تنكبّ المجموعات المختلفة على التحضير للتحرك المركزي مساء الأربعاء في وسط بيروت. عشية هذه المحطة، المتزامنة مع عودة طاولة الحوار، بدا واضحاً أن الداعين الى التحرّك يحاولون حشد أكبر عدد ممكن من المشاركين عبر توسيع رقعة التحرّكات اليومية واستهداف المناطق بعيداً عن بيروت. اليوم وغداً، ستُستكمل التحركات الميدانية اليومية، إذ ستُننفّذ اعتصامات أمام مؤسسة الكهرباء وفي ساحة رياض الصلح، وهناك تحضيرات جارية على قدم وساق لتوسيع رقعة استهداف الأملاك العامة المحتلة باعتبارها النموذج الأكثر وقاحة للسطو على حقوق اللبنانيين
إيفا الشوفي - الاخبار
ماذا سيحصل في 9 أيلول؟ ما هو شكل التحرّك؟ وما هي شعاراته ومطالبه؟ وكيف يجري التحضير له؟ بحسب الناشطين في المجموعات المختلفة، الذين اتصلت بهم «الأخبار»، تسير التحضيرات على خطوط ثلاثة. الأول: تكثيف التحركات الميدانية في بيروت والمناطق، والتي بدأت منذ أيام وتُستكمل اليوم وغداً، ولا سيما بدعوة من مجموعة «بدنا نحاسب» للاعتصام مساء الثلاثاء في مؤسسة كهرباء لبنان، وبدعوة من مجموعة «الشعب يريد» لبدء اعتصام مفتوح في ساحة رياض الصلح اعتباراً من مساء الثلاثاء أيضاً، فيما لمّح اتحاد الشباب الديموقراطي الى أنه يحضّر لتحرّك نوعي يستهدف قضية الأملاك العامّة المسلوبة.
أمّا الخطّ الثاني للتحضيرات، فيكمن في زيادة مشاركة أبناء المناطق خارج بيروت لزيادة الحشد في تحرّك 9 أيلول المركزي، وكان عدد التحرّكات المناطقية يوم السبت الماضي لافتاً، إذ نظّمت مجموعات الحراك، ولا سيما مجموعة «بدنا نحاسب» و»اتحاد الشباب الديموقراطي» وقفات احتجاجية في النبطية وصور ومرجعيون وشتورا وبعقلين. وبحسب المعلومات، يجري التحضير لوقفات مشابهة في طرابلس وبعلبك والهرمل وجبيل. الخط الثالث للتحضيرات يتمثل بما سيجري يوم الأربعاء، بالتزامن مع انعقاد طاولة الحوار، إذ يرصد المنظمون المعلومات عن ساعة ومكان الحوار الذي دعا اليه الرئيس نبيه بري، من أجل الدعوة الى تجمّعات في المكان والزمان نفسيهما، لقرع الطبول والطناجر وتحمية الشارع من أجل استقطاب أوسع مشاركة في الاعتصام المقرر عند السادسة مساءً بالقرب من ساحة النجمة «تحت مبنى جريدة النهار»، والذي سيختتم بمسيرة الى وزارة البيئة في مبنى العازارية لتحية المضربين عن الطعام حتى استقالة الوزير محمد المشنوق. هذا من ناحية التحضيرات، أما من ناحية المطالب، فقد بدت جميع المجموعات متفقة على إبقاء خلافاتها جانباً والتوحّد مرحلياً تحت برنامج المطالب الأربعة المرفوعة، إلا أن صيغة التنسيق، التي اتفقت عليها هذه المجموعات في الأسبوع الماضي، واستبعدت حالياً تشكيل إطار تنظيمي موحّد للتنسيق وأقرّت باستقلالية كل مجموعة، ستسمح لكل مجموعة برفع سقف المطالب وفق ما تراه مناسباً، وهذا ما عكسته تصريحات الناشطين في هذه المجموعات. يوضح الأمين العام لاتحاد الشباب الديموقراطي عمر ديب أن التحرّك يوم الأربعاء ليس مقتصراً على الاعتصام مساءً، ويدعو الى المشاركة الكثيفة في التجمعات التي ستحصل نهاراً بالتزامن مع انعقاد الحوار أينما كان مكان الاجتماع. لماذا تم التراجع عن فكرة تنظيم تظاهرة من حرج بيروت الى وسط بيروت؟ يجيب ديب: «لوجستياً، فضّلنا أن نجتمع في مكان واحد، لأن المسيرة تحتاج الى تحضيرات قوية، والموعد المطروح هو منتصف الأسبوع». أول من أمس، أُطلقت الدعوة الرسمية للتحرّك المقرر يوم الأربعاء المقبل. جاءت الدعوة للناس بالنزول الى الشارع عبر ما سمّي «لجنة تنسيق الحراك» وعبر دعوات وجّهتها كل مجموعة من مجموعات الحراك على حدة. اللجنة المذكورة ليست إطاراً تنظيمياً بقدر ما هي إطار رمزي للدلالة على التزام جميع المجموعات بصيغة التنسيق المتفق عليها. بيان اللجنة، الذي تلاه الناشط في مجموعة «طلعت ريحتكم» لوسيان أبو رجيلي، أعاد التأكيد على المطالب الأربعة للحراك وهي «إعادة صلاحية البلديات في معالجة النفايات وفق خطط متوافقة مع المعايير البيئية، تحرير موارد البلديات في الصندوق البلدي المستقل ووزارة الاتصالات، ومنع تحويل أي منطقة الى مزبلة أو مكب للمناطق الأخرى. استقالة وزير البيئة ومحاسبة وزير الداخلية وإطلاق جميع المعتقلين، وإجراء انتخابات نيابية عاجلة». أعاد البيان طرح المبادئ العامة للحراك، والمتمثلة بـ»بناء دولة مدنية ديموقراطية عادلة على ركام نظام المحاصصة والفساد، دولة يكون قضاؤها مستقلاً وتضمن للمواطنين حقوقهم المدنية والاقتصادية والاجتماعية، من أجور وسلسلة رتب ورواتب عادلة وخدمات من كهرباء وماء وصحة وتعليم، دولة تستعيد أملاكها العامة وتعنى بالخير العام».
تلعب حملة «طلعت ريحتكم» دوراً رئيسياً في التحضير لتحرك الأربعاء، يقول الناشط أسعد ذبيان إن الحملة تعمل «عبر الحشد على جبهة الإعلام من خلال المقابلات على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي». ويضيف إنه «يتم توزيع منشورات ووضع ملصقات في المناطق. الاعتماد الأساسي هذه المرة على الناشطين الذين بادروا الى تنظيم التحركات في المناطق من أجل الحشد. كما ستعقد اجتماعات تنسيقية بين مجموعات عدة خلال هذين اليومين لتوضيح شكل التحرك في 9 أيلول». من جهتها، تتخذ حملة «بدنا نحاسب» من تحرّكاتها الميدانية وسقف مطالبها الأعلى من «طلعت ريحتكم» وسائل أساسية للتحضير لتحرّك الأربعاء، وقد دعت الحملة الى اعتصام عند السادسة من مساء غد الثلاثاء أمام مؤسسة كهرباء لبنان في مار مخايل. وكانت هذه الحملة قد نجحت، الأسبوع الماضي، في الضغط على محافظ بيروت لاتخاذ قرار بتعليق تركيب «البارك ميتر» على الكورنيش البحري، كذلك نجحت في فرض إطلاق سراح ناشطيها المعتقلين بعدما تم توقيفهم من قبل عناصر أمنيين بلباس مدني عندما كانوا يحتجون على تركيب «البارك ميتر» في عين المريسة. يقول الناشط أحمد ضاهر إنّ التركيز ينصب على الحشد من المناطق، حيث كان للحملة أكثر من اعتصام، إضافة الى وسائل التواصل الاجتماعي. ويوضح ضاهر أنّ المطلب المباشر للحملة هو أزمة النفايات وتحرير أموال البلديات، إلا أن هناك هدفاً واضحاً للحملة هو تفكيك بنية النظام وذلك عبر إجراء انتخابات وفق قانون نسبي خارج القيد الطائفي والدائرة الواحدة، فتح ملفات الفساد منذ عام 1992 ومحاسبة المسؤولين عن القمع في جميع التحركات. ويركّز اتحاد الشباب الديموقراطي على الحشد الجماهيري من المناطق أيضاً، ويستعد لرفع شعارات «تناسبنا وتنسجم في الوقت نفسه مع الحملة»، كما عبّر عمر ديب، الذي أوضح أنّ «الاتحاد ملتزم بالسقف العام للحراك الذي يشمل أربعة مطالب، لكن ستتم الإضاءة أيضاً على مشاكل الكهرباء، التغطية الصحية الشاملة، الأملاك العامة… نعمل على تعبئة الناس على عناوين أوسع وليس فقط النفايات، إذ إنّ المناطق فعلياً لا تعاني من أزمة نفايات بقدر بيروت، وبالتالي يجب استقطاب الناس في المناطق عبر لمس مشاكلها وهذا ما نقوم به». يلمّح ديب الى تحرّك قد يحصل اليوم أو غداً يتعلق بالأملاك العامة. مجموعة «الشعب يريد» لن يقتصر حراكها على تظاهرة الأربعاء، بل هي بصدد إعادة تفعيل مشاركة الناس يومياً في ساحة رياض الصلح وفتح حوارات معهم، ودعت المجموعة الى بدء اعتصام مفتوح اعتباراً من يوم الثلاثاء في 8 أيلول، بدءاً من الساعة 6 مساء، في ساحة رياض الصلح، «التي استعدناها على الرغم من القمع الوحشي فصارت ساحة الشعب». وتوضح الناشطة فرح قبيسي أنّ الاعتصام سيستمر حتى اليوم التالي بهدف الحشد لتظاهرة الأربعاء. وقالت قبيسي إن المجموعة «لا تريد أن تترك الساحة خالية من الناس. وسيتخلل اعتصام الثلاثاء نقاشات عامة مع الناس يوضحون فيها لماذا ينزلون الى الشارع، إضافة الى نقاشات عن: السياسة الضريبية، أزمة السكن، الضمان الصحي والحركة النقابية… كذلك سيكون هناك موسيقى وأغانٍ». تؤكد قبيسي أنّ «المجموعة ملتزمة بالمطالب الأربعة للحراك كحد أدنى، لكننا نضيف عليها في الوقت الحالي استقالة وزير الداخلية وتحديد القانون الانتخابي الذي نريده والذي يتمثل بالنسبية، خارج القيد الطائفي والدائرة الواحدة، وستترجم هذه الأمور في الشعارات التي سنرفعها». من جهته، يعلن الناشط في مجموعة «حلّوا عنا» إبراهيم دسوقي أنّ «عمل المجموعة حالياً يتركّز على كيفية إنجاح تظاهرة الأربعاء، وذلك عبر تأمين أكبر حشد، وهو ما نقوم به عبر دعوة الناس الى أن يكونوا في الشارع منذ ساعات الصباح وعدم الانتظار حتى الساعة السادسة». يقول دسوقي «نحن جزء من هذا الحراك وملتزمون بسقف المطالب الأربعة التي حدّدت. شهدنا سابقاً على نتائج طاولة الحوار التي تعتبر تعدّياً على مؤسسات الدولة، إذ يجتمع أرباب السلطة ليقرروا مصير البلد خارج أي إطار مؤسساتي دستوري». أمّا مجموعة «شباب ضد النظام»، التي تعتبر جزءاً من حملة «بدنا نحاسب»، فتعمل حالياً على تفعيل «ماكينتها الإعلامية» وفق الناشط علي دغمان. يقول دغمان إنّ «ناشطي الحملة في المناطق مثل صور ومرجعيون والهرمل يقومون بتوزيع مناشير للدعوة الى تظاهرة الأربعاء، ويحاولون أيضاً في هذه المناطق والقرى المحيطة بها أن يدعوا في الأحياء والشوارع عبر مكبرات الصوت. كذلك تستعد المجموعة للصق بوسترات غداً في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، وخاصة أن ثقل هذه المجموعة هو في بيروت الكبرى». يوضح دغمان أنّ مجموعة «شباب ضد النظام ستحمل عدداً من المطالب في تظاهرة 9 أيلول، وهي مطالب أساسية تتعلق بالكهرباء والمياه والتغطية الصحية الشاملة ودعم الجامعة اللبنانية، وصولاً الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون نسبي (لبنان دائرة واحدة) خارج القيد الطائفي. من جهته، يسعى «النادي العلماني في الجامعة الأميركية في بيروت» الى التواصل مع الطلاب، وخصوصاً الذين لبّوا الدعوة وشاركوا في تحرك 29 آب. لكنّ هناك عائقاً يواجه النادي، إذ يعلن رئيس النادي عباس سعد أنّ «النوادي الطلابية تجد صعوبة في التواصل مع الطلاب داخل الجامعات، وخاصة أن العام الدراسي لم يبدأ في العديد منها». لا يعطي سعد أجوبة حاسمة حول الطريقة التي سيتم بها التحضير لتحرك 9 أيلول. أمّا عن المطالب التي سيحملونها كنادٍ، فيقول إنهم حالياً يطالبون باستقالة المشنوقين، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، واسترداد أموال البلديات وإعطاؤها كامل الصلاحيات لتدير هي ملف النفايات. أمّا على الصعيد المناطقي، فقد تكثّفت خلال اليومين الماضيين التحركات من قبل مختلف المجموعات وتعدّت المطالب ما كرّرته المجموعات في بيروت، إذ أتت المطالب محدّدة أكثر وتعكس واقع البلدات البعيدة عن «المركز». للمرة الأولى، شاركت مرجعيون ميدانياً بالتحركات الشعبية. في ساحة جديدة مرجعيون، تجمع العشرات من أبناء قرى مرجعيون وحاصبيا بدعوة من مجموعات عدّة في «تحرك 29 آب» وساروا من الساحة باتجاه مبنى السرايا. حدّد الناس في مرجعيون مطالبهم بـ»إقرار ضمان الشيخوخة وإنشاء جامعة وتعزيز المستشفيات الحكومية وفتح مستشفى شبعا وتوفير المياه والكهرباء ودعم المدرسة الرسمية والإفراج عن أموال البلديات واعتماد قانون انتخابي نسبي والقضاء على تلوث نهري الحاصباني والليطاني، وتأمين فرص عمل للمقيمين للحد من الهجرة والنزوح». كما دعا المعتصمون الأهالي الى «ضرورة المشاركة في الاعتصامات المركزية ضد الفساد، والعمل على دعم هذه النشاطات وتنظيمها بشكل مسبق». أمّا في صور، فقد نُفذت تحرّكات عدّة، أبرزها أمس بدعوة من مجموعة «بدنا نحاسب»، وقد رُفعت في الاعتصام مطالب اجتماعية وخدمية عدّة، وتخلله صرخات ضد انقطاع المياه والكهرباء. كذلك أقيم تجمّع عند دوار أبو ديب بدعوة من حملة «لهون وبس»، رافعين شعار «خبز، علم، حرية وعدالة اجتماعية». وفي النبطية، كانت باحة سرايا المدينة في الشارع الرئيسي محطة للتحرّك ضد الفساد، هذه الباحة ألفت وجوه المعتصمين الذين ازداد عددهم في اعتصام السبت الفائت، بمشاركة العديد من الأندية والجمعيات في المنطقة. العشرات تجمعوا بدعوة من لجنة المتابعة، مرددين: «ثورة ثورة». ورفعوا لافتات كتبوا عليها: «مدينة فتى الكهرباء بلا كهرباء»، «أهكذا يكافاً مجتمع المقاومة؟» و»الآبار عندنا، والنبطية عطشى». كذلك، كان للاعتصام في شتورا وقع مميز. ولبى عدد من الشباب دعوة مجموعات تحرك « 29 آب» إلى اعتصام عند دوار بعقلين ــ بيت الدين، حيث طالبوا بدولة مدنية ديموقراطية، وبقانون انتخاب نسبي ولبنان دائرة واحدة. بالإضافة إلى التطرق إلى موضوع: الكهرباء، المياه، ضمان الشيخوخة، التغطية الصحية الشاملة، استقلال القضاء، دعم التعليم الرسمي وبتّ ملف الرواتب والأجور بطريقة تضمن حياة كريمة للمواطنين. بمشاركة: آمال خليل، داني الأمين وأسامة القادري