ختصر الشعار الذي رُفع، أول من أمس، في تظاهرة «الفرصة الأخيرة» التي نظمها تحرّك «طلعت ريحتكم»، الدافع الأبرز لغالبية المشاركين في الاعتصام. «القصة مش بس زبالة، القصة النظام البالي» من رفعوا هذا الشعار لم يفصلوا ازمة النفايات عن بقية الازمات التي «أفرزها» النظام الطائفي القائم على النهب والمحاصصة
هديل فرفور, حسين مهدي - الاخبار
تلتقي حملة «طلعت ريحتكن»، وبقية المجموعات الشبابية التي سعت الى الحشد للتظاهرة، بـ «التسليم» بأن القضية لا تتعلّق بأزمة النفايات فحسب، وبالتالي اعتبار ان «الزبالة» هي الشرارة التي أوقدت مسارا طويلا من الغبن الممنهج من هذا النظام، مشيرين الى أنهم، وإن ركّزوا على ازمة النفايات، فإن الهدف الأسمى من هذا التحرّك يبقى القضاء على النظام، منتج الأزمات المتكررة.
الا ان الخلاف الذي دار بين الحملة ومكوناتها من جمعيات بيئية وناشطين مستقلين والمجموعات الشبابية المؤلفة من :المنتدى الاشتراكي، ناشطون/ات مستقلون/ات، رفاق فرج الله حنين في الجامعة اللبنانية، وناديي العلماني والسنديانة الحمراء في الجامعة الأميركية - بيروت، يتعلّق بكيفية ترجمة هذا المبدأ المتفق عليه. تريد هذه المجموعات من الحركة أن «ترفع سقف المطالب»، وأن يجري «تطوير الخطاب لرسم حراك يشمل خارطة طريق تضم أزمات الكهرباء والمياه والاملاك العمومية وغيرها»، وفق ما يقول العضو في الحزب الشيوعي اللبناني عطاالله السليم لـ «الأخبار»، فيما يشير العضو في النادي العلماني في الجامعة الاميركية في بيروت علي زين الدين الى «ضرورة خروج الحراك من وسط بيروت، ليتمدد ويشمل شوارع وأحياء بهدف مخاطبة الناس مباشرة، وحثهم على المشاركة في الاحتجاجات الشعبية». يأتي كلام السليم وزين الدين ضمن سياق الانتقادات التي لاحقت الحملة حول محاولتها حصر الخطاب بأزمة النفايات، ذلك أن بيان الحملة التي ألقته الناشطة فرح الشاعر اقتصر على ثلاثة مطالب تمثّلت بـ»استقالة وزير البيئة ووضع سياسة بيئية ومحاسبة المسؤولين عن هذه الأزمة»، وهو ما أثار حفيظة بعض الشبان المندفعين، الذين كانوا يرغبون في رفع مطالب تصعيدية ترتقي الى حجم الواقع المأزوم. هؤلاء، استطاعو ان يفرضوا «أجندة» على التحرّك، تمثلت بتنظيم مسيرة نحو السرايا الحكومية قبل ان ينقسم المشاركون بين من يريد «الانجرار» مع المتحمسين ومن يريد الالتزام بخطوات الحملة «المدروسة».
ستُقطع الطريق المؤدية إلى شركة سوكلين إذا مدّد لها مجددا
لا يستطيع لوسيان بو رجيلي، الناشط في الحملة، الا أن يتفهم غضب الناس واحتقانهم من هذه الطبقة السياسية. فيوافق المنتقدين على ان الحملة يفترض بها ان ترفع سقف خطابها ليشمل قضايا أساسية اضافية، لكنه يفضّل أن تتروّى الحملة في هذه المرحلة، لتركز على قضية النفايات لتحقيق انجاز يرى بو رجيلي أن من الممكن تحقيقه، «كي نربح جولة ضد الطبقة السياسية». تراكم هذه الانجازات في قضايا عدة يمكنه أن يؤسس لحراك شعبي أوسع. اللافت في حديث بو رجيلي اعترافه ببعض الاخطاء التي حصلت خلال التحرك، معتبرا النقاش الذي حصل خلال وبعد التحرك بنّاء وصحّي جدا، «والأهم أن نستمر ونثابر مع أجل تحقيق أهدافنا المشتركة». وكانت المجموعات الشبابية قد نظّمت ثلاث مسيرات انطلقت بتوقيت متزامن (عند الرابعة والنصف عصرا)، متجهةً نحو ساحة الشهداء: مسيرة انطلقت من قصقص قرب مدرسة المقاصد، حيث كانت نقطة تجمّع لشباب الشياح والغبيري وطريق الجديدة وقصقص والبربير والنويري والبسطة وسليم سلام وبرج ابي حيدر ورأس النبع، وأخرى لشباب برج حمود والدورة والدكوانة والاشرفية، انطلقت من كرم الزيتون. أمّا الثالثة، فانطلقت من شارع الحمرا لشباب راس بيروت والصنايع وكركول الدروز وعائشة بكار ومار الياس ورمل الظريف والحمرا. الهدف من المسيرات كان دعوة الناس إلى المشاركة في التظاهر. مشهد «الدعوة» في قصقص، كما في الحمرا وكرم الزيتون نفسه، شاب مندفع يحمل مكبرالصوت، يشكو الواقع المأزوم ويحاول التحريض على النظام الطائفي، «الكهربا مقطوعة علينا وعليكم، انزلوا على الشارع»، يصرخ الشاب في مسيرة قصقص محاولا الحشد، يتكرر المشهد في كل من كرم الزيتون والحمرا. التحريض على النظام ترجم ايضا عبر بيان وزع على المشاركين، يدعو الى اسقاط النظام. وعلى الرغم من ان هذه المسيرات الثلاث لم تنجح كثيرا في استقطاب الناس الذين مرّت بالقرب من منازلهم، واقتصرت أعدادها على المشاركيين «الأصليين»، الا انها استطاعت، فور وصولها الى الساحة وانضمامها الى المجتمعين هناك، أن «تغطّي» ساحة الشهداء التي غصّت بالمشاركين. العدد كان «مقبولا»، بالنسبة إلى كثيرين، ممن رأوا ان هذا التحرّك «النوعي»، يأتي خارج النطاق الحزبي، وبالتالي يستطيع ان يحدث تغييرا اذا ما جرى العمل على خطة عمل واضحة لاستثماره. يرى الصحافي حسّان الزين أن العدد مقبول «وهذا ليس مكابرة، لكنه يمثل مبادرة مهمة لكونه التحرّك الأول خارج الانقسام الطائفي الحاصل»، لافتا الى انه إذا استمرت التحرّكات بهذه الوتيرة «واستطاعت ان تحافظ على ثوابتها، فهو أمر جيد». وألقى رئيس الحركة البيئية بول أبي راشد، كلمة أعلن فيها طرح الحركة «البيئي بامتياز»، الذي لا يتضمن «لا حرق ولا ردم ولا تصدير»، والذي من شأنه أن يوفر على الصندوق البلدي المستقل حوالي 100 مليون دولار. ويقوم الحل على تقليص كمية النفايات التي تحتاج الى المعالجة، عبر الفرز من المصدر. تحركات «طلعت ريحتكم» مستمرة، بالتظاهروالاعتصامات، والتحركات المباشرة، وفق ما يؤكد الناشط في الحملة عماد بزي. وأعلن الأخير عن خطوات مقبلة تتمثل بقطع الطريق المؤدية الى شركة سوكلين إذا مدّد لها مجددا، واغلاق الطريق أمام الشركات التي يمكن لاحقا أن تلزّم طمر أو حرق النفايات، «ما ح ينزل فيها ولا كيس زبالة واحد، نحن هون مستعدين لكل السيناريوات وما حدا يجبرنا». بزي الذي يعوّل على الحشود التي حضرت لمنع تمرير الصفقات، توجه الى المسؤولين السياسيين بالقول إن هذه الصرخة هي بمثابة الانذار النهائي والأخير، «لأننا مستمرون ما استمر الظلم والفساد في كل الملفات، من الكهرباء الى المياه والخدمات والضمان وجميع حقوقنا الأساسية كمواطنين». شعارات كثيرة رفعها المشاركون، تهاجم المجلس النيابي وتطلب «شحن الزبالة الى الخارج» (أي اعضاء المجلس)، كذلك عمد بعض الشبان الى وضع وجوه لوزراء في الحكومة الحالية ولبسوا اكياسا للنفايات. وعلى الرغم من أجواء التوتر التي سادت بفعل الخلاف حول مستقبل التحرك، الذي عبّر عنه من خلال مشادات كلامية في ساحة الشهداء، الا ان حجم السخط والغضب الذي أبداه الكثير من المشاركين من مختلف الفئات العمرية، يبرهن ان ثمة من يريد التغيير، ومن يريد اسقاط هذا النظام، ويعطي املا قد يدفع الحركة والمجموعات الشبابية الى توحيد خطابها واعادة تنظيمه سعيا الى استثماره مجددا. عند نهاية الاعتصام، يصرخ شاب محادثا صديقه: «في امل ايه؟»، فيرد الأخير: انو صغير، بس انو في». وإذا خرج المعتصمون من التظاهرة بهذه «الروح»، فإن الأمل بتوحيد وتطوير الخطاب بهدف شحن الارادة الجدية للتغير موجود، مهما كبرت الخلافات. علماً ان مصير حملة «اسقاط النظام الطائفي» لا تزال في الاذهان.