في كل مرة ينتهي عقد «شركة خرافي ـ ناشيونال» الكويتية، الملتزمة عقد التشغيل والصيانة في مجمع الجامعة اللبنانية في الحدث، يتعرض موظفو الشركة وأهل الجامعة للابتزاز ويجرى استخدامهم كوسيلة للضغط على الدولة اللبنانية. هذه المرة، هددت الشركة بعدم الاستمرار في تسيير المرفق العام ما لم تحصل على وثيقة رسمية تطلب منها ذلك، ثم اكتفت في ما بعد بشرط الحصول على جزء من مستحقاتها المتأخرة 8 أشهر... وفي هذا الوقت، تمتنع الشركة عن تسديد أجور مستخدميها، مخالفة بذلك القوانين والأنظمة المرعية الإجراء
فاتن الحاج - الاخبار
للمرة الثانية يتكرر السيناريو نفسه، إذ تبلغ شركة «خرافي ناشيونال»، المتعهدة تشغيل وصيانة مجمع الجامعة اللبنانية في الحدث، على مدى السنوات العشر الماضية، عمالها وموظفيها، بتوقفها عن سداد الرواتب؛ لأن مجلس الإنماء والإعمار تأخر في دفع مستحقاتها المالية لدى الدولة اللبنانية. للمرة الثانية، تسلك الشركة الطريق نفسه، فترسل للموظفين إنذاراً بالصرف بحجّة أنها ستتوقف عن العمل بعد انتهاء عقدها في 30/9/2015.
قبل ثلاثة أشهر وتحديداً في 1/7/2015، تسلم الموظفون بواسطة «ليبان بوست»، كتاباً يبلغهم بأن العقد الموقع بينهم وبين شركة الخرافي ينتهي بانتهاء العقد مع الحكومة اللبنانية ممثلة بمجلس الإنماء والاعمار، على أن تعد الفترة الممتدة بين تاريخ تبلغهم أو رفضهم تبلغ كتاب الإنذار وبين تاريخ انتهاء العقد هي فترة الإنذار القانونية. الشركة أعلنت، في كتاب الإنذار، أنها تخوض المناقصة العمومية الجديدة للفترة الممتدة بين 1/10/2015 و30/9/2018، فيما علمت «الأخبار» أن هناك شركتين أخريين تشاركان فيها، إلّا أن مجلس الإنماء والإعمار لم يعلن حتى الآن موعد فض العروض، مع العلم أن نتائج المناقصة تحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء عليها، وهو معطّل لا يجتمع. الجديد هذه المرة، كان الإنذار الذي أرسلته الشركة إلى مجلس الإنماء والإعمار، والذي هددت فيه بترك الجامعة اللبنانية في 16 تشرين الثاني الجاري، إذ لم تتسلم كتاباً رسمياً يطلب منها الاستمرار، فأجابها المجلس شفهياً بأن الشركة لا تستطيع أن تتخلى عن تسيير المرفق العام. إلاّ أن مصادر الشركة تلفت إلى أنه ليست هناك فقرات واضحة في دفتر الشروط تلحظ هذا الأمر. في هذا الوقت، أبلغت إدارة الجامعة اللبنانية إدارة الشركة أنّ أي عطل أو ضرر ينشأ عن التخلي عن تشغيل وصيانة التجهيزات والمعدات تتحمّل مسؤوليته الشركة المشغّلة. رد فعل الموظفين المعترضين على عدم دفع رواتبهم وضمان استمرارية عقودهم كان أقسى هذه المرة، إذ جرى تعطيل كامل للمرافق الجامعية، بقطع الكهرباء والإنترنت عن القاعات الدراسية والمدرّجات والمختبرات
فيما اقتصر الأمر في المرّة السابقة في عام 2012، أي عند انتهاء العقد السابق مع الشركة، على بعض الاعتصامات والتحركات الاحتجاجية التي تزامنت مع مسار المناقصة السابقة، لا سيما أن شركة الخرافي كانت قد استبعدت من المناقصة لكونها شركة غير محلية قبل أن يتيح لها الدعم السياسي من الرئيس نبيه بري المشاركة مجدداً والفوز، ولكن بعدما خفضت قيمة عقدها من 33 مليون دولار إلى 31 مليون دولار لالتزام التشغيل والصيانة خلال 3 سنوات. بالنسبة إلى الموظفين، حصلت، بحسب المهندس بديع علي، مناظرة مع شركة الخرافي في وزارة العمل وتم التوقيع على اتفاق ينسف برأيه الانذار، إذ يرعى ديمومة عمل 286 موظفاً في التشغيل والصيانة بالرواتب نفسها المصرح عنها في الضمان الاجتماعي، ودفع رواتب كل الموظفين في مواعيدها أي في التاسع والعشرين من كل شهر، كما جرت العادة. يتحدث علي عن حجم العمل الذي تقوم به الشركة لجهة صيانة أجهزة فنية متطورة، لافتاً إلى ما يسميه إنجازاً تحقق على خلفية الطوفان الذي حدث في عام 2013، إذ تم تشييد بنية تحتية لتصريف مياه الحدث. يقول: «ألم يسأل المسؤولون أنفسهم لِمَ لَمْ تطف الجامعة منذ ذلك الحين؟ هل عقاب الشركة يكون بحرمان الموظف فيها رغيف الخبز؟». يذكر أن عدد الموظفين في التشغيل والصيانة والنظافة والحراسة والزراعة يصل الى 600 موظف. لكن هذا الاتفاق الذي يشير اليه علي، لم يعنِ الكثير لمجموعة من التقنيين، الذين قالوا إنهم لم يروا شيئاً. يشرحون أنهم اليوم بلا عقود وليس في حوزتهم أي مستند رسمي يثبت أنهم لا يزالون يعملون في هذه الشركة، إذ ليس مذكوراً في عقد العمل أننا «يمكن أن نستمر بالرواتب نفسها ولا نعرف شيئاً عن مصيرنا». لا يتردد هؤلاء في الحديث عن غياب الاستقرار الوظيفي، فيما متوسط رواتبهم لا يتجاوز 600 دولار أميركي، كما لم يطرأ أي زيادة على هذه الرواتب منذ 6 سنوات، «ففي 2012 حسموا الزودة التي أخذناها في 2008. في هذه الفترة يقول الموظفون إننا «لسنا موظفي خرافي ولسنا موظفي شي». يوضحون: «أننا اضطررنا للاعتصام ضد شركة الخرافي فهي المسؤولة المباشرة عن دفع مستحقاتنا وليس ضد الجامعة اللبنانية، ثم علقنا التحرك بعدما تلقينا تعهداً بدفع رواتبنا هذا الأسبوع». هكذا، وفي كل مرة ينتهي فيها عقد الشركة، تقع المدينة الجامعية وموظفو الشركة على السواء تحت رحمة المتعهد. في كل مرة، يجد الموظفون أنفسهم مهدّدين بقطع رواتبهم أو بالصرف التعسفي الشامل، فيما اصحاب القرار في الدولة يصرون مجدداً على تلزيم هذه الاعمال الحيوية الى شركة خاصة والارتهان كلياً لمصالحها. يطرح المعنيون بأحوال الجامعة السؤال نفسه: ألم يحن الوقت، لأن تضع الجامعة هيكلية تحدد فيها حاجاتها من العمال والموظفين للقيام بمهمات التشغيل والصيانة فتطلب توظيفهم بمواصفات وشروط عبر مجلس الخدمة المدنية؟ في اعتقاد عمداء ومديرين في الجامعة، أن كلفة التشغيل والصيانة عالية جداً، وبمقدور الجامعة الاستغناء عن نصف كلفة العقد مع شركة الخرافي. إلاّ أنّ هذا ليس رأي عادل مرتضى، رئيس اللجنة الفنية المكلفة من الجامعة بالإشراف على أعمال التشغيل والصيانة، إذ إنّ مجمع جامعي بهذه الضخامة (تبلغ مساحته 800 ألف متر مربع منها 376 ألف متر مربع مساحة مبنية و30 ألف طالب) لا يمكن إلّا أن يدار مركزياً بالمستوى الفني المطلوب وبواسطة شركة تتولى إبرام عقود مع الشركات المصنعة للتجهيرات والمعدات الضخمة للتدفئة والتبريد والكهرباء والمياه التي تقوم هي عملياً بصيانتها. وسأل مرتضى ما إذا كانت الجامعة قادرة على توظيف 32 مهندساً خبيراً لا يقل راتب الواحد منهم عن 5 آلاف دولار وعمال وموظفين بخبرات معينة، مشيراً إلى أنّ التركيبة المالية للجامعة لا تسمح بإدارة عقود من دون موازنة مقدمة منذ بداية العام الجامعي». ورأى أن المبنى القديم لكلية العلوم نموذج سيئ لإدارة الجامعة لهذا المرفق الحيوي بصورة لا مركزية، نافياً أن تكون اللجنة الفنية نفسها التي عينتها الجامعة قادرة على تغطية المهمات المطلوبة. لا ينفي مرتضى أن يكون حصل في السنة الأخيرة للعقد تراجع نسبي في تقديم الخدمات وبعض التأخير في تنفيذ المطلوب، بسبب تأخير المستحقات المالية. لكن أليست كلفة التشغيل والصيانة عالية؟ يجيب: «لا أعتقد ذلك، فمن المعروف أن قيمة هاتين المهمتين تساوي 2.5% من قيمة المباني والتجهيزات التي تساوي اليوم مليار دولار». هذا الرأي، بحسب العديد من اهل الجامعة، ينتمي الى الثقافة السائدة التي تكفر بالدولة وتعتبرها فاشلة وعاجزة ولا امل منها.