ثمة ما يميز حنا غريب بعيون الناس: صدقه وسقفه العالي. الحالة التي يجسّدها في نضاله داخل قيادة هيئة التنسيق النقابية جعلت الكثيرين يخجلون من فقدان الأمل باكراً. يقول لـ«الأخبار» إنه لا «يطحش في أي معركة من دونهم. يراهن عليهم في تحقيق أهداف أي معركة»
فاتن الحاج - الاخبار
أكثر ما يهجس به حنا غريب هو أن يعود إلى مدرسته، وقد حافظ على حقوق من يمثلهم. «وحدها ثقة القواعد تحكم عمل القائد النقابي في كل مرة يصوغ فيها موقفاً نقابياً أو يفاوض مسؤولاً سياسياً»، يقول لـ«الأخبار». يفاجئك حين تسمعه يردد أنّه يخاف من الخسارة. بالنسبة إليه، «أصعب اختبار هو أن تدخل معركة ثم تعود إلى ثانويتك بنتيجة لا تقنع بها الأساتذة الذين تدافع عنهم».
بهذا المعنى، يقبل حنّا غريب وصفه بالقائد في تحرّك هيئة التنسيق النقابية، لكنه قبول مشروط، فهو - حسبما يردد - لا «يطحش» في المعركة «إلّا عندما أتيقن من وقوف رفقاتي معي، ووقتها ببطل أقشع قدامي وما بعود بعمل حساب لحدا غيرهم». يحدث العكس بمجرد أن يشعر بتململ أي أستاذ، أو تحديداً أي عضو في الهيئة الإدارية لرابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي التي يرأسها، «وهون بحسّ اني مكسور». يبدو غريب مزهواً بأن «كل المعارك التي خضناها كانت بإجماع الهيئة الإدارية للرابطة»، هذه الهيئة كانت ولا تزال الأساس الأساس، التي لولاها لما كان ما كان، فأي شخص، مهما علا شأنه «لا قيمة له إلا ضمن الجماعة». هل ينسحب ذلك على قيادة هيئة التنسيق؟ الأمر ليس بهذه البساطة، يجيب. هنا لا يخفي غريب كيف أن «مجرد صياغة موقف موحد نطل به على الناس يمر بألم المخاض نتيجة ضغوط متعددة الجوانب تحاول شد الخناق على زملائنا النقابيين، الذين يواجهونها على غير صعيد». برأيه، «تحتاج مواجهة مثل هذه الضغوط إلى سرعة بديهة وصلابة، وعلى قد ما بيحمل الجو». لكن في اللحظة التي يبدي فيها الناس على الأرض استعداداً للقتال من أجل حقوقهم «أشعر بأنني سأكون مجرماً إذا خفضت السقف»، يقول بثقة. هذا السقف ليس واحداً لدى كل مكونات هيئة التنسيق بسبب خصوصية كل قطاع، حيث تحاول السلطة اللعب عليها لشق الصفوف: «الشباب طيبون ومناضلون ومخلصون، لكن هناك تفاوت بالسقوف والرؤى في ما بينهم، بين أولوية المطلب الخاص أم أولوية المطلب العام؟ إلا أن خطة السلطة ضرب الجميع، الخاص والعام. ولا أحد يستطيع أن يزايد على أي منهم عندما يشعرون بأنّهم مستهدفون بمكاسبهم وحقوقهم»، يقول غريب. «انظري إلى رابطة موظفي الإدارة العامة الآن، كيف انتفضت وتحركت، وفي إطار تحرك هيئة التنسيق، عندما فرضوا زيادة ساعات العمل دون مقابل، كما فعلوا ويفعلون مع أساتذة التعليم الثانوي منذ 48 سنة لإلغاء الـ60%، فالهجمة بالمفرق وبالجملة على ما بقي من دولة الرعاية الاجتماعية وعلى كل المكتسبات عبر عودة مشاريع التعاقد الوظيفي وبنود مؤتمر باريس 3 لجهة وقف التوظيف وزيادة دوام العمل وتوحيد الصناديق الضامنة عند السقوف الدنيا». ماذا لو لم تدعك الضغوط تصوغ موقفاً يناسب هذا السقف الذي تتحدث عنه؟ يجيب: «مرت عليّ أيام كثيرة شعرت فيها بحمل ثقيل وقلت فيها لنفسي: يا أرض انشقي وابلعيني». يزعج غريب أن تكون هيئة التنسيق في موقع رد الفعل أو الدفاع، وأن لا تكون في موقع الهجوم، لأن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم. لكنه يدرك - كما يقول - أنّ «الهيئة ليست المسؤولة الوحيدة عن هذا الواقع، فالظروف تعاكسها وهي تصطدم في كل مرة تهجم فيها بأزمة سياسية ودستورية إلها أول ما إلها آخر». يرفض غريب الإقرار بأنه يقود معارك هيئة التنسيق، فالهيئة بتركيبتها تشبه «مجلس أمن» لكل من أعضائها حق النقض - الفيتو. شخصياً، تشغله كتلة هموم، كما يسميها، منها عدم التفريط بوحدة هيئة التنسيق، وإن كان هذا لا يعني أن تكون هذه الوحدة على حساب الحقوق، «فإذا خيّرتُ بين الوحدة والحقوق، أختار الحقوق». ومن الهواجس لدى غريب المحاولة الدائمة للتفكير في جمع الناس على قضايا مشتركة وجعلهم يلتفون حول قياداتهم النقابية ومراعاة هواجس الأهالي والتلامذة في الوقت عينه. برأيه، كل المشاريع التي صدرت بشأن السلسلة، سواء من الحكومة أو المجلس النيابي لم تضمن كامل الحقوق، وأكلت منها بنسب متفاوتة، فكانت النتائج مخيبة، وجعلت مواقف أصحاب الحقوق تتجذر أكثر فأكثر، لكون الخسارة تزداد من محطة بعد أخرى، حتى وصلنا إلى أسوئها الآن
يزعجني أن تبقى هيئة التنسيق في موقع ردّ الفعل ولا تكون في موقع الهجوم المفارقة أن يميّز غريب بين صعوبة تجميع المواقف وتوحيدها داخل مكونات هيئة التنسيق وبين جرعات المعنويات التي «تمنحك إياها قواعد المعلمين والموظفين بمجرد النزول إلى الشارع». يستعيد هنا إضراب الـ33 يوماً. يومها، شعر بأنّه يحمل جبلاً. يقول: «كان كل يوم يمر كأنّه كابوس، كنت أسأل حالي وين آخد هالناس، لدرجة انو كنت نام أنا وفايق وما أقدر غمّض عيني، وبس أوصل عالاعتصام وشوف المعلمين متحمسين لانتزاع حقوقهم أرجع آخد نفس». يراهن غريب دائماً على أن «الناس بالنهاية بتلحق تعبها»، وهذا ما يعزيه في «أوقات الحزات»، على حد تعبيره. نجاح حركة 14 أيار النقابية يكمن - بحسب غريب - في أن القواعد تثق بنا، فلبت الدعوة إلى المشاركة في إضراب هيئة التنسيق والاعتصامات المرافقة، رغم البرودة في صفوفهم التي أحدثها التحرك المتقطع للهيئة. يعلّق: «شعر المعلمون والموظفون بأن حقوقهم ضربت، وكادوا يتهمون هيئة التنسيق بالسكوت لولا قرار الإضراب العام من 8 إلى 14 أيار الذي أشعرهم بالارتياح. يضيف: «أشعر بارتياح عندما أسمع من القواعد عبارة يعطيك العافية ونقطة على السطر ولا شي تاني»، ما يعني أن ما نقوم به صحيح. ولا يتردد غريب في القول: «إنّني أشعر بأن العمل النقابي ينزف كوادره، وأخشى أن لا يستثمر كل هذا التعب في خلق تيار نقابي مستقل يستفيد مما أحدثته حركة 14 أيار النقابية». يعطي مثلاً على ذلك، «التأخير في اتخاذ قرار موحد من قبل كل الروابط بتحويلها إلى نقابات، وفرضها ممثلة قانوناً لقواعدها، وتحويل الهيئة إلى اتحاد نقابي منظم، من شأنه تحسين مستوى أدائها على الأرض. فالتنظيم النقابي سلاح ما زلنا للأسف نفتقده، فلسنا شركاء في وضع السلسلة وأرقامها، وهناك آخرون يضربوننا بغيابنا». توسيع البيكار لجعل الحركة تحضن فئات اجتماعية متضررة لا يزال يقلق القواعد، يظنون أنني أدفع بهذا الاتجاه، في حين أن السلطة هي التي تفعل ذلك بسعيها إلى إلغاء كل ما يمتّ بصلة إلى دولة الرعاية الاجتماعية، فالهجمة تجاوزت ملف السلسلة بكثير. يقول غريب: «دائماً هناك من يقول إني رأس الحربة ووقود الإضراب، وهذا ظلم لي وللهيئة الإدارية للرابطة ولهيئة التنسيق النقابية. نحن نعمل الآن على توسيع المشاركة عبر إشراك آخرين ممن شاركوا في تظاهرة 14 أيار، ولا سيما مجالس الأهل والتلامذة، ودعوتهم إلى لقاء نقابي موسع حول ملف السلسلة وكيفية متابعة التحرك في 26 أيار الجاري في قصر الأونيسكو». لدى كل مكون من مكونات هيئة التنسيق حالة انشداد إلى مطالبه الخاصة، وهذا مفهوم، «إنما علينا أن ننتبه إلى أن خطة السلطة شق هيئة التنسيق»، كما يقول غريب، وإذا أرادت السلطة أن تعطي قطاعاً أكثر من قطاع، فلتتحمل هي المسؤولية. الشعور بالتضامن بين الجميع، ضروري وأساسي «هذا نلمسه في كل مرة ندعو فيها إلى تظاهرة، فنشعر بأنّ الجميع متضامنون»، ويجب على القيادة تعزيز دورها النقابي التضامني، لا «النقبجي». يصرّ حنّا غريب على القول للجميع: «رقابنا كلنا على السكين»، يستدرك: «المعركة ليست بسيطة، وهي عبارة عن كرّ وفرّ في كل جولة من AffinityCMSتها أسأل نفسي دائماً عمّا كان يمكن أن نفعله ولم نفعله».