عشرات وربما، بأحسن الأحوال، بضع مئات من الشابات والشبان الشيوعيين واليساريين المتحمّسين، والوطنيين من غير القوى الرسمية، تجمّعوا بعد ظهر أمس، كما حالهم منذ أيام، أمام السفارة المصرية في بيروت ليهتفوا: «الشعب يريد إسقاط النظام». هؤلاء الشبان والشابات أرادوا توجيه تحية إلى شعب مصر، وعلى طريقتهم، وإيصال رسالة إليه بأن هناك من يكترث لأمره، ويناصر ثورته، ولكن لم يكن الوقوف أمام السفارة والهتاف كافيين. كانوا يريدون أيضاً إزالة السياج الشائك الذي تضعه قوى الأمن الداخلي كل يوم بعد الظهر في وجههم، وتعزلهم عن الشارع المؤدي الى محيط السفارة، وتبقيهم بعيداً عن مبنى السفارة مئة متر، ربما كي لا يصل صوتهم الى مكاتب السفارة المصرية ويزعج بعض القناصل ورجال الاستخبارات فيها.أراد هؤلاء الشبان إزالة الشريط الشائك كي يهتز قليلاً من يقف على شرفات السفارة يراقب التجمّعات كل يوم، وكي يضمنوا وصول رسالتهم، وليشعِروا القوى المؤيدة للمقاومة، التي تعدّ قياداتها بالعشرات بقليل من الخجل، فلربما قررت أن تتحرك بعد طول سبات في الصالونات وغرف الانتظار، وتنزل إلى الشارع لتبرهن أنها فعلاً لا قولاً تدعم واحداً من شعاراتها المعادية للأنظمة العربية التي تتآمر على المقاومة ورَبْعِها.إلا أن ما وقع أن قوى الأمن الداخلي قررت إزالة السياج الفاصل مع المتظاهرين والهجوم عليهم ومطاردتهم، وصولاً إلى أقصى الشارع، والإمساك بمجموعات صغيرة، وضربها بالعصيّ والهراوات، واعتقال شابّين، وجرح سبعة.كانت تجربة الشبان مع قوى الأمن، ومن خلال التجمعات اليومية التي أقاموها على مدى الأيام الماضية، تفيدهم بأن القوى الأمنية ستعمد الى رشّهم بالماء أولاً، ومنعهم من إزالة السياج ثانياً، وقرروا أن إزالة السياج بالكامل ليست ضرورية كي لا تقع مواجهة، إلا أن قوى الأمن أرادت المواجهة، وحصلت. وراح الشبان يشبّهون القوى الأمنية اللبنانية بالشرطة المصرية.في وزارة الداخلية، كان الوزير وطاقمه على غير دراية بما يحصل، إذ كانت التعليمات هي عدم الهجوم على أي تظاهرة، والاكتفاء بالدفاع عن مواقع قوى الأمن.ومَن هجم على الشبان ربما أراد إرسال رسالة معاكسة، ولكن الى الداخل اللبناني، بأن أيام حكومة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي لن تكون وردية، وأن الحوادث يمكن أن تقع على غير دراية وتخطيط، وخاصة أن بعض جنود قوى الأمن كانوا يوجّهون البنادق نحو المعتصمين.هذا في الشارع، أما في الصالونات، فإن القوى المؤيدة للمقاومة في لبنان، والتي تعتبر أنها اليوم تمثّل جزءاً من السلطة التي تبنى، اكتفت من اللحظات الأولى للثورة التونسية، وحتى اليوم بالاعتصام في صالوناتها المترفة، وفي مكاتبها الفاخرة، وهي تطلق عبر بياناتها اليومية نظريات استراتيجية في أهمية ما يحصل في العالم العربي.وراحت القوى الناصرية تتنافس في إطلاق الموقف الأعلى على المنابر، وتثير عواطف من الشبان الذين تجمعهم في الغرف المغلقة والفنادق الفاخرة، والقاعات المقفلة، ولكن دون أن تسمح لهذه العواطف بالخروج الى العلن، إلا عبر بيانات ونقل تلفزيوني، ولكن التعبيرات المباشرة ممنوعة، إذ لم يبقَ من القوى هذه إلا مجموعة من العواطف كما يبدو، تتذكر إطلاقها نحو التعاطف مع «أمتها العربية» كلما لاحظت ارتعاشة في جسم الشعوب المريضة والغائبة عن الوعي.بعض هذه القوى أكثر من محرج اليوم، إذ إن علاقته بالسفارة المصرية لا تخفى، وهذا البعض كان يحتجّ حين يقال إنه غير قادر على تجميع 500 شخص بالحلال وبالقناعة السياسية، أي من دون توزيع الدعم المعنوي على العناصر في نهاية كل شهر. وهو كان ينتظر اليوم الذي يبرهن فيه أنه قادر على تجميع حشد، ولكن للأسف فإن الظروف غير مناسبة اليوم، وأي تحرك في الشارع سيستاء منه مَن في السفارة، كما سينهي أي حلم في الدخول الى حكومة الرئيس المكلف.أما العديد من القوى المؤيدة للمقاومة فهي تنتظر تعليمات قيادتها الحقيقية في لبنان وسوريا، وهذه التعليمات تأتي عادة مشفوعة بالدعم المعنوي المناسب، وبعدها يصار الى تأمين الحشد والإعلام واللافتات ودفع بدلات الانتقال إلى مكان الاعتصام ومنه، وتحديد حجم العدد البشري المشارك، ففي ذلك دلالات سياسية عظيمة الأهمية، ولا يمكن التحرك من دون أمرين سبق ذكرهما، أولاً الأوامر المشفوعة برؤية استراتيجية محددة في خدمة الدفاع عن قوى المقاومة، وثانياً الدعم المعنوي لتيسير الأمور.
العدد ١٣٣٢ الجمعة ٤ شباط ٢٠١١