في بلد لا تُقرّ فيه سلسلة الرتب والرواتب بحجة أن إقرارَها يحتاج إلى تمويل وإيرادات، وفي بلد كثُر فيه الحديث في الآونة الأخيرة عن ضرورة وقف الهدر والفساد لتمويل الخزينة وتخفيض العجز، أجرت "الدولية للمعلومات" دراسة عن المدارس الخاصة المجانية في لبنان (المدعومة من خزينة الدولة)، وحملت أرقام هذه الدراسة مفاجآت صادمة، حيث تظهر أنه بمقدور الدولة البحث عن مصادر تمويل للسلسلة ولغيرها عبر إجراءات بسيطة تتمثّل في وقف الهدر في هذا القطاع على سبيل المثال لا الحصر.
واستنادًا إلى الدراسة المذكورة، تبيّن التالي:
عدد المدارس الخاصة المجانية في لبنان يبلغ 371 مدرسة موزعة على الشكل التالي: 87 مدرسة في بيروت وضواحيها، 95 مدرسة في البقاع، 82 مدرسة في الشمال، 33 مدرسة في الجنوب، 39 في النبطية، و35 مدرسة في جبل لبنان.
الهدف الأساسي لإنشاء هذه المدارس هو توزيعها على الأرياف حيث لم يكن هناك وجود للمدارس الرسمية، بينما تكشف الدراسة نفسها أن أكثرية هذه المدارس تتوزع بالقرب من المدارس الرسمية، ما يعني أن الحكومة تدفع لدعم التعليم مرتين: مرة للمدرسة الرسمية ومرة أخرى للمدرسة الخاصة المجانية. وللتذكير، فإن موزانة العام 2017 لحظت تخصيص مبلغ 115 مليار ليرة لدعم هذه المدارس، وبحسب الدراسة يمكن أن يرتفع هذا المبلغ ليصل إلى 140 مليار ليرة.
وكشفت دراسة "الدولية للمعلومات" أيضًا أن مستوى أكثرية هذه المدارس لا يرقى إلى المطلوب، مستندة إلى تقارير المفتشين التربويين التي أشارت إلى أن هذه المدارس تضم 7329 أستاذًا أي بنسبة أستاذ لكل نحو 20 تلميذاً، بينما العدد في التعليم الرسمي هو أستاذ لكل سبعة تلاميذ، وفي المدارس الخاصة غير المجانية هو أستاذ لكل 11 تلميذاً.
وفي الأرقام المُعلَنة، تضم المدارس المجانية الخاصة 142694 تلميذاً أي بنسبة 13.7% من تلامذة التعليم ما قبل الجامعي. ولكن في دراسة "الدولية للمعلومات"، المستندة إلى تقارير التفتيش التربوي المركزي، يتبين أن عددًا كبيرًا من هذه المدارس تضيف إلى لوائحها أسماء طلاب وهميين كي لا تخفّض حصّتها المالية من الدعم الرسمي.
لكلّ ما تقدم، يجوز السؤال، إذا كان الهدف الحقيقي للحكومة ولمجلس النواب، هو البحث عن واردات إضافية ووقف مزاريب الهدر والفساد، أليس من المنطقي سحب الرخص من هذه المدارس (أو بعضها) لعدم مطابقتها للمواصفات، مما يشكل دعمًا لموارد الخزينة؟ لماذا لا يُصار إلى التدقيق بهذه المعلومات وإجراء تحقيق شفّاف يكشف عن المدارس التي يصحّ أن تطلق عليها هذه الصفة والتي يجب أن تستمر؟
تجدر الإشارة هنا إلى أن أغلبية هذه المدارس تحظى بغطاء ديني أو سياسي.
سؤال آخر يطرح نفسه في هذا الصدد، ويتعلق بالسبب الذي يمنع الحكومة من تحديث الرخص لهذه المدارس، حيث أن 222 مدرسة مجانية من أصل 371 حصلت على رخصتها ما قبل العام 1985. هل أتى هذا الأمر من باب الصدفة أم أن الحكومة اكتفت بهذا العدد لتغطية كافة المناطق، والتي يجب أن تتضمنها المناطق الريفية التي يجد سكانها مشقّة في انتقالهم إلى مدن أخرى من أجل التحصيل العلمي الأساسي؟
إن هذه المعلومات بمتناول الجميع، وعلى وزارة التربية متابعتها والعمل على كشف الخيط الابيض من الاسود، لطمأنة المواطن من جهة وللحد من مزاريب الهدر من جهة ثانية.
المصدر: موقع النشرة
يمكنكم الاطّلاع على الدراسة كاملةً، والتي تتناول التعليم ما قبل الجامعي خلال عشر سنوات، على الرابط التالي:
http://monthlymagazine.com/ar-article-desc_4350_التعليم-ما-قبل-الجامعي