بعد التوترات الكبيرة التي طرأت على العلاقات التركية – الاسرائيلية بدءاً من خديعة اولمرت لاردوغان مرورا بالعدوان الاسرائيلي على غزة وانتهاء بالعدوان على أسطول الحرية عامة وسفينة مرمرة التركية خاصة من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي ،
وبالتالي وصول العلاقات التركية- الاسرائيلية الى الدرك الأسفل بحسب اليكس فيشمان في يديعوت احرونوت.بدأت أوساط سياسية وأمنية إسرائيلية تسرب بعض الأنباء عن سعي إسرائيلي حثيث لإنشاء تحالف استراتيجي بين اسرائيل وبعض دول البلقان وقد أفادت صحيفة هآرتس ان اسرائيل تعمل منذ عدة أشهر على بلورة تحالف جديد مع بعض دول البلقان «القلقة هي الأخرى» من سياسة رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان وان بعض مقومات الحلف الجديد هو تعاون استخباري وتدريبات عسكرية مشتركة، ومئات آلاف السياح.
مساع دبلوماسية لبلورة حلف استراتيجي
وذكر المراسل السياسي للصحيفة أنه في موازاة « التوتر وانعدام الثقة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية والعلاقات الباردة مع الاتحاد الأوروبي والقطيعة مع العالم العربي تجري مساع دبلوماسية حثيثة لبلورة حلف استراتيجي مع اليونان وبلغاريا في الأساس إضافة الى توطيد العلاقات الاستراتيجية والأمنية مع قبرص ورومانيا وصربيا ومونتنغرو وكرواتيا ومقدونيا .. على حد قولها .
ويذكر انه بعد زيارة نتنياهو لليونان أجرت بعض قطعات سلاح الجو الاسرائيلي مناورات مع سلاح الجو اليوناني ، وشدد دبلوماسي إسرائيلي كبير لم تذكر الصحيفة اسمه على الدفء الدراماتيكي في العلاقات بين اسرائيل واليونان في أعقاب القرار الشخصي الذي اتخذه رئيس الحكومة اليونانية يورغوس باباندريو مشيرا الى التجاوب القائم بينه وبين نتنياهو والعلاقات الوثيقة بينهما والتي تتمثل في مكالمات هاتفية بينهما أسبوعيا. وأكد المصدر المذكور ان العام المقبل سيشهد تعاونا امنيا واستراتيجيا مع اليونان.
وأشارت الصحيفة ذاتها ،إلى الزيارة التي قام بها إلى بلغاريا قبل شهر رئيس جهاز (الموساد) مئير داغان ولقائه رئيس الحكومة البلغارية بويكو بوريسوف والبيان الصادر عن الزيارة الذي أشار إلى إعراب الجانبين عن ارتياحهما لحجم التعاون و»العمليات المشتركة الناجحة لأجهزة الأمن البلغارية والإسرائيلية».
وأشار دبلوماسي إسرائيلي كبير بحسب هآرتس، على اطلاع بالعلاقات مع بلغاريا إلى أن بوريسوف كان أعرب خلال لقائه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في القدس في مطلع هذا العام عن رغبته في توثيق التعاون الأمني الاستخباري مع إسرائيل «بعد أن أدرك حجم الخطر التركي على بلغاريا التي كانت تحت الحكم العثماني لنحو 500 عام»، كما اقترح رئيس الحكومة البلغارية على نتنياهو أن يجري سلاح الجو الإسرائيلي تدريبات في أجواء بلغاريا وفي قواعد عسكرية»، وأن الجولة الاولى من هذه التدريبات ستجري قريباً. كما اقترح بوريسوف على نتنياهو توثيق التعاون من خلال استخدام سلاح الجو للقواعد وللمجال الجوي البلغاري لغرض التدريب. جولة تدريبات أولى كهذه ستجرى قريبا. «الميول في تركيا هي جزء من الأمر، ولكن يوجد هنا شيء آخر يشدد السفير الاسرائيلي في صوفيا، نحجال – جاندلر. «خلافا للماضي، قرر بوريسوف شخصيا التعاون مع اسرائيل. فور انتخابه زار القدس، بعد 18 سنة لم يزر فيها هنا رئيس وزراء بلغاري .
قاطرة اقتصادية جديدة في صورة تكنولوجيا اسرائيلية
وحدد البلغاريون السياحة والتكنولوجيا العليا الاسرائيلية كهدف. وهم يحاولون توظيف هجر الإسرائيليين لانطاليا كي يجتذبوهم الى بورغاس وفيرنا، الى شاطئ البحر الأسود. 150 ألف اسرائيلي زاروا بلغاريا حتى نهاية السنة، والمائة هي للوصول الى 250 ألف في 2011. «حكومة بوريسوف وضعنا في رأس جدول ألأولويات يقول جاندلر. «وهم يبحثون عن قاطرة اقتصادية جديدة في صورة التكنولوجيا العليا الإسرائيلية
وتابعت الصحيفة تقول إن الدولتين الرئيسيتين اللتين قامت اسرائيل بتوثيق العلاقات معهما خلال العام الاخير هما اليونان وبلغاريا، كما تدفأت العلاقات بين اسرائيل وكل من قبرص ورومانيا وصربيا ومونتينيغرو (الجبل الأسود) ومقدونيا وكرواتيا، علما بان هذه الدول تشارك إسرائيل قلقها من زيادة ما وصفته الصحيفة «التطرف في تركيا» و»تغلغل الجهاد العالمي»، وان هذه الدول ترى هناك إمكانات للتعاون الأمني والتكنولوجي والاقتصادي مع اسرائيل.
وتقول «هآرتس» إن «تحالف البلقان» الجديد هو أهم تحرك دبلوماسي ذي مغزى أقدمت عليه حكومة بنيامين نتنياهو إزاء التوتر وفقدان الثقة بينه وبين وزير خارجيته ليبرمان من جهة وبين الإدارة الأمريكية من جهة أخرى والفتور من جانب دول غرب أوروبا والقطيعة مع العالم العربي.
وكشفت إذاعة صوت إسرائيل عن انتهاء المناورات العسكرية الناجحة التي نفذتها القوات الجوية الإسرائيلية مع القوات الجوية الإيطالية واستمرت لمدة أسبوعين كاملين فى جزيرة سردينيا الإيطالية المطلة على البحر الأبيض المتوسط.وأوضحت الإذاعة الإسرائيلية أن سلاح الجو الإسرائيلي أنهى مناورات مشتركة مع سلاح الجو الإيطالي فى جزيرة سردينيا استمرت أسبوعين، وشاركت فى المناورات طائرات مقاتلة إسرائيلية من طرازي « إف 15» و» إف «16 وطائرة مطورة للمراقبة الجوية، بالإضافة إلى طائرات إيطالية من أنواع «يوروفايتر» و»تورندو» و»إف 16». وأشارت إذاعة صوت إسرائيل إلى أن المناورات استهدفت تحسين قدرات الطيارين الإسرائيليين، وبخاصة فيما يتعلق بإجراء طلعات جوية فى مناطق جديدة وغير معروفة، وأيضاً استهدفت المناورات الجوية التعرف على أسلحة أجنبية لدول حلف شمال الأطلسي .
مناورات من أجل تعزيز التعاون
وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن المناورات تندرج في خطة التدريبات والمناورات العسكرية السنوية التى تجريها إسرائيل من أجل تعزيز التعاون العسكرى مع جيوش الدول الأجنبية فى جميع أنحاء العالم.
وذكرت معاريف ،في تموز جاء ببندريو في زيارة تاريخية الى القدس، وفي غضون أسابيع اجرى نتنياهو زيارة مقابلة الى أثينا. الكيمياء بين الرجلين والتي بدأت في موسكو، أصبحت علاقات وثيقة تجد تعبيرها في مكالمات هاتفية أسبوعية. وعين ببندريو وزير خاص لتطوير العلاقات مع اسرائيل وكلف نتنياهو بالمهمة نائب وزير الخارجية داني أيلون ومستشار الأمن القومي عوزي أراد. مؤخرا غير اليونانيون إيجابا أنماط تصويتهم في الأمم المتحدة في موضوع اسرائيل.
وتقدر صحيفة هآرتس انه ،في حالة اليونان ايضا، مجالات التعاون الأولي كانت الأمن والاستخبارات والسياحة. نائب وزير الدفاع متان فيلنائي واللواء احتياط عاموس جلعاد زارا مؤخرا اليونان لإجراء محادثات أمنية، وقام سلاحا الجو بتدريبات مشتركة واسعة النطاق. وشدد الدبلوماسي الاسرائيلي الكبير على أن «العام 2011 سيكون عام تعاون امني واستراتيجي مع اليونان. قبل ثلاثة اشهر بعثت اسرائيل بالدبلوماسي والخبير آريه مكيل كسفير في أثينا. وهذا ايضا كان رسالة جدية. ويقول مكيل: «يوجد توثيق للعلاقات على كل الأصعدة وجرت زيارات متبادلة للوزراء بحجم ومستوى لم يسبق له مثيل. نحن نقدر قرار اليونان تحسين العلاقات ونؤمن بان الدولتين يمكنهما أن تتمتعا بثمار التعاون الوثيق المتبلور.
تركيا تستعيد دورها التاريخي في المنطقة
الصحف ومراكز الدراسات المقربة من صناع القرار في الكيان الاسرائيلي ، بدأت تركز مؤخرا على التغيرات الكبيرة في السياسات التركية وخاصة تجاه المنطقة والصراع العربي – الاسرائيلي ، وقد أبرزت بعض الصحف الاسرائيلية بعض البنود الواردة في الكتاب الأحمر الصادر عن مجلس الأمن القومي التركي ، الذي يحدد ثوابت السياسة الخارجية التركية على المستوى الاستراتيجي ، ويفرد في الوقت نفسه فصلا كاملا عن أهمية العلاقة التركية مع دول الجوار العربية والاسلامية ، وعن أهمية العلاقة التاريخية التي تجمع تركية بهذه البلدان ، ولكن ماهو اخطر من ذلك بحسب دراسة نشرها مؤخرا مركز البحوث الأمنية ، ماورد في الكتاب المذكور «الذي يعتبر اسرائيل خطرا استراتيجيا على تركية ومصالحها الحيوية في المنطقة»
وفي السياق نفسه ما أوردته صحيفة معاريف على لسان مراسلها للشؤون السياسية أيلي بريشتاين نقلا عن وزير الخارجية التركي احمد داوود أوغلو قوله في عدد من اللقاءات التي عقدها مع أكاديميين وصحافيين وسياسيين في تركيا بان اسرائيل كدولة ستزول لامحالة ، وأشار أوغلو انه يملك رؤية تفيد بأن تركيا ستصبح القوة المهيمنة في الشرق الأوسط ،ويعود هذا التقدير في نظر مراسل معاريف الى موقف إيديولوجي عميق يرى بان تركيا بحاجة لان تستعيد دورها التاريخي في المنطقة والتي فقدته بعد زوال العهد العثماني ولذلك بسعي طيب من اردوغان وداود أوغلو الى إنشاء نظام إقليمي جديد في المنطقة عن طريق تعزيز علاقات تركية مع دول المنطقة عامة ودول الجوار سورية وإيران خاصة وان ليس لإسرائيل أي مكان في هذه المنطقة.
ويشير بريشتاين الى ان الرجلين يحثان الخطا في السنوات الأخيرة باتجاه المحور الذي يزداد انقطاعا عن الغرب واقترابا الى سورية وإيران، ويقدر أوغلو خلال لقاءاته مع الأكاديميين والصحافيين الأتراك ان القوى العظمى التاريخية بريطانيا وفرنسا اللتين خلفتا تركيا في السيطرة على الشرق الاوسط هي المسؤولة عن الوضع الصعب القائم في المنطقة الان لأنها قسمت الحدود بشكل يتناسب مع مصالحها السياسية والعسكرية دون ان تأخذ في الحسبان الانتماءات القومية والديموغرافية.
الخسارة الإسرائيلية لا تعوض
وتحت عنوان التهديد الجديد كتب اليكس فيشمان المحرر العسكري ليديعوت احرنوت يقول :»وصلت علاقات اسرائيل وتركيا أمس الى درك أسفل جديد: رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان صرح في أثناء زيارة الى بيروت بان تركيا «ستستخدم كل الوسائل التي تحت تصرفها» اذا ما وصلت اسرائيل الى مواجهة عسكرية أخرى في لبنان او في قطاع غزة. «هل هي (اسرائيل) تعتقد بأنه يمكنها أن تدخل الى لبنان، مع الطائرات الأكثر حداثة ومع الدبابات كي تقتل النساء والأطفال وتهدم المدارس والمستشفيات وبعدها تتوقع منا أن نبقى صامتين؟» – قال أردوغان في اجتماع اتحاد البنوك العربية. «هل هي تعتقد بأنه يمكنها أن تستخدم الأسلحة الأكثر حداثة، القنابل الانشطارية والقنابل الفوسفورية كي تقتل الأطفال في غزة وبعدها تتوقع منا أن نسكت». نحن لن نسكت، ونحن سنؤيد العدل بكل الوسائل التي تحت تصرفنا.وقد جاءت هذه التصريحات في إطار زيارة من يومين قام بها أردوغان الى لبنان تضمن زيارة الى مدينة صيدا الجنوبية حيث دشن مركزاً جديداً لمعالجة مصابي الحروق من حرب لبنان الثانية.
بعض تحليلات الصحف الاسرائيلية ألقت اللوم على نتنياهو وسياسة حكومته في وصول العلاقات التركية –الاسرائيلية الى ما وصلت اليها وان خسارة اسرائيل لمثل هذه العلاقة لاتعوض ، عاموس هرئيل مراسل هآرتس العسكري يرى في مقال له في هآرتس :«إليكم مفارقة: إن الاستيلاء على القافلة البحرية لمساعدة غزة، في أيار هذا العام ورط اسرائيل في حرج دولي كبير حقا. لكن يُخيل إلينا، في معنى واحد على الأقل أن اسرائيل مدينة بشُكر صغير لمنظمي القافلة البحرية وعلى رأسهم أناس المنظمة الإسلامية التركية «آي.اتش.اتش».
فلولا الورطة، لكان هناك شك في أن ترجع اسرائيل عن سياسة الحصار الصارم الذي فرضته على غزة حتى قضية «مرمرة». فقد أصرت حكومة نتنياهو مدة نحو من سنتين (وقبلها حكومة اولمرت) لا على منع وصول السفن الى القطاع فقط، بل على فرض قيود شديدة على إدخال السلع الى غزة عن طريق معابر البر. وحُدد التزويد في حاجات حيوية وحُظر إدخال سلع عُرّفت بأنها «من الترف»كان ذلك أحمق لا جدوى منه، وكلف اسرائيل ما لا يُحصى من التنديد في الخارج
وكتب يوسي بيلين في اسرائيل اليوم وفي السياق نفسه يقول :« في الأيام الأخيرة تظهر في تركيا مقالات مفاجئة تدعو الى تفكير متجدد بشأن العلاقات بينها وبين اسرائيل. زيارة أردوغان الى لبنان في الأسبوع الماضي، والتي كانت ذروتها في المهرجان الجماهيري في جنوب لبنان حيث هجم على اسرائيل بالتلميحات (وليس فقط بها)، كانت على ما يبدو القشة التي قصمت ظهر منتقديه. وهم يفهمون بأنه بدأ يستعد للانتخابات، التي ستعقد على ما يبدو في 12 حزيران 2011، وان هدفه هو ان يحقق لحزبه نصرا يسمح له بتغيير شاسع للدستور وإقامة نظام رئاسي. ولكنهم لا يفهمون لماذا يُجري حملته الانتخابية بالذات في لبنان.
ويتابع بيلين قائلا :»مع ان منتقديه يشددون على أن مطالبة اسرائيل بالاعتذار والتعويض لعائلات القتلى هي مطالبة شرعية يجب الاستجابة لها، إلا أنهم يحذرون من تدهور العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة على خلفية التوتر مع اسرائيل ويخشون من الثمن الباهظ الذي قد تدفعه تركيا عقب إدارة الأمريكيين ظهورهم لها.
إعداد وترجمة :أحمد أبوهدبة
صحيفة الثورة