حسين مهدي - الاخبار
طوفان الشوارع في الزبالة شجّع حملات الحراك الشعبي على القيام باحتجاجات ومبادرات عدّة أمس. ففي حين نفّذت حملات "جايي التغيير" و"بدنا نحاسب" و"حلّوا عنا" اعتصاماً في ساحة رياض الصلح وسار ناشطوها في تظاهرة نحو منزل رئيس الحكومة تمام سلام في المصيطبة، احتجاجاً على تقاعس الحكومة، بادرت حملة "طلعت ريحتكم" الى تنظيف مجرى نهر بيروت لتأجيل الكارثة المحدقة هناك.
وعملت حملة "حراك الجبل" على توضيب النفايات المتراكمة على طريق عام بعلشميه ــ بحمدون. وكذلك بدأت الحملة الأهلية للدفاع عن الدالية ــ الروشة بالتعاون مع حملتي "جايي التغيير" و"الشعب يريد" إزالة مخلفات الردميات من منطقة الدالية. هذه الحملات لم تحتج إلا إلى عشرات المتطوعين، وقليل من المعدات اللوجستية، لإنجاز مهمات هي في الأساس من واجبات الحكومة والبلديات.يقول الناشط في "طلعت ريحتكم" علي سليم إن ما قامت به الحملة من خلال 20 ناشطاً وناشطة يهدف إلى وضع الحكومة أمام مسؤولياتها والقول لها "تفضلي اشتغلي شغلك". ويعتبر الناشط طارق البعيني أن ما قام به 35 ناشطاً وناشطة من "حراك الجبل" هدفه مجابهة فساد السلطة والتأكيد للرأي العام "أننا مش جايين نخرّب، بل جايين نصلح، وهمنا الوحيد هو حل أزمة النفايات ومحاربة الفساد".يشير سليم الى أن ما نفّذته الحملتان، رغم الأمطار الغزيرة، كان يمكن للدولة أن تبدأ به منذ أكثر من شهر لتفادي ما حصل أمس، "ولكن المسؤولين يحرصون فقط على المحاصصة، ولا يبالون بمطالب الناس، بل إن وزير البيئة كان لديه الوقت ليستجم في إيطاليا في ظل هذه الأزمة، وكان وزير الداخلية مشغولاً بافتتاح فرع aishti... والسلطة لم تفعل شيئاً حتى اليوم سوى إصدار أكثر من 250 مذكرة بين توقيف وبحث وتحرّ واستدعاء بحق الناشطين والناشطات، في حين لم تصدر ولو مذكرة واحدة بحق أي من المسؤولين مباشرة عن الفساد في ملف النفايات".من جهتها، سارعت حملات "جايي التغيير" و"بدنا نحاسب" و"حلوا عنا" الى الشارع لتحميل الحكومة مسؤولية الفشل في معالجة أزمة النفايات. نفّذت هذه الحملات اعتصاماً في ساحة رياض الصلح، وانتقل المعتصمون الى منزل سلام لمطالبته بعقد جلسة طارئة للحكومة على جدول أعمالها بند واحد هو حل أزمة النفايات.وكانت مجموعات الحراك قد عقدت خلوة السبت في محاولة لوضع إطار تنظيمي لعمل المجموعات ورفع مستوى التنسيق في ما بينها وتحديد آلية اتخاذ القرارات، إلا أن مكونات أساسية غابت عن هذه الخلوة (بدنا نحاسب، طلعت ريحتكم وحلوا عنا)، ما أدى الى حصر أعمالها بيوم واحد بعدما كان مقرراً أن تعقد على يومين. وعُلم أن هناك خلافات كبيرة بين الحملات على ما هو مطروح لجهة إنشاء إطار تنظيمي وإقرار نظام داخلي له.
أدهم السيد - الاخبار
«أخطر داء يصيب الحركة الثورية هو داء المغامرة بالثورة أو التلقائية في ممارستها. إنه داء المغامرة بالثورة، في زمن التخطيط الإمبريالي على الصعيد العالمي»مهدي عامل
يعتبر مهدي عامل من المفكرين الكبار الذين جذبهم الحزب الشيوعي اللبناني منذ تأسيسه عام 1924، فبالإضافة الى مهدي انضم الى الحزب المئات من المفكرين والمثقفين الثوريين الذين أعطوا الحزب إلى أن جعلوا منه منارة للفكر الثوري في لبنان وعلى امتداد جغرافيا العالم العربي، وأحياناً على امتداد بقعة الاستغلال في كل العالم.
فمن مواجهة الانتداب الفرنسي انطلق الحزب، حتى قبل تأسيس الكيان اللبناني، وكان له الدور الأساسي في تحرير لبنان من الاستعمار، بحيث أن كان أمين عامه فرج الله الحلو احد اهم رجالات الاستقلال، فيما يحاول النظام اللبناني حتى اليوم محو دوره ودور رفاقه ومن خلفهم الحزب الشيوعي في هذه المعركة.وخلال هذه الفترة كان الحزب يخوض نضالاً إيديولوجياً سياسياً مميزاً في مواجهة الفاشية والنازية، وخاصة من خلال التجربة الرائدة في هذا المجال أي «عصبة مكافحة الفاشستية» التي ضمت المئات من المثقفين والمفكرين اللبنانيين والسوريين (كان الحزب يومها واحداً في لبنان وسوريا). وقد ساهمت هذه العصبة في فضح النازية وكشف مخططاتها في بلادنا كما عبّأت الجماهير ضد المد النازي.وقف الحزب ضد كل الأحلاف المعادية للشعوب وكان في طليعة القوى التي قادت ثورة 1958 المناهضة لحكم شمعون وتبعيته لحلف بغداد والاميركيين. وخاض معركة تأسيس الدولة وكان طبعاً ينادي بدولة منحازة للفئات الفقيرة والمستغلة، فخاض النضالات لتأسيس الجامعة اللبنانية وقانون العمل والضمان الاجتماعي وغيرها الكثير من المكتسبات التي ما زلنا نحارب بشراسة من اجل الحفاظ عليها في وجه هذا النظام.
كان الوضوح السياسي هو الرئتين اللتين يتنفس منهما الحزب. فكلما ابتعد عن هذا الوضوح في الرؤية انعزل، وكلما عاد ليستبق الأحداث بالتحليل العلمي والبرنامج الثوري عاد شبابه وعاد ليكون جاذباً شاباً رغم تقدمه بالعمر. هذه السمة هي التي صبغت حياة الحزب منذ أواسط الستينيات حتى بداية الحرب اللبنانية. فوضوح الرؤية السياسية والتطور الفكري سمحا للحزب بقراءة صحيحة للمتغيرات في الواقع المحلي والعربي، فكان قد حسم ثلاث قضايا أعادت الحزب الى موقع الفعل. أولاً كان أن حسم الحزب النقاش حول طبيعة النظام اللبناني بما هو نظام رأسمالي وعلى هذا الاساس صاغ برنامجه للتغيير الديمقراطي الذي اقره المؤتمر الثاني للحزب، القضية الثانية هي الموقف من القضية الفلسطينية والصراع المحتدم مع العدو الإسرائيلي في اكثر من بلد عربي. فقد حمل الحزب شعار تحرير فلسطين معتبراً إياها القضية المركزية وصاغ على اساس هذه الرؤية شبكة واسعة من التحالفات، كان اهمها التحالف مع قوى الثورة الفلسطينية، أما القضية الثالثة فكانت انتفاضة داخل الحزب نفسه. فقد كان هذا الحزب ثورياً على مستوى الحياة الداخلية أيضاً، إذ كرس المؤتمر الثاني للحزب (1968) فكرة المركزية الديمقراطية وأعاد للحزب حياته التنظيمية الداخلية. وكانت هذه الانتفاضة انعكاساً لعمل الشيوعيين ونضالهم حيث انهم كانوا على ابواب تسلم السلطة عشية الحرب.لم يهرم هذا الحزب، بسنينه الـ91 ولم تصبح نضالاته ولا مفاهيمه «قديمة» بل أصبح «عريقاً». وما كنا لنتحدث عن عراقته لولا موقفه التاريخي في تأسيس جبهة المقاومة الوطنية البنانية، بعد تدنيس الصهاينة لبيروت، واستمراره بالعمل المقاوم حتى تحرير معظم الاراضي اللبنانية. وقد قدّم في مسيرته المقاومة هذه المئات من الشهداء والجرحى والاسرى.هذه النظرة السريعة إلى العديد من محطات الحزب الاساسية لا تعفينا من القول بأن في تاريخ الحزب وحاضره العديد من النكسات منها السياسي والفكري والتنظيمي، إلا أن التصدي لهذه النكسات بروح ثورية هو اساس استمراره على مدى 91 عاماً.اليوم في العيد الـ91 ما زال الحزب مستمراً فاعلاً في كل الساحات، وفي الكثير من الاماكن قائداً لها، إذ حافظ على احدى الصفات التي لطالما حاربها عندما لصقت بالنظام اللبناني من قبل البورجوازية اللبنانية، وعنينا «الفرادة».هذا الحزب يعتبر فريداً الى حد ما بين الاحزاب السياسية اللبنانية، إن من حيث عمره او مواقفه السياسية او فكره او حياته الداخلية التنظيمية. الا انه ومن موقع النقد للحفاظ على عراقة الحزب ونضارته، لا بد من طرح مجموعة من الاسئلة.هل للحزب اليوم وضوح في الرؤية السياسية؟ هل لديه موقف واضح مما يجري في سوريا والعراق وكل العالم العربي؟ إن كان كذلك، ما هي المهام التي حملها في هذا المجال؟ هل بادر الى تأسيس ما يشبه «عصبة مكافحة الفاشية»؟ وخاصة ان الفاشية الجديدة تحتل جزءاً من الاراضي اللبنانية وخطرها يصل الى كل بيت؟ (عنينا بذلك داعش واخواته، واميركا واتباعها من خلفهم). هل لدى الحزب اليوم الجرأة السياسية التي تعودنا عليها في تاريخه في ان يبحث خطر هذه الهجمة على المنطقة ويصيغ على اساس هذا التحليل التحالفات التي تساهم في التصدي لهذه الهجمة؟ هل سيعود الحزب بشكل جدي الى العمل المقاوم المسلح؟ خاصة ان بدل التهديد الصهيوني الواحد أصبح هناك عدد من التهديدات ذات التوجه الصهيوني الفاشي نفسه.يعتبر المتحكّمون بالقرار الاقتصادي في لبنان من أفشل الاقتصاديين في العالم. فهذا البلد لم يتقدم خطوة الى الامام على هذا المستوى منذ نهاية الحرب الأهلية، وما يجري اليوم من حراك شعبي يثبت ذلك. في المقابل يخرج احد «عباقرة» هذا الزمان ليتهجم على الشيوعية وكارل ماركس وفكره. فما كان رد الحزب العلمي على امثال هؤلاء؟ هل يملك الحزب طرحاً لسياسة اقتصادية اجتماعية بديلة عن القائم اليوم من التعليم والصحة والنقل والكهرباء... وصولاً الى السياسة النقدية والدين العام؟يبقى الجانب الاهم من الاسئلة. لطالما كانت واحدة من ميزات هذا الحزب عن باقي الاحزاب انه يعقد مؤتمره الوطني بشكل دوري كل اربع سنوات، حيث أنه نادراً ما نرى حزباً لبنانياً ينظّم مؤتمراً ينتخب خلاله أميناً عاماً أو رئيساً له في مواعيد محددة. إلا ان الحزب الشيوعي اللبناني حافظ على هذه الميزة لاسباب عديدة، اهمها انه لا يأخذ قراره السياسي من نشرة تصله من سفارة او ما شابه، بل يعتمد على النقاشات والتحليلات التي ينتجها المؤتمر.فكيف يمكن للحزب التصدي للتطورات السياسية، وكيف له الاجابة على الاسئلة السياسية التي طرحناها، وهو لم يعقد مؤتمره منذ ست سنوات؟ كما ان الحزب حرص على كسر شعار «عاش الامين العام لمئة عام»، وكانت هذه واحدة من السمات التي حافظت على الديمقراطية في الحياة الداخلية للحزب، فهل تخلى الحزب عن هذه السمة؟ هل سيعقد الحزب مؤتمره الحادي عشر أم سيتحول كباقي الاحزاب الى حزب بلا مؤتمرات؟ هل سيقوم الشيوعيون بإعادة صياغة برنامجهم النضالي ليستعيد حزبهم دوره وشبابه كما حصل في المؤتمر الثاني عبر عقد مؤتمره وفتح باب النقاش واسعاً في كل القضايا المطروحة اليوم، خاصة تلك التي طرحها الحراك الشعبي؟«إن الطابع الثوري لحزب الطبقة العاملة لا يأتيه من اسم يحمله أو يرثه، فالحزب هذا يكتسب بالنضال طابعه الثوري...» هكذا قال مهدي عامل يوماً، وهذا الحزب اكتسب بالنضال طابعه الثوري، ما يضع الشيوعيين امام مهمة تاريخية هي الاستمرار في هذا النضال على كل المستويات للحفاظ على هذا الطابع الثوري لحزبهم.* باحث عربي
هديل فرفور - الاخبار
7 شبان من بين 13 «فارا من العدالة»، مثلوا، أمس، امام المحكمة العسكرية للتحقيق معهم على خلفية مشاركتهم في التظاهرات الأخيرة. «إشغال» الحراك بقضية الموقوفين، لم يعد مقبولا من قبل بعض مجموعات الحراك المدني التي قررت «استئناف» تحركاتها، وخصوصا بعد تصريح رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، أمس، عن استمرار تعثر ملف النفايات نتيجة التجاذبات السياسية.
وفيما نظّمت حملة «جايي التغيير» اعتصاما، أمس، امام المحكمة العسكرية رفضا لمحاكمة المتظاهرين «عسكريا»، نفذت حملة «بدنا نحاسب» اعتصاما امام مؤسسة الكهرباء رفضا «لدفع فاتورتين»، قبل ان تنتقل الى الاحتجاج امام مكاتب شركة «سوكلين»، باعتبارها «رمز الفساد الاكبر في ملف النفايات»، بحسب ما قالت الحملة. سبعة شبان جرى استدعاؤهم امس للتحقيق امام المحكمة العسكرية، هم: حسين مبارك، محمد نبهة، سامر مازح، حسن سليت، احمد مجذوب، فراس بو حاطوم، وضياء هوشر. وقد أخلي سبيلهم جميعا بسند إقامة. لم يدم التحقيق مع هوشر اكثر من ربع ساعة، وفق ما قال لـ «الاخبار»، الاسئلة التي كان يوجهها قاضي التحقيق العسكري رياض ابو غيدا الى المستدعين تمحورت حول «إذا ما لجأنا الى حمل احجار وتكسير فندق Le Gray ام لا»، فضلا عن «مكان وقوفنا في التظاهرات بالقرب من الاسلاك الشائكة او على تماس مع عناصر قوى الامن». يشير هوشر الى ان القاضي ابو غيدا كان يحقق معه وامامه مقاطع من الفيديو، «فكان يسألني عن سبب امساك الاسلاك وعن مكاني اثناء التظاهرات؟». يقول المحامي مازن حطيط ان لجنة المحامين تواصلت مع ابو غيدا للاطلاع على الاسماء «وجرى التواصل معهم ليمثلوا امام التحقيق»، على ان يمثل 5 اشخاص آخرين يوم الاثنين المقبل. واوضح ان الهدف هو تكريس ان هؤلاء ليسوا هاربين من العدالة، وهم لم يرتكبوا جرما يخجلون به، وانهم «الاكثر حرصا على ان يأخذ القضاء دوره في ظل الاستحقاق الراهن». من جهتها، نفذت حملة «بدنا نحاسب»، أمس، اعتصاما امام مؤسسة الكهرباء رفضا للفساد الذي ينهش القطاع واحتجاجا على «دفع فاتورتين». وكانت الحملة قد تقدّمت بمجموعة من الاخبارات امام النيابة العامة المالية حول فساد وهدر مالي في ملف الكهرباء، منها إخبار يتعلق بـ»الاتهامات المتبادلة بين النائبين زياد أسود وجمال الجراح بالسرقة»، اضافة الى إخبار يتعلّق بالمخالفات في معمل سبلين، وآخر يتعلّق بتصريح مستشار وزير الطاقة حول «امتلاك الوزارة لأسماء الأشخاص الذين يستهدفون مؤسسة كهرباء لبنان بهدف إفلاسها سعياً إلى خصخصتها»، فضلاً عن إعلانه وجود «فبركة لرأي قضائي في ما خص عقود معمل الذوق بهدف الاستيلاء على 500 مليون دولار»، وفق ما قال محامي الحملة واصف حركة، الذي اشار الى ان «المزيد من الملفات ستودَع لدى القضاء». نشرت الحملة، على موقع صفحتها على «الفايسبوك»، ان النيابة العامة المالية تواجه مشكلة عدم وجود ملفات ومستندات للبدء بالتحقيق بها، ونقلت الحملة عن المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم قوله ان «المشكلة تكمن في أن المؤسسات الرقابية (ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي) لا تسلّم الملفات المتعلقة بالتحقيقات والمخالفات المالية في إدارات الدولة». بالاستناد الى ذلك، تقدّمت الحملة، بواسطة المحامي حركة، من رئاسة مجلس الوزراء، بوصفها السلطة الوصية على كل من ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي، بطلبي استدعاء للجهتين المذكورتين: واحد يحمل الرقم 1866/2 يتضمن الطلب من ديوان المحاسبة بوصفه محكمة إدارية تتولى القضاء المالي والنيابة العامة، تحويل ملفات الإرتكابات المالية لإدارات الدولة للنيابة العامة التمييزية لإتخاذ الإجراءات القانونية بملاحقة المرتكبين جزائياً. والثاني يحمل الرقم 1867/2 ويحوي الطلب من رئاسة التفتيش المركزي تحويل ملفات الإرتكابات المالية للوزارات والإدارات العامة والمؤسسات العامة الخاضعة لصلاحيته إلى النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة، لإحالتها من ثم إلى النيابة العامة التمييزية لإتخاذ الإجراءات القانونية. ينفي القاضي ابراهيم في اتصال مع «الاخبار» ما نقلته الحملة على لسانه، لافتا الى ان الملفات التي تسلمها من الحملة «يجري التحقيق فيها». ماذا عن دعوة النائبين اسود والجرّاح؟ يقول القاضي ابراهيم انهما لم يستجيبا ولم يلبيا الدعوة، «الا ان بقية السياسين يأتون دوريا الى النيابة ويدفعون المستحقات التي يدينون بها». تركيز الحملة على ملف الكهرباء، يأتي ضمن اعتبارها ان الكهرباء «من ضمن الملفات التي كانت تمثّل المطالب الرئيسية للحراك»، على حد تعبير الناشط في الحملة علي حمّود، الذي يشير الى «أولوية بعض الملفات التي تكون أكثر الحاحا من غيرها»، لافتا الى ان الهدف من التحرك كان «الاصرار على اننا عائدون الى الشارع، والى اننا مستمرون طالما اننا لم ننل حتى الآن ايا من مطالبنا، وطالما ان حقوقنا كمواطنين لا تزال مهدورة»، مضيفا: «نفَسنا طويل جداً». بعد الاعتصام، توجه المعتصمون الى شركة «سوكلين»، كـ «محطة» ثانية للاعتصام. أمّا الهدف، فهو التشهير بـ «رمز الفساد الاكبر»، وبالتالي استنكار خطة وزير الزراعة اكرم شهيب التي تتضمن اعادة تلزيم الشركة عقود الكنس والجمع. ورأت الحملة ان الشركة هي الشريكة الاساسية في فساد السلطة منذ التسعينيات: «شركة ارتبط اسمها بمكبّ الناعمة، وارتبط اسمها بجبال النفايات، اسألوا أهالي برج حمود والكرنتينا والمرفأ عن هذه الجبال. شركة تستعمل شاحنات تكبس النفايات المنزلية، فتمنع فرزها إلا بنسب ضئيلة جدا، فتقوم بطمرها كما هي». من هنا، كانت المطالبة «بما لم تقم به سوكلين»، وهو الفرز من المصدر، وقف استعمال الشاحنات الكابسة، وقف الطمر العشوائي القاتل، انشاء معامل الفرز والمعالجة المستدامة للنفايات و»رفع النفايات من امام بيوتنا حالا».
من أجل حرية الاسير جورج ابراهيم عبدالله
عامر محسن - الاخبار
في كتاب «حوارات مع جيجك»، يتكلّم المفكر السلوفيني عما يعتبره أزمةً عميقة في هوية اليسار، وتعريفه لنفسه، واستراتيجيته. اليسار (في الغرب)، يشتكي جيجك، محاصرٌ بين نمطين من السياسات، لا يجدهما مجديين.
الأوّل هو تيّارٌ راديكالي «فرنسي» الطابع، يمثّله باديو وباليبار وموفه ولاكلو، ينادي بما يسمّيه جيجك «سياسة صافية»، أي السياسة كمشروع تحرّري مطلق، يغيّر الحالة الانسانية جذرياً (المساواة الكاملة، مثلاً، أو الديمقراطية الراديكالية)، ولكن ليست له ملامح عملية أو ترجمة لسياسات محدّدة (يعتبر جيجك أن هذا التيار، في جوهره، ليس يسارياً ولا شيوعياً، بل يعقوبيّ يستكمل التراث المتطرّف في الثورة الفرنسية وأهدافه الرومانسية). التيّار الثاني «أنغلوساكسوني» و»ما بعد حداثي»، يجد تعبيره الفكري في الكثير من أدبيات «الدراسات الثقافية» في الأكاديميا الأميركية المعاصرة، وهو، بحسب جيجك، يرتكز على «الصراعات الهوياتية المزعومة للتعددية الثقافية ما بعد الحداثية: حقوق المثليين، مطالب الأقليات الاثنية، سياسات التسامح، الحركات المعادية للنظام الأبوي، الخ…». هذه المطالب، في رأيه، هي «مشاكل الطبقة الوسطى العليا في اميركا… وهم يريدون أن نقبل بها كأفقٍ لالتزامنا السياسي». على الرغم من أن التيارين ــــ الراديكالي الفرنسي والثقافوي الأميركي ـــــ يبدوان، من الخارج، على تضاد، الا أن جيجك يصرّ على انهما يتشابهان بمعنى انه، لدى المعسكرين، «يختفي الاقتصاد باعتباره الميدان الرئيسي للصراع». ثم يستنتج: «أنا مقتنعٌ أكثر فأكثر بأن هذه القضايا هي ظواهر خاصة بالطبقة الوسطى العليا، ولا يجب تبنيها كأفق للنضال بالنسبة الى اليسار… أنا لست معادياً للتعددية الثقافية بذاتها، ما أعارضه هو فكرة أنها العنوان الأساسي للنضال اليوم». كمثالٍ على الطبيعة النخبوية، محدودة الأثر، لهذه السياسات، يمكن استخدام حالةٍ معروفة، هي «الخطاب الصحيح سياسياً» في اميركا، الذي يحثّ على استخدام تعبيرٍ معين للإشارة الى المثليين، وآخر «مسموح» لتسمية السود، وطريقة معينة للحديث عن الضحايا، الخ… خلف هذا الاصرار فكرةٌ عن الطبيعة «اللغوية» للعنصرية والذكورية وغيرها من ظواهر عدم التسامح. العنصرية «المعاشة» اذاً ــــ وهذه صورة روج لها الاعلام والثقافة الشعبية ــــ هي في أن يستعمل الأبيض تعبيراً تحقيرياً مع الأسود، وتفكيك تراث العنصرية يكون في أن يناديه بـ «أفريقي اميركي» بدلاً من «زنجي». المشكلة هي أنّ هذا الخطاب (بغض النظر عن صوابيته وفعاليته) لا تستعمله الا الطبقة الوسطى البيضاء حصراً، للكلام عن السود بين بعضها البعض أو في المجال العام. السود، مثلاً، لا يستخدمون هذه اللغة حين يشيرون الى أنفسهم، والطبقة العاملة البيضاء، ايضاً، تعتبر أن هذه التعابير هي للساسة والتلفزيون. هنا ايضاً مدخلٌ لفهم الناشط العربي ــــ «ليبرالياً» كان أم «يسارياً» ــــ الذي يريد نقل مفاهيم وخطابات كهذه الى حقلنا السياسي، مستنداً الى الغرب ومرجعيته. ولكن ما يعتبره «غرباً» ــــ والمثال الذي يحاسب مجتمعه بمقاييسه ــــ هو، في الحقيقة، الطبقة الوسطى العليا في الغرب، أو الوسط الأكاديمي (وهو، اجتماعياً وطبقياً، «فقاعة» معزولة)؛ ويغفل أن سواد الناس في اميركا، والطبقة العاملة في بريطانيا واوروبا الغربية، هي، بالكامل، خارج اطار السياسات التي تقدّم باعتبارها تمثّل «الغرب» وقيمه ومجتمعه السياسي (كارل ماركس كان يحلم بأن يحوّل البروليتاريا الى «ارستقراطية» جديدة، تهتم بالكتب والفن ولديها وقت فراغٍ ولا تكترث للمال وجمعه، والغرباوي العربي اليوم يريد، عن قصدٍ أو غير قصد، أن يأخذ الطبقة الثرية في الغرب مثالاً، ويبني على أساسها مجتمعه ــــ وهو هدف جميل، ولكنه لن يحصل). مؤخراً، أجرى ممثلون من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني مقابلة مطوّلة مع مجلّة «جاكوبين». الشيوعيون اليونانيون لديهم مشروع واضح وجذري: القطع مع الاتحاد الأوروبي والـ «ناتو» والتوقف عن دفع الديون، بناء اقتصادٍ وطني يبدأ بالاهتمام بالزراعة واستثمار المهارات اليونانية، تأميم المؤسسات الوطنية الكبرى، اعطاء الأولوية للإنتاج والتوظيف وتغيير نمط الاستهلاك… اذا ما ترجمنا هذه النظرة الى الإطار اللبناني، فهي توازي برنامجاً يدعو للكفّ عن دفع الديون، وتحويل هذه المليارات الخمسة من الدولارات، التي تجمعها الدولة من الشعب سنوياً، الى انفاق اجتماعي وتنموي؛ وتقرير راتبٍ ــــ 400 دولار مثلاً ــــ لكلّ عاطلٍ عن العمل أو معيلٍ لأسرة كبيرة بدخلٍ متواضع (هكذا اجراء، يقي فقراء المجتمع اللبناني من خطر الجوع، يكلّف أقلّ من الدعم السنوي للكهرباء)؛ ونمطٍ تنموي يدعم الريف والزراعة أوّلاً، وصناعاتٍ مرتبطة بها؛ والتشريع الفوري لزراعة الحشيشة الخ… هوغو تشافيز فعل ما هو أقلّ من ذلك لمواطنيه الفقراء، وهي فئات مستعدّة الى اليوم للقتال، بعد سنين من وفاته، دفاعاً عن ذكراه ومكتسبات عهده. ولكن كلّ شعارات «اليسار الليبرالي» ومطالبه لن تجعل المواطن يشعر بأن هذه «الدولة» تنحاز اليه، وفيها ما يستحق الدفاع عنه (هناك قاعدة قديمة بأن أحداً لم «يستشهد»، على مرّ التاريخ، من أجل قضية ليبرالية). قولوا ما شئتم عن الشيوعيين اليونانيين، انّهم خشبيون ومتطرّفون و»دقّة قديمة»، ولكنهم يجمعون في الانتخابات، ببرنامجهم «الخيالي» هذا، ما يقارب الستة في المئة من التصويت الشعبي ولديهم 15 نائباً في البرلمان، وهو أكثر مما حقّقه اليسار اللبناني على مدى تاريخه.
ورد كاسوحة - الاخبار
مشكلة السلطة في لبنان أنها تتعامل مع حراك لم تعتده من قبل، وعدم الاعتياد هذا يجعلها تعتقد بأنها قادرة على خنقه بالأساليب التقليدية التي اعتادت استعمالها مع أي رّد فعل على ممارساتها. بهذا المعنى فهمت بعد مرور شهرين ونيّف على بدء الحراك الشعبي أنه لم يعد بالقوّة ذاتها، وهذا يعبر في رأيها عن حالة ضعف يجب عدم تفويتها.
على هذا الأساس أوعزت لقواها الأمنية بتجاوز سياسة الاحتواء التي اتبعتها طيلة شهرين مع الحراك، وعدم انتظار ردود فعل القاعدة الاجتماعية المساندة له، حيث بدا لها أنّ "تراجعه" سينعكس بالضرورة على احتضان الناس له وسيوفّر لها احتمالات أكبر لإنهائه من دون تبعات تُذكَر على استقرارها وهيمنتها. في الشهرين الماضيين كان هذا الاحتمال مستحيلاً بسبب الزخم الذي توافر للحراك في الشارع، وهو "مستحيل أيضاً الآن" ولكن السلطة تفهم هذه الاستحالة بطريقة مختلفة. في اعتقادها أنّ ما كان مرفوضاً قبل شهرين سيصبح مقبولاً الآن، وهو تقدير يعتمد على انحسار تأييد الحراك ضمن شرائح الطبقة الوسطى التي لا تحبّذ التغيير العنيف وتريد إبقاءه ضمن إطار التفاهم والتسوية مع السلطة. هذا واضح من طريقة تعامل السلطة مع المحتجّين يوم الخميس الماضي، فلو كانت التظاهرة أكبر من ذلك بقليل ولو لم تقتصر على ناشطي المجموعات المتعدّدة وجمهورهم المباشر لما استطاعت السلطة الإقدام على هذا القدر من الاعتقالات في خلال أقلّ من ساعة. هي كانت تعرف أنّ الحشد لم يكن كبيراً هذه المرّة وبناء على هذا التقدير استطاعت عند احتدام المواجهة واقتراب المتظاهرين من لحظة الإنهاك الانقضاض عليهم بأعداد كبيرة تفوق عددهم الذي كان قد تقلّص أصلاً بسبب كثرة استخدام القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه ضدّهم. لا يعني ذلك أن استراتيجيتها كانت أفضل من استراتيجية المتظاهرين ولكنها تملك بحكم موقعها واحتكارها للعنف وممارسته وسائل أفضل منهم "للدفاع عن نفسها". في المقابل حاول المتظاهرون الدفاع عن أنفسهم ضدّ بطشها ونجحوا في الصمود أمامها لساعاتٍ ثلاث أو أربع ولكنهم لم يقدروا على الاستمرار حتى النهاية، فهم يفتقرون فضلاً عن الوسائل اللازمة لحماية أنفسهم من بطش الدولة إلى العدد والاحتضان الجماهيري المناسب في حالات كهذه. وهنا يأتي دور الفئات الاجتماعية التي "انفضّت عن الحراك" بسبب عدم اعتيادها على هذا النمط المتواصل من الاحتجاج، حيث لا تزال هنالك إمكانية لمعاودة ضمّها إليه بعد أن اتضح للجميع وليس لها فقط أن الدولة التي تعوّل على استقرارها وعدم جرّها إلى الفوضى ليست بالضبط دولة. هي دولة من حيث الهيكل فقط ولكنها في الحقيقة سلطة لاقتسام الغنائم، وحين لا يعود هذا التقاسم ممكناً لسبب أو لآخر تظهر على حقيقتها وتبدأ في محاولة إلغاء أيّ طرف يحاول تعطيل هذه العملية. الخاسر الأكبر من كلّ ذلك هي الطبقة الوسطى التي "خاصمت الحراك باكراً" أو على الأقلّ لم تدعمه كما يجب، وحين جرّبت الاعتماد على السلطة الحالية بعد فشل تعويلها على "إصلاحية الحراك" تفاجأت بقدرة السلطة على التعطيل، وبعدم اكتراثها بحال الفوضى التي وصل إليها البلد. هذه الطبقة تتحمّل الآن مسؤولية ترك الحراك لمصيره، ومع أنّ فشله في استقطابها يُحسَب عليه كحراك "عابر للطبقات" والمناطق إلا أنّ مسؤوليتها تبقى أكبر، فهي التي توفّر للسلطة مواردها عبر دفعها للضرائب وهي التي تُكسبها "الشرعية" عبر الاستمرار في دعم مسرحية الحوار خارج المؤسّسات الدستورية للدولة، وهي التي تستفيد من الزبائنية السياسية التي يتمّ بموجبها تأمين الخدمات لها لقاء دعمها هذا الزعيم أو ذاك.
هذا النمط من التبادل النفعي مع السلطة لم يعد يعمل كما يجب، فبعد تراكم النفايات في الشوارع نتيجة لعجز السلطة عن إيجاد حلّ بيئي لها ستتزايد مشاكل الكهرباء والمياه (رمزية استخدام هذا الكمّ من المياه ضدّ المتظاهرين يوم الخميس الماضي كانت لافتة جداً)، وستصبح الدولة عاجزة حتى عن إيصال أبسط الخدمات إلى الناس. في هذه الحالة لن يتحقّق الاستقرار الذي ترمي إليه الطبقة الوسطى في لبنان، وسيغدو جهاز الدولة الحالي عاجزاً عن القيام بعملية التوزيع التي كانت السلطة تحافظ بموجبها على العلاقة الوظيفية مع الطبقات الاجتماعية اللبنانية، إذ يتلازم "الاستقرار" هنا مع قيام الدولة بواجباتها تجاه المجتمع، وحين لا تعود قادرة على فعل ذلك يصبح الناس في حلّ من هذه العلاقة ويبدؤون بالبحث عن بديل للوضع القائم. في السابق لم يكن هذا البديل موجوداً، ولذلك كان مفهوماً أن يتمسّك الناس بالوضع القائم إلى حين إيجاده، أما الآن فليس منطقياً أنّ تستمرّ هذه الحالة في ظلّ توافر طروحات قد لا تكون بديلة بالكامل ولكنها على الأقلّ تطرح تصوّراً مختلفاً لوظيفة الدولة في السياق اللبناني. مفهوم مكافحة الفساد الذي يتعمّد الحراك طرحه بهذه الصيغة لعدم إخافة الطبقات الثرية والوسطى العليا من فكرة إعادة توزيع الثروة (التي تنتمي إلى معجم الثورة) هو المدخل الممكن إلى هذه الدولة المنشودة، وان لم تتبناه الطبقة الوسطى بسرعة وتعمد إلى احتضانه بوصفها حامله الاجتماعي الممكن فسيبقى في إطاره النظري، وسيتحوّل مع الوقت إلى حالة نوستالجية شبيهة بحالة البرنامج المرحلي للحركة الوطنية. حينها كانت الحالة الثورية أكبر وأكثر زخماً بكثير وكانت صورة التحالفات الاجتماعية التي تقود عملية التغيير أوضح من الآن ولكنها لم تستمرّ بفعل قيام الحرب وإصرار السلطة على إغراق البلد بالفوضى، فبقيت تعبّر - أي الحالة الثورية - عن توق اللبنانيين أو على الأقلّ شريحة كبيرة منهم إلى الخلاص من حكم الطغم المالية والإقطاعية، وتحوّلت مع مرور الزمن إلى صيغة مشتهاة أكثر منها واقعية. وهذا في حدّ ذاته تعبير عن الانسداد الذي تشعر به شرائح اجتماعية واسعة في لبنان تجاه صيغة الحكم التي كانت قائمة قبل الحرب واستمرّت بعدها مع بعض التعديل في التوازنات الاجتماعية. أما الآن "فالحراك لا يَعِد بالكثير" في ظلّ عدم وجود حاضن اجتماعي كبير له، ولكنه على الأقلّ يحاول، ومحاولته تصطدم حتى اليوم بامتناع الكتلة الاجتماعية التي يمثّل مصالحها نظرياً عن دعمه، وهذه هي المعضلة الكبرى التي تعيق تقدّمه وتبقيه في حالة مراوحة واشتباك جزئي مع النظام. حتّى معركة الخميس الكبرى بقيت عند هذه الحدود ولم تتعدّاها رغم الشجاعة الفائقة التي أبداها المتظاهرون والمتظاهرات في مقارعة السلطة ومنعها من سحق النواة التي يمثّلونها. والحال أن تجاوز هذه المحدودية مشروط بتوسّع الحراك وضمّه لفئات اجتماعية أوسع من تلك التي يتوجّه إليها بخطابه، وهنا يواجه هذا الأخير مشكلة حقيقية. فهذه الفئات لديها كما قلنا مراراً وعي سياسي محافظ يمنعها من الربط بين أسباب الأزمات ونتائجها، وهذا الوعي يتم التعبير عنه بمصطلح رائج اسمه الخوف من الفوضى، وهو يستحقّ وقفة بالفعل، حتى لا يتحوّل إلى أداة دائمة بيد السلطة. لا شكّ إذاً أنّ هذا التعبير عن الخوف هو الذي يسمح للنظام بتعميم خطاب ايديولوجي يميني يربط بين الحراك والفوضى، ويضمن باستمرار إبقاء الوضع في حالة مراوحة، بحيث لا يتوسّع الحراك أكثر ولا تضعف السلطة إلى الحدّ الذي تصبح فيه مُجبَرة على تقديم تنازلات. استمرار هذه الوضعية يحدّ من وصول الحراك إلى نواة النظام، ويبقيه عند الهوامش، وهو بالضبط ما عبرت عنه (على الأقلّ رمزياً) انتفاضة الخميس التي حاولت الوصول إلى قلب ساحة النجمة ولم تستطع رغم كلّ ما قدمته من تضحيات. حالياً الوصول إلى هناك - بالمعنى الرمزي- أضحى مستحيلاً إلا في حالة خروج الحراك من "استنقاعه" ودخول فئات اجتماعية جديدة إليه. هذه الفئات يجب أن تكون من ضمن القاعدة الاجتماعية للنظام، فبقاؤها إلى جانبه سيصعّب مهمّة الحراك ولن يترك له حتى الهوامش. يوم الخميس الماضي قامت السلطة بأوّل محاولة جدية لإزالة الهامش الذي يعمل من خلاله الحراك، وعليه أصبحت المهمّة الآن أصعب، فبدون هامش سيغدو إيصال الخطاب إلى الناس مستحيلاً، وعندها لن تنتهي الحركة فحسب بل الخطاب المطلبي الذي يعبّر عن مصالح الطبقة الوسطى والفئات المهمّشة في لبنان. في كلّ المحطات السابقة كان الحراك هو المسؤول عن حال المراوحة التي وصل إليها، أما الآن وفي ظلّ تصميم السلطة على انهائه وحرمانه حتى من الهامش فسيبدو تحميله المسؤولية مجدّداً ضرباً من العبث. من يتحمّل المسؤولية هذه المرّة هي الطبقة التي يدافع الحراك عن مصالحها ولا يلقى في مقابل هذا الدفاع أيّ دعم منها، لا بل تصل الوقاحة عند بعض أطرافها (وخصوصاً العليا منها) حدّ مطالبة السلطة بإنهائه وتشريع كلّ ما يسمح بقمعه ضمن "الإطار القانوني". هذا السلوك ليس تعبيراً عن الخوف من الفوضى بقدر ما هو استمرار لزواج المصلحة مع النظام وشبكاته الزبائنية، وهو ما يضع الطبقة الوسطى في لبنان أمام تحدٍّ حقيقي: فإما أن تبقى مع النظام كما هو وبذلك تضع مكتسباتها الكثيرة في يد سلطة تتآكل يومياً ولا تقدر حتى على حماية نفسها، أو أن تنضمّ إلى الحراك على علّاته الكثيرة، وبذلك تكون قد وضعت رجلاً في المستقبل على الرغم من عدم وضوحه واعتماده حتى الآن على خيارات الحراك وتكتيكاته. في الحالة الثانية لن يعود النظام كما هو، ولكنه سيضمن لهذه الفئة ولغيرها القدرة على المساءلة والمحاسبة وسيسمح لها بسحب الشرعية المعطاة إليه في حال أخلّ بواجباته تجاهها، وهذا كاف بحدّ ذاته للقول بأنّ "النظام قد تغيّر" وأصبح ممثلاّ فعلياً لمصالح الطبقات الاجتماعية التي يدّعي تمثيلها. * كاتب سوري
فيما تغرق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وحول الفاشية والتدخلات الأجنبية التي تدعمها، والتدمير والفوضى التي خلقتها القوى الرأسمالية التي إجتاحت عدة دول في المنطقة إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. الإحتلال الصهيوني لفلسطين لايزال يدمر فلسطين وأهلها، في صمت دولي على إنتهاكات الإحتلال. في وسط فشل الرأسمالية بتثبيت خططها التفتيتية المسيطرة على المنطقة من العراق إلى ليبيا إلى سوريا واليمن، وبداية بروز حل سياسي يمكن أن يخفف من سيطرة القوى الرأسمالية وينعكس على القضية الفلسطينية. وفي جو من التراجع الرسمي الفلسطيني والإنقسامات الداخلية، يثبت الشعب الفلسطيني مرة جديدة تمسكه بأرضه ووطنه، وبأحقية مقاومته الإحتلال. وبتقدمه في العديد من الأحداث في فرض معادلة المقاومة لإسترجاع أرضه.
يحيي إتحاد الشباب الديمقراطي العالمي الشعب الفلسطيني في مضالهم نحو دولة محررة، ويدعم نضالهم وحقهم في مقاومة الإحتلال في جميع الطرق المناسبة. كما يدعو إلى عودة جميع اللاجئيين اللسطينيين إلى أرضهم وتحرير المعتقلين من السجون الإسرائيلية.
إتحاد الشباب الديمقراطي العالمي
بودابست، 8 تشرين أول، 2015
فقدت السلطة أعصابها كلياً، وبدت كأنها لم تعد تمتلك غير القمع جواباً على مطالب المتظاهرين برفع النفايات من الشوارع. أمس، لم تتردد في تحويل وسط بيروت الى ساحة مواجهات عنيفة، لتخفي فشلها المستمر في إيجاد الحلول لواحدة من أخطر الازمات التي تهدد المقيمين في بيروت وجبل ولبنان مع بداية موسم الامطار. عشرات الجرحى والمعتقلين هي حصيلة هذه المواجهات التي استمرت الى ما بعد منتصف الليل وحولت جزءاً من الساحة الى خراب.
إيفا الشوفي - الاخبار
جولة أخرى من AffinityCMSت القمع مارستها وزارة الداخلية أمس بغطاء من قوى السلطة المختلفة. لم يكن القرار يحتاج الى أي حجّة. ففي الوقت المحدد، عندما اكتمل الحشد في الاعتصام الذي دعت اليه مجموعات الحراك الشعبي في ساحة الشهداء، قُطع التيار الكهربائي عن منطقة وسط بيروت، وبدأت سيارات الاطفاء رش المتظاهرين والمتظاهرات بالمياه على مدى ساعات طويلة ومن دون توقف.
تحرّكت فرق مكافحة الشغب لفض التجمعات باستخدام العنف المفرط والايذاء الجسدي، أطلقت قنابل الغاز و"الحجارة" بكثافة على الرؤوس والاجساد، وقع عدد من الجرحى وأصيب العديد بالاختناق، وتم اعتقال العشرات من الشبان والشابات واقتيدوا الى مراكز الحجز الاعتباطي. هناك انتظر المحامون طويلاً قبل السماح لهم بمقابلتهم، واكتشفوا أن إشارة صدرت عن مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية صقر صقر تقضي بتوقيفهم من دون إسناد أي تهم محددة اليهم، في انتهاك فاضح لأبسط الحقوق ومبادئ العدالة والاصول القانونية، بل إن قوى الامن الداخلي لاحقت بعض الجرحى الى المستشفيات وقامت باعتقالهم بطرق ملتوية، حيث أمضت أسر هؤلاء ليلها وهي تبحث عن أولادها الجرحى في المخافر من دون أن تعلم بمراكز احتجازهم... هذه بعض الامثلة عن الاجوبة التي تلقتها الحركة الاحتجاجية، أمس، لقاء مطالبتها بعقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء من أجل رفع النفايات من الشوارع واعتماد الحلول البيئية.
في ظل هذا المشهد المتكرر، ساد صمت "قوى السلطة". لا تعليق ولا إدانة ولا استفسار عن مواطنين ومواطنات جرى التنكيل بهم، وشمل هذا التنكيل صحافيين وإعلاميين يؤدون واجباتهم المهنية، ما عدا بيان صدر عن الأمانة العامة لقوى 14 آذار، وأثار ردود فعل واسعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، رأى أن "التظاهرات انزلقت في اتجاه مشبوه"، وطلب "عدم السماح لإدخال لبنان في مجهول أمني ودستوري وسياسي في مرحلة شديدة الخطورة". إذاً، تُرك الكلام لقوى الامن الداخلي ميدانياً، وعبر بيانات متتالية تبرر به عنفها، إذ أعلنت أن وصول الناس الى ساحة عامة، هي ساحة النجمة، "قد يؤدي إلى عواقب لا تحمد عقباها"، وأن استخدام "وسائل مكافحة الشغب من خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع تستخدم في أرقى الدول الديموقراطية حفاظاً على السلامة العامة ومنعاً لتفاقم الأمور"! وأنكرت قوى الامن الداخلي في بيانات أخرى أن تكون قد أوقفت أياً من الجرحى في المستشفيات، وهو ما كذّبته شهادات إحدى الاسر في منتصف الليل وناشطين في مجموعات الحراك.
أبى وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إلّا أن يكون المستهدف الأول في تظاهرة أمس. استقالته أصبحت مطلباً أساسياً بعد أن كرّس نفسه المسؤول الأول عن القمع الوحشي الذي يتعرض له المتظاهرون. وحتى منتصف الليل كان قد تم اعتقال عشرات المتظاهرين، ومن بينهم قاصرون ومنظّمون في الحراك، وأعلن الصليب الاحمر أنه نقل أكثر من 35 حالة اختناق وعشرات الجرحى الى المستشفيات. منذ الساعة السادسة مساءً بدأ الناس يتوافدون إلى ساحة الشهداء. المشهد الاعتيادي بقي نفسه: مجموعات الحراك اختار كل منها مكاناً للتجمع، فالتقى ناشطو حملة "بدنا نحاسب" في ساحة رياض الصلح، ودخلت حملة "جايي التغيير" من جهة مسجد محمد الأمين، وكذلك حملة "الشعب يريد"، فيما اجتمع أفراد حملة "طلعت ريحتكم" في ساحة الشهداء، بينما دخلت مجموعات أخرى من جهة الصيفي، ليلتقوا جميعهم أمام الحائط الإسمنتي أسفل مبنى النهار. على الرغم من أنّ المطلب الاساسي للتظاهرة كان عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء من أجل حل مسألة النفايات، إلا أن المجموعات تمسّكت بخطابها المطالب بمحاسبة الفاسدين. تحدّثت بعض المجموعات عن موت الأطفال على أبواب المستشفيات، فيما رأت مجموعات أخرى أن المشكلة الأساسية تكمن في "النظام الأبوي القاتل"، مطالبةً بالعدالة الاجتماعية والمساواة. الجميع أراد الدخول الى ساحة النجمة، وقد زاد الحائط المنصوب أمامهم رغبتهم في ذلك. استفزّ هذا الحائط المتظاهرين، خصوصاً أنهم أعلنوا سابقاً أنّ وجهتهم هي ساحة النجمة، فبدأوا برفع الحواجز الحديدية الفاصلة، إلى أن تمكنوا من إزالتها بالكامل وإطاحة الحائط استعداداً للدخول إلى الساحة.
هنا، قُطِعت الكهرباء عن الساحة، وسيطر الظلام، فبدأت القوى الأمنية تزيد منسوب عنفها: انطلقت حملة اعتقالات عشوائية، أطلقت القنابل المسيلة للدموع على رؤوس المتظاهرين بأعداد هائلة ومن كل الجهات، ما أدّى إلى محاصرتهم واختناق عدد كبير منهم، كذلك لاحقت المتظاهرين بخراطيم المياه على مسافات بعيدة، ما أثبت أنّ هذه القوى لا تسعى إلى تفرقة المتظاهرين فقط، بل تريد فعلاً أذيتهم. أبى المتظاهرون مغادرة الساحة قبل إطلاق سراح جميع المعتقلين، وأعلنوا أنهم ليسوا "حراكاً" بعد الآن، بل أصبحت حركتهم "انتفاضة" ضد السلطة وأجهزتها الأمنية. هدّد هؤلاء بالتصعيد أمام المخافر والثكنات والمحكمة العسكرية إذا استمرت الدولة في التعامل بهذه الطريقة البوليسية مع المتظاهرين. كلما ازداد قمع القوى الأمنية ازداد إصرار المتظاهرين على المواجهة. شعار "ارحل يا مشنوق" سيطر على هتافات الناس، إذ إنّ قمع القوى الأمنية طال هذه المرة عدداً كبيراً جداً من الموجودين في ساحة الشهداء. وعليه، حمّلت "طلعت ريحتكم" "وزير الداخلية نهاد المشنوق المسؤولية الكاملة عن التصعيد الامني ضد المتظاهرين"، معلنةً عن خطوات تصعيدية مفاجئة ستنفذها رداً على هذه الممارسات. حملة "بدنا نحاسب" أعلنت في بيان لها "أن ساحة النجمة ليست ملكية خاصة لرئيس مجلس النواب، ومن حقنا أن نتظاهر في داخلها، ولا يجوز لوزير الداخلية منعنا من ذلك إرضاءً لنرجسية شخص أياً يكن". كذلك رأت الحملة أنّ "الضرب بالهراوات ورش المياه وإلقاء القنابل المسيلة للدموع والدخانية أصبح سلوكاً روتينياً خطيراً يستفز المحتجين ويهدد بانفلات الأمور"، مدينةً "سلوك الأجهزة الأمنية" ومحمّلةً "وزير الداخلية المسؤولية الكاملة عن أفعالها". مع تقدّم الساعات، تحوّل محيط مبنى النهار إلى مستنقع مياه بعدما استخدمت القوى الأمنية كميات هائلة من المياه، إذ لم تتوقف خراطيم المياه منذ الساعة السابعة مساءً حتى ما بعد منتصف الليل. وسط هذه الأجواء كانت قوى الأمن الداخلي تُصدر بيانات عن إصابة أعداد من عناصرها. إلا أنّ ادعاءات قوى الأمن عن تعرّض المتظاهرين لعناصرها بطلت تلقائياً مع إحصاء أعداد الجرحى في صفوف المتظاهرين الذين رُموا بالحجارة من قبل العناصر الامنية وتعرضوا للضرب بالهراوات واستُهدفوا بالقنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه. عند الساعة 12.30 بعد منتصف الليل دخلت فرق مكافحة الشغب الى ساحة الاعتصام وانقضّت على من بقي فيها وقامت باعتقالهم، ومارست العنف الجسدي ضدهم أمام كاميرات التلفزيون، فيما المتظاهرون الآخرون انتقلوا الى ثكنة الحلو في شارع مار الياس للتضامن مع المعتقلين والمعتقلات والإصرار على تحريرهم، وهو ما لم تستجب له السلطة.
المناضل الذي ولد في القدس يشكّل محور كتاب «طريق الكفاح في فلسطين والمشرق العربي ــــ مذكرات القائد الشيوعي محمود الأطرش المغربي (1903-1939)» الذي أعده وحرره ماهر الشريف لـ «مؤسسة الدراسات الفلسطينية». مسيرة تمتدّ على أكثر من 75 سنة من النشاط الثوري المتقد و»إقامات» في سجون العالمين العربي والغربي. شارك في تأسيس كثيرٍ من الأحزاب الشيوعية، ووصل بنشاطه إلى موسكو
عبدالرحمن جاسم - الاخبار
لا ريب في أن تأريخ المنطقة (ورجالاتها حكماً) خصوصاً إبان مراحل الثورات المتأججة والتحرر (ونعني بها من عام 1900 وصولاً حتى النكبة 1948) هو عملٌ شاقٌ ومضنٍ، ليس لقلة المراجع التي تناولت المرحلة فحسب، بل لأنّ غنى التفاصيل وتشعبها يجعلان القارئ/ الباحث لتلك المرحلة عاجزاً عن حذف تفصيلٍ أو إغفال آخر. يأتي كتاب «طريق الكفاح في فلسطين والمشرق العربي ــ مذكرات القائد الشيوعي محمود الأطرش المغربي (1903-1939)» (مؤسسة الدراسات الفلسطينية) الذي أعده وحرره ماهر الشريف، ليتناول جانباً من حياة إحدى أشهر الشخصيات الشيوعية العربية محمود الأطرش المغربي (1903- 1978).
يمتد تاريخ المغربي النضالي على أكثر من 75 سنة كاملةً من النشاط الثوري المتقد في قارات العالم «المتحرّكة». شارك المغربي في تأسيس كثيرٍ من الأحزاب الشيوعية العربية، كما في بنائها عموماً مثل: «الحزب الشيوعي الفلسطيني»، و«الحزب الشيوعي السوري- اللبناني»، و«الحزب الشيوعي العراقي». كذلك، شارك في إعادة بناء «الحزب الشيوعي المصري»، وعمل مع «الحزب الشيوعي الجزائري» إبان الثورة الجزائرية الكبرى. تعدّى نشاطه العالم العربي ليصل إلى عاصمة القرار الشيوعي في العالم آنذاك موسكو التي وفدها دارساً في أول الأمر، ليعود ويصبح عضواً في اللجنة التنفيذية لـ «الكومنترن» عام 1935، ثم ممثلاً للأحزب العربية فيه بين 1936 و1938. شهد الرجل تاريخاً عاصفاً، ومؤثراً وصانعاً في لحظةٍ ما، لذلك نال كتاباً لربما ذا حجمٍ كبير، إلا أنه يستحقه. ولد المغربي في القدس في كانون الأول (ديسمبر) عام 1903 لأبوين جزائريين، لكنه عاش في عاصمة البحر الفلسطينية، يافا حيث عمل في قطاع البناء. سرعان ما أضحى الشاب نجماً في الأوساط العمالية والشيوعية، بعدما تعرّف إلى الشيوعية عن طريق بعض الشيوعيين اليهود، منتمياً إلى «منظمة الشبيبة الشيوعية». «لم أدرِ ما الذي دفعني إلى الذهاب إلى مرفأ مدينة يافا في أوائل العشرينات لمشاهدة الباخرة البلشفية «إيليتش» وكانت من أضخم البواخر الراسية أمام مرفأ المدينة.
كما لم أدرِ سبب تلك الرغبة التي كانت تدفعني إلى الاستزادة دائماً في معرفة الحركة الشيوعية والبلشفيك ولينين وثورة أكتوبر». هكذا، يعترف المغربي بأنه كان مشدوهاً صوب التجربة الشيوعية البلشفية، وهي التي كانت آنذاك «نجمةً» بين الحركات الثورية التحررية. «كنت أفكر في نفسي أحياناً كيف استطاع عمال وفلاحون مثلنا أخذ السلطة». لقد عانى كعربي مقيمٍ في فلسطين من مشكلة حقوقه «كعامل»، ذلك أن نقابات العمال الصهيونية «الهستدروت» رفضت طلبه كما أي عربي آخر، بعدما تقدم به ظناً منه أنها نقابة لجميع العمال العرب واليهود. حاول المغربي تنظيم نقاباتٍ لعمال البناء والمرفأ في المدينة أكثر من مرة، وتنبه منذ البداية إلى ما يحدث في فلسطين، فالصحف العربية كانت تمتلئ آنذاك، بالدعاية الصهيونية التي كان ينفق «الصهاينة» عليها بسخاء لـ «تبشير» الشعب الفلسطيني بحمائد هجرة اليهود إلى فلسطين، و«ما سيجره ذلك من الخير العميم والتقدم والازدهار الصناعي والزراعي والعلمي». كان كل ذلك يحدث من دون أي «رادعٍ» فعلي من أي اتجاه «حقيقي» يقف كالند وفي المواجهة الفعلية لما يحدث. كل هذا دفع المغربي إلى «تبنّي» الفكر الشيوعي الذي كان الأقرب إلى تطلعاته، وكان ربما الوحيد حينها الذي قدّم فكرة «قدرة» العمّال على تحقيق ما يصبون إليه بالحرية والعدالة قبل أي شيء. دفعت أنشطة المغربي الكثيرة وتفاعله مع العمّال ورفقاء النضال الشيوعيين قيادة «الحزب الشيوعي الفلسطيني» إلى ايفاده للسفر إلى موسكو (عام 1927) للدراسة في «الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق» (جامعة تأسست عام 1920 لتثقيف الكوادر الشيوعية في مجالات الاقتصاد السياسي والفلسفة الماركسية كما الإدارة الاشتراكية). وكان أبرز ما نتج من تلك الرحلة هو مشروع «تعريب» الحزب الشيوعي الفلسطيني، من خلال إعداد كوادر حزبية عربية تستطيع المساهمة بفعالية في قيادة النشاط الشيوعي بين العمال والفلاحين العرب. ذلك أن «الحزب الشيوعي الفلسطيني»، بقي حتى تلك اللحظة يعاني كثيراً من تأثير «اليهود» الذين كانوا من أتى بالفكرة إلى بلادٍ «لا يعرفون لغة شعبها ولا عاداته ولا تقاليده» فكيف يمكنهم إنشاء حزب «جماهيري» من هذا النوع؟ فهناك «مشاعر عدم الثقة التقليدية تجاه اليهود، وغياب أي نوع من الأدبيات الاشتراكية باللغة العربية، وعدم اطلاع الأوروبيين على لغة الجماهير العربية ونمط حياتها». طبق المغربي هذا المشروع لاحقاً في غالبية الأحزاب الشيوعية العربية التي عمل عليها وفيها. كانت نضالات المغربي تقوده دوماً إلى مواجهات «مباشرة» مع السلطات «القمعية»، وربما هو دأب حياة المناضلين. من السجون في فلسطين (سجن في القدس عام 1935)، إلى بيروت (1936) فسجون العالم؛ من باريس وسجن «لاسنتي» هناك (1938) حيث تعرض لاتهام خطيرٍ للغاية بمحاولة اغتيال ملك إنكلترا آنذاك جورج السادس (كان في زيارة رسمية للعاصمة الفرنسية)، إلى الجزائر (التي كانت تحت الاحتلال الفرنسي وقتها) وسجن «باربروس» القاسي للغاية (1939)، ثم معتقلي بني مسوس ودويرة (عام 1958). وبعد تحرر الجزائر، اعتقله النظام الجديد عام 1956 ليفرج عنه بعد اضرابه عن الطعام لأكثر من 21 يوماً. كان الرجل الذي استخدم «مراد» و«سليم عبود»، و«أبو داوود»، و«مسعود» و«إيزيدور» أسماء حركية في رحلة نضاله الطويلة، عاشقاً للثقافة ومنقاداً إليها، ممارساً حقيقياً لها. فضلاً عن قراءته النهمة، كان يكتب بغزارة، وشارك في تحرير العديد من الصحف والمطبوعات كـ «الصاعقة»، و«نضال الشعب»، و«الشرق العربي»، و«المراسلات الصحافية الأممية»، و«الأممية الشيوعية». فضلاً عن كتابته العديد من الدراسات مثل «فلسطين من الأمس إلى اليوم»، ودراسة عن الوحدة العربية وعن السودان، ليعود ويكتب مذكراته بنفسه على أكثر من 700 صفحة. في المحصّلة؛ يروي الكتاب (22 فصلاً)، لا تأريخاً فحسب، بل حكاياتٍ منسيةٍ من التاريخ العربي/ المشرقي بامتياز. هو يتناول تفاصيل ويعاقرها بشكلٍ دقيق وبجهدٍ كبيرٍ وواضح في البحث والمتابعة وحتى التعريف بالشخصيات التي ورد ذكرها في المذكرات. يقارب الكتاب وبشكل توصيفي زوايا لم يتناولها أي كتاب تأريخي- سِيَري مسبقاً، من خلال رصدها بعين الرائي والمشارك لا مجرد المتابع فحسب، من هنا قيمته واستحقاقه لمكانةٍ مرتفعة بين مثيلاته من النوع نفسه.