ثلاثون عامًا مضت.. ثلاثون عامًا على اغتيال الفكر.
يطل علينا الثامن عشر من أيار مذكّرًا برحيل مهدي عامل المفاجئ. وإذ بنا نخرج الأوراق من الدرج، لتنهض من غفوتك أمامنا وتتجسد فكرًا يأخذنا إلى مكتبك المليء بمحاضرات ومقالات تتمحور حول المثقف الثوري، الجدل و التناقض، التغيير والثورة، الدولة الطائفية....
لا شك أن هذا ما أخافهم فقتلوك... هم قتلوا الجسد لكنهم لم يقتلوا الفكر. فقد رحل مهدي وبقي الفكر الذي استمروا في محاصرته والإطباق عليه، لكننا كنّا نتسلّل وما زلنا إلى بقعة الضوء تلك في فكرك لننهل منها بعضًا منك، فترينا مجدّدًا ما عجزوا عن إخماده كالصراع الطبقي، المجتمع، الطوائف، والحرب الأهلية....
إننا كلما نرى كتبك وحامليها نتأكد أنك ما زلت بيننا. ما زالت نصوصك منبعًا لذاك التمرد القائم فينا، تشذّبه وتغنينا. وها نحن اليوم نكتب عن فكر المقاوم المغامر والجريء. هو الفكر الذي استشهد لحظة تبيان الحقيقة. والجليّ هنا أن من أقدم على قتلك يمثّل اللافكر، الهارب اللاجئ الذي يختبئ بين الأزقة. والجليّ أكثر أن تلك الرصاصة لم تقتلك بل قتلتهم لأنها أثبتت مقولة غسان كنفاني "تسقط الأجساد لا الفكرة".
الآن وبعد ثلاثين سنة على رحيلك، لن يسقط الفكر ما دمنا له حاملين. مقولاتك الراسخة فينا سوف نرددها دومًا على مسامع قاتليك، ولتلك اليد التي ضغطت على الزناد فأطلقت رصاصة الموت، وفي ذاك الشارع حيث فارقتنا، نقول:
سنبني وطنًا ينهض حجرًا حجرًا فوق قبور تتسخ بكم. أنتم مزبلة التاريخ وبيروت مدينة أحرار قطعوا عهدًا: سنقاومكم.