نهلا ناصر الدين - البلد
لأن اللبناني أكبر من ذلك، و"أكبر من الذل اليومي" المرّ الذي يجبر نفسه على التعايش معه قسراً لظروفٍ اقتصادية أمرّ، صنعتها الطبقة السياسية الحاكمة. ولأن قيمته أكبر من زحمة السير التي باتت جزءاً لا يتجزأ من حياته، وأكبر من رصيد هاتفه الفارغ، وأكبر من إيجار شقته المتواضعة في ذلك الحيّ المهمل، ولأن من أقل حقوقه أن يعيش عيشة كريمة، ولأن صرخات الصمت لا تنفع في دولة "التطنيش اللبنانية" كان لا بدّ من حملة "قيمتك أكبر" بدعوةٍ من منظمات شبابية وعمالية ونقابية ارتأت أن قيمة اللبناني أكبر بكثير من الشقاء الذي نقشه تجار لقمة العيش على جبينه."لبناني ما بيتديّن قبل آخر الشهر"... ! عنوان قصةٍ خرافية من وحي الواقع اللبناني، فقليلون هم أو بالأحرى نادرون هم المواطنون اللبنانيون الذين لا تضيق بهم سبل العيش من قبل أن تصل أوراق روزنامتهم الشهرية إلى منتصفها.قيمتك أكبر"نص المصروف رايح عالطرقات والعجقة صارت من تراثنا... #قيمتك_أكبر""#قيمتك_أكبر لما يكون عندك بطاقة صحية وما تعوز تنذل على بواب الزعما والمستشفيات " "أجار البيت أكبر من معاشك وشراية شقة حلم بعيد ... #قيمتك_أكبر" و" #قيمتك_أكبر من إنك تعمل واسطة لتتعلم ... " وغيرها الكثير من التعليقات التي غزت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تزامناً مع حملة "#قيمتك_أكبر" الاقتصادية، التي انطلقت صباح الأحد الماضي، بمؤتمر صحافي عُقد في مقر الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، وذلك بدعوةٍ من الاتحاد وبالمشاركة مع اتحاد الشباب الديمقراطي والهيئات الديمقراطية والشعبية وجمعيات المجتمع المدني والقوى النقابية الحية.أهداف الحملةتهدف الحملة إلى تخفيض الأسعار على اختلافها "لمواجهة السياسات المتبعة من قبل الحكومة بكافة مكوناتها، بأرقامها وألوانها الذين لم يختلفوا يوماً على تقاسم الحصص والمنافع من هدر المال العام وتوزيعه على الأزلام والمحسوبيات".وتستهدف على نحو أساسي "المشاكل التي يعانيها الشباب، وحددت إطارها في ثلاثة محاور هي: السكن، النقل العام والاتصالات، لكونها قضايا غالباً ما لا يجري التطرق اليها على نحو مستمر على الرغم من تأثيرها المباشر على الناس وتحديداً الشباب. كما وتطرح الحملة معالجة اقتصادية لهذه المواضيع كونها تأتي نتيجة سياسات اقتصادية اتبعتها الحكومات المتعاقبة ما أدى الى انهيار النقل العام، ارتفاع أسعار الشقق على نحو خيالي وتدهور شبكة الإتصالات فضلا عن ارتفاع فاتورة الاتصالات لتصنّف على انها الأغلى في المنطقة من دون تقديم خدمات جيدة".فحتى لو تخطى معاش اللبناني الحد الأدنى للأجور فـ" 90 بالمئة منه يصرف بين قرض سيارة وإيجار بيت وفاتورة هاتف، و10 بالمئة منه فقط لكل المصاريف المتبقية".برنامج الحملةيتحدث رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبدالله عن "قيمتك_أكبر" ويؤكّد لـ" البلد" بأن الحملة أطلقت من أجل تخفيض الأسعار بشكل عام أقله بما يوازي انخفاض أسعار المحروقات واليورو، المستمرّ منذ ستة أشهر على التوالي، بينما الغلاء مستمر في كلّ القطاعات التي طالما اتخذت من ارتفاع أسعار المحروقات واليورو ذريعةً مزيّفة لمصّ دماء المواطنين واحتكار لقمة عيشهم.ولفت عبد الله إلى أن الحملة ستبدأ خلال الأيام القليلة القادمة بإقامة ندوات توعية للمواطن اللبناني على حقوقه ودورات تعبئة أيضاً، وستكون هناك حملة زيارات للمعنيين من وزراء ومسؤولين "سنطرق كل الأبواب واذا لم نجد آذاناً صاغية لدى المعنيين، سنضطر للقيام بتحركات سلمية شعبية أمام كل وزارة حتى نحصل على حقوقنا التي هي لنا بالأساس، وسندافع عنها بكافة الأشكال التي يسمح بها القانون والدستور". مطالباً برفع الغطاءات عن تجار لقمة العيش في لبنان، ومحتكري العيش الكريم بما أن "بعض الوزراء تجرّأوا على البدء برفع الغطاءات عن الفساد في لبنان". معضلة السكنويطرح عبد الله، على سبيل المثال لا الحصر، "معضلة السكن" بشكل عام في لبنان، إذ أن "اللبناني اذا أراد أن يسكن يحتاج إلى حد أدنى ونصف أو حد أدنى وربع من راتبه الشهري، إذا كنا نتكلم عن السكن الشعبي، فليس من المعقول ولا من المنطق أن نعيش في بلد إيجار الشقة الواحدة فيه يقارب الـ700 و800 دولار، بينما الحد الأدنى للأجور لا يتجاوز الـ400 دولار ، والمفترض هو ألا يتجاوز الحد الأقصى للمسكن ثلث الحد الأدنى للأجور". متحدّثاً بحسرة عن شباب لبنان الذي سدت آفاق العمل أمامه بفعل فاعل، ولم تبقِ له المحاصصات السياسية ما يتجاوز خيارات "الهجرة أو الانحراف أو السلاح".نشاطات الحملةما يميز "#قيمتك_أكبر" هو المواضيع التي تعالجها "كونها تلامس واقع الشباب اللبناني وهمومه، وكونها مواضيع غير مطروحة بشكل جدي للمعالجة" كما أكد أمين عام "اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني" عمر ديب، والذي أشار بدوره لـ"البلد" إلى النشاطات التي بدأت الحملة تطبيقها، وتتضمن عدة أشكال من النشاطات، كتعليق "بوسترات" بتصميمات مختلفة وبطريقة شبابية في بيروت وباقي المناطق وتوزيع مجموعة منشورات على المواطنين في الطرقات تحتوي، على معلومات وأرقام متعلقة بالمواضيع الثلاثة التي تتم معالجتها، من نقل عام وسكن واتصالات، بهدف توعية الناس، وفيها مقارنات بين لبنان ودول مشابهة ليست بحال أفضل ولا تمتلك دولتها امكانات اكثر من الدولة اللبنانية كـ"اسعار الاتصالات في الأردن ومصر والتي هي أقل كلفة من لبنان بأربع او خمس مرات على الأقل". إذ أن المشكلة لا تكمن في الامكانات بل في "السلطة الفاشلة التي لا تقيم اي اعتبار لأي مشروع إلا إذا كان مردوده سيعود على جيبها الخاص". بغض النظر عن حاجة المواطنين ومعاناتهم.ندوات اقتصاديةكما و"يتم العمل على إجراء ندوات مع خبراء اقتصاديين، تخص المواضيع الثلاثة، وأول ندوة ستقام يوم الجمعة القادم بمركز اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني في مارالياس، مع الدكتور غسان ديبا، رئيس قسم الاقتصاد بجامعة الـ"LAU" سيتكلم فيها عن سياسة الدولة اللبنانية بملفات النقل والسكن والاتصالات، والأسبوع القادم في 17 آذار، سيكون هناك ندوة للوزير السابق شربل نحاس في الجنوب في قرية عدلون، وستليها ندوات أخرى في البقاع والجبل والشمال وفي كل المناطق، ستحدد مواعيدها لاحقاً". تحركات تصعيديةويشير ديب إلى أن النشاطات السابقة ستترجم خلال فترة شهرين، إلى تحركات شبابية على الأرض، واعتصامات أمام الوزارات المعنية.ولا يعوّل رئيس اتحاد الشباب الديمقراطي على الدولة "الحقانية" التي ستعطي الحقوق لأصحابها، بل على تجاوب المواطنين اللبنانيين مع الحملة "عقد ما ح يتجاوب الناس مع الحملة عقد ما حتجيب نتيجة" مشدداً على أن الحملة ستكون خطوة أولى في طريق تحقيقها ووضعها على طاولة البحث الجدي.الحملة مستمرةإذاً، الحملة مستمرّة حتى منتصف الصيف المقبل لتستهدف تحسين قطاعات السكن والنقل العام والاتصالات، والدعوة قائمة لكل لبناني ضاقت به سبل العيش الكريم وهو "قيمته أكبر" للمشاركة بالتحركات والاعتصامات التي ستقام أمام الوزارات المعنية في الأيام اللاحقة.