سمة رأسمالية ما بعد أزمة 2008. ويعزو بعض الاقتصاديين الأسباب الى ضعف الطلب العالمي وعدم التناظر بين الادخارات والاستثمار والآثار السلبية للتطور التكنولوجي. وإذا لم تعالج، فإن الاقتصاد العالمي مرشح للبقاء مدة طويلة في هذا الوضع مؤدياً إلى أن يبتعد شيئاً فشيئاً عما كان يمكن إنتاجه لولا الأزمة، فناتج منطقة اليورو مثلاً لا يزال اليوم 15% أقل مما كان يفترض أن يكون عليه، وبهذا يمكن حساب مدى تأثير الأزمة، واستمرارها الآن على شكل الجمود، على مقدرة الاقتصادات الرأسمالية على استدامة تحقيق الرفاه الاقتصادي. بالإضافة الى الأزمة الاقتصادية، يحصل اليوم تفكك التوأمة المزعومة بين الرأسمالية والديموقراطية، التي حاول ميلتون فريدمان، أبو مدرسة شيكاغو المتطرفة والتي خرجت عشرات الاقتصاديين الذين بشروا بالنيوليبرالية في أنحاء العالم، أن يربطهما مصيرياً وأساسياً. المفارقة، أن أول من فك هذا التحالف هم «صبية شيكاغو» أنفسهم، الذين عملوا مع أعتى الأنظمة الديكتاتورية بعد انقلاب 1973 في التشيلي. جاء في ظل الربط بين الرأسمالية والديموقراطية، بعد انتهاء التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي، استسلام بلدان العالم أمام العولمة، التي صورت للناس على أنها ليست القدر المحتوم لمحاولة الرأسمال البحث عن الأسواق بغاية الربح، كما أكد البيان الشيوعي في عام 1848، بل على أنها تطور محايد ناتج من التكنولوجيا ستدخل الجميع في عالم القرية الواحدة وإلى ما هنالك من خرافات طوباوية. وكان لتعميم الإنترنت ومن ثم الأدوات الإلكترونية المصاحبة له ليوهم أي مخبول أنه يمتلك العالم. لكن الرأسمال في النهاية أكد منطقه وأصبحت الرأسمالية المالية المعولمة تمثل سيطرة القلة ليس فقط على الدخل والثروة، بل على السلطة السياسية، ما عزز من فقدان الترابط بين الرأسمالية والديموقراطية وبين العولمة والعالم المفتوح أمام الجميع. وبهذا تصبح الأزمة الرأسمالية الحالية أزمة ثلاثية الأبعاد: في الإنتاج الضائع وفي التوزيع غير المتساوي بشكل كبير للدخل والثروة وفي العجز الديموقراطي. في هذا الإطار، يمكن رؤية هذه الأزمة بوضوح تام في أوروبا. فالمشروع الأوروبي الذي يتغطى برداء الديموقراطية يكشف عن حقيقته اليوم، فكما حدث في اليونان، تجري في البرتغال محاولة لعكس نتائج الانتخابات الأخيرة، التي أعطت أحزاب اليسار الأكثرية، وهذه المحاولة مدعومة من الأسواق المالية لمنع التغيير في البرتغال، التي تعاني من التقشف المفروض عليها من قبل مؤسسات اليورو. إن محاولة رفض نتائج الانتخابات جاءت لأن اليسار يريد أن يحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبرتغاليين، فاتفاق الحزب الاشتراكي مع الحزب الشيوعي وكتلة اليسار حول الحكم يتضمن رفع القدرة الشرائية للعمال واستعادة وتقوية حقوق العمال ووقف التخصيص، بالإضافة إلى تخفيف العبء الضريبي على أصحاب المداخيل المتدنية والفقراء. وهذه الإجراءات كلها تذهب ضد فلسفة التقشف ومصلحة الرأسمال الذي يحاول اليمين البرتغالي ومؤسسات اليورو الدفاع عنها في ظل تزايد الأزمة الاقتصادية. إذاً، لم تعد المسألة كما كان يصور في السابق أن منع الشيوعيين، في إيطاليا مثلاً، من الوصول الى السلطة هو ضمن ضرورات الحرب الباردة، إذ إن محاولات المنع والابتزاز هي الآن مرتبطة مباشرة بحماية مصالح الرأسمال على حساب المجتمع. إن شعوب اليوم لم تعد تنطلي عليها أسطورة الأسواق الحرة لأن مصالحها تتناقض معها، وهي مستعدة لتبني الاشتراكية، التي بدورها ستأخذ أشكالاً مختلفة. ولكن في زمن سيطرة القلة وعبث الإرهاب والضياع الجماعي والفردي، ستكون هذه الاشتراكية مبنية على العلم والتجربة لضمان استدامة تطور القوى المادية والتكنولوجية، وفي الوقت نفسه، ستكون بمثابة إيمان جديد يعطي الأمل للبشرية بالخلاص من سلطة المال كما لاحظ كينز عند زيارته الاتحاد السوفياتي في عام 1925.

غسان ديبة - الاخبار

 

«إن حق العمل، في المنطق البورجوازي، هو تمنّي تقي بائس»كارل ماركس

عندما دعيت لأكون مشاركاً في ندوة الأسبوع الماضي، في الذكرى السبعين لإنشاء الأمم المتحدة، في احتفال البيال حول موضوع «العدالة الاجتماعية»، تقصدت أن أطرح الموضوع منذ البداية في سياق النظام الرأسمالي وظاهرة تزايد عدم المساواة في الثروة والدخل في السنوات الثلاثين الماضية في الولايات المتحدة والعالم، بدلاً من أن أطرح الموضوع من الجوانب الأخلاقية والقانونية والإنسانية والفساد وما إلى ذلك من مقاربات تفصل بين مفاهيم وإمكانية تحقيق العدالة الاجتماعية وبين سياق الأنظمة الاقتصادية.

فإذا أخذنا مفاهيم حق العمل وحق السكن التي يمكننا الحديث عنها حتى الثمالة، قد تبدو للوهلة الأولى بديهية، إذ يتساءل الكثيرون «أليس من حق الجميع أن يستمتعوا بهكذا حقوق؟»، ربما، ولكنها غير ممكنة ولا هي محققة في الدول الرأسمالية، التي نظرياً تعتمد العدالة فيها على المساواة في المشاركة في السوق وفي أفضل الأحيان على مبدأ تكافؤ الفرص وليس على العدالة في النتائج. والإجابة في الواقع المعيش تأتي من البطالة المستشرية في أوروبا معقل الرأسمالية بين الجميع وهي الأعلى بين الشباب. إذاً، فلندع الشباب الإسباني واليوناني والإيطالي يجيبوننا عن بديهية حق العمل (تبلغ البطالة بين الشباب في هذه الدول 49 و54 و44 بالمئة على التوالي).

ذكرت في أحد تدخلاتي في الحوار أن وضع عدم المساواة (وبالتالي اللاعدالة) بلغ حداً في الولايات المتحدة بحيث أدى الى أن يكون ليس هو فقط بحدّ ذاته موضوعاً أساسياً على أجندة الانتخابات الرئاسية، بل إن أحد أهم المواضيع في الحوار المتلفز الأول بين المرشحين الديموقراطيين الذي جرى في 13 أكتوبر كان هو التفاضل بين الرأسمالية والاشتراكية. هذا الأمر يحدث لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة حيث تربت أجيال متعاقبة على العداء وحتى الخوف من كلمة الاشتراكية. اليوم المرشح الاشتراكي بيرني ساندرز ينافس هيلاري كلينتون ويسبق المرشح الجمهوري الأول الذي يشغل العالم دونالد ترامب بـ 9 نقاط مئوية!لقد كان الجمهور في الذكرى مرتاحاً لهذا الطرح، فاليوم، وبعد 25 عاماً على انتهاء الحرب الباردة، لم تعد الاشتراكية مرتبطة بمعسكر سياسي ــ عسكري كما كانت، بل ترتبط بمقاربتها لتحقيق آمال الأفراد والشعوب في الرفاه والعيش وتحقيق الذات، والكثيرون يرون أن الرأسمالية بدأت تفشل في تحقيق هذه الآمال، إلا لقلة بدأت منذ ثلاثين عاماً تستولي أكثر فأكثر على الثروة وتحرم غيرها. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تجمدت الأجور، في حين تضاعفت حصة ثروة الـ 1% ثلاث مرات، وأصبحوا يمتلكون من الثروة بقدر ما يمتلك الـ 90% الأدنى من الناس. وهذا ينطبق، وإن بوتيرة أقل في بعض الأحيان، على أكثرية الدول الرأسمالية في العالمين المتقدم والنامي، وهذا التحول ليس محايداً، إذ في المقابل تحرم أعداد متزايدة، حتى من الطبقة الوسطى (فخر الصناعة الرأسمالية)، من التعلم والصحة والعمل، والسكن والدخل اللائقين وضمانات التقاعد المختلفة.في استطلاع لمركز بيو للأبحاث في 2011، وهو من أهم مراكز استطلاع الرأي في الولايات المتحدة، تبين أن الألفيين الأميركيين (millennials ــ الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً) ينظرون بإيجابية أكثر الى الاشتراكية (49%) منها الى الرأسمالية (46%). كما أن استطلاعاً آخر هذا الشهر من قبل Yougov بيّن أن الديموقراطيين في الولايات المتحدة يفضلون الاشتراكية على الرأسمالية بعدما كانوا في أيار الماضي متساوين، حصل ذلك بعدما توسعت حملة ساندرز. وهذا يمتد حول العالم، وخصوصاً بعد أزمة 2008 حيث وضعت الرأسمالية على المحك والمساءلة ومقدرتها على الاستمرار. في هذا الإطار، ربما ضاع العالم وحتى الكثيرون من الصينيين وبعض اللبنانيين حتى في تفسير ما حدث في الصين منذ 1978 «هل هي رأسمالية بحتة، والصينيون بمن فيهم الشيوعيون ينتظرون الفرصة السانحة لإعلانها؟ أو «هل هي رأسمالية الدولة التي تستفيد منها حفنة من السياسيين الذين يتقنعون بلثام الشيوعية حتى إشعار آخر؟». هي لا هذه ولا تلك. اليوم، يقوم الحزب الشيوعي الصيني بإعلام وإفهام الجميع ومنهم الكثير من المنتمين الى الحزب بأن الماركسية هي الفكر المسير لبرامج الحزب والدولة السياسية والاقتصادية والقانونية وحتى الثقافية.لم يطرح ماركس نظرية حول العدالة، لكنه أشار إلى الظروف التاريخية لتطور الإنسانية نحو مجتمع يحرر الإنسان من الشح الاقتصادي والاستغلال الطبقي والاغتراب المجتمعي والإنساني. وفي إطار حق العمل، قال ماركس في «الصراعات الطبقية في فرنسا» إن «حق العمل يتطلب السلطة على الرأسمال، وهذا يتطلب بدوره الاستحواذ على وسائل الإنتاج... ما يتطلب في النهاية إلغاء الرأسمال والعمل المأجور والعلاقة المتبادلة بينهما». اليوم، مؤشرات العدالة الاجتماعية تتراجع والشعوب وشباب القرن الواحد والعشرين يسحقهم الرأسمال المالي المعولم، ولكنْ أمامهم خيار وحيد أن يعيدوا إنتاج ثورة جديدة ضد هذا الرأسمال. حتى الولايات المتحدة، يقول ساندرز، بحاجة ليس إلى أقل من «ثورة سياسية» لتحقيق التغيير الذي أساسه انتزاع السلطة من أصحاب المليارات ولإعادة توزيع الدخل والثروة من أجل مجتمع أكثر عدالة، لأن أقل من ذلك، وحتى لو تغير النظام الضريبي لينال الأغنياء نصيباً أكبر منه، لن يحدث إلا تغيير طفيف في توزع الدخل والثروة. إذاً ترتبط بداية تحقيق العدالة الاجتماعية، حتى لا نخاطر بالسقوط في الشعبوية، بتحقيق ثورة نحو الاشتراكية والظروف الموضوعية، اليوم هو أفضل من تلك الأيام التي واجهها الذين أطلقوا شعلة الاشتراكية في القرن العشرين، هذه الشعلة التي قد تخفت أحياناً، إلا أنها لن تنطفئ لأن مستقبل العالم يعتمد عليها لتحقيق ما قال عنه ماركس بأنه البداية الحقيقية للتاريخ الإنساني، وعندها ستنتج مفاهيم جديدة للعدالة خارج إطار الحاجة الاقتصادية والمجتمع الطبقي.

الأكثر قراءة