غسان ديبة - الاخبار
"أنتم أيها الداخلون الى هنا، تخلّوا عن كل آمالكم" جحيم دانته
■ ■ ■
حول طاولة العشاء جلس أربعة من كبار الاقتصاديين السياسيين يناقشون القضايا العامة الحاضرة.
- ادم سميث بمكر واضح قال: استمعت الى أحد البرامج التلفزيونية في ذلك الوطن الصغير لبنان، حيث إنّ رجل دين مسيحياً يتحدث عن الوظائف في الدولة وكيف ان المسيحيين لا يحصلون على حصتهم، واظن انه ذكر "المهمة". لقد اضحكني، اذ انه حمل معه جدولا كبيرا على ورقة كبيرة ليدعم حجته "بالارقام"، كما يقولون هناك. لم استطع ان ارى ما كتب عليها، لكن لا اعلم لماذا ذكرتني الورقة بنظام جداول التصنيف الذي اخترعه فرانسيس بيكون. - نظر ماركس الى سميث بعدما كان مشغولا بالتفكير: آه لا تذكروا هؤلاء، الا يزالون قبائل تتناحر؟ اظن انه في 1860 كتبت عنهم. اخاف منهم هؤلاء اللبنانيين فهم لا يتغيرون بعكس كل شيء. اظن انهم برهنوا انك تستطيع ان تشرب من النهر نفسه مرتين. - مال مالتوس الى جهة ماركس متسائلا: كم يبلغ عدد الشعب اللبناني؟ وكيف ينقسمون بين مسيحيين ومسلمين؟ اريد ان اعرف قبل ان اعطي رأيي. من يتكاثر اكثر؟ هل ينتجون غذاءهم؟ سمعت ان السوشي اليابانية اصبحت من الاكلات المفضلة هناك والسمك المحلي لا يتكاثر كما يجب. فلماذا الخلاف حول وظائف الدولة؟ - سميث: اظنه كان يشير الى وزارة المالية وهي التي بعد الحرب ارادوها عبر الاستدانة ان تكون اسمن من البط الفرنسي الذي يطعمونه بالقوة. على فكرة، الا يتحدث اللبنانيون الفرنسية؟ لا اعلم بالتحديد يا مالتوس لماذا يختلفون، وخصوصا انه قيل لي ان اللبنانيين يحبون الاقتصاد الحر، حتى انهم كتبوا واجب الولاء له في دستورهم. لا اظن انني دعوت الى هذا! - قاطعه ماركس: لا تنسَ... والمبادرة الفردية! - تابع سميث: يبدو عجيبا لي ان شعبا يحب الاسواق الحرة اكثر مني قد يكون مهتما جدا بمن يعمل في الدولة. اليست الدولة "رجل اعمال فاشلا" كما يقولون هناك. فمن يريد العمل عند شخص كذلك؟ ولماذا الناس على سلاحهم، فقد سمعت ان ما يسمونه الان وسائل التواصل الاجتماعي التهبت بعدما عين وزير مالية لويس الرابع عشر، عفوا، اقصد وزير المالية اللبناني، رئيس دائرة مسلما بدلا من مسيحي. - استفاق ريكاردو من سأمه، فهو يحب النماذج المحكمة وبدا له هذا الموضوع متشعبا كثيرا، لكنه بدأ يرى جانبا مضيئا. قال: آه، لا بد ان الريع قد استحوذ على كل شيء في هذا البلد الصغير، والا، كما وصفتموه لي، لكان موضوع الدولة وموظفيها ثانويا. قلت لك عزيزي سميث ان رؤيتك المتفائلة عن الرأسمالية مبالغ فيها، فريع الاراضي سيأكل الربح كله وسيبقى العمال ينعمون فقط بأجور كفاف يومنا. اليس هذا ما يحدث هناك؟ وبالتالي الناس يتعلقون بحبال الليفياثان. اين صديقنا هوبز... لماذا لم تدعوه الى العشاء؟ - تدخل مالتوس قائلا: ليس هناك من غذاء كافٍ لنا كلنا، وهذا ما اظن أنه يحدث في لبنان. وهناك من يتكاثر اكثر من الاخر، بالتالي الاخر يخاف على نفسه. انهم في وضع، كما ذكر صديقنا سبنسر، فيه البقاء للاقوى. - اجاب سميث: لا عزيزي، هناك من اراد ان يبقي وضعه الاحتكاري في الاسواق وفي الدولة ولكنه يرى الامور قد أفلتت من بين يديه. اليس كذلك؟ لكن الاحتكار لا يتعايش مع الاسواق الحرة. وكأنهم فقط قرأوا ما كتبته عن ميل التجار للاحتكار وطبقوه. ظننت ان التنافس يا أعزائي سيحل كل شيء، ولكنني لم اتصور انهم سيتنافسون حتى الموت على وظائف الدولة. تابع سميث: من المضحك ايضا، ان رجل الدين اعطى مثلا عن شركة افران يمتلكها مسلم وارادت ان تفتح في منطقة مسيحية وهي ستوظف مسيحيين حتى يجتذبوا الزبائن، وهو يتساءل لماذا لا تفعل الدولة الشيء نفسه؟ لم اصدق ما كانت تسمعه أذناي! - ماركس: لكن مهلا. هذا يذكرني عزيزي سميث بقصتك التي رويتها في "ثروة الامم" عن عمل الفران الذي يخبز من اجل مصلحته الخاصة، ولكن عمله في النهاية يؤدي الى الصالح العام. مع انك لم تبرهن هذا، وهو أحد اخطائك الكبرى، عدّه الكثيرون من بعدك حقيقة ليست قابلة للجدل، وكأنها مقدسة. رجل الدين هذا ذكي اليس كذلك ايها الموقر؟ موجها كلامه الى مالتوس. - لم ينتبه مالتوس فرد ريكاردو: كل هذا يحصل والعقارات والايجارات هناك تأكل كل شيء. ظننت ان الرأسمالية المتقدمة قد ابطلت صحة نظرياتي، ولكن ها هو بلد في شرق المتوسط يبرهن العكس. لاول مرة احس انني احب اصحاب الاراضي! - ضحك ماركس ونظر الى سميث ومالتوس: انني دائما وجدت نفسي اتفق مع ريكاردو اكثر مما اتفق معكما انتما الاثنين. صحيح ان الريع يأكل الكثير في لبنان، ولكن، كما اطور دائما افكار صديقنا. انا مثل ريكاردو ايضا اجدني احب لاول مرة الراسماليين، فهم فشلوا فشلا ذريعا، ولكن لم يأكلهم الريع فقط، بل ارادوا ان يصبحوا ريعيين أيضا، اي انهم كالحرباء التي تغير لونها، ولكنهم هذه المرة تغيروا الى الابد، وكما دائما يحفرون قبرهم بايديهم. فها هو، كما ذكرت في كتابي رأس المال، معدل الربح ينخفض ربما لاول مرة بوضوح في نظام راسمالي، فهو عندهم ينخفض في ثالوثهم المفضل في المصارف والعقار والتجارة، فلم يبقَ لهم الا الزبالة كمورد للربح. فما رأيك في هذا يا مالتوس؟ - فوجئ مالتوس فرد متلعثما: الزبالة؟ لا اعلم ماذا تقصد، ولكن قرأت انهم استنفدوا النفط والغاز حتى قبل ان يستخرجوهما. غريبون هؤلاء كيف انهم يصرون على اثبات نظرياتنا جميعا. - ماركس: اظن ان الامر يصل كما قال سميث الى حد "حتى الموت". فهم كابله القرية اخشى ان يعيدوا ما فعلوه في السابق وهم يستحضرون الان اشباح الكراهية. ذكرني رجل الدين هذا بميلوسوفيتش عندما ذهب الى كوسوفو في 1987. ما قاله هناك قوض الجنة الشيوعية في يوغوسلافيا. - قفز ريكاردو الذي كاد ان ينام: كنت احلم بانهم يبيعون صكوك اراضيهم لكن هذه المرة ليحجزوا مكانا لهم في الجحيم. بعد كل ما سمعت، اظن انه علينا ان نستعير منك عزيزي ماركس.. "ان اشباحا تخيم فوق لبنان..".