مصر: الصراع السياسي ينتقل إلى الحركة النقابية

مصر: الصراع السياسي ينتقل إلى الحركة النقابية
15 May
2014

انتقل الصراع السياسي في مصر سريعاً إلى الحركة النقابية. في العاشر من أيار الحالي اجتمع ممثلون عن التنظيمات النقابية في القاهرة وأعلنوا تأييدهم للمشير عبد الفتاح السيسي في انتخابات رئاسة الجمهورية. وفي اليوم ذاته، اجتمع ممثلون عن التنظيمات ذاتها في الإسكندرية مع ممثلي الحكومة ورجال الأعمال ووقعوا وثيقة تعهدوا فيها بوقف الإضرابات والاحتجاجات العمالية حتى الانتهاء من "خريطة الطريق". وأعاد الحدثان إلى الأذهان سيطرة الدولة على العمل النقابي، وتبعية التنظيم النقابي للدولة، والتي استمرت منذ العام 1957 وحتى العام 2008، الذي شهد تأسيس أول نقابة مستقلة عن اتحاد العمال الرسمي. ولم يكن ما حدث في العاشر من أيار مفاجئاً، فعقب عزل الرئيس محمد مرسي في الثالث من تموز العام 2013، أصدرت الاتحادات النقابية بيانات تأييد لـ"خريطة الطريق"، فيما دعا بعض تلك الاتحادات إلى وقف الإضرابات. وكان ملفتاً للانتباه أن تلك الدعوات تلتها موجات إضرابات عمالية قوية، أدت في نهاية الأمر إلى الإطاحة بحكومة حازم الببلاوي، علماً بأنّ معظم هذه التحركات المطلبية لم يكن بدعوة الاتحادات العمالية أو قيادتها، فبعضها كانت تقوده اللجان النقابية القاعدية وبعضها الآخر كان من دون قيادة نقابية أصلاً. ويعني ذلك أنه لا توجد جهة قادرة على السيطرة على الحركة العمالية أصلا. ولكن المفارقة الأكبر أن الاتحادات التي وقعت على وثيقة وقف الإضرابات لم تتمكن طوال الفترة الماضية من تحقيق مكاسب حقيقية للعمال عبر تفاوضها مع الحكومة ورجال الأعمال. فلم تستطع رفع الحد الأدنى للأجور أو تحسين علاقات العمال أو وقف ملاحقة العمال المضربين. لم تنجح تلك الاتحادات في القيام بمهمتها النقابية الأصلية في دعم العمال، فاتجهت لدعم الدولة ومرشحها الرئاسي. يذكر أن أبرز الاتحادات النقابية القائمة في مصر حالياً هي ثلاثة أولها "اتحاد نقابات عمال مصر"، الذي تأسس بقرار من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في العام 1957 وظل مرتبطا بالدولة ومؤيدا لسياساتها. وثانيها "الاتحاد المصري للنقابات المستقلة" الذي تأسس في ميدان التحرير في 30 كانون الثاني العام 2011 أي أثناء الثورة على نظام حسني مبارك. وهناك أيضاً "اتحاد عمال مصر الديموقراطي"، والذي تأسس بعد انشقاق عدد من النقابات عن الاتحاد المصري للنقابات المستقلة عام 2012. وبرغم الصراع الدائم بين الاتحادات الثلاثة والتنافس على تمثيل العمال، إلا أنها اتفقت على تأييد السيسي ووقف الإضرابات دعما لـ"خريطة الطريق". لكن هذا الموقف أثار أزمة في الحركة النقابية، خاصة المستقلة، حيث أصدرت لجان نقابية تابعة لـ"الاتحاد المصري للنقابات المستقلة" و"اتحاد عمال مصر الديموقراطي" بيانات رافضة لتأييد السيسي ووثيقة منع الإضرابات، التي أطلقت عليها تلك اللجان اسم "وثيقة العار". وقال رئيس النقابة العامة للبناء والأخشاب التابعة لـ"اتحاد نقابات عمال مصر" عبد المنعم الجمل لـ"السفير" إن "مبادرة وقف الإضرابات لم تكن الأولى التي نطلقها. فقد أطلقنا مبادرة سابقة في ظل المجلس العسكري. وأطلقنا مبادرة ثانية في عهد مرسي. وهذه هي المبادرة الثالثة. وكنت أتمنى أن تتضمن الوثيقة حلولاً واضحة لقضايا العمال، لا أن توقف الإضرابات فقط. كذلك كان يجب أن تكون الحكومة شريكة في الوثيقة وليست راعية فقط، لأن الحكومة نفسها صاحب عمل". وعن قدرة الاتحاد الرسمي على وقف الإضرابات، أوضح الجمل "نحن مسؤولون فقط عن العمال الأعضاء في اتحاد نقابات عمال مصر. والإضرابات التي قد تحدث في منشآت لا تتبع اتحادنا نقابياً ليست من مسؤوليتنا". وحول تأييد السيسي، قال الجمل إن "شعبية السيسي وسط العمال جارفة بالفعل، ونحن عبرنا عن تلك الشعبية بتأييدنا له. العمال يريدون الأمن واستئناف العمل والحياة، ويرون السيسي قادرا على ذلك". وتابع "هناك معارضون لموقفنا المؤيد للسيسي طبعاً ولكنهم أقلية... ويكفي أن تأييد السيسي جمع خصوم العمل النقابي للمرة الأولى، وهو ما يمكن أن يتحول إلى وحدة نقابية". لكنّ ما يراه البعض اتفاقاً بين فرقاء الحركة النقابية على تأييد السيسي، يراه آخرون سباقاً على التقرب من السلطة. وفي هذا الإطار، تساءلت عضو المكتب التنفيذي في "الاتحاد المصري للنقابات المستقلة" هدى كمال في حديث إلى "السفير": "كيف يقابل ممثلو العمال إطلاق الخرطوش وقنابل الغاز على الإضرابات واعتقال العمال المضربين بوثيقة تتعهد بوقف الإضرابات؟". وأضافت "هذا القرار لا يعبر عن القواعد العمالية، التي تعاني من تجاهل مطالبها، وتتعرض للملاحقة والإضطهاد في الإضرابات السلمية". ورأت كمال أنه "من المستغرب أن يحدث ذلك في الإسكندرية التي شهدت أكثر نسبة اعتقالات للعمال"، مبدية دهشتها لأن "مهمة النقابات أصلا ليست منع الإضرابات ولكن تنظيمها وقيادتها". وحول تأييد السيسي، قالت كمال: "نحن نرفض توظيف الحركة النقابية لصالح أي مرشح. لا السيسي ولا (مؤسس "التيار الشعبي" المرشح الرئاسي) حمدين (صباحي)". وتوضح: "اعتراضنا ليس على السيسي بالذات، حيث أننا كنا سنعترض إذا كان التأييد لحمدين أيضاً". ويمثل توظيف الحركة النقابية لصالح السلطة السياسية حساسية خاصة لدى النقابيين. ومنذ استخدام عبد الناصر للنقابات في الإطاحة بالرئيس محمد نجيب في آذار العام 1954، تم تأميم العمل النقابي وتوظيفه لصالح السلطة طوال نصف قرن. وكان ظهور النقابات المستقلة مؤشراً مهماً على تحرر الحركة النقابية من قبضة الدولة، وهو ما تبدده المواقف الأخيرة. وفي هذا الإطار، قالت عضو "اتحاد عمال مصر الديموقراطي" سمر سامي لـ"السفير" إن "من دعموا السيسي لا يمثلون العمال". وأضافت "فليدعموا من يشاؤون ولكن ليس باسم العمال"، مشددة على أنه "يجب الفصل بين العمل النقابي والعمل السياسي". وتابعت "لنا مطالب وحقوق سنرفعها في وجه أي رئيس يأتي. ونحن لا نقدم تعهدات لأحد لأنه ليس من حق أي أحد أن يتنازل عن حق من حقوق العمال، والحق في الإضراب من أهم حقوق العمال التي تتنازل عنها تلك الوثيقة". وتشير سامي إلى أن "الوثيقة لم يوقع عليها سوى ممثلي الاتحادات - لا الحكومة وقعتها ولا رجال الأعمال - ومعنى ذلك أنها لا تلزم سوى النقابات". وتساءلت "كيف يقدمون تنازلات كتلك من دون أي مقابل، وحتى من دون مراجعة هيئات التنظيم النقابي"، معتبرة أن "من وقعوا تلك الوثيقة لا يملكون تنظيم إضراب أو منعه. ولا يملكون توجيه العمال للتصويت لأي أحد في الانتخابات". بعيدا عن مناقشة مطالب العمال وقضاياهم جرى التوقيع على وثيقة الإسكندرية وإعلان تأييد السيسي, وهذا ليس بالأمر الجديد، فإعلانات التأييد كانت تصدر عن الاتحاد الرسمي على امتداد السنوات الثلاثين لحكم مبارك، فيما مبادرات وقف الإضرابات – لا بل إدانتها – تكررت عشرات المرات... وبالرغم من أن كل تلك البيانات والمبادرات لم يحمِ نظام المخلوع، إلا أن ثمة من يراهن عليها اليوم!

الأكثر قراءة