شباب السىفير: أسعد ذبيان
مشهد الكولا: حراك شبابي جديدلكي لا يقال بأنّ لبنان لم يصب بعدوى الشارع، وبأنّه لم يشم رائحة الياسمين. وعلى الرغم من كون الشارع كان فيصلاً أحياناً في السنوات الماضية، وأسداً يزأر ويتوعّد في أوقاتٍ أخرى، إلا أنّ المطالب التي رفعت أثناء هيجانه لم تكن يوماً لصالح الكل، بل للبعض في وجه البعض. من هذا المنطلق، يمكن القول أنّ الإبقاء على مسيرة "دافع عن لقمة عيشك"، التي نظمها إتحاد الشباب الديمقراطي، وقطاع الشباب في الحزب الشيوعي، على الرغم من تغيّر الصيغة الحاكمة اللبنانيّة هي خطوة للأمام في خطاب الأقدام التي تحف الإسفلت. فعلى وقع هتافاتٍ على شاكلة: "يا ثورة قومي قومي، ما بدنا هيك حكومي" و"الحريري مع ميقاتي، سرقولي مصرياتي". انطلقت مسيرة "الرغيف" من الكولا، باتجاه السرايا الحكوميّة. طغى اللون الأحمر الشيوعي على اليافطات المرفوعة، وشعاراتٍ تعلن: "أياً كانت الحكومة، ومن أي جهات هي مدعومة. المطلوب هو حقوق الناس المحرومة". على يسار المتظاهرين، بائع كعكٍ تفاجأ بالمشهد، فاستغل الفرصة لكسب الرزق، في حين أخفى وجهه من عدسات المصورين. وعلى اليمين، فتى إلى جانب أبيه يرفع يافطة دوّن عليها: "نرفض أي شكل من أشكال خصخصة الضمان الإجتماعي وتقديماته". يجيب عبدالله المكحل عن سبب إقحام هذا المطلب في المسيرة: "لأنّ الضمان الإجتماعي يستفيد منه ثلثي الشعب، وهو الذي يجمع اللبنانيين، إذا ما خصص ستسرقه الشركات". ويضيف أنّ المطلوب تحسين إدارة الضمان الحالي. مشهد المصيطبة: مطر لا يوقف المسيرةيتوافد الشباب أكثر عند الوصول إلى وطى المصيطبة، يعلّق أحدهم: "لماذا عند الحادية عشر، الناس نيام.. شو من الفرشة على المظاهرة؟". وبالفعل عديدين استيقظوا نهار العطلة من الفراش إلى المشاركة بتظاهرة رفض الغلاء. الشعارات المصريّة حاضرة في المسيرة: "الشعب يريد إسقاط النظام"، كذلك كلمات الشيخ إمام: "إحنا مين وهمّا مين؟ همّا أمرا والحكم معاهم. وإحنا الفقرا والمساكين". والأعلام المصريّة، والتونسيّة، والمصريّة حضرت كذلك. يستعمل خليل اللهجة المصريّة معلقاً كأنّه يسأل المسؤولين: "بس حضرتك بتقول إنو الشعب قام؟". تكمل المسيرة اتجاهها نحو شارع مار الياس، وعند ثكنة الحلو، وتحت عيون المواطنين من على الشرفات، ترتفع أصوات الحناجر: "خبز، حرية، كرامة وطنيّة". يكمل الشبان مسيرتهم تحت زخّات المطر، تفتح الشماسي، ويطلب الكل لجوء عند من يحمل بين يديه مظلّة. يتندر البعض: "أنا أستجير بكم"، يتهكّمون على الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين الذي أجارته السعوديّة. تقول سناء أنّها ليست مع أي طرف سياسي، وتعنيها لقمة العيش ولهذا آثرت المشاركة في المسيرة. تضيف: "بدأنا المطالبة بحقوقنا بغض النظر عن طبيعة الحكومة، فولو تغيّرت، تبقى حقوقنا ملكنا". وعن إمكانيّة أن يشهد لبنان ثورة كتونس ومصر، تجيب سناء: "ولم لا؟ طالما لدينا الإرادة الشعبيّة والعقل".مشهد السرايا الحكومية: رياض الصلح يدير ظهرهفي المسيرة، فتاة ترتدي الأحمر تعلو رأس والدها، وعمر، ابن العاشرة يسأل منى: "إلى أين سنذهب؟"، تجيبه إلى السفارة المصريّة، فيعاود سؤالها: "شو في هونيك؟". تشرح منى أنّها جاءت من عدلون ولذلك عليها إجابته لأنّه بعيد عن المنزل، وتخبره عن الدعوة لاعتصام تضامناً مع الشعب المصري الثائر. عند الوصول إلى ساحة البلد، تجمّع المتظاهرين إلى جانب الاسكوا، يعلّق شاب: "يبدوا أنّهم طوّقونا"، ويقصد قوى الأمن. النشيد الوطني اللبناني وقوفاً (كأنّه كان هناك خيارٌ آخر)، وكلمتين لمنظمي المسيرة جاء في أحدها: "السلطة والمقاومة ليست ملكاً لأحد، بل هي ملك كل الناس". يعلّق صديق: "تمثال رياض الصلح (رئيس وزراء سابق) إلى اليمين يمثّل الدولة، يدير ظهره للمتظاهرين (الشعب)، ويتطلّع نحو وسط البلد (الأغنياء وضريح الرئيس الحريري)". ويقول جاد، رئيس فرع عاليه الغرب في اتحاد الشباب الديمقراطي: "نزلنا إلى الشارع لأنّ حالة الفجور في السياسة الإقتصاديّة اللبنانية وصلت لحدها، من مهزلة الحد الأدنى للأجور إلى الضرائب". ويعتبر أنّ تغيير الحكومة، لا يلغي أحقية مطالب الناس الاقتصادية والاجتماعيّة. ومن نافذة صغيرة، كان شرطي في أمن مبنى الأمم المتحدة يراقب المتظاهرين المحتشدين.المشهد الأخير: المعمعةكان أحد الرتباء يطلب من رجال الأمن العودة خطوة إلى الخلف، وعدم استفزاز المتظاهرين عندما قرر شاب اعتلاء السور والقفز نحو الساحة الفاصلة بين المحتشدين ومدخل سرايا الحكومة الأسفل. نهاه أحد المنظمين سائلاً: "أين تنوي الذهاب؟". ووسط الهرج والمرج، حاول بعض الشباب اقتحام حاجز الأمن، لكنّهم لم يفلحوا فسدّ الدرك عليهم الطريق. هنا انقسم المتظاهرين، بعض يريد اقتحام السرايا (أو ما دونها)، ومنظمين يقيمون حاجز سد بشري لتطويقهم. يعلّق عربي العنداري، أمين عام الإتحاد سابقاً وأحد المنظمين: "بضعة أشخاص حالمين يظنون أنّ بإمكانهم احتلال السراي، وربّما يشكّلون حكومة" منتًقدا "بعض المتحمسين" حسب رأيه. ويعلّق عمّار، الذي كان ينوي الاقتحام "ضعنا بالمعمعة". هذه الخطوة أنتجت رأيين منقسمين، فبين من أراد أن تقوم المسيرة بخلق شرارة عصيان مدني معلقاً يقول: "لشو العمل كله؟ لشو المظاهرة؟ خلي السلم يجيب حقوق. أنا كنت نايم، لو عارف هيك ما بنزل" حسب شادي. ويدعو شادي إلى احتلال السرايا وتكريس حكم الشعب الرافض للنظام الطائفي. يرد عليه طارق: "في تونس رفعوا العلم التونسي، ولكن هنا رفعوا علم أحزابهم". لا تخفي رنا امتعاضها ممّا حصل: "يا عيب الشوم، اختلفوا فيما بينهم (المتظاهرين)". في حين أنّ نور لحام كانت قد شاركت في المسيرة لاعتقادها أنّ ثورة كالتي حدثت في تونس ومصر هي ما يحتاجه لبنان. على الرغم من انتكاسة اللحظة الأخيرة (والبعض يعتبرها ضرورة)، أزاح لبنان اللثام عن شارعٍ مدجّن من قبل أفرقاء سياسيين طائفيين، ليطلق العنان لتحركاتٍ شبابيّة مطلبية. فهل تكون على مستوى الآمال المعقودة عليها وتحقق بعضاً من مطالب جماهيرها؟