قبل يومين، صوّت نواب «حزب العمّال» بحجب الثقة عن جيريمي كوربين، وقد أيّدهم في ذلك كل من توني بلير وديفيد كاميرون. رفض كوربين الاستقالة، مستنداً إلى الشرعية التي منحه إياها «أعضاء الحزب... الذين أرفض خيانتهم»
رنا حربي - الاخبار
عندما فاز جيريمي كوربين برئاسة «حزب العمّال» البريطاني في 12 أيلول 2015، رأت صحف عالمية أنّ «صديق العرب» و«عدو الرأسمالية» قد أحدث «زلزالاً» في سياسة الحزب، وأن فوزه سيكون المسمار الأخير في نعش «الوسطية» التي أنتهجها حزبه تحت قيادة توني بلير. هذا «الزلزال» بدأت تظهر تداعياته اليوم، إذ يواجه كوربين انقلاباً من قبل من رفض «دفن الوسطية» واختار مواجهة «اليساري المتمرد» في حرب داخلية مدمرة، قد يستغلها «الحزب المحافظ» في الانتخابات المقبلة. لم تكن الحرب على كوربين مفاجئة أبداً، خاصةً أن شخصيته المثيرة للجدل وأفكاره «الراديكالية» لا تتماشيان و«طبيعة» الحياة السياسية في بريطانيا.
حتى إنّ لحيته الخفيفة ينظر إليها الكثيرون على أنها شكل من أشكال المعارضة، وهو شخص من «خارج النظام»، ومن الطبيعي أن يعمل «النظام» على إفشاله وعزله، خاصةً أنه نجح في جذب أعداد كبيرة من المناصرين في القطاعات الشعبية والشبابية المختلفة والذين يمثّل كوربين بنظرهم «نفساً جديداً» سيعيد حزب العمال إلى سابق عهده كحركة للطبقة العاملة. ولد كوربين عام 1949 لأبوين كانا ناشطي سلام في فترة الحرب الأهلية الإسبانية، وعمل في الاتحاد العام للخياطين وعمّال الملابس، حتى بدأت حياته السياسية في عام 1974 عندما انتخب عضواً في مجلس هارينغي (المحلي). وفي عام 1983، تم انتخابه كعضو في البرلمان عن دائرة إزلينغتون الشمالية. يؤمن كوربين بالعدالة الاجتماعية والمساواة، ويسعى إلى رفع مستوى الحالة المعيشية للمواطن البريطاني العادي من خلال تحسين الاقتصاد وإصلاح نظام الرعاية الاجتماعية والميزانية. لا يخفي إعجابه بفلسفة كارل ماركس، ويصفه بـ«شخصية ساحرة يمكن أن نتعلم الكثير منها». ينحاز كوربين بشكل صريح إلى الفقراء والمهمّشين، وقد عارض بشراسة سياسة التقشف الأوروبية، ويؤيد فرض ضرائب إضافية على الأثرياء، كذلك عبّر عن دعمه الكامل للنقابات العمّالية، ورفض مشروع اتفاق التبادل الحر بين أوروبا والولايات المتحدة. إضافةً إلى ذلك، أظهرت «فضيحة النفقات الحكومية» داخل بريطانيا عام 2009 أن كوربين (الذي يصل إلى عمله كل يوم على دراجة هوائية) هو أقل النواب البريطانيين إنفاقاً، فقال معلقاً: «يجب علينا مراقبة كل ما ننفقه، لأنها أموال الشعب وليست أموالنا الشخصية». معروف عن كوربين أنه رجل مبدئي، إذ إنه لم يغيّر مواقفه منذ دخول البرلمان، لا سيما تلك التي تتعلق بالسياسة الخارجية لبريطانيا. فهو من المتحمسين للحلول السلمية، وقال بعد ساعات على انتخابه إن «هدفنا يجب أن يكون إيجاد حلول سلمية لمشاكل العالم».
عرف عن كوربين عداؤه للعنصرية، وألقي القبض عليه عام 1984 أثناء تنظيمه احتجاجاً في لندن ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. مُنح جائزة غاندي الدولية للسلام لعام 2013 لأنه «بذل جهوداً حثيثة لإعلاء قيم غاندي للعدالة الاجتماعية ونبذ العنف». وكوربين عضو في حملة «التضامن مع فلسطين»، و«منظمة العفو الدولية»، وحملة «من أجل نزع السلاح النووي» و«أوقفوا الحرب». يعدّ زعيم «العمّال» من مؤيدي القضية الفلسطينية ومن المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، ويعرف بمعارضته للعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. وقد تعرّض للكثير من الانتقاد عندما أشار في مقابلة إلى ضرورة إشراك «حماس» في أي «عملية سلام»، وعند فوزه برئاسة «حزب العمّال» هاجمته الصحافة الإسرائيلية بشراسة، ووصفته بأنه «معاد للسامية». تصدّر كوربين المشهد في الفترة التي أعقبت حربَي أفغانستان والعراق، ولعب دوراً كبيراً في حشد معارضة كبيرة لهاتين الحربين. وعند سؤاله يوماً عن أكثر قرار يفتخر بمعارضته، قال إنه فخور بمعارضته قرار الحرب على العراق في عام 2003. وهو يرى أن على «حزب العمال» الاعتذار من البريطانيين بعد «خداعهم» و«توريطهم» في الحرب على العراق، ومن الشعب العراقي على العذابات التي ألحقت به. وقال في مقابلة: «لقد كانت حرباً غير شرعية، وبالتالي على توني بلير أن يشرح لنا تأييده لها. هل ستتم محاكمته؟ لا أعرف. هل نستطيع محاكمته؟ ربما». أما في ما يتعلق بالأزمة السورية، فيرفض كوربين رفضاً قاطعاً التدخل العسكري، ويقول إنه «ليس مقتنعاً بأن الغارات على سوريا تعطي نتيجة»، مشيراً إلى أنها ستقتل المزيد من المدنيين. وبالنسبة إلى قضية اللاجئين، فقد دعا إلى «إيجاد حلول سلمية» لمواجهة الأزمة، وأول قرار كان قد اتخذه بعد إعلان فوزه كان المشاركة في مظاهرة لدعم اللاجئين. أما في ما يخصّ الولايات المتحدة، فيقول كوربين إن بريطانيا «لعبت دور التابع الأمين» لسياسات أميركا الخارجية على مدار الـ60 عاماً الماضية، ويرى أن على بريطانيا أن تستقل عن الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية، وأن تركز أكثر على حقوق الإنسان. وطالب أكثر من مرة بخروج بريطانيا من حلف «شمال الأطلسي»، وذلك لحجم الأموال المخصصة لميزانية الحلف، إضافة إلى رفضه للحروب التي يشنّها الحلف في مناطق عدة. يعارض كوربين بشدة امتلاك الأسلحة النووية، ويدعو بريطانيا إلى التخلي عن ترسانتها، مؤكداً أنه لن يستخدمها إذا تم انتخابه كرئيس وزراء. أيّد بشكل لافت وحدة ايرلندا، وطالب أكثر من مرة بضرورة رفع العقوبات المفروضة على إيران، معتبراً أنها «لا تجدي نفعاً»، وأنه ينبغي البحث عن وسائل «لا تكون لها تداعيات عكسية وسلبية» على الشعوب. منذ تولّي كوربين رئاسة الحزب، طُرحت التساءلات حول مستقبل الحزب في ظل قيادته «غير التقليدية»، وشكك الكثيرون في قدرته على الفوز في الانتخابات العامة وتشكيل حكومة. وبالرغم من وصف بلير لانتخاب كوربين بـ«الانتحار»، الأخير أعاد إنعاش الحزب على المستوى الشعبي، وشكّل ظاهرة كسرت النمطية السياسية التي تحكم البلاد منذ السبعينيات والثمانينيات.